المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإيرانيون يتدفقون على دبي .. بحثاً عن الحرية وهرباً من مشاكل السياسة وشبح العقوبات ا



على
12-05-2005, 04:37 PM
يسيطرون على 30% من تجارة العقارات في المدينة وقيمة موجوداتهم فيها تصل لـ200 مليار دولار

دبي: حسان فتاح


عندما ينظر شبان ايرانيون، مثل أراش تيل، في أفق مدينة دبي التي تشهد نموا متسارعاً، فانهم يرون ما رآه آباؤهم يوما في آفاق مدن أميركية وأوروبية: الفرص والغنى والحرية.
وتيل ، 24 عاما، هو مؤسس وناشر مجلة للعقارات تتعامل خصوصاً مع المستثمرين الايرانيين، وهو واحد من جيل جديد من المتعلمين الايرانيين ممن تفادوا أحلام التوجه الى الغرب واختاروا دبي التي يسهل الوصول اليها، حيث لا يبعد وطنه الاصلي أكثر من رحلة جوية مدتها 45 دقيقة عبر الخليج، كما أن جوازات السفر الايرانية لا تتطلب تدقيقا اضافيا.

وقال تيل ان «الحصول على تأشيرة الى كندا أو الولايات المتحدة اصبح الآن شبه مستحيل. أما هنا فان الامر لا يتطلب منك سوى شراء عقار ويمكنك عندئذ الحصول على اقامة. في دبي جو من الحرية يتوافق مع ثقافتنا».

ويتجه نحو الاستثمار في العقارات آلاف الايرانيين معظمهم أثرياء، حيث يبدأون اقامة مشاريع وشراء بيوت ثانية محولين هذا البلد الذي كان صحراويا الى محور تجاري ايراني خال من الفساد والعقوبات الأميركية والفوضى السياسية التي يواجهونها في ايران.

تيل، الذي درس في أستراليا، قدم الى دبي العام الماضي على أمل تحقيق الأرباح من ازدهار البناء هنا والذي تغذيه الى حد كبير أموال ايرانية. ومجلته التي تحمل اسم «مسكن» وتصدر مرة كل اسبوعين بـ 12 ألف نسخة، ستختفي من الأسواق خلال ايام. وقال تيل: «هذا جسر يربط بين ايران والغرب. دبي تشبه اميركا قبل 25 عاما حيث يمكنك اذا كنت بارعا ولديك خطة أن تحقق أرباحا».

عندما سمحت للاجانب بالاستثمار في مجال العقارات قبل نحو ثلاث سنوات، كان الايرانيون أول من قدموا الى هذه المدينة، وهم الآن يسيطرون على ما يتراوح بين 10 الى 30 في المائة من المباني التي تباع، وفقا لتقارير المجلس التجاري الايراني. وقدر تقرير نشرته مطبوعة ثقافية ايرانية في الآونة الاخيرة ان ما يصل الى 400 ألف ايراني يسيطرون على ما تقترب قيمته من 200 مليار دولار على شكل موجودات في دبي. وتضع تقديرات اخرى الرقم عند 20 مليار دولار، وهو مبلغ كبير ايضا.

وتشكل المشاريع التجارية الايرانية حوالي عشر الشركات العاملة في ما يسمى المنطقة الحرة، وهي المنطقة الصناعية والتجارية الهائلة في دبي غير الخاضعة للضريبة، وهذا يساعد على زيادة التجارة بين دولة الامارات العربية المتحدة وايران الى ما قيمته سبعة مليارات دولار في العام الحالي مقارنة مع اربعة مليارات عام 2003. وهذه الأرقام لا تشمل التجارة غير المشروعة التي لا يمكن تقدير قيمتها.

والايرانيون القادمون الى دبي يسعون بصورة رئيسية الى نفس الطموحات: الحرية الشخصية والاستقرار السياسي والاقتصادي والاستراحة من التوترات السياسية القائمة بين الغرب وايران. ويستخدم رجال الأعمال مناطق السوق الحرة لنقل البضائع عبر الخليج متفادين العقوبات التجارية المفروضة على ايران. ويأتي الشبان من اجل الدراسة والتدريب بينما يريد الايرانيون الاكبر سنا حياة اكثر راحة وانفتاحا.

وقال بيمان حقيقت، 29 عاما، الذي انتقل الى دبي مع زوجته الجديدة عام 2004 ان «الحدود مغلقة في ايران لأسباب سياسية». وكان بيمان مدرساً في مجال هندسة الكومبيوتر بجامعة آزاد الاسلامية في طهران، قبل ان يستدعي للتدريس في جامعة جديدة بدبي. وقال: «لديك حرية أكبر هنا للعيش كما تريد. هنا تستطيع أن تتفاعل مع الناس من دول أخرى. هذا ممتع بالنسبة لي».

وبات تأثير تدفق النقد الايراني الى دبي أمرا واضحا، اذ هبطت بورصة طهران في أكتوبر (تشرين الاول) الماضي بعد ان المحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 24 سبتمبر (ايلول) الماضي الى احالة الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن الدولي. ولم تجر بعد احالة الملف رسمياً الى مجلس الامن، لكن مثل هذه الخطوة اذا تمت، ستؤدي على الارجح الى فرض عقوبات دولية. وقال مسؤولون ان مستثمرين ايرانيين ينقلون اموالاً طائلة الى سوق دبي للأوراق المالية التي فتحت امام المستثمرين الاجانب قبل اسابيع فقط.

ويبدو ان الحكومة الايرانية تتساهل مع الهجرة كما يشهد على ذلك «النادي الايراني» الهائل في دبي. وهذا النادي الذي تموله الحكومة الايرانية يعتبر الأكبر لجالية بمفردها، في المدينة التي تشهد فعاليات ثقافية ليلية وملاعب لكرة القدم ومطاعم حديثة. وتوجد مدارس ايرانية عدة في دبي بينما يقدم نجوم الغناء الشعبي الايرانيون حفلات للجالية الايرانية.

وتتمتع دبي وايران بعلاقة خاصة منذ زمن بعيد، وهو امر غير مألوف كثيراً في العالم العربي. وتعود أصول نحو ربع سكان الامارات الى ايران. وخلال الحرب العراقية الايرانية في الثمانينات من القرن الماضي اصبحت دبي نقطة شحن مهمة للبضائع والتجهيزات.

وكان الشيخ زايد بن سلطان، الرئيس الاماراتي الراحل، عمل على ايجاد علاقة أكثر توازنا مع ايران مقارنة بما كانت تدفع اليه السياسات الأميركية. ويعني ذلك ان الحكومة يمكن أن تكون قريبة من مواطنيها هنا. وعبر كثير من الايرانيين عن الخوف من التحدث لغرض اعداد هذا المقال خشية تعرضهم للانتقام من قبل حكومة بلدهم الاصلي.

وقال حقيقت انه يشعر بنوع من الازدواجية بشأن مغادرة ايران، لكن المناخ السياسي الحالي جعله يشعر بالسعادة من وجوده في دبي. واضاف: «ربما سيزداد تدهور الوضع في ايران مستقبلا، وقد يكون هناك تقييد لحرية الناس، وهذا يمكن ان يؤثر على فترة بقائي هنا».

وربما بتأثير من التدفق المتزايد للايرانيين الأميركيين ايضا فان بعض شوارع دبي اصبحت تشبه أجزاء من لوس انجليس، التي تعتبر موطنا لأكبر جالية ايرانية في الخارج. وتتميز المنطقة ذات الكثافة السكانية الايرانية في دبي بوجود شوارع طويلة فيها اشجار ومحلات أنيقة مثل غوتشي وآيسبيرغ ومجموعة من المتاجر والمطاعم الايرانية.

وقالت زهرة طهراني التي تملك محلا في المنطقة «هذا بلد جميل جدا ومتحرر جدا وآمن وغني جدا. هذه المزايا غير موجودة في البلدان القريبة من ايران. لديك كل ما هو موجود في أوروبا وأميركا، ولكن قريبا من الوطن».
* خدمة «نيويورك تايمز»