المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لغة مفقودة



زوربا
11-26-2005, 03:55 PM
محمود كرم

كاتب كويتي

tloo1@hotmail.com



ربما يتساءل الكثيرون: لماذا تفتقد مجتمعاتنا لغة الحب والود والتعاطف فيما بينها ?? ولماذا اصبحت اللغة المتداولة هي لغة العنف والتشنج والقسوة والصلابة?

على مستوى الحياة الزوجية نجد ان اللغة السائدة فيها هي لغة الخشونة والجفاف العاطفي والمشاعر المتيبسة, حتى ان الزوج يستنكف من ان يغدق على زوجته كلمات العطف والدلع والحنان والمودة ويجد ان ذلك ينتقص من رجولته التي يجب ان تتسم دائما ً بالعنف اللفظي والجفاف والتخشب.
وتنسحب هذه اللغة ايضا ً على الاولاد في البيت فينشا الطفل مقتديا ً بابيه وفي اغلب البيوت نجد ان الاولاد الذكور لا يحترمون اخواتهم البنات ويتعاملون معهن بفوقية وخشونة وتسلط مقيت ..
وقد لا ابالغ اذا قلت ان لغة الود والتسامح والابتسامة تكاد تختفي تماما ً من حياتنا بصورة عامة.
هل جرب احدكم حينما يخرج من بيته في اي مشوار ان يحصي عدد الوجوه الباسمة والمبتسمة والمنشرحة التي سوف يصادفها?
حينما اخرجُ من منزلي الى عملي او الى اي مشوار اخر لا اواجه الا وجوها ً عابسة متجهمة تفتقد رونق الابتسامة المشعة بالود والانشراح, حتى ان الناس اعتادت على هذه الطريقة الجافة والخشنة في حياتها فلم نعد نرى ظاهرة تبادل التحيات العادية فيما بينهم وكان الواحد اصبح يضمر ثارا ً او حقدا ً على الاخر, واكثر ما يدهشني حينما اتناول طعامي في احد المطاعم برفقة زوجتي استغرب من منظر زوجين على طاولة مجاورة لا يتبادلان سوى الصمت الكئيب وكانهما قد جلبا الكابة معهما من البيت.
اتساءل مع نفسي كثيرا: لماذا اصبحت اللغة السائدة في مجتمعاتنا هي لغة الخطاب العنفي وتعميم اسلوب التوجيه الحاد الفج وتغليب مزاج التجهم والعنف?
هل لاننا مجتمعات تعاني من قسوة الصحراء وانعكست تلك القسوة على حياتنا ام لاننا مجتمعات خاضعة بالكامل للمزاج الذكوري المشبع بلغة التسلط والعنف والقسوة بحكم الوصاية والاستحواذ ام لان ثقافتنا الدينية تطلب منا ان نبقى متجهمين عابسين لكي لا ن¯ُصاب ( بمخاطر ) الفرح والمرح والضحك واللهو البريء?
لماذا حينما نسافر الى اوطان الغرب نندهش من كمية اللطف والود التي نجدها متوفرة فيما بينهم ولا نلتقي الا باناس ٍ سرعان ما يبادلونك التحية بوجه منشرح ولسان جميل?
شخصيا ً كنتُ استمتع بطريقة الناس في السويد طيلة فترة اقامتي هناك والتي امتدت ستة اشهر متواصلة لاني لم اشعر معهم بالغربة فكل مَن كان يصادفني او اصادفه يبادلني تحية رقيقة مهذبة بريئة بدءا ً من سائق الحافلة الى كل مَن التقيه في المستشفى الى العاملين في الاسواق المركزية الى العاملين في المقاهي والمطاعم.
حتى اني اصبحت احفظ تحيتهم باللغة السويدية وكنتُ اجد راحة نفسية لان الناس هناك قلما تجدهم عابسين او متجهمين ولم اصادف اثنين يتبادلان العنف اللفظي بينهما حتى لو كانا يتشاجران بينما عندنا اصبحنا نجد مظاهر الشِجار والتعدي اللفظي والعنف الكلامي والجسدي في شوارعنا وفي كل مكان ولاقل الاسباب.
ربما يقول البعض ان هذه ملاحظات عادية ولا نستطيع ان نحكم من خلالها على طبيعة المجتمعات.
طيب حتى هذه التي نراها عادية لماذا نفتقدها نحن ?
في الغرب يلتقون ويناقشون كيف واين يقضون الويك اند ليزيحوا عن كاهلهم عناء عمل اسبوع كامل بينما جماعتنا حينما يلتقون يتكلمون عن عذاب القبر وباقي العذابات التي لا تنتهي ويرددون التوجيهات الارشادية للسلف الصالح والكثير من المعزوفات النكدية.!
المشكلة اننا اصبحنا نحارب وبضراوة ابداعات الاخرين كعيد الفلنتاين على سبيل المثال وليس الحصر , تلك الابداعات التي تسبغ على حياة الفرد شيئا ً من لغة المحبة والود بحجة حماية موروثاتنا من التشويه والاغتصاب وفي ذات الوقت نعجز كليا ً عن ابداع مناسبات جميلة تشيع جوا ً من المتعة والبهجة واللغة المحببة المتسامحة.
ففي احدى الدول الخليجية اصدرت لجنة الافتاء فتوى بتحريم اهداء الزهور للمرضى في المستشفيات.!
المشكلة ان هذه الفتوى تحمل الرقم ( 21409 ) في سلسلة الفتاوى التي تدور حول هذه المواضيع وما شابهها.
فلا غرابة اذن وسط هذا الكم الهائل من الفتاوى التي تدين لغة الورد والجمال ان يكون المجال مفتوحا ً للغة الارهاب والعنف والخشونة ان تسود.
لماذا لا نترك مساحة جميلة في هامش ٍ من حياتنا تسمو بلغة الموسيقى والحب والعطف وتضج بالمرح واللهو البريء حتى نخلق توازنا ً في منظومة الذات وتنحسر بالتالي لغة القسوة والعنف والتجهم?
ما اعرفه اننا نحن الخليجيين سيمنحنا الله عمرا ً اضافيا ً غير باقي البشر تعويضا ً عن نكد الاصوليين الدينيين!