باباك خورمدين
12-04-2005, 07:54 PM
بالتأكيد لم يكن من المتوقع حتى بالنسبة للإخوان المسلمون ذاتهم تحقيق مثل هذه النجاحات على أرض الواقع في أول فرصة حقيقية أتيحت لهم للمشاركة العلنية في الانتخابات المصرية .
لقد مثلت نتائج هذه الانتخابات مفاجأة أو ربما صدمة حقيقية للحزب الحاكم والأحزاب القائمة والمشاركة في العملية السياسية منذ عودة الحياة الحزبية في مصر ابان عهد الرئيس الراحل انور السادات ، حيث عبرت هذه النتائج عن عدم ايمان المصريين بجدوى كل الشعارات التي طالما جعجعت بها هذه الأحزاب والتي لم تصب في الواقع سوى في مصلحة رأس المال الصناعي والتجاري والذي تمكن في المرحلة الماضية من احتكار السلطة والثروة بفضل مجموعة من القوانين التي تبنتها الحكومة المصرية وساهمت لحد كبير في تدهور الأوضاع الاقتصادية للطبقات الكادحة وزيادة نسبة الإفقار وانخفاض معدلات الأجور وما يتبعها من زيادة البطالة وارتفاع معدلات العنوسة والإدمان والجريمة في المجتمع المصري .
إن التساؤل الذي يفرض نفسه في هذه المرحلة التي تحول فيها وضع الإخوان المسلمون من مجموعة منظمة وغير معترف بها إلى أكبر كتلة برلمانية معارضة : هل تعبر هذه الانتخابات عن قوة الأخوان المسلمين الحقيقية في الشارع المصري ؟
لا مجال لإنكار مدى سحرية الشعار الذي طالما تاجر به الإخوان المسلمون بين البسطاء المصريين والذين يتميزون بعاطفة دينية حتى في أوساط غير الملتزمين بأداء الشعائر ، إلا أن هذا الشعار لم يكن كافياً لتحقيق هذا النجاح الضخم الغير متوقع من أكثر المحللين المتعاطفين مع التيار الإسلامي ، فالواقع أن معظم الطبقات والفئات الكادحة في مصر أدركت أن كل الأحزاب الموجودة في الساحة لا تعدو أن تكون مجرد أدوات لإكساب الشرعية للنظام المصري في المجتمع الدولي ، وإلا فهي في الواقع أحزاب مدجنة لم تستطع تقديم أي بديل أو قيمة حقيقية في نضال الكادحين المصريين لنيل حقوقهم ، بل لم تتورع أحياناً من القفز على أدبياتها وخيانة مبادئها المعلنة ومساندة الحكومة في بعض الإجراءات التي تتخذها لتثبيت ديكتاتوريتها على الشارع المصري .
لم يكن أمام الكثير من المصريين أي وسيلة للتعبير عن سخطهم على الحكومة وهذه الأحزاب - يستخدم الشعب المصري في تعبيره عنها لفظ (الدكاكين) كنوع من السخرية - سوى إعطاء صوتهم للإخوان المسلمين والذين بدوا في هذه الانتخابات أنهم الحزب أو التنظيم السياسي الوحيد القادر على مواجهة الحزب الحاكم .
من ناحية أخرى لم يكن هذا النجاح للإخوان المسلمين وليد كفاح خاص بهم بقدر ما كان وليد أتفاق بينهم وبين الحزب الحاكم على تقسيم كعكة السلطة في مقابل تعاون الإخوان المسلمين مع الحزب الحاكم في المرحلة المقبلة .
إن هذا النجاح للإخوان المسلمين سوف يوفر للحزب الحاكم قدرة إعلامية جيدة للجعجعة عن الديمقراطية المثالية - الوهمية - الموجودة في مصر ، وربما كان التعاون الأساسي بين الحزب الحاكم والإخوان المسلمين هو قدرتهم على تنحية بعض الأطراف المعادية للجنة السياسات داحل الحزب الحاكم والتي يسيطر عليها بعض رجال الأعمال (رأسماليين صناعيين) الذين يقودون ما يسمى بتيار التجديد كأحمد عز وأحمد بهجت ونجيب ساويروس والتي يراسها جمال مبارك نجل رئيس الجمهورية المصري ، وأخيراً فقد وضح للكثيرين أن ثمة اتجاه داخل الإدارة الأمريكية يرى أن على الولايات المتحدة التعامل مع أنظمة أصولية سنية في العالم الإسلامي ، وقد عبرت مادلين أولبرايت عن هذا الاتجاه في تصريحاتها ، كما وضح من انضمام رفيق صمويل حبيب وبعض القيادات المسيحية الإنجيلية للإخوان المسلمين عن أن هذا الاتجاه بدأ يأخذ شكلاً عملياً .
ثمة تساؤل ثان يطرح نفسه بدرجة ملحة حول ما يمكن أن يحققه الإخوان المسلمون للطبقات الكادحة في مصر ؟
الواقع أنه من غير المتوقع قيام الإخوان المسلمون بتحقيق أي شيء لمثل هذه الطبقات ، فمن المعروف أن هذه الجماعة يسيطر عليها مجموعة من الرأسماليين التجاريين ، وتعبر أدبياتها وقرائتها للإسلام عن مصالح هذه الطبقة ، وبالتالي لم يكن من الغريب أن يتحالف الحزب الحاكم المعبر عن الرأسمال الصناعي مع الإخوان المسلمون المعبرين عن الرأسمال التجاري للسيطرة على الأوضاع السياسية المضطربة في مصر منذ فترة .
ويبدو أنه سوف يكون على الأحزاب المطروحة التنحي نهائيا عن ادعاءات تمثيل الشعب المصري والطبقات والفئات الكادحة والمحرومة بعد سقطت قياداتها سقوطاً مزريا وخاصة القيادات التي طالما ادعت تمثيل اليسار المصري كخالد محيي الدين ورفعت السعيد على وجه الخصوص ، في مقابل قيام أحزاب جديدة ينتجها الشارع المصري ذاته وتعبر عن إرادته الحقيقية ، وفي هذا الإطار فقد بدأت بعض التيارات الشعبية الاستعداد للإعلان عن أحزاب جديدة مثل حزب الاشتراكيين المصريين ذو التوجه اليساري وحزب الكرامة ذو التوجه الناصري .
لقد ادرك الحزب الحاكم مدى الخطأ الذي أرتكبه في مرحلة متأخرة عندما فوجئ بهذا النجاح للإخوان المسلمين على الصعيد الواقعي ، وبالتالي فقد شهدت المرحلة الثالثة من الانتخابات محاولات صريحة للقضاء على هذا التفوق للإخوان المسلمين ، وصلت إلى درجة التزوير العلني لإرادة الناخبين سواء عن طريق منعهم من الإدلاء بالأصوات أو عن طريق شراء ذمم بعض القائمين على الانتخابات .
على أن هذا الخطأ في كل الأحوال لا يمنع من استمرار التعاون بين الجماعة والحزب الحاكم في البرلمان القادم والذي سيروج له على أنه من أكثر البرلمانات ديمقراطية في تاريخ مصر في محاولة لضخ دماء جديدة في شرايين الحزب الحاكم المتهالكة والمهترئة ، كما لن يمنع من مساندة الحزب الحاكم للإخوان المسلمين في السياسات المتشددة والرجعية والتي سيتم تنفيذها باسم الدين والشريعة الإسلامية والتي ستتحول فجأة من غاية مقدسة إلى مجرد وسيلة لتثبيت دعائم هذا الحكم ، وربما كانت أحداث المظاهرات ضد الكنيسة في الإسكندرية دليلاً على هذا التعاون .
باباك خورمدين
لقد مثلت نتائج هذه الانتخابات مفاجأة أو ربما صدمة حقيقية للحزب الحاكم والأحزاب القائمة والمشاركة في العملية السياسية منذ عودة الحياة الحزبية في مصر ابان عهد الرئيس الراحل انور السادات ، حيث عبرت هذه النتائج عن عدم ايمان المصريين بجدوى كل الشعارات التي طالما جعجعت بها هذه الأحزاب والتي لم تصب في الواقع سوى في مصلحة رأس المال الصناعي والتجاري والذي تمكن في المرحلة الماضية من احتكار السلطة والثروة بفضل مجموعة من القوانين التي تبنتها الحكومة المصرية وساهمت لحد كبير في تدهور الأوضاع الاقتصادية للطبقات الكادحة وزيادة نسبة الإفقار وانخفاض معدلات الأجور وما يتبعها من زيادة البطالة وارتفاع معدلات العنوسة والإدمان والجريمة في المجتمع المصري .
إن التساؤل الذي يفرض نفسه في هذه المرحلة التي تحول فيها وضع الإخوان المسلمون من مجموعة منظمة وغير معترف بها إلى أكبر كتلة برلمانية معارضة : هل تعبر هذه الانتخابات عن قوة الأخوان المسلمين الحقيقية في الشارع المصري ؟
لا مجال لإنكار مدى سحرية الشعار الذي طالما تاجر به الإخوان المسلمون بين البسطاء المصريين والذين يتميزون بعاطفة دينية حتى في أوساط غير الملتزمين بأداء الشعائر ، إلا أن هذا الشعار لم يكن كافياً لتحقيق هذا النجاح الضخم الغير متوقع من أكثر المحللين المتعاطفين مع التيار الإسلامي ، فالواقع أن معظم الطبقات والفئات الكادحة في مصر أدركت أن كل الأحزاب الموجودة في الساحة لا تعدو أن تكون مجرد أدوات لإكساب الشرعية للنظام المصري في المجتمع الدولي ، وإلا فهي في الواقع أحزاب مدجنة لم تستطع تقديم أي بديل أو قيمة حقيقية في نضال الكادحين المصريين لنيل حقوقهم ، بل لم تتورع أحياناً من القفز على أدبياتها وخيانة مبادئها المعلنة ومساندة الحكومة في بعض الإجراءات التي تتخذها لتثبيت ديكتاتوريتها على الشارع المصري .
لم يكن أمام الكثير من المصريين أي وسيلة للتعبير عن سخطهم على الحكومة وهذه الأحزاب - يستخدم الشعب المصري في تعبيره عنها لفظ (الدكاكين) كنوع من السخرية - سوى إعطاء صوتهم للإخوان المسلمين والذين بدوا في هذه الانتخابات أنهم الحزب أو التنظيم السياسي الوحيد القادر على مواجهة الحزب الحاكم .
من ناحية أخرى لم يكن هذا النجاح للإخوان المسلمين وليد كفاح خاص بهم بقدر ما كان وليد أتفاق بينهم وبين الحزب الحاكم على تقسيم كعكة السلطة في مقابل تعاون الإخوان المسلمين مع الحزب الحاكم في المرحلة المقبلة .
إن هذا النجاح للإخوان المسلمين سوف يوفر للحزب الحاكم قدرة إعلامية جيدة للجعجعة عن الديمقراطية المثالية - الوهمية - الموجودة في مصر ، وربما كان التعاون الأساسي بين الحزب الحاكم والإخوان المسلمين هو قدرتهم على تنحية بعض الأطراف المعادية للجنة السياسات داحل الحزب الحاكم والتي يسيطر عليها بعض رجال الأعمال (رأسماليين صناعيين) الذين يقودون ما يسمى بتيار التجديد كأحمد عز وأحمد بهجت ونجيب ساويروس والتي يراسها جمال مبارك نجل رئيس الجمهورية المصري ، وأخيراً فقد وضح للكثيرين أن ثمة اتجاه داخل الإدارة الأمريكية يرى أن على الولايات المتحدة التعامل مع أنظمة أصولية سنية في العالم الإسلامي ، وقد عبرت مادلين أولبرايت عن هذا الاتجاه في تصريحاتها ، كما وضح من انضمام رفيق صمويل حبيب وبعض القيادات المسيحية الإنجيلية للإخوان المسلمين عن أن هذا الاتجاه بدأ يأخذ شكلاً عملياً .
ثمة تساؤل ثان يطرح نفسه بدرجة ملحة حول ما يمكن أن يحققه الإخوان المسلمون للطبقات الكادحة في مصر ؟
الواقع أنه من غير المتوقع قيام الإخوان المسلمون بتحقيق أي شيء لمثل هذه الطبقات ، فمن المعروف أن هذه الجماعة يسيطر عليها مجموعة من الرأسماليين التجاريين ، وتعبر أدبياتها وقرائتها للإسلام عن مصالح هذه الطبقة ، وبالتالي لم يكن من الغريب أن يتحالف الحزب الحاكم المعبر عن الرأسمال الصناعي مع الإخوان المسلمون المعبرين عن الرأسمال التجاري للسيطرة على الأوضاع السياسية المضطربة في مصر منذ فترة .
ويبدو أنه سوف يكون على الأحزاب المطروحة التنحي نهائيا عن ادعاءات تمثيل الشعب المصري والطبقات والفئات الكادحة والمحرومة بعد سقطت قياداتها سقوطاً مزريا وخاصة القيادات التي طالما ادعت تمثيل اليسار المصري كخالد محيي الدين ورفعت السعيد على وجه الخصوص ، في مقابل قيام أحزاب جديدة ينتجها الشارع المصري ذاته وتعبر عن إرادته الحقيقية ، وفي هذا الإطار فقد بدأت بعض التيارات الشعبية الاستعداد للإعلان عن أحزاب جديدة مثل حزب الاشتراكيين المصريين ذو التوجه اليساري وحزب الكرامة ذو التوجه الناصري .
لقد ادرك الحزب الحاكم مدى الخطأ الذي أرتكبه في مرحلة متأخرة عندما فوجئ بهذا النجاح للإخوان المسلمين على الصعيد الواقعي ، وبالتالي فقد شهدت المرحلة الثالثة من الانتخابات محاولات صريحة للقضاء على هذا التفوق للإخوان المسلمين ، وصلت إلى درجة التزوير العلني لإرادة الناخبين سواء عن طريق منعهم من الإدلاء بالأصوات أو عن طريق شراء ذمم بعض القائمين على الانتخابات .
على أن هذا الخطأ في كل الأحوال لا يمنع من استمرار التعاون بين الجماعة والحزب الحاكم في البرلمان القادم والذي سيروج له على أنه من أكثر البرلمانات ديمقراطية في تاريخ مصر في محاولة لضخ دماء جديدة في شرايين الحزب الحاكم المتهالكة والمهترئة ، كما لن يمنع من مساندة الحزب الحاكم للإخوان المسلمين في السياسات المتشددة والرجعية والتي سيتم تنفيذها باسم الدين والشريعة الإسلامية والتي ستتحول فجأة من غاية مقدسة إلى مجرد وسيلة لتثبيت دعائم هذا الحكم ، وربما كانت أحداث المظاهرات ضد الكنيسة في الإسكندرية دليلاً على هذا التعاون .
باباك خورمدين