المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ألان غرينسبان قائد أوركسترا خارق



yasmeen
11-18-2005, 11:00 PM
جان – بيار روبان، لوفيغارو الفرنسية

يثير تقاعد ألان غرينسبان في 31 كانون الثاني (يناير) 2006 غداة قيادته الاحتياط الفيديرالي الاميركي 18 عاماً، من الاسئلة قدر تلك التي اثارتها وفاة البابا يوحنا بولس الثاني في ختام حبرية دامت 27 عاماً. فهو عاصره، على سبيل المثال، 13 وزير مال فرنسياً، وجدد ولايته ثلاثة رؤساء جمهورية منذ توليته في صيف 1987 عن يد رونالد ريغان. وهذا قرينة على الاجماع الذي حاط سياسته. وقياساً على اضطراب الحياة الاقتصادية والبورصة، في الاثناء، يبدو ثباته غريباً. ولكن اسواق المال، على غرار القطعان، تحتاج الى راع، على رغم ان علاقة الوحدات الاقتصادية والمالية بالمصرف المركزي لا تشبه القيادة المركزية في شيء.

فالمصرف المركزي الاوروبي والاحتياط الفيديرالي الاميركي يدهما مطلقة في تسعير المال المتداول لأجل قصير جداً، أي في تحديد سعر الفائدة على الاموال التي تتداولها فيما بينها المصارف التجارية، وعلى الاموال التي قد تستلفها من الفيديرالي او المركزي، اذا لم تتقيد المصارف التجارية بالسعر المحدد. وأما الفوائد الاخرى، على التسليفات الشهرية او على تلك التي تبلغ مددها عشرة اعوام، فالسوق هي التي تحددها في ضوء تقدير التضخم والنمو الاقتصادي المتوقعين. وتشبه وظيفة سعر الفائدة دور ضبط الايقاع الذي يضطلع به قائد الجوقة الموسيقية. وعلى قدر تدنيه تقبل الشركات، ويقبل الافراد على الاستدانة، وتنشط عجلة الاقتصاد وتدور.

ويصدق ألان غرينسبان الاسم الذي وسم به بوب وودوارد، صحافي «الواشنطن بوست» وأحد صاحبي «ووترغيت» التي اطاحت نيكسون في 1974، كتابه في الرجل: «مايسترو» (قائد الاوركسترا). فهو اقنع على الدوام «عازفيه» بأن ايقاعه المقترح هو الافضل. وهذا تعريف من السياسة الاقتصادية: الاخذ بسعر المال الذي يراه اصحاب الادوار الاقتصادية مناسباً. فإذا قدروا ان السياسة المالية متراخية، أي ان سعر الفائدة الرائد والاساس شديد الانخفاض، قلق «اصحاب» المال (اهل البورصة والمصارف وشركات التأمين والصناديق)، وتخوفوا من احتمالات التضخم وارتفع سعر الفائدة في السوق الالزامية.

وفي اثناء اعوام رئاسته، نشأ تواطؤ حميم بين غرينسبان وبين اصحاب الادوار الاقتصادية. ولم يكن التواطؤ ابن ساعته. فرئيس الاحتياط عرف اول ما عرف بعبارة جارحة خاطب بها جمهوره: «اذا فهمتم ما اقول فهذا قرينة على اني اسأت التعبير». ففي اوائل ولايته، حرص على تثبيت دالته وسلطته، وتوسل الى ذلك بكتمان قراراته. ونجمت بعض المخاطر عن هذا النهج. ففي 1994، فاجأ الاحتياط الجمهور برفعه الفوائد تحسباً لتهديد التضخم، وتسبب في انهيار السوق الالزامية الاميركية، واستتبع الانهيار ازمة مالية ضربت المكسيك.

ولكن «المايسترو» مال الى الليونة، بعدها. وعوض المباغتة سعى في الاقناع، وفي اعداد الجمهور تدريجاً الى قبول قراراته. فندد بصوت خفيض بـ «نشوة الاسواق غير العقلانية» في 1996، حين دبت في «وول ستريت» (سوق الاسهم النيويوركية) اعراض حمى المضاربة. وهو سلّم بأن ثورة «الاقتصاد الجديد» والمعلوماتية تسوغ غليان البورصة، فلم يلجأ الى لجم الغليان. وتواضع للاسواق المالية، وتغاضى عن جموحها، وذهب الى ان «تشخيص الجماح عسير، وقد يكون مستحيلاً قبل انفجار الفقاعة»، على قوله في صيف 2002 حين كان الخشية من نشأة فقاعة عقارية في اوجها.

ويصفح عن «المايسترو» تنامي الثروة الاميركية، في 18 عاماً، 68 في المئة، في متوسط سنوي بلغ 3.1 في المئة. ومرد هذا، جزئياً، الى الثقة التي محضتها الاسواق الرجل، ودهش هو نفسه، حين التزمت الاسواق المالية الهدوء على رغم بقاء اسعار الفائدة في السوق الالزامية شديدة الانخفاض، ووصف الامر بـ «الطلسم». فرائده كان حدسه، على خلاف خليفته، بن بيرنا نكيه، خبير النماذج الاحصائية المعقدة.

لوفيغارو الفرنسية، 9/11/2005