سلسبيل
12-02-2005, 05:07 PM
إيلاف
هذه الضواحي الجنوبيّة تقع كلها تحت سطوة حزب الله وهي تنعم باستقلاليّة تامّة وبأنشطة ذات أهمية قصوى في ما يتعلق بالمواطن اللبناني البسيط.مؤسسات الحزب الخيرية تقوم بخدمات مجّانية بنشاط متصاعد أكثر من الدولة اللبنانيّة نفسها،وهو ما يجعل الحزب يتكئُ على قاعدة شعبيّة لا يضاهيها أي حزب آخر،حتى غدا وكأنه جمهوريةٌ أخرى نبتت في رحم الجمهورية اللبنانيّة الأم.
ليست منطقة "بئر العبد" غنيّة جداً ولكنها ليست على العكس كذلك. بوادر الحداثة بدأت تبرزُ جليّاً في سياق تكوينها المعماري،رغم ما فيها من بوادر بؤس تبدو واضحةً للعيان.في ضواحي جمهورية حزب الله تبدو الحياة تسيرُ دون رتوش أو برتوش لا فرق:الباعة يسيرون راجلين لبيع طيور محبوسة أو اسماك صيدت توّاً من البحر المستلقي على قدمي بيروت،والفتيات اللواتي يتدثرن بالعباءة السوداء إلى أخمص أقدامهن وقت خروجهن من المدارس،وأبواق السيارات التي تعلو عاكسة المزاج اللبناني المتوتر على الدوام.
لماذا أسميّها جمهورية حزب الله؟.لسبب بسيط هو أن الدولة اللبنانيّة هنا تكادُ تكون خارج حسابات أهل الضاحيّة.من يصاب بالمرض لا يذهب إلا إلى مراكز الحزب الصحيّة التي يموّلها بمبالغ كبيرة من المال،إذ إن أسرّة المستشفيات اللبنانية لم تعد تتسع لأجسادهم التي أقعدها المرض.كما أن الانتظار يستغرقُ وقتاً طويلاً .ومن يصاب بالفاقة فإنه يهرع مباشرة إلى المؤسسات الخيرية التي يملكها الحزب،ومن يحتاج لوظيفة فإنه يلتحق فوراً بكتائب الحزب.
في الجنبات المتوارية للضاحية التي تقع تحت سيادة حزب الله تبدو صورة نحيلة ظاهرةً على استحياء لمقتدى الصدر.يعلق أحد أصحاب المحلات:"إنه لا يحظى بشعبية كبيرة هنا..ولكن له محبون".الشمس تدنو من عينيّ بهدوء.هي ليست الشمس التي اعتدتها بل هي أكثر حنوّاً ورقّة.أسير بقدمين منهكتين جوار أحد المحال المتخصصة في بيع الساعات.في الأعلى تنتصب صورة كبيرة الحجم للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله،الذي لا ينازعه أحدٌ في شعبيته هنا.
الصور المرسومة بالألوان تكاد تكون متشابهة،إذ يظهر فيها السيد نصر الله بعمامته السوداء،وذقنه الكثيف المشذّب بعناية فائقة،ونظارته الطبية التي تخفي خلفهما عينين واثقتين.يقول أحد سائقي التاكسي:"إن الجميع يحبّه حتى أعداءه لأنه أكثر الناس صدقاً في هذه البلاد".هذا الحديث هو السمةُ المشتركة لكل من يتحدث هنا عن الأمين العام المجاهد،وهو الذي يحظى باحترام يفوق الوصف بسبب معارك المقاومة التي يترأسها ضد الجنود الإسرائيليين في مزارع شبعا،وعلى الشريط الحدودي الفاصل.
أرى بعينيّ حافلات صغيرة الحجم تتكاثر في الشوارع المنهكة والمليئة بالضجيج.طلاب يتكدسون جوار بعضهم في محاولة الظفر بمقعد حول الشرفات الزجاجيّة،في حين تبدو الطالبات في حافلاتهن المخصصة لنقلهن أكثر هدوءاً وهن يرتدين مناديلهن حول الوجه بعناية،وقد تفننن في اختيار ما يُلبس،بينما تمرُّ فتيات موغلات في اللباس الأسود بشكل كامل،وهن ما زلن في بوادر اكتمال النموّ الأول.
لباس النساء هنا محتشمٌ جداً.النساء المحجبات توازي أعدادهن أعداد النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب أو العباءة،في وقت أصبح فيه الحجاب موضة.المحجبات غدون معتادات على ارتداء الأزياء الضيقة التي تلتصق بالجسم دون فكاك،وتبرز "مناطق إستراتيجية من الجسد لا يُستحسن إظهارها" كما يقول عابر طريق ينظرُ إلى إحداهن ساخراً،فيما تضفي أسنانه الصفراء المتسخة على وجهه تعبيراً مقززاً.
سربُ حمام أبيض يلوحُ في الأفق.ينظرُ إليه عابرٌ بشكل طفيف ما يلبث أن تنتقل عيناه نحو أحد الإعلانات الكبيرة في منطقة "المشرفيّة" التي تتحدث عن منتوجات عصرية للحجاب الإسلامي بألوان مميزة.جادّة هادي حسن نصر الله تتهادى في مساحات الجانبيّة أشجار الصفصاف التي تتراقص بفتنة طاغية بفعل حفيف الرياح،فيما تضفي بهاءً على الأبنية الأنيقة نوعاً ما،وإن ليست هذه السمة الغالبة على كل الأبنية هنا.
ويستغرق الالتحاق بكتائب حزب الله وقتاً طويلاً إلى أن يكون الفردُ المنضم حديثاً على قدر هذه المسؤوليّة،ما يجعله يمرُّ بطابور طويل من الدورات التأهيلية التي تجعلُ منها عضواً مقاتلاً على الجبهة.وعلى الرغم من النفوذ الكبير الذي يملكه الحزب إلا أنه يعمل بتنسيق مباشر مع الدولة اللبنانية،حتى غدت خطوطهما متسقة بشكل لا يخفى.
وحين يأتي مقدم الطلب للعمل يخضع لمراقبة لمدة ثلاثة أشهر للتأكد من حسن تدينه وتتبعها تسعة أشهر أخرى لمتابعة حياته وكيفية عيشها،وإن كان يرتاد حانات أو ملاهٍ ليلية أو يشرب الكحول أو لا يؤدي الشعائر الدينية بشكل مستمر،ومن ثم يدخل إلى دورة تضاهي الشهر للتعبئة العسكرية.وكما يقول أحد مناصري الحزب فإن الأعضاء لا يحصلون على نقود،بينما يحصل المتفرغون للعمل على رواتب شهرية يدفعها الحزب.
يقول علي الحسيني الذي يدير شركة لتأجير السيارات إن كل مولود يولد في الضاحية يكون محباً للحزب بالفطرة.ويخرّج حزب الله كل فترة طلاب تعبئة تخرّج هذا العام منهم 3300 عنصر مستعدون للانخراط في سلك المقاومة،وهم بذلك يستطيعون الحصول على أسلحة الحزب التي لا يصرّح لهم بحملها خارج مقار الحزب دون إذن مسبق.
ويضيف الحسيني في حديثه:"لماذا يعتبرون حزب الله إرهابيا؟.إن الإرهاب هو ما تمارسه إسرائيل إنها جرثومة لابد من نزعها من المنطقة".ويقول متحمساً:"بضغطة واحدة على الزر يستطيع الحزب محو تل أبيب من الوجود.إن هناك قوةً إلهيّة تساعد الحزب في حربه ضد العدو".ويشيرُ إلى أن هجمات حزب الله على أهداف إسرائيلية أسهمت في كبح جماح الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الجنوب اللبناني.
علي يرتدي جاكيتاً أزرقاً ويتكئُ على مقعده في الشركة التي يملكها وهو يحتسي شاياً ساخناً،فيما تتخذ منشورات الحزب أماكن بارزة من طاولته الخشبيّة وهو يشير بيديه الى العديد من الصور التي أظهرت المسيرة المليونية لحزب الله.يقول مشيداً باستخبارات الحزب:"حزب يملك عناصر استخبارات جيّدة.الأمن هنا مكفولٌ تماماً.لقد استطاعوا تفكيك العديد من العبوات الناسفة في أماكن متفرقة إحداها كانت أمام مدرسة أطفال".
هذه الضواحي الجنوبيّة تقع كلها تحت سطوة حزب الله وهي تنعم باستقلاليّة تامّة وبأنشطة ذات أهمية قصوى في ما يتعلق بالمواطن اللبناني البسيط.مؤسسات الحزب الخيرية تقوم بخدمات مجّانية بنشاط متصاعد أكثر من الدولة اللبنانيّة نفسها،وهو ما يجعل الحزب يتكئُ على قاعدة شعبيّة لا يضاهيها أي حزب آخر،حتى غدا وكأنه جمهوريةٌ أخرى نبتت في رحم الجمهورية اللبنانيّة الأم.
ليست منطقة "بئر العبد" غنيّة جداً ولكنها ليست على العكس كذلك. بوادر الحداثة بدأت تبرزُ جليّاً في سياق تكوينها المعماري،رغم ما فيها من بوادر بؤس تبدو واضحةً للعيان.في ضواحي جمهورية حزب الله تبدو الحياة تسيرُ دون رتوش أو برتوش لا فرق:الباعة يسيرون راجلين لبيع طيور محبوسة أو اسماك صيدت توّاً من البحر المستلقي على قدمي بيروت،والفتيات اللواتي يتدثرن بالعباءة السوداء إلى أخمص أقدامهن وقت خروجهن من المدارس،وأبواق السيارات التي تعلو عاكسة المزاج اللبناني المتوتر على الدوام.
لماذا أسميّها جمهورية حزب الله؟.لسبب بسيط هو أن الدولة اللبنانيّة هنا تكادُ تكون خارج حسابات أهل الضاحيّة.من يصاب بالمرض لا يذهب إلا إلى مراكز الحزب الصحيّة التي يموّلها بمبالغ كبيرة من المال،إذ إن أسرّة المستشفيات اللبنانية لم تعد تتسع لأجسادهم التي أقعدها المرض.كما أن الانتظار يستغرقُ وقتاً طويلاً .ومن يصاب بالفاقة فإنه يهرع مباشرة إلى المؤسسات الخيرية التي يملكها الحزب،ومن يحتاج لوظيفة فإنه يلتحق فوراً بكتائب الحزب.
في الجنبات المتوارية للضاحية التي تقع تحت سيادة حزب الله تبدو صورة نحيلة ظاهرةً على استحياء لمقتدى الصدر.يعلق أحد أصحاب المحلات:"إنه لا يحظى بشعبية كبيرة هنا..ولكن له محبون".الشمس تدنو من عينيّ بهدوء.هي ليست الشمس التي اعتدتها بل هي أكثر حنوّاً ورقّة.أسير بقدمين منهكتين جوار أحد المحال المتخصصة في بيع الساعات.في الأعلى تنتصب صورة كبيرة الحجم للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله،الذي لا ينازعه أحدٌ في شعبيته هنا.
الصور المرسومة بالألوان تكاد تكون متشابهة،إذ يظهر فيها السيد نصر الله بعمامته السوداء،وذقنه الكثيف المشذّب بعناية فائقة،ونظارته الطبية التي تخفي خلفهما عينين واثقتين.يقول أحد سائقي التاكسي:"إن الجميع يحبّه حتى أعداءه لأنه أكثر الناس صدقاً في هذه البلاد".هذا الحديث هو السمةُ المشتركة لكل من يتحدث هنا عن الأمين العام المجاهد،وهو الذي يحظى باحترام يفوق الوصف بسبب معارك المقاومة التي يترأسها ضد الجنود الإسرائيليين في مزارع شبعا،وعلى الشريط الحدودي الفاصل.
أرى بعينيّ حافلات صغيرة الحجم تتكاثر في الشوارع المنهكة والمليئة بالضجيج.طلاب يتكدسون جوار بعضهم في محاولة الظفر بمقعد حول الشرفات الزجاجيّة،في حين تبدو الطالبات في حافلاتهن المخصصة لنقلهن أكثر هدوءاً وهن يرتدين مناديلهن حول الوجه بعناية،وقد تفننن في اختيار ما يُلبس،بينما تمرُّ فتيات موغلات في اللباس الأسود بشكل كامل،وهن ما زلن في بوادر اكتمال النموّ الأول.
لباس النساء هنا محتشمٌ جداً.النساء المحجبات توازي أعدادهن أعداد النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب أو العباءة،في وقت أصبح فيه الحجاب موضة.المحجبات غدون معتادات على ارتداء الأزياء الضيقة التي تلتصق بالجسم دون فكاك،وتبرز "مناطق إستراتيجية من الجسد لا يُستحسن إظهارها" كما يقول عابر طريق ينظرُ إلى إحداهن ساخراً،فيما تضفي أسنانه الصفراء المتسخة على وجهه تعبيراً مقززاً.
سربُ حمام أبيض يلوحُ في الأفق.ينظرُ إليه عابرٌ بشكل طفيف ما يلبث أن تنتقل عيناه نحو أحد الإعلانات الكبيرة في منطقة "المشرفيّة" التي تتحدث عن منتوجات عصرية للحجاب الإسلامي بألوان مميزة.جادّة هادي حسن نصر الله تتهادى في مساحات الجانبيّة أشجار الصفصاف التي تتراقص بفتنة طاغية بفعل حفيف الرياح،فيما تضفي بهاءً على الأبنية الأنيقة نوعاً ما،وإن ليست هذه السمة الغالبة على كل الأبنية هنا.
ويستغرق الالتحاق بكتائب حزب الله وقتاً طويلاً إلى أن يكون الفردُ المنضم حديثاً على قدر هذه المسؤوليّة،ما يجعله يمرُّ بطابور طويل من الدورات التأهيلية التي تجعلُ منها عضواً مقاتلاً على الجبهة.وعلى الرغم من النفوذ الكبير الذي يملكه الحزب إلا أنه يعمل بتنسيق مباشر مع الدولة اللبنانية،حتى غدت خطوطهما متسقة بشكل لا يخفى.
وحين يأتي مقدم الطلب للعمل يخضع لمراقبة لمدة ثلاثة أشهر للتأكد من حسن تدينه وتتبعها تسعة أشهر أخرى لمتابعة حياته وكيفية عيشها،وإن كان يرتاد حانات أو ملاهٍ ليلية أو يشرب الكحول أو لا يؤدي الشعائر الدينية بشكل مستمر،ومن ثم يدخل إلى دورة تضاهي الشهر للتعبئة العسكرية.وكما يقول أحد مناصري الحزب فإن الأعضاء لا يحصلون على نقود،بينما يحصل المتفرغون للعمل على رواتب شهرية يدفعها الحزب.
يقول علي الحسيني الذي يدير شركة لتأجير السيارات إن كل مولود يولد في الضاحية يكون محباً للحزب بالفطرة.ويخرّج حزب الله كل فترة طلاب تعبئة تخرّج هذا العام منهم 3300 عنصر مستعدون للانخراط في سلك المقاومة،وهم بذلك يستطيعون الحصول على أسلحة الحزب التي لا يصرّح لهم بحملها خارج مقار الحزب دون إذن مسبق.
ويضيف الحسيني في حديثه:"لماذا يعتبرون حزب الله إرهابيا؟.إن الإرهاب هو ما تمارسه إسرائيل إنها جرثومة لابد من نزعها من المنطقة".ويقول متحمساً:"بضغطة واحدة على الزر يستطيع الحزب محو تل أبيب من الوجود.إن هناك قوةً إلهيّة تساعد الحزب في حربه ضد العدو".ويشيرُ إلى أن هجمات حزب الله على أهداف إسرائيلية أسهمت في كبح جماح الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الجنوب اللبناني.
علي يرتدي جاكيتاً أزرقاً ويتكئُ على مقعده في الشركة التي يملكها وهو يحتسي شاياً ساخناً،فيما تتخذ منشورات الحزب أماكن بارزة من طاولته الخشبيّة وهو يشير بيديه الى العديد من الصور التي أظهرت المسيرة المليونية لحزب الله.يقول مشيداً باستخبارات الحزب:"حزب يملك عناصر استخبارات جيّدة.الأمن هنا مكفولٌ تماماً.لقد استطاعوا تفكيك العديد من العبوات الناسفة في أماكن متفرقة إحداها كانت أمام مدرسة أطفال".