زهير
11-20-2005, 08:24 AM
خالد حسين الشطي
في الثمانينات ابان الحرب العراقية الايرانية، كنت ممن ينشد مع الشباب المؤمن المناصر للثورة الاسلامية والإمام الخميني: «الحرب قائمة يا ويل من فعلوا، لن توقف الحرب حتى يسقط الجمل»، توقفت الحرب ولم يسقط الجمل، وظل صدام في ملكه وعلى جبروته وطغيانه.
وكنا نلجأ الى التحليل الديني، وفي مخزون التراث الشيعي الذي ينعكس في خطابه وادبياته، وفي وجدانه المثقل بتاريخ طويل عمدته ضروب الظلم والقهر والتنكيل والاضطهاد، ما ترسخ كثقافة وطبيعة تحكم هذه الطائفة، في هذا المجموع سعة ومساحة كبيرة لمعالجة حالات الاحباط وما يمكنها من تجاوز الازمات.
فطرحت لنا رؤية تفلسف النصر وتنظر اليه من زاوية لا نحبها، فرغم اننا تعاملنا معه كحتمية «إن تنصروا الله ينصركم»، الا ان ذلك ليس بالضرورة ان يأخذ شكل قهر العدو وهزيمته، بل قد يكون بالظفر بالشهادة والرضا الإلهي. فالفوز وفقا لمفهوم «احدى الحسنيين» اما ان يكون اخرويا «يدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكين طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم» او يكون دنيويا «واخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين».
وهناك معالجة اخرى تلقيناها في ذلك الحين انصبت على النظر في حالنا والتشكيك في نوايانا، اكدت لنا ان الجهاد شابته انانية ومصلحية دنيوية ولم يكن خالصا لله، والا لتحقق جواب الشرط في الآية الشريفة.
اما الامام الخميني نفسه، فقد لف الامر في لفافة من الغيب والغموض، وقال ان في الامر اسرارا ستظهرها الايام ويكشفها المستقبل، وقال ان كثيرين لن يفهموا فوائد التضحيات التي قدمت في الحرب، ولن يستوعبوا البركات التي جاءت وستأتي بها دماء الشهداء، وقال ان لا شيء ذهب هدرا، وان النصر آتٍ.
اما انا شخصيا فما سكنت نفسي حتى جمعت هذه المعالجات مع حديث عن الامام الصادق عليه السلام: «لإزالة جبل عن موضعه اهون من ازالة ملك لم تنقض ايامه» فقد بينت هذه الرواية، مفهوم سنن التغيير، وما يحكمه من وجود آجال للدول، كما للبشر والكائنات الحية، فكما يسقط عامل بناء من طوابق عدة ولا يموت، او يعثر عمال الانقاذ على طفل حي تحت الانقاض، كذلك تجتمع اسباب سقوط الحكومات، ولكنها تبقى ولا تسقط، لأنها لم تستوف الاجل الذي كتبه الله لها.
التغيير سنة كونية وناموس طبيعي، اذا اردت ان تطوعه لصالحك، عليك ان تغير نفسك، فتنأى بها عن الحقد والتعصب، وعن الجهل والتعامي عن الحقائق، فإذا فعلت، فستعلم ان العراق قد تغير.
هذه حقيقة دخلت في الصيرورة التاريخية، وهناك الكثير من المعطيات التي علينا ان نغيرها في تفكيرنا وفهمنا لهذه الحقيقة. عراق اليوم لا يختلف عن عراق صدام والعهد البعثي فحسب، بل عن عراق العهد العارفي، والعهد القاسمي، والعهد الملكي. النظام العراقي الجديد لم يأت بانقلاب عسكري، ولا جاءت به عصابة تنظمت في حزب عروبي، قومي او بعثي، ولا حتى اسلامي! ولم تفرضه دولة مستعمرة تناور لتتحكم وتبقي على سيطرتها، فتسلط اقلية ضئيلة على اكثرية مطلقة، كما فعل الانكليز حين تأسست الدولة العراقية الحديثة.
لقد جاءت بالعراق اليوم ارادة شعبية عكستها قوى المعارضة الكبرى التي كانت تجاهد الظلم وتناضل الدكتاتورية، وهذه القوى تمثل اكثر من 95% من الشعب، وتقودها نخبة من اشرف ابناء هذا البلد، من الذين قاسوا الامرين وضحوا بالاعزين، ومن الذين تمتعوا بحنكة ووعي قادهم لإنقاذ بلدهم عبر التنسيق، بل عبر تسخير واستغلال ارادة دولية تقف خلفها جملة من الدول المتحضرة المتمدنة التي تتفوق على دول منطقتنا على جميع الاصعدة ومنها نظم الحكم بمئات السنين.
صحيح انها تنطلق من مصالحها، ولكنها في الوقت نفسه خاضعة لقوانين وملتزمة بعهود ومواثيق واعراف، لأنها - ببساطة - هي التي وضعتها، وهي التي تؤمّن لها مصالحها الاستراتيجية.
وبعد، فعراق الغد سيكون الأغنى والاكثر ثراء في المنطقة، اذ ستكون خيراته لأبنائه لأول مرة في تاريخه! وعندما تمتلئ العين وتشبع البطن وتستغني النفس، تعف الاعضاء وتلتزم الجوارح، فلن ينظر لا الى الكويت ولا غيرها.
ان اسباب تشنج بعض نواب التيار الاسلامي المتطرف وبعض الكتاب من انصار التكفيريين ذوي التوجه الطائفي، من العراق الجديد واستغلالهم اي حادث بسيط للتشنيع عليه وتشويه صورته، مفهومة ومكشوفة للجميع، والشمس لا يداريها غربال الحرص على المصالح الوطنية العليا ولا التشدق بالحذر والخوف من تكرار الصامتة والغزو.
بمجرد ان يصدر تصريح طائش في صحيفة عراقية، او يتحرك بعض الصبية على الحدود، ينفجرون مضخمين مهولين، والاهم من ذلك انهم يعممون، فلا يستثنون احدا في العراق، ويتعرضون للعراقيين كعراقيين، لا كبعثيين وصداميين، بأسلوب تهكمي بعيد عن الادب والاحترام، وهذا مما تجده ايضا في مسرحياتنا ومسلسلاتنا التلفزيونية.
وقد استغل البعض هذا الباب واوغل فيه وتطرف، حتى برئ جيش الشام والقى تبعة دم الحسين على العراقيين، وقفز على جميع الحقائق التاريخية، ولعله ان قيض له ان يكتب عن العراق المعاصر، لكتب ان العراقيين (والاطلاق على الغالبية المعروفة هويتها) قاوموا الاحتلال وفجروا المساجد والاسواق وقتلوا النساء والاطفال، ولبرئ الزرقاوي ومن معه من الفلسطينيين والشاميين والجزائريين والتونسيين والخليجيين!
اننا نهدر كنوزا من العلاقات والصداقات التي بذلت الدبلوماسية الكويتية الكثير لتقييمها مع جملة من رموز المعارضة العراقية السابقة، الذين اصبحوا قادة العراق اليوم. نحن والعراق اليوم في منظومة واحدة، وتحت مظلة دولية واحدة، وتحكمنا استراتيجية واحدة، ولا اريد ان انفي امكانية التقلبات السياسية وتقاطع المصالح التي قد تغير المواقف، ولكني اريد ان اقول ان هامش الخطر الذي يتهددنا من العراق اصبح هو نفسه الذي يمكن ان يقع من اية دولة خليجية شقيقة!
كيف تتوافق لغة نواب وكتاب كويتيين وتلتقي آمالهم وامانيهم مع الارهابيين القتلة الذين اقسموا وآلوا على انفسهم ان ينتقموا من الكويت، لأنها كانت السبب وكانت رأس الجسر للدخول الاميركي وتحرير (احتلال) العراق؟
نعم هناك حقد دفين على الكويت في نفوس بعض العراقيين، ولكن من هم هؤلاد الحاقدون؟ انهم هم انفسهم اعداء النظام الجديد، النظام الدستوري الديموقراطي الفدرالي، الاقلية الطائفية التي لا تريد ان تفهم وتستوعب ان عصر الظلم قد ولى، وعليهم ان يكتفوا بما مضى، ويتكيفوا مع الواقع الجديد، لم يطيقوا هذا فتحالفوا مع بقايا البعث والتكفيريين.
فهل يلتقي كويتي مع هؤلاء؟.
www.khalid-alshatti.com
في الثمانينات ابان الحرب العراقية الايرانية، كنت ممن ينشد مع الشباب المؤمن المناصر للثورة الاسلامية والإمام الخميني: «الحرب قائمة يا ويل من فعلوا، لن توقف الحرب حتى يسقط الجمل»، توقفت الحرب ولم يسقط الجمل، وظل صدام في ملكه وعلى جبروته وطغيانه.
وكنا نلجأ الى التحليل الديني، وفي مخزون التراث الشيعي الذي ينعكس في خطابه وادبياته، وفي وجدانه المثقل بتاريخ طويل عمدته ضروب الظلم والقهر والتنكيل والاضطهاد، ما ترسخ كثقافة وطبيعة تحكم هذه الطائفة، في هذا المجموع سعة ومساحة كبيرة لمعالجة حالات الاحباط وما يمكنها من تجاوز الازمات.
فطرحت لنا رؤية تفلسف النصر وتنظر اليه من زاوية لا نحبها، فرغم اننا تعاملنا معه كحتمية «إن تنصروا الله ينصركم»، الا ان ذلك ليس بالضرورة ان يأخذ شكل قهر العدو وهزيمته، بل قد يكون بالظفر بالشهادة والرضا الإلهي. فالفوز وفقا لمفهوم «احدى الحسنيين» اما ان يكون اخرويا «يدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكين طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم» او يكون دنيويا «واخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين».
وهناك معالجة اخرى تلقيناها في ذلك الحين انصبت على النظر في حالنا والتشكيك في نوايانا، اكدت لنا ان الجهاد شابته انانية ومصلحية دنيوية ولم يكن خالصا لله، والا لتحقق جواب الشرط في الآية الشريفة.
اما الامام الخميني نفسه، فقد لف الامر في لفافة من الغيب والغموض، وقال ان في الامر اسرارا ستظهرها الايام ويكشفها المستقبل، وقال ان كثيرين لن يفهموا فوائد التضحيات التي قدمت في الحرب، ولن يستوعبوا البركات التي جاءت وستأتي بها دماء الشهداء، وقال ان لا شيء ذهب هدرا، وان النصر آتٍ.
اما انا شخصيا فما سكنت نفسي حتى جمعت هذه المعالجات مع حديث عن الامام الصادق عليه السلام: «لإزالة جبل عن موضعه اهون من ازالة ملك لم تنقض ايامه» فقد بينت هذه الرواية، مفهوم سنن التغيير، وما يحكمه من وجود آجال للدول، كما للبشر والكائنات الحية، فكما يسقط عامل بناء من طوابق عدة ولا يموت، او يعثر عمال الانقاذ على طفل حي تحت الانقاض، كذلك تجتمع اسباب سقوط الحكومات، ولكنها تبقى ولا تسقط، لأنها لم تستوف الاجل الذي كتبه الله لها.
التغيير سنة كونية وناموس طبيعي، اذا اردت ان تطوعه لصالحك، عليك ان تغير نفسك، فتنأى بها عن الحقد والتعصب، وعن الجهل والتعامي عن الحقائق، فإذا فعلت، فستعلم ان العراق قد تغير.
هذه حقيقة دخلت في الصيرورة التاريخية، وهناك الكثير من المعطيات التي علينا ان نغيرها في تفكيرنا وفهمنا لهذه الحقيقة. عراق اليوم لا يختلف عن عراق صدام والعهد البعثي فحسب، بل عن عراق العهد العارفي، والعهد القاسمي، والعهد الملكي. النظام العراقي الجديد لم يأت بانقلاب عسكري، ولا جاءت به عصابة تنظمت في حزب عروبي، قومي او بعثي، ولا حتى اسلامي! ولم تفرضه دولة مستعمرة تناور لتتحكم وتبقي على سيطرتها، فتسلط اقلية ضئيلة على اكثرية مطلقة، كما فعل الانكليز حين تأسست الدولة العراقية الحديثة.
لقد جاءت بالعراق اليوم ارادة شعبية عكستها قوى المعارضة الكبرى التي كانت تجاهد الظلم وتناضل الدكتاتورية، وهذه القوى تمثل اكثر من 95% من الشعب، وتقودها نخبة من اشرف ابناء هذا البلد، من الذين قاسوا الامرين وضحوا بالاعزين، ومن الذين تمتعوا بحنكة ووعي قادهم لإنقاذ بلدهم عبر التنسيق، بل عبر تسخير واستغلال ارادة دولية تقف خلفها جملة من الدول المتحضرة المتمدنة التي تتفوق على دول منطقتنا على جميع الاصعدة ومنها نظم الحكم بمئات السنين.
صحيح انها تنطلق من مصالحها، ولكنها في الوقت نفسه خاضعة لقوانين وملتزمة بعهود ومواثيق واعراف، لأنها - ببساطة - هي التي وضعتها، وهي التي تؤمّن لها مصالحها الاستراتيجية.
وبعد، فعراق الغد سيكون الأغنى والاكثر ثراء في المنطقة، اذ ستكون خيراته لأبنائه لأول مرة في تاريخه! وعندما تمتلئ العين وتشبع البطن وتستغني النفس، تعف الاعضاء وتلتزم الجوارح، فلن ينظر لا الى الكويت ولا غيرها.
ان اسباب تشنج بعض نواب التيار الاسلامي المتطرف وبعض الكتاب من انصار التكفيريين ذوي التوجه الطائفي، من العراق الجديد واستغلالهم اي حادث بسيط للتشنيع عليه وتشويه صورته، مفهومة ومكشوفة للجميع، والشمس لا يداريها غربال الحرص على المصالح الوطنية العليا ولا التشدق بالحذر والخوف من تكرار الصامتة والغزو.
بمجرد ان يصدر تصريح طائش في صحيفة عراقية، او يتحرك بعض الصبية على الحدود، ينفجرون مضخمين مهولين، والاهم من ذلك انهم يعممون، فلا يستثنون احدا في العراق، ويتعرضون للعراقيين كعراقيين، لا كبعثيين وصداميين، بأسلوب تهكمي بعيد عن الادب والاحترام، وهذا مما تجده ايضا في مسرحياتنا ومسلسلاتنا التلفزيونية.
وقد استغل البعض هذا الباب واوغل فيه وتطرف، حتى برئ جيش الشام والقى تبعة دم الحسين على العراقيين، وقفز على جميع الحقائق التاريخية، ولعله ان قيض له ان يكتب عن العراق المعاصر، لكتب ان العراقيين (والاطلاق على الغالبية المعروفة هويتها) قاوموا الاحتلال وفجروا المساجد والاسواق وقتلوا النساء والاطفال، ولبرئ الزرقاوي ومن معه من الفلسطينيين والشاميين والجزائريين والتونسيين والخليجيين!
اننا نهدر كنوزا من العلاقات والصداقات التي بذلت الدبلوماسية الكويتية الكثير لتقييمها مع جملة من رموز المعارضة العراقية السابقة، الذين اصبحوا قادة العراق اليوم. نحن والعراق اليوم في منظومة واحدة، وتحت مظلة دولية واحدة، وتحكمنا استراتيجية واحدة، ولا اريد ان انفي امكانية التقلبات السياسية وتقاطع المصالح التي قد تغير المواقف، ولكني اريد ان اقول ان هامش الخطر الذي يتهددنا من العراق اصبح هو نفسه الذي يمكن ان يقع من اية دولة خليجية شقيقة!
كيف تتوافق لغة نواب وكتاب كويتيين وتلتقي آمالهم وامانيهم مع الارهابيين القتلة الذين اقسموا وآلوا على انفسهم ان ينتقموا من الكويت، لأنها كانت السبب وكانت رأس الجسر للدخول الاميركي وتحرير (احتلال) العراق؟
نعم هناك حقد دفين على الكويت في نفوس بعض العراقيين، ولكن من هم هؤلاد الحاقدون؟ انهم هم انفسهم اعداء النظام الجديد، النظام الدستوري الديموقراطي الفدرالي، الاقلية الطائفية التي لا تريد ان تفهم وتستوعب ان عصر الظلم قد ولى، وعليهم ان يكتفوا بما مضى، ويتكيفوا مع الواقع الجديد، لم يطيقوا هذا فتحالفوا مع بقايا البعث والتكفيريين.
فهل يلتقي كويتي مع هؤلاء؟.
www.khalid-alshatti.com