على
12-05-2005, 04:12 PM
محمد صادق الحسيني - الحياة
كاتب متخصص في الشؤون الايرانية.
ما كان حتى الأمس القريب في دائرة الحدس والتخمين، أصبح بعد تصريحات السفير زلماي خليل زادة يقيناً لا يقبل الشك. فالاميركيون باتاو على قناعة لا تقبل الدحض او التفنيد بأنه حان وقت الرحيل من العراق وبأسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر الممكنة، لأن اميركا لم تعد تتحمل آثار حرب العراق على اقتصادياتها ونظامها الاجتماعي بعد الآن. والأخطر من ذلك هو ان يضطر الرئيس الاميركي للطلب من أحد أضلع «محور الشر» المساعدة للخروج من مستنقع أصبح من الصعب بمكان البقاء فيه يوماً واحداً إضافياً.
يقول خليل زادة السفير الاميركي في بغداد، الأفغاني الأصل والذي سبق له ان جرب حظه في صناعة «زعيم» مؤهل لقيادة «ديموقراطية القبائل» في افغانستان بمساعدة ايرانية ملحوظة، والذي عبر أخيراً عن رغبته في تحقيق انجاز مشابه في العراق من خلال البحث عن «كارزاي» عراقي، كما ورد في أحد تصريحاته، يقول انه «تلقى تفويضاً من الرئيس بوش للاتصال بالايرانيين وطلب المساعدة منهم في الشأن العراقي».
ومن ثم يضيف السفير المفوض انه مستعد «للتفاوض مع الجماعات المسلحة... لإشراك السنة العرب في العملية السياسية...». إذا ما أريد لتلك العملية ان تنجح بالطبع!
تفصح تصريحات السفير خليل زادة في الواقع عن مدى الحالة المضطربة والمقلقة التي تعيشها ادارة الرئيس بوش في العراق في ظل تعاظم انعدام المصداقية والخلل المتزايد في صورة مشروعهم «التحرري» للمنطقة انطلاقاً من المثال العراقي.
يقول توماس فريدمان الكاتب والمحلل السياسي الأميركي «المخضرم» في الموقف من الحرب على العراق في آخر رصد له لحالة الرئيس الاميركي ومساعده ديك تشيني في هذا السياق بالحرف الواحد: «ان العديد من الديموقراطيين والجمهوريين بدأوا في التصويت بـ «عدم الثقة» في ما يتعلق بأداء تشيني وبوش في الحرب على العراق، ولو كان نظامنا نظاماً برلمانياً لكان على بوش الاستقالة». ويضيف: «عندما أشاهد بوش هذه الايام، فإنه يبدو لي مثل رجل يتمنى اجراء التعديل الرقم 28 على الدستور باسم «هل يمكنني المغادرة الآن» فهو يبدو مثل شخص يفضل العودة الى مزرعته في تكساس».
إنه وصف دقيق وشفاف جداً لحالة الوهن التي يعيشها الاميركي في العراق منعكسة في ملامح بوش ومساعديه. وهذه الحالة هي التي دفعت الإدارة المذكورة الى التماس المساعدة من ايران بحيث تصبح «الشر الذي لا بد منه» لا بل تصبح كالذي لسان حاله يقول: «وداوني بالتي كانت هي الداء»! خصوصاً عندما نسمع التماس سفيره المفوض من المسلحين المساعدة ايضاً لإنجاح العملية السياسية! ولكن لماذا ايران والمسلحون معاً؟ كما قد يتساءل المتابعون.
هنا تكمن المفارقة، فالاميركيون يعرفون تماماً بأن هذين العنصرين أو البعدين لا يتطابقان في المشهد العراقي، فكيف إذن يمكن الجمع بينهما في مشهد الخروج الاميركي؟ انها «استراتيجية الجلاء المنظم والمضمون»، فلا احد يستطيع ان يقدر مدى الخطورة التي يمكن ان تواجهها القوات الاميركية وحلفاؤها لو بدأت تنفيذ الرحيل وقد حانت ساعته حسب كل التقديرات».
فإيران يمكنها ان تضمن تأمين عدم استحواذ الكتلة الشيعية الكبرى على زمام العملية السياسية التي باتت تمسك بمفاتيح اللعبة الرئيسية سلماً أو «حرباً». اما المسلحون فإن المطلوب منهم تقديم الضمانات الكافية بعدم استحواذ الجماعات «التكفيرية الزرقاوية» أو «الصدامية» على «المثلث السني» في حال تراخي القبضة الاميركية على العراق.
ثمة من يقرأ الوساطة السعودية في حل المعضلة السورية بخصوص التحقيق الدولي في اغتيال الحريري ايضاً كـ «خطوة تساهلية» لتأمين نجاح استراتيجية ضبط الوضع العراقي تمهيداً للانسحاب.
وهكذا يكون مطلوباً من السفير الاميركي المـفوض في بغداد الاتصال بايران والمسلحين كي يمر استحقاق الخامس عشر من كــانون الأول (ديسمبر) المقـبـــل في العراق كمـــا في لبنـــان. فالمطلوب من انتخابات العراق ان تسهل وتعجل في تفعيل استـراتيجيـــة «الجلاء المنظم والمضمون» تماماً، كما يصــبح مطلوباً من تقرير ميليس الجديد والمرتقب في 15 الجــاري ان يساهم هو الآخر في «تبريد» المواجهة اللبنانية - السورية بعض الشيء حتى لا تطغى تداعيات السخونة التي كانت منتظرة على مشروع «الجلاء المنظم والمضمون» الآنف الذكر.
في اي حال، تظهر ايران في المشهد الاميركي الاقليمي مرة أخرى وكأنها الرقم الصعب الذي لا بد منه في اي استراتيجية اميركية. وقد سبق للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني ان اعلن أكثر من مرة ومنذ ان بدأت واشنطن التخطيط لغزو العراق، بأن على واشنطن ان لا تقع في مستنقع العراق من خلال غزوها العسكري له، لأنها ستصبح «رهينة بأيدينا وعندها ستضطر لطلب مساعدتنا». فهل اصبحت القوات الاميركية في العراق فعلاً «رهينة» السياسة الايرانية؟!
السؤال في عهدة زلماي خليل زادة الذي يحمل تفويض طلب مساعدة «المارقين» على من يعتبرون ادارة بلاده بمثابة «الشيطان الأكبر»؟! فهل يحمل خليل زادة إجابة واضحة وشفافة على هذا السؤال فعلاً؟ أي انه يعرف تماماً ماذا يعني مثل هذا الالتماس؟ أم انه «مأمور معذور؟ كما يقول المثل، أم انها المفارقة الأخطر التي تحدث عنها أحد المحللين الاميركيين قبل فترة وسبق للبعض من المتابعين لخفايا الصراع الاميركي - الايراني ان اشاروا اليها ألا وهي: «من يتحكم بقواعد اللعبة في بغداد يأخذ من طهران ما يريد».
كاتب متخصص في الشؤون الايرانية.
ما كان حتى الأمس القريب في دائرة الحدس والتخمين، أصبح بعد تصريحات السفير زلماي خليل زادة يقيناً لا يقبل الشك. فالاميركيون باتاو على قناعة لا تقبل الدحض او التفنيد بأنه حان وقت الرحيل من العراق وبأسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر الممكنة، لأن اميركا لم تعد تتحمل آثار حرب العراق على اقتصادياتها ونظامها الاجتماعي بعد الآن. والأخطر من ذلك هو ان يضطر الرئيس الاميركي للطلب من أحد أضلع «محور الشر» المساعدة للخروج من مستنقع أصبح من الصعب بمكان البقاء فيه يوماً واحداً إضافياً.
يقول خليل زادة السفير الاميركي في بغداد، الأفغاني الأصل والذي سبق له ان جرب حظه في صناعة «زعيم» مؤهل لقيادة «ديموقراطية القبائل» في افغانستان بمساعدة ايرانية ملحوظة، والذي عبر أخيراً عن رغبته في تحقيق انجاز مشابه في العراق من خلال البحث عن «كارزاي» عراقي، كما ورد في أحد تصريحاته، يقول انه «تلقى تفويضاً من الرئيس بوش للاتصال بالايرانيين وطلب المساعدة منهم في الشأن العراقي».
ومن ثم يضيف السفير المفوض انه مستعد «للتفاوض مع الجماعات المسلحة... لإشراك السنة العرب في العملية السياسية...». إذا ما أريد لتلك العملية ان تنجح بالطبع!
تفصح تصريحات السفير خليل زادة في الواقع عن مدى الحالة المضطربة والمقلقة التي تعيشها ادارة الرئيس بوش في العراق في ظل تعاظم انعدام المصداقية والخلل المتزايد في صورة مشروعهم «التحرري» للمنطقة انطلاقاً من المثال العراقي.
يقول توماس فريدمان الكاتب والمحلل السياسي الأميركي «المخضرم» في الموقف من الحرب على العراق في آخر رصد له لحالة الرئيس الاميركي ومساعده ديك تشيني في هذا السياق بالحرف الواحد: «ان العديد من الديموقراطيين والجمهوريين بدأوا في التصويت بـ «عدم الثقة» في ما يتعلق بأداء تشيني وبوش في الحرب على العراق، ولو كان نظامنا نظاماً برلمانياً لكان على بوش الاستقالة». ويضيف: «عندما أشاهد بوش هذه الايام، فإنه يبدو لي مثل رجل يتمنى اجراء التعديل الرقم 28 على الدستور باسم «هل يمكنني المغادرة الآن» فهو يبدو مثل شخص يفضل العودة الى مزرعته في تكساس».
إنه وصف دقيق وشفاف جداً لحالة الوهن التي يعيشها الاميركي في العراق منعكسة في ملامح بوش ومساعديه. وهذه الحالة هي التي دفعت الإدارة المذكورة الى التماس المساعدة من ايران بحيث تصبح «الشر الذي لا بد منه» لا بل تصبح كالذي لسان حاله يقول: «وداوني بالتي كانت هي الداء»! خصوصاً عندما نسمع التماس سفيره المفوض من المسلحين المساعدة ايضاً لإنجاح العملية السياسية! ولكن لماذا ايران والمسلحون معاً؟ كما قد يتساءل المتابعون.
هنا تكمن المفارقة، فالاميركيون يعرفون تماماً بأن هذين العنصرين أو البعدين لا يتطابقان في المشهد العراقي، فكيف إذن يمكن الجمع بينهما في مشهد الخروج الاميركي؟ انها «استراتيجية الجلاء المنظم والمضمون»، فلا احد يستطيع ان يقدر مدى الخطورة التي يمكن ان تواجهها القوات الاميركية وحلفاؤها لو بدأت تنفيذ الرحيل وقد حانت ساعته حسب كل التقديرات».
فإيران يمكنها ان تضمن تأمين عدم استحواذ الكتلة الشيعية الكبرى على زمام العملية السياسية التي باتت تمسك بمفاتيح اللعبة الرئيسية سلماً أو «حرباً». اما المسلحون فإن المطلوب منهم تقديم الضمانات الكافية بعدم استحواذ الجماعات «التكفيرية الزرقاوية» أو «الصدامية» على «المثلث السني» في حال تراخي القبضة الاميركية على العراق.
ثمة من يقرأ الوساطة السعودية في حل المعضلة السورية بخصوص التحقيق الدولي في اغتيال الحريري ايضاً كـ «خطوة تساهلية» لتأمين نجاح استراتيجية ضبط الوضع العراقي تمهيداً للانسحاب.
وهكذا يكون مطلوباً من السفير الاميركي المـفوض في بغداد الاتصال بايران والمسلحين كي يمر استحقاق الخامس عشر من كــانون الأول (ديسمبر) المقـبـــل في العراق كمـــا في لبنـــان. فالمطلوب من انتخابات العراق ان تسهل وتعجل في تفعيل استـراتيجيـــة «الجلاء المنظم والمضمون» تماماً، كما يصــبح مطلوباً من تقرير ميليس الجديد والمرتقب في 15 الجــاري ان يساهم هو الآخر في «تبريد» المواجهة اللبنانية - السورية بعض الشيء حتى لا تطغى تداعيات السخونة التي كانت منتظرة على مشروع «الجلاء المنظم والمضمون» الآنف الذكر.
في اي حال، تظهر ايران في المشهد الاميركي الاقليمي مرة أخرى وكأنها الرقم الصعب الذي لا بد منه في اي استراتيجية اميركية. وقد سبق للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني ان اعلن أكثر من مرة ومنذ ان بدأت واشنطن التخطيط لغزو العراق، بأن على واشنطن ان لا تقع في مستنقع العراق من خلال غزوها العسكري له، لأنها ستصبح «رهينة بأيدينا وعندها ستضطر لطلب مساعدتنا». فهل اصبحت القوات الاميركية في العراق فعلاً «رهينة» السياسة الايرانية؟!
السؤال في عهدة زلماي خليل زادة الذي يحمل تفويض طلب مساعدة «المارقين» على من يعتبرون ادارة بلاده بمثابة «الشيطان الأكبر»؟! فهل يحمل خليل زادة إجابة واضحة وشفافة على هذا السؤال فعلاً؟ أي انه يعرف تماماً ماذا يعني مثل هذا الالتماس؟ أم انه «مأمور معذور؟ كما يقول المثل، أم انها المفارقة الأخطر التي تحدث عنها أحد المحللين الاميركيين قبل فترة وسبق للبعض من المتابعين لخفايا الصراع الاميركي - الايراني ان اشاروا اليها ألا وهي: «من يتحكم بقواعد اللعبة في بغداد يأخذ من طهران ما يريد».