المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الذي سيعيد بناء نيو أورليانز.. الحكومة الفيدرالية أم السكان?



سلسبيل
12-07-2005, 12:52 AM
بعد 3 أشهر من «كاترينا».. الجدل ما زال مستمرا حول التكلفة الضخمة للإعمار

بعد ثلاثة أشهر من إعصار «كاترينا» يعرف الجميع ان الدمار هائل. ويعرف الجميع ايضا ان ذلك سيكلف مليارات الدولارات لاعادة اعمار ولاية نيو أورليانز وبقية الساحل. ولكن ما لا يعرفه احد هو: من أين ستأتي الأموال؟ بعثة لويزيانا الى الكونغرس قدمت تشريعا في سبتمبر (ايلول) الماضي طالبت فيه بمبلغ 212 مليار دولار من الاموال الفيدرالية لغرض اعادة الاعمار. وأعاق المحافظون الماليون الاقتراح. وحتى عندما طلب البعض مبلغا أكثر تواضعا وهو 32 مليار دولار لتعزيز دفاعات لويزيانا ضد الفيضان لكي تتمكن من مواجهة اعصار من الصنف الخامس ـ المعيار الحالي هو الصنف الثالث ـ وجد الامر استجابة فاترة من جانب ادارة بوش.

وقال دونالد بويل، أعلى مسؤول في البيت الأبيض، عن إعادة إعمار ما دمره الاعصار اثناء رحلة قام بها أخيرا الى لويزيانا انه «من المؤمل اتخاذ ذلك القرار آجلا وليس عاجلا». والحكومة الفيدرالية وحدها هي التي تمتلك الأموال الكافية لتغطية تكاليف اعادة اعمار هائلة. ولكن هناك اختلافا كبيرا في الرأي حول ما اذا كانت الحكومة ستحصل على الأموال، وكيفية تحقيق ذلك اذا ما حصل. وقال أندي كوبلن، المدير التنفيذي لمؤسسة اعادة بناء لويزيانا التي تم انشاؤها تحت رعاية كاثلين بلانكو حاكمة الولاية من اجل تعزيز عملية اعادة اعمار الولاية، ان «هذا النمط من مشاريع الأشغال العامة الكبرى لا بد ان يكون شراكة بين الولاية والحكومة الفيدرالية».

وكمثال على ذلك اشار كوبلن الى مشروع الاشغال العامة الأكثر كلفة في التاريخ الأميركي، وهو طريق انفاق بوسطن. وقد بلغت كلفة هذا الطريق 14.6 مليار دولار ويبلغ طوله 12.5 كيلومتر واستمر العمل فيه 14 عاما. وخصصت الحكومة الفيدرالية ما يزيد على 8.5 مليار دولار للمشروع الذي لم يسلم من الفساد والتكاليف الزائدة. ويتعين على الحكومة الفيدرالية أن تغطي حصة أكبر بكثير من كلفة اعادة اعمار لويزيانا لأن المبلغ الكلي سيكون اضعاف المبلغ الذي أنفق في بوسطن. وفي جلسة تشريعية جرت أخيرا قام مشرعو الولاية، الذين يكافحون عجزا في الميزانية بقيمة مليار دولار، بخفض الانفاق على خدمات الرعاية الصحية وتمويل الكليات العامة. غير انه بوجود ما يزيد على مليون من سكانها المشردين ستواصل الولاية مواجهة مصاعب في الحصول على الايراد المطلوب.

وفي سبتمبر (ايلول) الماضي أيد الرئيس السابق بيل كلينتون رفع الضرائب لتغطية تكاليف اعادة إعمار ما دمره اعصار «كاترينا» وتكاليف الحرب في العراق وأفغانستان. ولكن الرئيس جورج بوش اختار ان لا يرفع الضرائب، أو حتى يوقف خفض الضرائب الذي اجراه في ولايته الأولى. وقال مات فلويز، الباحث في معهد «بروكينغز» ان «هناك حاجة لرؤية على المستوى الفيدرالي، رؤية لما ستكون عليه مدينة نيو أورليانز وما الذي سيحدث لمن فقدوا اماكنهم وقد بلغ عددهم 600 ألف».

ويؤيد فلويز إشراك وزارة الاسكان والتنمية الحضرية في المسعى من اجل ايجاد مزيد من البيوت الدائمة لمئات الألوف من العوائل التي شردها اعصار «كاترينا». وحتى بعد ثلاثة اشهر من الاعصار ما زالت لدى وكالة ادارة الطوارئ الفيدرالية 50 ألف عائلة تعيش في غرف بفنادق تدفع الحكومة تكاليف اقامتهم. وتعيش 10 آلاف عائلة أخرى من لويزيانا و18 ألف عائلة من مسيسيبي في بيوت سيارة او متنقلة.

ويؤكد مسؤولون في الولاية ومحليون أن من غير المحتمل ان يعود السكان وأصحاب المشاريع الى نيو أورليانز والكثير من مناطق ساحل الخليج الأخرى بدون استثمار فيدرالي كبير في عمليات الحماية من الفيضان واعادة الاعمار. ولكن ما هي مسؤولية الحكومة تجاه أناس اختاروا العيش في واحدة من اكثر مناطق البلاد عرضة للفيضان؟

لقد خصصت الحكومة الفيدرالية 62 مليار دولار لعمال الاغاثة واعادة الاعمار المرتبطة باعصار «كاترينا»، وأنفقت حوالي ثلث ذلك المبلغ حتى الآن. وفي ظل غياب زيادة في الضرائب او خفض في الانفاق على برامج فيدرالية اخرى فان تلك الأموال تضاف الى عجز الميزانية الفيدرالية. وذلك يعني ان الناس الذين «يعيشون على جبل وسط الصحراء» يشاركون في تكاليف اعادة اعمار مدينة ساحلية تقع دون مستوى البحر، وفقا لما قاله روبرت هارتويغ نائب رئيس معهد معلومات التأمين والخبير الاقتصادي البارز فيه. كما يعني ان أطفال اليوم وأطفالهم سيتحملون في نهاية المطاف أعباء دفع أموال اعادة اعمار ساحل الخليج.

ليس من العدل أن يقدم دافع الضرائب المقيم في المناطق المأمونة تعويضات لأولئك الذين يفضلون العيش في مناطق أكثر خطورة، حسبما قالت فيرونيك دو روغي، الباحثة في معهد «أميركان انتربرايز». وحذرت من أن تقديم دعم فيدرالي كبير لضحايا الكوارث سيغذي الشعور بالرضا عن الذات. ولن يكون لدى الناس أي حافز لشراء بوليصات تأمين ضد الفيضان أو أن يدعموا بيوتهم بمواد مضادة للأعاصير إذا كانوا مقتنعين من أن الحكومة الفيدرالية ستتدخل وتنقذهم بعد وقوع الكارثة. وقالت دو روغي «على مستوى معين من المنطقي أن تساعد الحكومة الفيدرالية، لكن يجب أن يكون ذلك درسا. فالناس الذين يتصرفون بطريقة غير مسؤولة تماما بعدم التأمين ضد الفيضانات عليهم أن يخسروا شيئا ما». وجمع عدد من المحافظين العاملين في الحقل المالي قوائم لبرامج فيدرالية يمكن أن تقلص المبالغ المخصصة لها كي تغطي مبلغ الـ 62 مليار دولار الذي كرس لإعادة إعمار ما خلفه إعصار «كاترينا».

واقترح الأكاديميان ستيف سليفنيسكي وكريس ادواردز من معهد «ليبيرتيريان كاتو» تقليل التعويض المقدم للمزارعين والبالغ 6.2 مليار دولار، والمنح المقدمة للمنظمات الاجتماعية البالغة قيمتها حوالي 5.4 مليار دولار، ومنح الوكالة الأميركية للتنمية الدولية البالغة 4.7 مليار دولار ولبرامج أخرى لتمويل اعادة الاعمار. وفي قائمتها عرضت دو روغي إلغاء تكاليف التدريب المهني وخدمات اخرى تبلغ قيمتها 5.4 مليار دولار، وتقليص الدعم للتعليم المهني بنحو 1.9 مليار دولار، ومنح الدولة لدعم الأطفال ويبلغ 4.3 مليار دولار، وذلك اضافة الى مبلغ 9.6 مليار دولار مكرسة لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) يلغى من الميزانية. وعلى الرغم من أنها لا تتوقع أن تأخذ الحكومة الفيدرالية باقتراحاتها فإنها تقول إن على الحكومة أن تأخذ بها لمساعدة ضحايا «كاترينا».

وإنْ كان هناك اخرون يرون أن على الحكومة الفيدرالية أن تكون المسؤولة الوحيدة عن نيو أورليانز ومجموعات أخرى في المسيسيبي المنخفض فلأن الكثير من السياسات التي اتخذتها جعلت المنطقة غير محصنة أمام العواصف والاعاصير. فعلى سبيل المثال يقع بناء السدود العملاقة على امتداد المسيسيبي تحت مسؤولية الحكومة الفيدرالية منذ عام 1879 وقد أفاد المزارعين في منطقة «الميد ويست» العليا عن طريق توفير الوسائل الاقتصادية لتصدير الحبوب. لكن السدود أيضا توجه المواد المترسبة التي كانت تستقر في المناطق الساحلية المنخفضة للويزيانا وحتى خليج المكسيك. ولعدم توفر الطين ابتلعت الأراضي المنخفضة الرطبة تحت وطأة ارتفاع مستوى موجات البحر.

كما فقد ساحل لويزيانا ما يقرب من 40 ميلا مربعا من المستنقعات كل سنة خلال العقود الأخيرة بسبب أن الأراضي المنخفضة الرطبة تمتص هي الأخرى موجات العواصف التي جعلت لويزيانا توفر أيضا للأمة الاميركية النفط والغاز الطبيعي، لكن خطوط الأنابيب وحفر آبار النفط والغاز مع عمل المصافي كان له تأثير على البيئة المحلية عن طريق تخريب الأراضي المنخفضة الرطبة على الساحل والتسبب في التلوث، إضافة إلى ذلك فإن إخراج النفط من باطن الأرض يسبب تقلصا لها وهذا ما يجعل الأرض تغرق أكثر. وقال عالم الجغرافيا غريغ كولتون من جامعة ولاية لويزيانا «ضحت لويزيانا بخطها الساحلي كي يتمكن سكان نورث داكوتا من الحصول على نفط الوقود وبذلك يستطيعون ركوب سياراتهم».

وتم تقديم عدد من التشريعات المقترحة إلى الكونغرس لغرض منح لويزيانا وولايات ساحلية أخرى تخفيضا في نسبة الضرائب من إنتاج النفط المستخرج من الساحل. وحسب القواعد السائدة حاليا فإن واشنطن تمنح الولايات نصف مدخولاتها لكن ذلك ينطبق فقط على النفط المستخرج في داخل البحار. وإذا تم توسيع هذه الاجراءات كي تشمل الإنتاج المحقق على الساحل في لويزيانا فإن ذلك سيمكن هذه الولاية من زيادة عوائدها من 2.5 مليار دولار إلى 3.5 مليار دولار سنويا. وقال كوبلن «هذا يوفر مصدرا مناسبا جدا للدفع من أجل هذا».