فاطمي
11-28-2005, 11:50 PM
بوش يفكّر كما لو كان نبياً وبعقلية الرسول الذي أرسله الله إلى العالم ليغيّره
مصطفى ياسين: «الرأي العام»
أجرت صحيفة "الرأي العام الكويتية" حديثاً مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، أجاب فيه سماحته عن عدة أسئلة تناولت الشأن العراقي على ضوء الاستفتاء حول ميثاق الدستور العراقي، والتدخل المفاجىء لجامعة الدول العربية في العراق عشية التصويت، إضافةً إلى الأوضاع العامة في لبنان، والحذر الذي يسود الساحة بانتظار الإعلان عن نتائج التحقيق الدولي بشأن اغتيال الرئيس الحريري.
وفي ما يأتي نص الحديث كاملاً:
الهلال بين الفلك والرؤية
س: نحن في شهر رمضان الكريم، وكل سنة يختلف المسلمون، سنّة وشيعة، على بداية الشهر ونهايته، وسماحتك اخترت الاعتماد على الأرصاد الفلكية في تحديد بداية الشهر ونهايته، ولكن لم يلتزم الشيعة ولا السنّة بذلك. ماذا تقول في هذا المجال؟
ج: المشكلة في مسألة ثبوت الشهر، هي في الجانب التقليدي للاجتهاد، لدى الشيعة والسنّة معاً، لأنهم كانوا حرفيّين في اجتهاداتهم وتفسيرهم لقول الرسول(ص): «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فقد اعتبروا الرؤية البصرية المباشرة الأساس الموضوعي في ثبوت الهلال. ولكنّنا من خلال فهمنا للنص، نجد أن الرؤية ليست إلا وسيلة للمعرفة، وليس لها موضوعية بالمستوى الذي يدور الأمر مداره، وجوداً وعدماً، وهذا أمر يفهمه الناس كافّة. لذلك فإنني أطرح المسألة بحسب الطريقة الشعبية: أنه لو جاء إليك إنسان وقال لك إذا رأيت فلاناً فأخبرني، ولكنك لم ترَ فلاناً، بل اتصل بك هاتفياً، فهل تخبره أو لا تخبره؟ أو إذا أردنا أن نأخذ بحرفية «إذا رأيتَ»، فإنك تقول إنني لم أرَه، لكني أعرف أن فلاناً موجود في هذا البلد؟.
ونحن عندما نقرأ في قوله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض} (التوبة:36)، نفهم أن قضية تفصيل الشهور أمر انطلق مع بداية الكون، حيث لم يكن هناك إنسان، فالله تحدث عن توزيع الشهور في مدار السنة قبل أن يوجد إنسان يبصر، ما يدل على أن قضية الشهر مرتبطة بالنظام الكوني. وفي ضوء هذا، فإنه لا بد لنا من أن نعرف أنّ الذي يجعل الشهر مستقلاً عن الشهر الثاني، إنما هو دخول القمر في المحاق وخروجه منه، لأن الزمن مستمر، وليست هناك حدود مادية للزمن، حتى نفصل شهراً عن شهر، وإنما هو من خلال الحركة الكونية، حيث إن دخول القمر في المحاق وخروجه منه، هو الذي يجعل نهاية لشهر وبداية لشهر آخر.
الرؤية البصرية ليست إلا وسيلة للتأكد من ثبوت الهلال في الأشهر القمرية
ومن جهة ثانية، فإن مسألة الرؤية أصبحت من المسائل التي يشتبه فيها البصر، باعتبار أن التلوث جعل الفضاء يختزن كثيراً من الأشياء التي تلمع، والتي قد يشتبه فيها الإنسان ويعتبرها هلالاً، وهي ليست هلالاً.
وفي ضوء هذا، نجد أن الشهود يشتبهون في الشهادة، كما في هذه السنة، إذ كان هناك إجماع لدى كل الفلكيين في العالم، على أنه يستحيل رؤية الهلال مساء الاثنين ـ ليلة الثلاثاء، ومع ذلك، رأينا بعض الناس يشهدون بأنهم رأوه. ومن المفروض أنهم عندما ادّعوا رؤيته لم يكن هناك نور للقمر يمكن أن يرى في أي مكان. ولهذا نعتقد أن الحسابات الفلكية الدقيقة، هي التي يُعتمد عليها بشكل قطعي، لأن الخطأ فيها لا يصل إلى واحد في المليون. ونحن نعرف أن كل حركة الصعود إلى الفضاء أو إلى الكواكب، تعتمد على هذه الحسابات الفلكية. فإذا تولّد الهلال، وهو أمر لا يختلف فيه أهل الخبرة، وأضفنا إليه إمكان الرؤية، بحيث يمضي وقت يرجع فيه النور إلى القمر، على أساس قوله تعالى: {قل هي مواقيت للناس والحج} (البقرة:189)، يكون هناك إمكان الرؤية، وإن لم يُر. لذلك نعتقد أن الاعتماد على الحسابات الفلكية الدقيقة، مع إمكان الرؤية، هو الذي يلغي مثل هذا الجدل الذي يتجدد كل سنة، والذي قد يعطي انطباعاً سلبياً عن الواقع الإسلامي الفقهي.
وأرى أن قضية بداية الأشهر القمرية، لا بدّ من أن يرجع فيها الناس إلى علماء الفلك وليس إلى علماء الشريعة، لأن علماء الشريعة لا خبرة لهم في هذا الموضوع من قريب أو بعيد.
لا بدّ من الرجوع في بداية الأشهر القمرية إلى علماء الفلك وليس إلى علماء الشريعة
س: يقال إن بعض الدول الإسلامية تعتمد الفلك من حيث التوليد من دون الإعلان عن ذلك. ما صحة هذا الكلام؟
ج: لا نريد الآن أن نجتهد في ما هي عليه هذه الدولة أو تلك، لأن الصورة العامة هي الاعتماد على الرؤية. ولذلك نجد أن الدول لا تعتمد اعتماداً قانونياً وشرعياً على الفلك، وعليه، فالقضية اجتهادية.
العراق والاحتلال الأميركي
س: منذ الاحتلال الأميركي للعراق، وهذا البلد العربي يعيش في الفتن. بالأمس، تحركت الجامعة العربية ودخلت على الخط عشية تصويت العراقيين على الدستور. كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ وهل يصحّ إيجاد «طائف عراقي» مثلاً؟
ج: أتصوّر أن مسألة العراق، ليست داخلية في حركة الكارثة التي يعيشها، بل هي قضية الاحتلال الأميركي الذي أدى إلى الفوضى الأمنية المتحركة الأبعاد، ونلاحظ أن هناك مقاومة، لا ندري عناوينها ولا نعرف خطوطها، ولكن يبدو أن هناك مقاومة عراقية. قد يختلف الناس في الحديث عنها سلباً أو إيجاباً. وفي مناخ هذه المقاومة للاحتلال، هناك التكفيريون الذين يكفّرون المسلمين، ليس الشيعة فحسب، بل يكفِّرون المسلمين من السنّة، ممّن ليسوا على منهجهم، وهذا ما يجعلهم يندفعون في أكثر من بلد إسلامي، كالسعودية والمغرب، ليقتلوا المسلمين السنّة من أطفال ونساء وشيوخ، لأنهم يرون أن كل من يحكمون بكفره يُستحلّ دمه. وهؤلاء التكفيريون ينطلقون من ثقافة بعض الاتجاهات السلفية، لأننا لا نتهم كل السلفيين بالقيام بهذه العمليات واستحلال دماء المسلمين.
هناك خلاف سياسي داخل العراق فقد أعطي العنوان السني والشيعي، ولكن لا علاقة له في الواقع بالمذهب السني أو الشيعي. وهذا الخلاف يتصل بالموقف من وحدة العراق على أساس مركزية الحكم، أو على أساس الاتحاد الفيديرالي التي ينقسم الرأي حولها، فهناك مَن لا يوافقون على الفيديرالية في شكل عام، ولكنّهم يوافقون على الفيديرالية للأكراد، ولا يوافقون على الفيديرالية للمحافظات.
المشكلة في العراق سياسية وليست مذهبية، ولأنّ الغالبية التي لا توافق على الفيديرالية في المحافظات هي سنية، والغالبية التي توافق عليها شيعية، أعطيت المسألة العنوان المذهبي. وفي ضوء هذا التحليل، ليست هناك خلافات سياسية خارج نطاق الاجتهاد السياسي والرأي السياسي، حتى يحتاج الأمر إلى مصالحة على غرار المصالحة اللبنانية التي تمت في الطائف بين المسيحيين والمسلمين، لأن القضية العراقية ليست قضية السنّة والشيعة في تقاسُم المسؤوليات، أو في التوازن في الواقع السياسي، لأن العراقيين بأجمعهم متفقون على أساس أن لا يكون التقسيم طائفياً، وإن تحدّث البعض عن الطائفية من خلال اضطهاد الشيعة سابقاً، وتحدث البعض الآخر عن اضطهاد السنّة حالياً. والفارق بين العراق ولبنان، أن المسألة الطائفية متجذرة على مستوى النظام في لبنان، حتى إن اتفاق الطائف كرّس الطائفية في القانون اللبناني. أما في العراق، فالوضع مختلف.
قضية العراق هي قضية الاحتلال الأميركي الذي أدى إلى الفوضى الأمنية المتحركة الأبعاد
أما لجهة تدخُّل العرب، فإننا نعتقد أولاً أنّهم جاؤوا متأخرين، وثانياً هم لم يقفوا مع العراق عندما كان يحكمه الطاغية الذي أربك كل العالم العربي والإسلامي في حربه على إيران والكويت، وفي المجازر الوحشية التي مارسها بالمستوى الذي حوّل ساحات العراق إلى مقابر جماعية، وفي الحرب الكيماوية على الأكراد في حلبجة. ولم نجد أن العرب تدخلوا لإنقاذ الشعب العراقي ومنع الحرب العراقية ـ الإيرانية، لا بل إنهم أنفقوا عشرات المليارات من أجل دعم الطاغية في حربه ضد إيران. كما أنّهم لم يمنعوا صدّام من حربه على الكويت، وإن كانوا قد انسجموا مع الأميركيين في قضية تحرير الكويت، من جهة الضغط الأميركي، وليس من جهة الأصالة العربية.
ونلاحظ أن العرب لم يبادروا إلى التدخل في المسألة العراقية عند الاحتلال الأميركي للعراق، بل ربما كان بعضهم يؤيد هذا الاحتلال بطريقة أو بأخرى، بسبب خضوعهم للسياسة الأميركية.
لذلك، فإن إعطاء التدخل العربي عنوان المصالحة بين العراقيين، ليس واقعياً، لأنّ مسألة الخلاف بين السنّة والشيعة، ليست كالخلاف بين المسلمين والمسيحيين في لبنان، بل هي في الرؤية السياسية المتجذّرة لدى العراقيين حول مسألة الفيدرالية.
لذلك، لا أتصوّر أن الظروف المحيطة بالواقع العراقي تسمح بنجاح الجامعة العربية في مشروعها الذي يأخذ عنوان المصالحة. وعلينا أن نلتفت إلى السياسة الأميركية في إدارة اللعبة العربية، كما هي اللعبة العراقية الداخلية، لأننا عندما ندرس حركة السفير الأميركي الأفغاني الأصل زلماي خليل زاده، نعرف أن أميركا هي التي تدير كل قواعد اللعبة، سواء كانت عربية أو محلية.
التكفيريون يكفّرون المسلمين، ليس الشيعة فحسب، بل يكفِّرون المسلمين من السنّة، ممّن ليسوا على منهجهم
س: ما هي مصلحة أميركا في إثارة هذه الفوضى في العراق مع وجود قواتها فيه؟ وهل من الممكن تكرار تجربة فيتنام في هذا المجال؟
ج: عندما ندرس شخصية الرئيس جورج بوش، نجد أن هذا الرجل يفكر كما لو كان نبياً، وهذا ما عبّر عنه في لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عندما قال إن الله أمرني بأن أحارب في أفغانستان فحاربت، والله أمرني بأن أعمل لتأسيس الدولة الفلسطينية وحماية الأمن الإسرائيلي من الفلسطينيين وسأفعل. فهذا الرجل يفكر بعقلية الرسول الذي أرسله الله إلى العالم ليغيّره، على أساس محاربة الإرهاب واعتماد الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات وما إلى ذلك. ولكن مشكلته أنّه يعتبر أن مصلحة العالم هي مصلحة أميركا، وأن عليه أن ينجح على أساس أن يحقق لأميركا النصر في أي موقع تتحرك فيه.
هناك أصوات ترتفع في العالم ضد الحرب في العراق، وثمة أصوات في أميركا تدعو إلى انسحاب القوات الأميركية منه، وخصوصاً في ضوء الخسائر البشرية في الجنود الأميركيين، والخسائر المادية في الميزانية الأميركية التي تُصرف على العراق.
لذلك، فإنّ بوش يبحث عن المبرر لبقاء قواته في العراق، لأنه لن يستطيع تحقيق النصر إلا إذا استطاع أن يحقق الضربة القاضية في العراق. وهو يعمل على أن يحقق هدفه هذا عن طريق الانتخابات التي قد لا يستطيع المراقب أن يعتبرها قانونية، ومن خلال الخلفيات التي تتحرك، ومن خلال المسؤولين الأميركيين، ابتداءً من بول بريمر، وانتهاءً بالسفير زلماي خليل زاده، فهو يحاول أن يفسح في المجال لخلط الأوراق وتعميم الفوضى الأمنية واستمرار الضربات التي تتحرك في العراق التي تطاول المدنيين غالباً، حتى يثبت للأميركيين أنه استطاع أن يحقق النصر.
الفوضى الأمنية في العراق، تفسح في المجال للإدارة الأميركية أن تُبقي جنودها فيه مدةً طويلة
لذلك، فإنَّ بقاء الفوضى الأمنية في العراق، يفسح في المجال للإدارة الأميركية أن تُبقي جنودها فيه مدةً طويلة، ولا سيّما أنّنا استمعنا إلى المسؤولين الأميركيين قبيل الحرب يقولون، إننا نحارب من أجل تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. وعلينا أن نعرف أن أميركا تعتبر أنّ القرن العشرين هو قرن النفط، وأنّ خطّتها هي السيطرة على كل النفط العربي، ومن خلال سيطرتها على نفط العراق، تمسك بعنق النفط، لتضغط به على أوروبا واليابان والصين وغيرها من الدول، ثم لتمتد بعد ذلك في تخطيطها لتُمسك بالنفط الإيراني.
فالمسألة هي أنّ أميركا تريد الإمساك بالمنطقة في شكل مباشر، بعد أن أمسكت بها في شكل غير مباشر. ولذلك فتِّش عن أميركا في كل كارثة في العراق، لأنّها لو كانت جدية في حفظ الأمن العراقي، وهي مسؤولة عنه أمام الأمم المتحدة، لكان في إمكانها أن تواجه كل هؤلاء الذين يستحلّون دماء المدنيين.
وإذ لم تستطع أميركا أن تحقق الأمن للعراقيين، ولديها أكثر من 150 ألف جندي، فكيف يمكن أن يتحقق الأمن للعراقيين مع مغادرتهم؟ وعلينا أن نعرف أيضاً أن العراق ليس محتلاً من أميركا فحسب، بل هو محتل من إسرائيل، لأنّ الموساد الإسرائيلي يتدخل في مفاصل الواقع العراقي، سواء في المنطقة الكردية أو في المنطقة العربية بحسب معلوماتنا الدقيقة. وفي ضوء هذا، فإنّ المسألة العراقية إسرائيلية ـ أميركية.
ونحن نعرف أن أمريكا تعمل بكل ما لديها من طاقة من أجل إدخال إسرائيل إلى مفاصل العالم العربي والإسلامي، وهذا ما يفسر اللهاث العربي وراء إسرائيل، لأن أميركا قالت لكل المسؤولين هنا وهناك، إنّ الطريق إلى أميركا يمر بإسرائيل، اقتصادياً وديبلوماسياً وسياسياً وأمنياً.
إيران والعراق
س: هل هذا يفسر تحميل إيران مسؤولية ما يجري في العراق من قبل بعض العرب، وآخر المواقف في هذا المجال لوزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل؟
ج: هناك علامات استفهام حول هذا الوضع الذي يثير الجدل في هذه الأيام، والذي يتحرك في دائرتين: الأولى إيرانية، استناداً إلى ما يُقال من أن إيران تتدخل في العراق في شكل بارز من خلال مخابراتها، أو من خلال بعض الميليشيات المرتبطة بها كمنظمة «بدر». وفي هذا المجال، نلاحظ أن إيران كانت أول دولة مجاورة للعراق تعترف بكل الواقع السياسي الجديد فيه، وتعترف بمجلس الحكم الذاتي، في الوقت الذي لم يحرّك العرب ساكناً، بصرف النظر عما إذا كان ذلك خطأً أو صواباً. وهكذا كانت إيران أول دولة مجاورة تعترف بكل الخط السياسي الذي انطلق به الواقع الجديد (الانتخابات، الدستور... الخ)، وربما كانت إيران تفكر في العراق الذي يقع على حدودها المباشرة، وما شكّله النظام الحاكم فيه من خطرٍ عليها من وجهة نظرها، والذي خاض حرباً ضدها، دمرت الاقتصاد والواقع الإيراني، كما دمرت الواقع والاقتصاد العراقي.
لذلك، فإنّ الاستراتيجية الإيرانية من وجهة نظر الإيرانيين، تفرض على السياسة الإيرانية أن تكون علاقاتها بالعراق، علاقة عضوية، خصوصاً مع النظام العراقي الجديد، حتى تحمي نفسها من الناحية الإقليمية، كما أنّ أمريكا أصبحت على حدودها من خلال الجيش الذي يسيطر على العراق. ولذلك حاولت إيران أن تلعب اللعبة السياسية الذكية التي تريد من خلالها أن يكون لها موقع نفوذ في العراق. ولكننا نقول من خلال معرفتنا بالواقع العراقي، إنّ العراق لا يمكن أن يخضع بحسب واقعه الشعبي، وحتى الشيعي، لحكم إيران أو أن تمتد الدولة الإيرانية فيه، بحيث تسيطر على مقدراته، لأن هناك خصوصيات لدى الشعب العراقي لا تنسجم دائماً مع كل عناصر الواقع السياسي في إيران. وهذا أمر يعرفه كل من يدرس خصوصيات الشعب العراقي مقارنةً بالشعب الإيراني على الرغم من الاتحاد المذهبي.
والدائرة الثانية: هي أن هناك واقعاً يسيطر على أكثر من موقع عربي يتعلّق بالمسألة الشيعية. وهناك ضجة حول الوضع السياسي في العراق، خصوصاً ما يشار إليه من سيطرة شيعية على العراق، وما يطرح مخاوف من الامتداد المذهبي الشيعي في المنطقة، وهذا ما عبّر عنه الملك عبدالله الثاني عندما تحدّث عن الهلال الشيعي.
ونحن نعرف أن الشيعة العراقيين أعلنوا أنهم لا يريدون سلطة في العراق على حساب السنّة، بل يريدون أن يعيشوا مع كل المكوّنات العراقية، وعلى أساس المساواة في الحقوق والواجبات، أي على قاعدة ألا يضطهدوا أحداً، وألا يضطهدهم أحد.
أعلن الشيعة العراقيين أنهم لا يريدون سلطة في العراق على حساب السنّة، بل يريدون
أن يعيشوا مع كل المكوّنات العراقية
ونقول للذين يتحدثون عن الشيعية العراقية، ماذا عن السنية الكردية؟ ثم هل إن مسألة الهلال الشيعي يمكن أن تكون لها واقعية سياسية؟
وأخشى أن تكون التعليقات المتصلة بالمسألة الإيرانية والمسألة الشيعية، يراد لها أن تثير بعض الجدل، الذي لا نعتقد أنه من مصلحة العرب ولا العراق. ونعتقد أن الأمور المرتبطة بعلاقات دولة مع أخرى، لا بد من أن تخضع للحوار السياسي بينهما. نحن نعرف أنه كانت هناك مشاكل بين إيران والخليج، ثم انطلق الحوار ليجعل العلاقات بينهما علاقات سلام. والبعض يتساءل: هل هذه الإثارات التي تنطلق في خط الصراع حول المشروع النووي السلمي الإيراني والجدل الأميركي والأوروبي مع إيران، هي لإيجاد حال من الإثارة حول الخطر الإيراني على العراق والمنطقة العربية من خلال هذا المشروع، في الوقت الذي لم يتحدث أحد عن خطر بالنسبة إلى المشروع النووي المسلح الإسرائيلي، والباكستاني، والهندي؟ لماذا إيران بالذات؟ هذا هو السؤال الكبير.
عروبة الشيعة
س: لأنّ هناك تشكيكاً في عروبة الشيعة!!
ج: دول الخليج تعرف أن الشيعة مخلصون لأوطانهم، فالشيعة في الكويت واجهوا النظام العراقي الطاغي بالمقاومة في شكل كبير جداً، والشيعة في المنطقة الشرقية (في السعودية)، احتضنوا الكويتيين الذين هاجروا إليهم هرباً من النظام الطاغي. الشيعة عرب قبل أن يكون الآخرون عرباً، وإذا تحدث البعض عن العرب وغير العرب، فهل كل السنّة عرباً؟ هذا في الوقت الذي نرفض الحديث عن المذهبية، وعندما يتحدّث الآخرون عنها، عليهم أن يكونوا علميّين.
مصطفى ياسين: «الرأي العام»
أجرت صحيفة "الرأي العام الكويتية" حديثاً مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، أجاب فيه سماحته عن عدة أسئلة تناولت الشأن العراقي على ضوء الاستفتاء حول ميثاق الدستور العراقي، والتدخل المفاجىء لجامعة الدول العربية في العراق عشية التصويت، إضافةً إلى الأوضاع العامة في لبنان، والحذر الذي يسود الساحة بانتظار الإعلان عن نتائج التحقيق الدولي بشأن اغتيال الرئيس الحريري.
وفي ما يأتي نص الحديث كاملاً:
الهلال بين الفلك والرؤية
س: نحن في شهر رمضان الكريم، وكل سنة يختلف المسلمون، سنّة وشيعة، على بداية الشهر ونهايته، وسماحتك اخترت الاعتماد على الأرصاد الفلكية في تحديد بداية الشهر ونهايته، ولكن لم يلتزم الشيعة ولا السنّة بذلك. ماذا تقول في هذا المجال؟
ج: المشكلة في مسألة ثبوت الشهر، هي في الجانب التقليدي للاجتهاد، لدى الشيعة والسنّة معاً، لأنهم كانوا حرفيّين في اجتهاداتهم وتفسيرهم لقول الرسول(ص): «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فقد اعتبروا الرؤية البصرية المباشرة الأساس الموضوعي في ثبوت الهلال. ولكنّنا من خلال فهمنا للنص، نجد أن الرؤية ليست إلا وسيلة للمعرفة، وليس لها موضوعية بالمستوى الذي يدور الأمر مداره، وجوداً وعدماً، وهذا أمر يفهمه الناس كافّة. لذلك فإنني أطرح المسألة بحسب الطريقة الشعبية: أنه لو جاء إليك إنسان وقال لك إذا رأيت فلاناً فأخبرني، ولكنك لم ترَ فلاناً، بل اتصل بك هاتفياً، فهل تخبره أو لا تخبره؟ أو إذا أردنا أن نأخذ بحرفية «إذا رأيتَ»، فإنك تقول إنني لم أرَه، لكني أعرف أن فلاناً موجود في هذا البلد؟.
ونحن عندما نقرأ في قوله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض} (التوبة:36)، نفهم أن قضية تفصيل الشهور أمر انطلق مع بداية الكون، حيث لم يكن هناك إنسان، فالله تحدث عن توزيع الشهور في مدار السنة قبل أن يوجد إنسان يبصر، ما يدل على أن قضية الشهر مرتبطة بالنظام الكوني. وفي ضوء هذا، فإنه لا بد لنا من أن نعرف أنّ الذي يجعل الشهر مستقلاً عن الشهر الثاني، إنما هو دخول القمر في المحاق وخروجه منه، لأن الزمن مستمر، وليست هناك حدود مادية للزمن، حتى نفصل شهراً عن شهر، وإنما هو من خلال الحركة الكونية، حيث إن دخول القمر في المحاق وخروجه منه، هو الذي يجعل نهاية لشهر وبداية لشهر آخر.
الرؤية البصرية ليست إلا وسيلة للتأكد من ثبوت الهلال في الأشهر القمرية
ومن جهة ثانية، فإن مسألة الرؤية أصبحت من المسائل التي يشتبه فيها البصر، باعتبار أن التلوث جعل الفضاء يختزن كثيراً من الأشياء التي تلمع، والتي قد يشتبه فيها الإنسان ويعتبرها هلالاً، وهي ليست هلالاً.
وفي ضوء هذا، نجد أن الشهود يشتبهون في الشهادة، كما في هذه السنة، إذ كان هناك إجماع لدى كل الفلكيين في العالم، على أنه يستحيل رؤية الهلال مساء الاثنين ـ ليلة الثلاثاء، ومع ذلك، رأينا بعض الناس يشهدون بأنهم رأوه. ومن المفروض أنهم عندما ادّعوا رؤيته لم يكن هناك نور للقمر يمكن أن يرى في أي مكان. ولهذا نعتقد أن الحسابات الفلكية الدقيقة، هي التي يُعتمد عليها بشكل قطعي، لأن الخطأ فيها لا يصل إلى واحد في المليون. ونحن نعرف أن كل حركة الصعود إلى الفضاء أو إلى الكواكب، تعتمد على هذه الحسابات الفلكية. فإذا تولّد الهلال، وهو أمر لا يختلف فيه أهل الخبرة، وأضفنا إليه إمكان الرؤية، بحيث يمضي وقت يرجع فيه النور إلى القمر، على أساس قوله تعالى: {قل هي مواقيت للناس والحج} (البقرة:189)، يكون هناك إمكان الرؤية، وإن لم يُر. لذلك نعتقد أن الاعتماد على الحسابات الفلكية الدقيقة، مع إمكان الرؤية، هو الذي يلغي مثل هذا الجدل الذي يتجدد كل سنة، والذي قد يعطي انطباعاً سلبياً عن الواقع الإسلامي الفقهي.
وأرى أن قضية بداية الأشهر القمرية، لا بدّ من أن يرجع فيها الناس إلى علماء الفلك وليس إلى علماء الشريعة، لأن علماء الشريعة لا خبرة لهم في هذا الموضوع من قريب أو بعيد.
لا بدّ من الرجوع في بداية الأشهر القمرية إلى علماء الفلك وليس إلى علماء الشريعة
س: يقال إن بعض الدول الإسلامية تعتمد الفلك من حيث التوليد من دون الإعلان عن ذلك. ما صحة هذا الكلام؟
ج: لا نريد الآن أن نجتهد في ما هي عليه هذه الدولة أو تلك، لأن الصورة العامة هي الاعتماد على الرؤية. ولذلك نجد أن الدول لا تعتمد اعتماداً قانونياً وشرعياً على الفلك، وعليه، فالقضية اجتهادية.
العراق والاحتلال الأميركي
س: منذ الاحتلال الأميركي للعراق، وهذا البلد العربي يعيش في الفتن. بالأمس، تحركت الجامعة العربية ودخلت على الخط عشية تصويت العراقيين على الدستور. كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ وهل يصحّ إيجاد «طائف عراقي» مثلاً؟
ج: أتصوّر أن مسألة العراق، ليست داخلية في حركة الكارثة التي يعيشها، بل هي قضية الاحتلال الأميركي الذي أدى إلى الفوضى الأمنية المتحركة الأبعاد، ونلاحظ أن هناك مقاومة، لا ندري عناوينها ولا نعرف خطوطها، ولكن يبدو أن هناك مقاومة عراقية. قد يختلف الناس في الحديث عنها سلباً أو إيجاباً. وفي مناخ هذه المقاومة للاحتلال، هناك التكفيريون الذين يكفّرون المسلمين، ليس الشيعة فحسب، بل يكفِّرون المسلمين من السنّة، ممّن ليسوا على منهجهم، وهذا ما يجعلهم يندفعون في أكثر من بلد إسلامي، كالسعودية والمغرب، ليقتلوا المسلمين السنّة من أطفال ونساء وشيوخ، لأنهم يرون أن كل من يحكمون بكفره يُستحلّ دمه. وهؤلاء التكفيريون ينطلقون من ثقافة بعض الاتجاهات السلفية، لأننا لا نتهم كل السلفيين بالقيام بهذه العمليات واستحلال دماء المسلمين.
هناك خلاف سياسي داخل العراق فقد أعطي العنوان السني والشيعي، ولكن لا علاقة له في الواقع بالمذهب السني أو الشيعي. وهذا الخلاف يتصل بالموقف من وحدة العراق على أساس مركزية الحكم، أو على أساس الاتحاد الفيديرالي التي ينقسم الرأي حولها، فهناك مَن لا يوافقون على الفيديرالية في شكل عام، ولكنّهم يوافقون على الفيديرالية للأكراد، ولا يوافقون على الفيديرالية للمحافظات.
المشكلة في العراق سياسية وليست مذهبية، ولأنّ الغالبية التي لا توافق على الفيديرالية في المحافظات هي سنية، والغالبية التي توافق عليها شيعية، أعطيت المسألة العنوان المذهبي. وفي ضوء هذا التحليل، ليست هناك خلافات سياسية خارج نطاق الاجتهاد السياسي والرأي السياسي، حتى يحتاج الأمر إلى مصالحة على غرار المصالحة اللبنانية التي تمت في الطائف بين المسيحيين والمسلمين، لأن القضية العراقية ليست قضية السنّة والشيعة في تقاسُم المسؤوليات، أو في التوازن في الواقع السياسي، لأن العراقيين بأجمعهم متفقون على أساس أن لا يكون التقسيم طائفياً، وإن تحدّث البعض عن الطائفية من خلال اضطهاد الشيعة سابقاً، وتحدث البعض الآخر عن اضطهاد السنّة حالياً. والفارق بين العراق ولبنان، أن المسألة الطائفية متجذرة على مستوى النظام في لبنان، حتى إن اتفاق الطائف كرّس الطائفية في القانون اللبناني. أما في العراق، فالوضع مختلف.
قضية العراق هي قضية الاحتلال الأميركي الذي أدى إلى الفوضى الأمنية المتحركة الأبعاد
أما لجهة تدخُّل العرب، فإننا نعتقد أولاً أنّهم جاؤوا متأخرين، وثانياً هم لم يقفوا مع العراق عندما كان يحكمه الطاغية الذي أربك كل العالم العربي والإسلامي في حربه على إيران والكويت، وفي المجازر الوحشية التي مارسها بالمستوى الذي حوّل ساحات العراق إلى مقابر جماعية، وفي الحرب الكيماوية على الأكراد في حلبجة. ولم نجد أن العرب تدخلوا لإنقاذ الشعب العراقي ومنع الحرب العراقية ـ الإيرانية، لا بل إنهم أنفقوا عشرات المليارات من أجل دعم الطاغية في حربه ضد إيران. كما أنّهم لم يمنعوا صدّام من حربه على الكويت، وإن كانوا قد انسجموا مع الأميركيين في قضية تحرير الكويت، من جهة الضغط الأميركي، وليس من جهة الأصالة العربية.
ونلاحظ أن العرب لم يبادروا إلى التدخل في المسألة العراقية عند الاحتلال الأميركي للعراق، بل ربما كان بعضهم يؤيد هذا الاحتلال بطريقة أو بأخرى، بسبب خضوعهم للسياسة الأميركية.
لذلك، فإن إعطاء التدخل العربي عنوان المصالحة بين العراقيين، ليس واقعياً، لأنّ مسألة الخلاف بين السنّة والشيعة، ليست كالخلاف بين المسلمين والمسيحيين في لبنان، بل هي في الرؤية السياسية المتجذّرة لدى العراقيين حول مسألة الفيدرالية.
لذلك، لا أتصوّر أن الظروف المحيطة بالواقع العراقي تسمح بنجاح الجامعة العربية في مشروعها الذي يأخذ عنوان المصالحة. وعلينا أن نلتفت إلى السياسة الأميركية في إدارة اللعبة العربية، كما هي اللعبة العراقية الداخلية، لأننا عندما ندرس حركة السفير الأميركي الأفغاني الأصل زلماي خليل زاده، نعرف أن أميركا هي التي تدير كل قواعد اللعبة، سواء كانت عربية أو محلية.
التكفيريون يكفّرون المسلمين، ليس الشيعة فحسب، بل يكفِّرون المسلمين من السنّة، ممّن ليسوا على منهجهم
س: ما هي مصلحة أميركا في إثارة هذه الفوضى في العراق مع وجود قواتها فيه؟ وهل من الممكن تكرار تجربة فيتنام في هذا المجال؟
ج: عندما ندرس شخصية الرئيس جورج بوش، نجد أن هذا الرجل يفكر كما لو كان نبياً، وهذا ما عبّر عنه في لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عندما قال إن الله أمرني بأن أحارب في أفغانستان فحاربت، والله أمرني بأن أعمل لتأسيس الدولة الفلسطينية وحماية الأمن الإسرائيلي من الفلسطينيين وسأفعل. فهذا الرجل يفكر بعقلية الرسول الذي أرسله الله إلى العالم ليغيّره، على أساس محاربة الإرهاب واعتماد الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات وما إلى ذلك. ولكن مشكلته أنّه يعتبر أن مصلحة العالم هي مصلحة أميركا، وأن عليه أن ينجح على أساس أن يحقق لأميركا النصر في أي موقع تتحرك فيه.
هناك أصوات ترتفع في العالم ضد الحرب في العراق، وثمة أصوات في أميركا تدعو إلى انسحاب القوات الأميركية منه، وخصوصاً في ضوء الخسائر البشرية في الجنود الأميركيين، والخسائر المادية في الميزانية الأميركية التي تُصرف على العراق.
لذلك، فإنّ بوش يبحث عن المبرر لبقاء قواته في العراق، لأنه لن يستطيع تحقيق النصر إلا إذا استطاع أن يحقق الضربة القاضية في العراق. وهو يعمل على أن يحقق هدفه هذا عن طريق الانتخابات التي قد لا يستطيع المراقب أن يعتبرها قانونية، ومن خلال الخلفيات التي تتحرك، ومن خلال المسؤولين الأميركيين، ابتداءً من بول بريمر، وانتهاءً بالسفير زلماي خليل زاده، فهو يحاول أن يفسح في المجال لخلط الأوراق وتعميم الفوضى الأمنية واستمرار الضربات التي تتحرك في العراق التي تطاول المدنيين غالباً، حتى يثبت للأميركيين أنه استطاع أن يحقق النصر.
الفوضى الأمنية في العراق، تفسح في المجال للإدارة الأميركية أن تُبقي جنودها فيه مدةً طويلة
لذلك، فإنَّ بقاء الفوضى الأمنية في العراق، يفسح في المجال للإدارة الأميركية أن تُبقي جنودها فيه مدةً طويلة، ولا سيّما أنّنا استمعنا إلى المسؤولين الأميركيين قبيل الحرب يقولون، إننا نحارب من أجل تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. وعلينا أن نعرف أن أميركا تعتبر أنّ القرن العشرين هو قرن النفط، وأنّ خطّتها هي السيطرة على كل النفط العربي، ومن خلال سيطرتها على نفط العراق، تمسك بعنق النفط، لتضغط به على أوروبا واليابان والصين وغيرها من الدول، ثم لتمتد بعد ذلك في تخطيطها لتُمسك بالنفط الإيراني.
فالمسألة هي أنّ أميركا تريد الإمساك بالمنطقة في شكل مباشر، بعد أن أمسكت بها في شكل غير مباشر. ولذلك فتِّش عن أميركا في كل كارثة في العراق، لأنّها لو كانت جدية في حفظ الأمن العراقي، وهي مسؤولة عنه أمام الأمم المتحدة، لكان في إمكانها أن تواجه كل هؤلاء الذين يستحلّون دماء المدنيين.
وإذ لم تستطع أميركا أن تحقق الأمن للعراقيين، ولديها أكثر من 150 ألف جندي، فكيف يمكن أن يتحقق الأمن للعراقيين مع مغادرتهم؟ وعلينا أن نعرف أيضاً أن العراق ليس محتلاً من أميركا فحسب، بل هو محتل من إسرائيل، لأنّ الموساد الإسرائيلي يتدخل في مفاصل الواقع العراقي، سواء في المنطقة الكردية أو في المنطقة العربية بحسب معلوماتنا الدقيقة. وفي ضوء هذا، فإنّ المسألة العراقية إسرائيلية ـ أميركية.
ونحن نعرف أن أمريكا تعمل بكل ما لديها من طاقة من أجل إدخال إسرائيل إلى مفاصل العالم العربي والإسلامي، وهذا ما يفسر اللهاث العربي وراء إسرائيل، لأن أميركا قالت لكل المسؤولين هنا وهناك، إنّ الطريق إلى أميركا يمر بإسرائيل، اقتصادياً وديبلوماسياً وسياسياً وأمنياً.
إيران والعراق
س: هل هذا يفسر تحميل إيران مسؤولية ما يجري في العراق من قبل بعض العرب، وآخر المواقف في هذا المجال لوزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل؟
ج: هناك علامات استفهام حول هذا الوضع الذي يثير الجدل في هذه الأيام، والذي يتحرك في دائرتين: الأولى إيرانية، استناداً إلى ما يُقال من أن إيران تتدخل في العراق في شكل بارز من خلال مخابراتها، أو من خلال بعض الميليشيات المرتبطة بها كمنظمة «بدر». وفي هذا المجال، نلاحظ أن إيران كانت أول دولة مجاورة للعراق تعترف بكل الواقع السياسي الجديد فيه، وتعترف بمجلس الحكم الذاتي، في الوقت الذي لم يحرّك العرب ساكناً، بصرف النظر عما إذا كان ذلك خطأً أو صواباً. وهكذا كانت إيران أول دولة مجاورة تعترف بكل الخط السياسي الذي انطلق به الواقع الجديد (الانتخابات، الدستور... الخ)، وربما كانت إيران تفكر في العراق الذي يقع على حدودها المباشرة، وما شكّله النظام الحاكم فيه من خطرٍ عليها من وجهة نظرها، والذي خاض حرباً ضدها، دمرت الاقتصاد والواقع الإيراني، كما دمرت الواقع والاقتصاد العراقي.
لذلك، فإنّ الاستراتيجية الإيرانية من وجهة نظر الإيرانيين، تفرض على السياسة الإيرانية أن تكون علاقاتها بالعراق، علاقة عضوية، خصوصاً مع النظام العراقي الجديد، حتى تحمي نفسها من الناحية الإقليمية، كما أنّ أمريكا أصبحت على حدودها من خلال الجيش الذي يسيطر على العراق. ولذلك حاولت إيران أن تلعب اللعبة السياسية الذكية التي تريد من خلالها أن يكون لها موقع نفوذ في العراق. ولكننا نقول من خلال معرفتنا بالواقع العراقي، إنّ العراق لا يمكن أن يخضع بحسب واقعه الشعبي، وحتى الشيعي، لحكم إيران أو أن تمتد الدولة الإيرانية فيه، بحيث تسيطر على مقدراته، لأن هناك خصوصيات لدى الشعب العراقي لا تنسجم دائماً مع كل عناصر الواقع السياسي في إيران. وهذا أمر يعرفه كل من يدرس خصوصيات الشعب العراقي مقارنةً بالشعب الإيراني على الرغم من الاتحاد المذهبي.
والدائرة الثانية: هي أن هناك واقعاً يسيطر على أكثر من موقع عربي يتعلّق بالمسألة الشيعية. وهناك ضجة حول الوضع السياسي في العراق، خصوصاً ما يشار إليه من سيطرة شيعية على العراق، وما يطرح مخاوف من الامتداد المذهبي الشيعي في المنطقة، وهذا ما عبّر عنه الملك عبدالله الثاني عندما تحدّث عن الهلال الشيعي.
ونحن نعرف أن الشيعة العراقيين أعلنوا أنهم لا يريدون سلطة في العراق على حساب السنّة، بل يريدون أن يعيشوا مع كل المكوّنات العراقية، وعلى أساس المساواة في الحقوق والواجبات، أي على قاعدة ألا يضطهدوا أحداً، وألا يضطهدهم أحد.
أعلن الشيعة العراقيين أنهم لا يريدون سلطة في العراق على حساب السنّة، بل يريدون
أن يعيشوا مع كل المكوّنات العراقية
ونقول للذين يتحدثون عن الشيعية العراقية، ماذا عن السنية الكردية؟ ثم هل إن مسألة الهلال الشيعي يمكن أن تكون لها واقعية سياسية؟
وأخشى أن تكون التعليقات المتصلة بالمسألة الإيرانية والمسألة الشيعية، يراد لها أن تثير بعض الجدل، الذي لا نعتقد أنه من مصلحة العرب ولا العراق. ونعتقد أن الأمور المرتبطة بعلاقات دولة مع أخرى، لا بد من أن تخضع للحوار السياسي بينهما. نحن نعرف أنه كانت هناك مشاكل بين إيران والخليج، ثم انطلق الحوار ليجعل العلاقات بينهما علاقات سلام. والبعض يتساءل: هل هذه الإثارات التي تنطلق في خط الصراع حول المشروع النووي السلمي الإيراني والجدل الأميركي والأوروبي مع إيران، هي لإيجاد حال من الإثارة حول الخطر الإيراني على العراق والمنطقة العربية من خلال هذا المشروع، في الوقت الذي لم يتحدث أحد عن خطر بالنسبة إلى المشروع النووي المسلح الإسرائيلي، والباكستاني، والهندي؟ لماذا إيران بالذات؟ هذا هو السؤال الكبير.
عروبة الشيعة
س: لأنّ هناك تشكيكاً في عروبة الشيعة!!
ج: دول الخليج تعرف أن الشيعة مخلصون لأوطانهم، فالشيعة في الكويت واجهوا النظام العراقي الطاغي بالمقاومة في شكل كبير جداً، والشيعة في المنطقة الشرقية (في السعودية)، احتضنوا الكويتيين الذين هاجروا إليهم هرباً من النظام الطاغي. الشيعة عرب قبل أن يكون الآخرون عرباً، وإذا تحدث البعض عن العرب وغير العرب، فهل كل السنّة عرباً؟ هذا في الوقت الذي نرفض الحديث عن المذهبية، وعندما يتحدّث الآخرون عنها، عليهم أن يكونوا علميّين.