زوربا
11-21-2005, 04:13 PM
العوائل البغدادية تتمسك بتقاليدها وسهراتها التي يزينها صوت إلهام المدفعي
عمان: معد فياض
كانت الهجرات الاولى للعراقيين الى الاردن قد بدأت عام 1991 بعد توقف العمليات الحربية في «عاصفة الصحراء»، حرب تحرير الكويت والسماح للعراقيين بالسفر كشرط من شروط الامم المتحدة. وقتذاك لم تكن اي من البلدان العربية او الغربية قد فتحت ابوابها امام العراقيين سوى الاردن.
السلطات الاردنية سهلت منذ البداية عملية دخول العراقيين الى اراضيها من غير شرط الحصول على تأشيرة دخول (الفيزا)، ومنحتهم اذن بالاقامة الرسمية لثلاثة اشهر، يعتبر بعدها العراقي مقيما غير رسمي، وعليه دفع غرامة مقدارها دينار واحد، ثم ارتفعت الى الدينار ونصف الدينار الاردني عن كل يوم. وسعت السلطات الاردنية الى مساعدة العراقيين الذين يتجاوزون الحد الاعلى من فترة الاقامة، باصدار قرارات عفو عن الغرامات المتراكمة لدى بعض العراقيين لسنوات طويلة.
بعض العراقيين اتخذوا من الاردن محطة لهم للهجرة الى البلدان الاوروبية او الولايات المتحدة او كندا او استراليا، بعضهم حالفه الحظ وحصل على حق اللجوء عن طريق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للامم المتحدة، وبعضهم ما يزال ينتظر، وهناك من خانه الحظ من جهة ولم يحصل على حق اللجوء، وحالفه حظه من جهة ثانية فاستقر بالاردن.
غالبية رواد الهجرات الاولى كانوا من الطبقتين المتوسطة والفقيرة. جاءوا الى عمان للعمل في شتى مجالات الحياة، ومنها البناء والخدمات وبيع الدخان على الارصفة.
ووجد الاردنيون ان الايادي العراقية هي ايادي عمل رخيصة. فمثلا تتقاضى العراقية من حملة الشهادات الجامعية ما بين 60 الى 80 دينارا راتبا شهريا، عن عملها سكرتيرة في مكاتب الشركات الخاصة. وغالبية هذه الاعمال تتم بعيدا عن الشروط الرسمية والقوانين التي لا تسمح بعمل اي وافد من غير ان يحصل على حق الاقامة والعمل.
ويتخذ غالبية من العراقيين، الذين وفدوا الى الاردن في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، من احياء عمان الشرقية وفي المدن البعيدة، مثل السلط والكرك والزرقا محلات اقامة لهم، بينما اقام الاثرياء والمتمكنين منهم في الاحياء الراقية الواقعة في عمان الغربية.
وكان عدد كبير من المثقفين والفنانين والاطباء والمهندسين واساتذة الجامعات، قد نزحوا الى الاردن خلال سنوات عقد التسعينات، بينما بقي التجار العراقيون في بغداد لمواصلة اعمالهم والقيام بزيارات الى الاردن لعقد صفقات تجارية.
الهجرة الثانية للعراقيين الى الاردن، بدأت بعد الحرب الاخيرة، ودخول القوات الاميركية الى العراق، لازاحة نظام صدام حسين، وغالبية من نزح في عام 2003 وما يليه من سنوات، هم من الاثرياء والاطباء والاكاديميين المعروفين والعوائل الراقية و(الحواسم).
اسباب الهجرة الثانية عام 2003 كانت امنية، حيث انتشرت في العراق جرائم الاختطاف والابتزاز والاغتيالات المجانية. القادمون ضمن هذه الموجة اتخذوا من الأحياء الراقية للغاية في عمان مساكن لهم، حيث اشتروا شققا وفيلات في احياء عبدون ودير غبار والصويفية والرابية وام اذينة والجاردنز مستمتعين بالامتيازات السكنية التي توفرها هذه الاحياء.
في الهجرة الثانية اختلط الحابل بالنابل مثلما يقال، فقد جاء الى عمان الاكاديميون وكبار الاطباء والمهندسون والتجار، كما جاءها «الحواسم» واللصوص.
في هذه الهجرة وفد الى العاصمة الاردنية بعض كبار المسؤولين في نظام صدام حسين، سواء من العسكريين او كبار القيادات البعثية، وخير مثال على ذلك، اختيار رغد ورنا ابنتي الرئيس العراقي المخلوع، عمان مستقرا لهما مع ابنائهما. لكن السلطات الاردنية التي استقبلت ابنتي صدام حسين لدواع انسانية، لم تبق على اراضيها المسؤولين البعثيين والحكوميين العراقيين السابقين، كي لا تتحول عمان الى بؤرة لتجمعهم تنتج عنها مشاكل سياسية وامنية، الاردن في غنى عنها.
عراقيو الهجرة الثانية لم يحتاجوا العمل في المؤسسات الاردنية، بل اسسوا شركاتهم التجارية والصناعية، واستثمروا في قطاعات العقارات والمستشفيات الخاصة، مستفيدين من التسهيلات التي أبدتها الحكومة الاردنية للمستثمرين العرب والاجانب، ومن شعار رفعته القيادة الاردنية، يقول «الاستثمار بلا حدود» او «ليس هناك سطح للاستثمار»، بل ان القيادة الاردنية راحت بعيدا في دعم المستثمر العراقي عندما سهلت له في فترة من الفترات فرصة الحصول على الجواز الاردني ضمن شروط معينة، لتسهل له اجراءات الاقامة والسفر الى الخارج. القوانين الاردنية تتعامل مع العراقي شأنه شأن الاردني، في ما عدا ما يتعلق بشروط الاقامة والترشيح للانتخابات والانتخاب. والمراكز الامنية او دوائر الدولة لا تفرق بين اردني وعراقي في حالة مراجعتها لتقديم شكوى ما، او لتسهيل مهمة معينة، ذلك ان استقلالية القضاء الاردني تكفل لكل من يقيم فوق الاراضي الاردنية الوقوف سواسية امام المحاكم الاردنية، بل ان السلطات الاردنية تتسامح كثيرا مع العراقيين، باعتبارهم ضيوفا على المملكة، لكن القوانين لا ترحم من يتجاوز على أمن البلد او أمن المواطنين، وباعتراف مسؤول امني اردني، فان هناك عشرات من العراقيين المحتجزين لمخالفاتهم قوانين الاقامة ولتجاوزهم على الأمن الوطني، ويتم تسفير هؤلاء بالتعاون مع السفارة العراقية. اما من يقترف جرائم السرقة او القتل او اية جريمة اخرى، فتتم محاكمته امام القضاء الاردني، وربما يتم تسليمه للسلطات العراقية، حسب مذكرة تبادل المجرمين، التي وقعت مؤخرا بين وزيري الداخلية في العراق والاردن.
ونقل العراقيون تقاليدهم الثقافية الى العاصمة الاردنية عمان، فاقاموا صالات للعرض التشكيلي، مثل صالة الاورفلي في منطقة ام اذينة. وأدى تزايد أعداد العراقيين في الاردن، الى افتتاح مطاعم عراقية مختلفة لا تقدم الا المأكولات العراقية المشهورة، ومن بينها السمك المشوي على الطريقة البغدادية (المسقوف). وتختلف مستويات هذه المطاعم، وبعد ان كان هناك مطعم شعبي واحد وسط عمان الشرقية قرب الساحة الهاشمية، يقدم الاكلات العراقية الشعبية، افتتح مطعم سومر للاكلات العراقية، وهو اول مطعم يتم افتتاحه في عمان الغربية (دوار الواحة)، وتلته مطاعم أخرى، مثل الملح وزاد الخي، خان كباب، ضفاف الرافدين ومطعم القرة غولي.
العوائل العراقية لها سهراتها الخاصة في مطاعم ومقاه راقية، يغني فيها عادة المطرب العراقي الهام المدفعي، حيث يتحلقون حوله وهم يرددون معه الاغاني البغدادية، مثل «على شواطي دجله» و«جلجل علي الرمان» و«مالي شغل بالسوق»، وغيرها من الاغاني، التي يستعيد العراقيون من خلالها ذكرياتهم في نوادي الصيد ونادي العلوية وجمعية التشكيليين والجمعية البغدادية، وغيرها من الاماكن التي كانت تحتضن افراحهم وسهراتهم، فاضحت اليوم خالية يستغلها بعض السياسيين لاقامة الندوات والحفلات الانتخابية. كما تسهر العوائل العراقية في فنادق، مثل فندق لي رويال على موسيقى الجالغي البغدادي وفرقة الفنان العراقي نابليون، الذي يحيي حفلاته في قاعة الحرير في الفندق الكبير.
فنادق عمان ليست مخصصة لسهرات العراقيين فحسب، بل لاجتماعاتهم ولقاءاتهم السياسية، ففي الفترة التي سبقت تقديم القوائم الانتخابية وتشكيل الكتل السياسية، شهد فندقا حياة عمان وفور سيزن لقاءات للسياسيين الذين كانوا يجتمعون قبيل الاعلان عن تشكيلاتهم مستقبلين انصارهم في اجتماعات فئة الخمسة نجوم.
عمان: معد فياض
كانت الهجرات الاولى للعراقيين الى الاردن قد بدأت عام 1991 بعد توقف العمليات الحربية في «عاصفة الصحراء»، حرب تحرير الكويت والسماح للعراقيين بالسفر كشرط من شروط الامم المتحدة. وقتذاك لم تكن اي من البلدان العربية او الغربية قد فتحت ابوابها امام العراقيين سوى الاردن.
السلطات الاردنية سهلت منذ البداية عملية دخول العراقيين الى اراضيها من غير شرط الحصول على تأشيرة دخول (الفيزا)، ومنحتهم اذن بالاقامة الرسمية لثلاثة اشهر، يعتبر بعدها العراقي مقيما غير رسمي، وعليه دفع غرامة مقدارها دينار واحد، ثم ارتفعت الى الدينار ونصف الدينار الاردني عن كل يوم. وسعت السلطات الاردنية الى مساعدة العراقيين الذين يتجاوزون الحد الاعلى من فترة الاقامة، باصدار قرارات عفو عن الغرامات المتراكمة لدى بعض العراقيين لسنوات طويلة.
بعض العراقيين اتخذوا من الاردن محطة لهم للهجرة الى البلدان الاوروبية او الولايات المتحدة او كندا او استراليا، بعضهم حالفه الحظ وحصل على حق اللجوء عن طريق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للامم المتحدة، وبعضهم ما يزال ينتظر، وهناك من خانه الحظ من جهة ولم يحصل على حق اللجوء، وحالفه حظه من جهة ثانية فاستقر بالاردن.
غالبية رواد الهجرات الاولى كانوا من الطبقتين المتوسطة والفقيرة. جاءوا الى عمان للعمل في شتى مجالات الحياة، ومنها البناء والخدمات وبيع الدخان على الارصفة.
ووجد الاردنيون ان الايادي العراقية هي ايادي عمل رخيصة. فمثلا تتقاضى العراقية من حملة الشهادات الجامعية ما بين 60 الى 80 دينارا راتبا شهريا، عن عملها سكرتيرة في مكاتب الشركات الخاصة. وغالبية هذه الاعمال تتم بعيدا عن الشروط الرسمية والقوانين التي لا تسمح بعمل اي وافد من غير ان يحصل على حق الاقامة والعمل.
ويتخذ غالبية من العراقيين، الذين وفدوا الى الاردن في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، من احياء عمان الشرقية وفي المدن البعيدة، مثل السلط والكرك والزرقا محلات اقامة لهم، بينما اقام الاثرياء والمتمكنين منهم في الاحياء الراقية الواقعة في عمان الغربية.
وكان عدد كبير من المثقفين والفنانين والاطباء والمهندسين واساتذة الجامعات، قد نزحوا الى الاردن خلال سنوات عقد التسعينات، بينما بقي التجار العراقيون في بغداد لمواصلة اعمالهم والقيام بزيارات الى الاردن لعقد صفقات تجارية.
الهجرة الثانية للعراقيين الى الاردن، بدأت بعد الحرب الاخيرة، ودخول القوات الاميركية الى العراق، لازاحة نظام صدام حسين، وغالبية من نزح في عام 2003 وما يليه من سنوات، هم من الاثرياء والاطباء والاكاديميين المعروفين والعوائل الراقية و(الحواسم).
اسباب الهجرة الثانية عام 2003 كانت امنية، حيث انتشرت في العراق جرائم الاختطاف والابتزاز والاغتيالات المجانية. القادمون ضمن هذه الموجة اتخذوا من الأحياء الراقية للغاية في عمان مساكن لهم، حيث اشتروا شققا وفيلات في احياء عبدون ودير غبار والصويفية والرابية وام اذينة والجاردنز مستمتعين بالامتيازات السكنية التي توفرها هذه الاحياء.
في الهجرة الثانية اختلط الحابل بالنابل مثلما يقال، فقد جاء الى عمان الاكاديميون وكبار الاطباء والمهندسون والتجار، كما جاءها «الحواسم» واللصوص.
في هذه الهجرة وفد الى العاصمة الاردنية بعض كبار المسؤولين في نظام صدام حسين، سواء من العسكريين او كبار القيادات البعثية، وخير مثال على ذلك، اختيار رغد ورنا ابنتي الرئيس العراقي المخلوع، عمان مستقرا لهما مع ابنائهما. لكن السلطات الاردنية التي استقبلت ابنتي صدام حسين لدواع انسانية، لم تبق على اراضيها المسؤولين البعثيين والحكوميين العراقيين السابقين، كي لا تتحول عمان الى بؤرة لتجمعهم تنتج عنها مشاكل سياسية وامنية، الاردن في غنى عنها.
عراقيو الهجرة الثانية لم يحتاجوا العمل في المؤسسات الاردنية، بل اسسوا شركاتهم التجارية والصناعية، واستثمروا في قطاعات العقارات والمستشفيات الخاصة، مستفيدين من التسهيلات التي أبدتها الحكومة الاردنية للمستثمرين العرب والاجانب، ومن شعار رفعته القيادة الاردنية، يقول «الاستثمار بلا حدود» او «ليس هناك سطح للاستثمار»، بل ان القيادة الاردنية راحت بعيدا في دعم المستثمر العراقي عندما سهلت له في فترة من الفترات فرصة الحصول على الجواز الاردني ضمن شروط معينة، لتسهل له اجراءات الاقامة والسفر الى الخارج. القوانين الاردنية تتعامل مع العراقي شأنه شأن الاردني، في ما عدا ما يتعلق بشروط الاقامة والترشيح للانتخابات والانتخاب. والمراكز الامنية او دوائر الدولة لا تفرق بين اردني وعراقي في حالة مراجعتها لتقديم شكوى ما، او لتسهيل مهمة معينة، ذلك ان استقلالية القضاء الاردني تكفل لكل من يقيم فوق الاراضي الاردنية الوقوف سواسية امام المحاكم الاردنية، بل ان السلطات الاردنية تتسامح كثيرا مع العراقيين، باعتبارهم ضيوفا على المملكة، لكن القوانين لا ترحم من يتجاوز على أمن البلد او أمن المواطنين، وباعتراف مسؤول امني اردني، فان هناك عشرات من العراقيين المحتجزين لمخالفاتهم قوانين الاقامة ولتجاوزهم على الأمن الوطني، ويتم تسفير هؤلاء بالتعاون مع السفارة العراقية. اما من يقترف جرائم السرقة او القتل او اية جريمة اخرى، فتتم محاكمته امام القضاء الاردني، وربما يتم تسليمه للسلطات العراقية، حسب مذكرة تبادل المجرمين، التي وقعت مؤخرا بين وزيري الداخلية في العراق والاردن.
ونقل العراقيون تقاليدهم الثقافية الى العاصمة الاردنية عمان، فاقاموا صالات للعرض التشكيلي، مثل صالة الاورفلي في منطقة ام اذينة. وأدى تزايد أعداد العراقيين في الاردن، الى افتتاح مطاعم عراقية مختلفة لا تقدم الا المأكولات العراقية المشهورة، ومن بينها السمك المشوي على الطريقة البغدادية (المسقوف). وتختلف مستويات هذه المطاعم، وبعد ان كان هناك مطعم شعبي واحد وسط عمان الشرقية قرب الساحة الهاشمية، يقدم الاكلات العراقية الشعبية، افتتح مطعم سومر للاكلات العراقية، وهو اول مطعم يتم افتتاحه في عمان الغربية (دوار الواحة)، وتلته مطاعم أخرى، مثل الملح وزاد الخي، خان كباب، ضفاف الرافدين ومطعم القرة غولي.
العوائل العراقية لها سهراتها الخاصة في مطاعم ومقاه راقية، يغني فيها عادة المطرب العراقي الهام المدفعي، حيث يتحلقون حوله وهم يرددون معه الاغاني البغدادية، مثل «على شواطي دجله» و«جلجل علي الرمان» و«مالي شغل بالسوق»، وغيرها من الاغاني، التي يستعيد العراقيون من خلالها ذكرياتهم في نوادي الصيد ونادي العلوية وجمعية التشكيليين والجمعية البغدادية، وغيرها من الاماكن التي كانت تحتضن افراحهم وسهراتهم، فاضحت اليوم خالية يستغلها بعض السياسيين لاقامة الندوات والحفلات الانتخابية. كما تسهر العوائل العراقية في فنادق، مثل فندق لي رويال على موسيقى الجالغي البغدادي وفرقة الفنان العراقي نابليون، الذي يحيي حفلاته في قاعة الحرير في الفندق الكبير.
فنادق عمان ليست مخصصة لسهرات العراقيين فحسب، بل لاجتماعاتهم ولقاءاتهم السياسية، ففي الفترة التي سبقت تقديم القوائم الانتخابية وتشكيل الكتل السياسية، شهد فندقا حياة عمان وفور سيزن لقاءات للسياسيين الذين كانوا يجتمعون قبيل الاعلان عن تشكيلاتهم مستقبلين انصارهم في اجتماعات فئة الخمسة نجوم.