المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءات جادة من الصحف العربية



لا يوجد
02-01-2003, 09:32 PM
وجدت هذا المقال فى جريدة السفير اللبنانية ، وددت أن أشارك الأخوة فى الفائدة ، المقال كما يلى:

شاكر الموسوى الحسينى


المرجعية الشيعية من الجاذبية الدينية إلى التجاذب السياسي

على حسين حمود

كاتب لبنانى

جريدة السفير 1 فبراير 2003

نأت الطائفة الشيعية تاريخيا عن الدخول في الحياة السياسية العامة، فمنذ استشهاد الامام الحسين (ع)، وفي فترات نادرة استخدم الشيعة التقية السياسية، لدرء الاخطار التي أحاقت بهم وبوجودهم، ولم يخترق هذا التقليد التاريخي الا مبادرات فردية تمت ممارستها على قاعدة <<ضريبة التعاون مع السلطان هي خدمة الاخوان>>.
ومنذ غياب إمام الشيعة الثاني عشر تشكل بناء على وصيته موقع نيابة الإمام المعصوم وهي عبارة عن موقع ديني شرعي، يقوم المتصدون له بممارسة الفتيا او نقل الاحاديث التي وردت عن الائمة المعصومين الذين نقلوها بدورهم عن رسول الله.

وبما ان هذه المرجعيات لم تكن في وارد التصدي للشأن السياسي، فقد اكتسبت مصداقية كبرى عبر تاريخ التشيع، واقترنت غالبا بالتقوى والورع ومجانبة أمور الدنيا ومغرياتها، وهذا ما جعل لها نوعا مميزا من القدسية تعامل معها الاتباع بشيء من الخضوع المطلق، وقلما نجد من الناس من أثار شكوكا او دشّن تساؤلا حول ما كان يصدر عن المرجعية الشيعية فضلا عن اشخاصها الذين نالوا ثقة جمهور الشيعة ونالوا احتراما مميزا منهم.
ولم يعرف في مجمل تاريخ المرجعيات الشيعية انها كانت تتنافس او تتناحر على منصب المرجع الاعلى، بل كان تعدد المرجعيات يقابَل دائما بالتفهم والتفاهم في ما بينهم، باعتبار ان تعدد المرجعيات لا يفسد للموقع المرجعي قضية، طالما ان المراجع لا تبغي من وراء هذا المنصب سلطة زمنية معينة او مقصدا دنيويا انتهازيا.
ومع ان الحوزات الدينية تتمركز في النجف العراق وقم إيران الا ان عددا كبيرا من العلماء ومن جنسيات مختلفة قد وصل الى مرتبة المرجعية وحظيت مرجعيته باحترام المقلدين في شتى دول الانتشار الشيعي.
ومن المراجع من كان لبنانيا كالسيد محسن الحكيم، ومنهم من كان عراقيا كالسيد محمد باقر الصدر، ومنهم الايرانيون كأمثال السيدين الكلبيكاني والخميني، ومنهم التركي كالسيد الخوئي، ومع ذلك فقد كان تعدد المرجعيات دليل صحة وعافية وتنوع، ما دام الامر متصلا بإنتاج المعارف العقائدية والدينية، وتسديد الاتباع الى ما فيه المصلحة والرشاد.

وحتى انتصار الثورة الاسلامية في إيران كان المرجع يقف على مسافة من السلطة بحيث يبقى بنأيه عنها مصدر اطمئنان للمقلدين، لما لمفهوم السلطة من هوامات مرتبطة بالفساد وحب الدنيا عند جمهور الشيعة في العالم.
استطاع الإمام الخميني من خلال طرح وممارسة مفهوم ولاية الفقيه ان يقارب بين ممارسة السلطة الدينية والسلطة السياسية مضمومتين، ومنذ ذلك الوقت بدأت الاوساط الحوزوية والسياسية تستنسب هذا النوع من المرجعيات، وقد تعاظم العاملون على التنظير لهذه الرؤية وتعددت أطرافهم...
ان إقران السلطة المرجعية الدينية بالسلطة السياسية الشيعية أدخلها في دائرة المنافسة، وهذا الامر أخرج المرجعية من دائرة اهتمام أهل الحوزة الدينية الى الدوائر الاجتماعية السياسية الاوسع، وبالتالي دخلت المرجعية دائرة التجاذبات العامة وبات الترويج للمراجع على انهم يجمعون بين السلطتين أمرا لا تتعهده جهة واحدة تقليديا الحوزة الدينية بل دخلت المسألة في دوائر مؤسسات المجتمع المدني وهذه المؤسسات تحوي تيارات لها مصالح وأهداف سياسية، وبالتالي فان الترويج للمرجعية بات شأنا من شؤون الاجتماع السياسي الشيعي، خاصة بعد ان أصبح لهم دولة تمارس سلطة سياسية كاملة على اتباعها وتسعى الى مدّ نفوذها الى آخر المدى البشري والجغرافي للطائفة.

وهنا بدأ التنظير للولاية المطلقة للمرجعية، دينية وزمنية، وبات التصدي لها خارج هذه الدائرة أمرا غير مستساغ في الاوساط التي تسعى الى توكيد هذا التوجه، من هنا جرى ضرب مبدأ تعدد المرجعيات، وتم العمل على اختزال مجمل المراحل التاريخية التي كان تعدد المرجعيات، ذات السلطات الدينية، مصدر غنى للاتباع في كافة دول العالم.

للخروج من هذا المأزق بادر العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله الى طرح صيغة بمثابة الحل الوسط بين الطرح الذي يجمع بين يدي المرجعية السلطتين السياسية والدينية، وبين الطرح الذي يصرّ على إبقاء المرجعية الشيعية بعيدة عن ممارسة السلطة السياسية، ومفاد الصيغة الوسطى هو <<المرجعية المؤسسة>> وحسب طرح السيد فضل الله فان هذا النوع من المرجعيات يمكن له ان يجمع كل المتصدين للمرجعية في العالم الاسلامي الشيعي، سواء من كان في حوزة قم أم من هم في حوزة النجف او من هم خارج هذه الحوزات، في مؤسسة مرجعية واحدة جامعة، وهذا ما يجعلهم يمارسون فعاليتهم الدينية، ذات السلطة <<المعنوية>> على المستوى السياسي بما يبقي المرجعية وأفرادها خارج دائرة التجاذبات الدينية والسياسية العامة، وبالتالي يضمن لها أمرين: الاول المصداقية اللازمة لبقاء ثقة الجمهور قائمة حولها، والثاني يخرجها في دائرة التجاذب خارج ممارسات أهل الاختصاص.

وحسب سماحة السيد فضل الله، فان هذا الطرح لا يعني استبعاد مؤسسات المجتمع الاهلي للشيعة، بل هو لا بد من ان يضم عددا كبيرا من مجالس الاختصاص في شتى حقول المعرفة، بحيث تتحول المؤسسة المرجعية الى سلطة معنوية تمارس صلاحياتها بناء على تزكية كل الشرائح الاجتماعية الشيعية لها، او تتخذ قراراتها بالشورى، وبناء على دراسات علمية نوعية يقوم بالعمل على انجازها أهل الاختصاص.

وبرغم استحسان العديد من أهل العلم والاختصاص في الحوزات الدينية وخارجها لهذا النوع من الصيغة المؤسساتية الجامعة، الا انها اصطدمت بمعارضة نوعين متضادين من القوى؛ الاول، هم الداعون الى توحيد السلطتين السياسية والدينية في يدي فقيه واحد، والثاني هم التقليديون الذين يرون استمرار النموذج المرجعي التقليدي ضمانة لا بد منها لاستمرار المرجعية من دون شوائب تعرّض مصداقيتها للاهتزاز.
انتشار وجهة نظر السيد فضل الله بين جمهور كبير من أهل العلم والدين اضافة الى أهل الفكر والرأي، جعل مرجعيته تنتشر في معظم اوساط الانتشار الشيعي سواء في العالم العربي او في إيران، ولعل هذا ما جعل الاطراف الاخرى تسعى الى محاصرة مرجعية السيد فضل الله بغية إسقاط مشروع المرجعية المؤسسة، كونه يتعارض بشكل مباشر مع السلطة المطلقة لفقيه واحد في العالم الشيعي، ويشكل مساحة استقطاب شيعي مقابل مرجعية الفقيه الأوحد.

وقد يبدو الامر عاديا حتى هذه اللحظة، اذ من المنطقي ان يسعى كل صاحب طرح علمي للدفاع عن اطروحته، وكان ذلك ليبدو حضاريا لو ان الامر تم بمقاربة الحجج العلمية والمنطقية بالحجج المقابلة، بحيث يفضي تنوع الآراء المتعارضة وتعددها في نهاية المطاف الى تطوير المرجعية التقليدية للشيعة في العالم.
على ان نقد الطرح المرجعي للسيد فضل الله تجاوز بحدود كبيرة السجال العلمي والموضوعي، وأخذ يتناول شخص السيد فضل الله نفسه، الى الحد الذي لم تتورع جهات شيعية دينية وسياسية عن التشكيك بعقائد السيد فضل الله ودينه، وهو من هو في عالم الاسلام والتشيع، مختزلين تاريخه الطويل في العمل على إغناء التجربة الاسلامية، وسعيه الدؤوب الى ضخ المعنويات المتعالية في قلوب ونفوس الاتباع، الذين عاشوا تاريخا على هامش الاجتماع السياسي العام، وصناعة جمهور شيعي محتفز وواع ومستعد لتقديم التضحيات الغالية في سبيل اهدافه ومبادئه. وكل ذلك جعله مصدر قلق وتوتر للدول ذات المشاريع السياسية في لبنان والمنطقة وعامل اعاقة لمشاريعها الآيلة الى ترويض المسلمين، وجعلهم قابلين لقبول مشاريعها على اختلافها، فأقدمت عدة مرات على اغتياله، فقد أصبح على حد تعبير وليم كيسي <<مزعجا لأميركا والدول الصديقة لها في المنطقة>>. هذا الخلاف مع السيد فضل الله سوّغ الوسائل المستخدمة في أسقاط مشروعه، وبالتالي موقعه المرجعي.

الا ان الوسائل المعتمدة اليوم لتشويه صورة السيد فضل الله وموقعه المرجعي لم تُعرف عند الشيعة مثيلاتها في كل تاريخهم الطويل، فمن العمل على اعادة تأويل نصوصه وأفكاره بما يتعارض مع مقاصدها الفعلية، الى اقتطاع الكلام عن سياقاته عبر عمليات <<مَنتجة>> و<<دبلجة>> تظهره يصرح بخلاف العقائد التي أفنى عمره في تعليمها للجمهور الشيعي، عدا عن التصدي لاجتهاداته الجديدة في أمور الدين والدنيا بما يظهر جهل هؤلاء بأهمية ان يواكب الدين روح العصر وقضاياه الحية، وبما يظهر عدم رغبة للانتساب الفاعل الى العصر بحجة ان حماية الدين وروح الدين تبقى في التمسك بالتقاليد وبما أنجزه السلَف للخلَف.

المتصدون لإسقاط مشروع المرجعية المؤسسة للسيد فضل الله ضاعفوا رهانهم ليطاول إسقاطه كمرجع وكشخص وكفكر شيعي طليعي. ويعتقد هؤلاء ان عامة الناس من الشيعة سرعان ما سيبدلون آراءهم بالسيد فضل الله حين يزعزعون ثقتهم بعقائده ودينه واجتهاداته، لكن هؤلاء وباعتراف بعضهم لا يجدون التجاوب المطلوب من جمهور الشيعة، هذا الجمهور المحصن برفقة طويلة مع السيد الذي لم يغب عن التواصل معه سواء في لبنان او خارج لبنان، فاتصال السيد المستمر بجمهور الشيعة يبدد باستمرار ادعاءات العاملين على محاصرته، الا ان هذا لم يثن هؤلاء عن تصعيد حملتهم حتى لو تجاوزوا بذلك حدود الشرع والدين، فالذرائع التي يعتمدها هؤلاء تجعلهم يستخدمون حتى الطرق المحرّمة في هتك الحرمة لمرجعية السيد، والمبرر دائما هو ان مصلحة الأمة العليا تقتضي ذلك. المؤسف ان تقرير المصلحة العليا للشيعة بات أمرا استنسابيا يتصدى له كل من يرى ما لا يراه الآخر، ولا ينتهي الامر عند هذا الحدّ بل ان من يعارض ايا من هذه المقولات يُدرَج في دائرة الكافر والضال والمضلّ.

وهؤلاء، يصفهم السيد فضل الله بأنهم يريدون ان يستدرجوا المراجع الشيعية الى الوحل السياسي، وساحات السجال التي تحفل بأفكار التخلف وتستعدي كل جديد وتقف موقف المعاند من كل ما يمكن ان يشكل رافعة للشيعة، تنقلهم من هامشيتهم الاجتماعية والسياسية والدينية الى ساحة العصر الواسعة، فالتحدي الكبير في نظر السيد فضل الله يكمن في مدى قدرة التشيع على الاسهام في تطوير الحياة الانسانية، وليس بالانعزال تحت اي شعار كان هذا الانعزال: المصلحة العليا، او الاصالة الموهومة.



][