الأمازيغي
11-18-2005, 01:26 PM
الرياض» في قلب تيزي وزو
«الرياض» ذهبت إلى معقل الأمازيغ لقراءة الواقع هناك عن كثب فعند الساعة السابعة صباحاً من يوم خميس كان الانطلاق إلى (تيزي وزو) وذلك من محطة (الخروبة) بالعاصمة الجزائرية.
ذلك اليوم كان عداد المسافرين كبيراً حيث تتوفر كل خمس دقائق حافلة باص تتحرك نحو (تيزي وزو).. استقللت الباص.. وجلست بجانب رجل أربعيني العمر.. لا يتحدث العربية إلا بالكاد.. فقط مايعرفه «كيف الحال»؟ يعاود هذا الرجل يتحدث وبتلقائية باللغة الفرنسية.. فأقول له مهلاً.. مهلاً انني عربي.. ونحن نصعد أعالي الجبال باتجاه (تيزي وزو) ونسبر الغابات حيث التضاريس الوعرة.. تجاذبت معه أطراف الحديث.. قلت له لماذا هذا الاقبال على منطقة القبائل.. هل هناك مناسبة ما يحرص عليها هؤلاء المسافرون أم ماذا؟
فقال لي: لا.. فالجميع هنا في طريقه إلى العودة من العاصمة لقضاء عطلة الأسبوع مع أهله وذويه، وهؤلاء الذين تراهم، إما عاملون أو طلاب في العاصمة.. يستغلون الفرصة لقضاء يوم الإجازة بين اخوتهم.. الباص يسير ببطء شديد وتجده يقف كل ما سار (15) كيلومتراً، فتكثر في الطريق حواجز التفتيش من الدرك الوطني «الجيش»، ما يعكس حالة الترقب والحذر من أي طارئ أمني أو اختراقات تقوم بها الجماعات المسلحة المتمركزة في الجبال، حيث كثيراً ما أقامت تلك الجماعات نقاط تفتيش وهمية تعتقل كل من تشتبه به وله صلة بالحكومة.. قرابة الساعة والنصف وصلنا (تيزي وزو) حيث الجمال والطبيعة الخلابة.
وقفنا وسط العشرات من ابناء القبائل أمام مدرسة تعنى بدراسة التراث الامازيغي وتعليم لغته.. حالة من التحفز والترقب والحذر تلف الاجواء، اسعى للحوارفيسألون عن أي وسيلة اعلامية امثل، يعرفون انني لا امثل وسيلة اعلامية حكومية جزائرية.. فيوافقون على الحوار مبدئياً.. يعاودون السؤال عن الهوية فأجيب بأنها عربية.. فيرفضون.. يلتقطني ثلاثة من القيادات المثقفة الذين تتراوح اعمارهم بين عشرين وثلاثين عاماً، ويتنحون بي جانباً يدور حوار هادئ للتعارف والاطمئنان نذهب بعيداً وتتنامى الثقة مع توالي الكلمات والعبارات، وكأنهم يعتذرون عن حالة التحفز السائدة بين العوام.
ننطلق مع هؤلاء الشبان داخل حرم المدرسة كما يحلو ان يسميه اهالي منطقة القبائل.. ونتحدث مع الاستاذ (فريد ولد محند) حول موقع اللغة الامازيغية في الماضي والحاضر والمستقبل؟.. وماهو دورها فبدأ الحديث قائلاً: «يستطيعون ان يخدعوا الشعب لبعض الوقت لكن لايستطيعون ان يخدعوا الشعب لكل الوقت» فقلت له من؟.. فقال السلطة.. توقف قليلاً لبضع ثوان يرتب فيها افكاره.. لينطلق بالقول.. «لقد شكلت القضية الامازيغية ولازالت بالنسبة للعديد من المثقفين والفاعلين والمهتمين سواء في الجزائر او باقي دول المغرب العربي عقدة وشيطاناً تجب محاربته بشتى الوسائل مادام مجرد الحديث عن الامازيغية يعتبر احياء ل«للظهير» وهو عبارة عن مرسوم ينص على جعل ادارة المنطقة البربرية تحت سلطة الادارة الاستعمارية المتمثلة بفرنسا - الذي نعت بالبربري والكلام مازال للمدرس (فريد) وكل من سولت له نفسه المطالبة برد الاعتبار للامازيغية بكافة تجلياتها الهوية واللغة والثقافة اصبح عميلاً لفرنسا ويقوم باحياء سياستها «البربرية» قلت له اذا هل ترى الجزائر بلداً ليس عربياً إسلامياً؟.. وبصوت عال يعكس حالة الانفعال التي مر بها اثر هذا السؤال.. فقال لا.. لا.. لا.. انت فهمتني خطأ كما يفعل ابناء جلدتنا واخواننا في الجزائر.. اننا كقبائليين لانطلب الغاء اللغة العربية فهي لغة القرآن والإسلام.. وكل مانريده ان تكون اللغة الامازيغية التي هي لغة الجزائر الاصلية معترفاً بها رسمياً كلغة وطنية بجانب اللغة العربية.
وحول استجابة الحكومة لهذا الطلب علق المدرس قائلاً: «ان الحكومة تبذل جهوداً لكن عليها ان تقوم بها بوتيرة اسرع وذلك لصالح تحذير الديمقراطية في البلاد.
ويرى ان التحرك نحو ترجمة القرآن الكريم الى اللغة الامازيغية من قبل وزارة الشؤون الدينية خطوة ايجابية تصب في تعزيز المصلحة الوطنية.
مولود معمري مازال حاضرا
هممنا بالخروج من المدرسة.. ونتوجه بعد ذلك الى مؤسسة تختزل في واقعها الهوية والثقافة واللغة والعادات والتقاليد لكل من هو امازيغي انه دار الثقافة بوسط (تيزي وزو) الذي يحمل اسم الزعيم البربري والاب الروحي لمناضلي الحركة الامازيغية (مولود معمري)... هنا يمكنك تقرأ المشهد الامازيغي عن كثب.. فالمركز مزدحم بالزوار لما يحتويه من موروث ثقافي متنوع.. هناك من الناس منسجم مع فنانين تشكليين يرسمون اجمل اللوحات المعبرة عن تراث الاجداد.. والجزء الآخر من الزوار يمتع ناظريه لابداع نحاتين ينقشون اعمالاً تروي الانماط الثقافية لمنطقة القبائل.. وجل الزوار خصوصاً الشباب منهم ذهبوا الى قاعة المسرح.. استعداداً لبدء حفلة موسيقية يحيها الفنان الامازيغي (رابح لاني) المعروف باغانيه العاطفية.. ماهي الا دقائق فانطلق (لاني) يعزف بآلته الموسيقية الجاز حتى شهدت القاعة صراخاً وهتافاً وترحيباً لمطربهم المفضل اختار (لاني) اغنية من البومه الجديد «اممي» التي تعني باللغة الامازيغية «ابني» وهذه القصيدة المغناة مستمدة من رواية «البرنس» للكاتب الايطالي ميكافلي.. وتمايلت لهذه الاغنية القاعة بحضورها الذي فاق الالف.. فالاغنية التي غناها (رابح لاني) دغدغت مشاعرهم وهيجت احزانهم الى درجة ان هناك من بكى.. ثلاث ساعات لم يمل الحضور ، الجميع منهمك مع الترانيم الامازيغية الاصيلة.
واينما توجهت في (تيزي وزو) بحثاً عن اشخاص يطالبون بالاعتراف التام بالهوية الامازيغية وترسيم لغتها، فإنك تجدهم بكثرة.. ونحن نجول هذه الولاية الامازيغية تحدثنا مع شباب وجدناهم داخل الحديقة العامة.. وعن الهوية كان الحوار، انهم حذروني من تصديق ان مطالبهم ترتكز على الهوية وماجرى الحديث عنه من استقلالية فنحن لانريد ان تتحول الأمازيغية إلى «الشجرة التي تغطي الغابة» فتهمش مطالبنا الفعلية وهي العيش بكرامة مع بقية أبناء الوطن.
لكنك تجد من هم مفتونون بالأمازيغية إلى حد المطالبة بتقرير المصير، و«الاستقلال» فتحدثنا مع شباب آخرين رأوا أن الحل الأمثل للقضية الأمازيغية هو اعطاؤنا حق الانفصال، وبهذا يكون قد طوينا صفحة من الألم والحسرة، فهؤلاء لا يعترفون أبداً بمركزية القرار السياسي والإداري بالعاصمة الجزائرية، ويعتقدون أنه إذا تحقق الانفصال سيتسنى لهم حفظ الثقافة الأمازيغية ولا تشوبها شائبة عن طريق التعريبيين المتعصبين على حد قولهم!!
ونحن نسير في قلب (تيزي وزو) قررنا الذهاب إلى منطقة عُرفت بأنها من أكثر نقاط المعارضة القبائلية تعصباً.. إنها مدينة (العزازنة) الواقعة على بعد (30) كيلو متراً من (تيزي وزو) هنا في (العزازنة) يلتئم جمع القبائلين مرة واحدة في الأسبوع الأحياء ذكرى انتفاضتهم.. وذلك أمام كنيسة هجرها على ما يبدو الآباء البيض الذين ينشطون على نحو ملحوظ في منطقة القبائل.
الكنيسة قديمة تخلت عن رموزها الدينية وبقيت بداخلها مقاعدها في حالة متواضعة ثم تجهيز المكان منذ حدوث الأزمة بين أبناء المنطقة والسلطة في 2001 وامتلأت الجدران بصورة أكثر من مائة قتيل سقطوا في مواجهات مع قوى الأمن. تلحظ ملصقاً لافتاً في مكان بارز يحوي خريطة الجزائر وقد تم حشوها بصورة الضحايا، ملصق آخر لمواطن سقط مضرجاً في دمائه وهو يرفع اصبعه باتجاه الحائط كاتباً بدمه كلمة (Liberte) بالفرنسية، أي الحرية، حركة دائبة..
رجال ونساء من أعمار مختلفة يقطعون المكان ذهاباً وإياباً واجتماعات مكثفة لبحث آفاق حول مشاريعهم المستقبلية. وعلى مستوى الشارع القبائلي هناك كراهية بدأت تنتشر باتجاه اللغة العربية في عملية خلط لا شعوري بين ممارسة السلطة وبين العربية وحملة التعريب التي سارت على قدم وساق في عهد الرئيس هواري بومدين فاللوحات الإرشادية في المنطقة تكتب بالأمازيغية والفرنسية، ولا توجد أي استعمال للغة العربية، حتى في جامعة مولود معمري في تيزي وزو أزيل اسمه بالعربية من مدخلها، وبقي فقط بالأمازيغية والفرنسية، البعض يتحدث هنا عن لماذا يتم الاجبار على التعريب بينما يستكثرون علينا الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية.
تناقض
فارق واضح يلحظه الزائر لمدينتي الجزائر وتيزي وزو الحجاب منتشر بكثرة في الأولى، يقل وجوده في الثانية من دواعي الحيرة أن القبائل الذين يعيشون في العاصمة ينطبق عليهم السمة العامة للعاصمة وليس تيزي وزو، أكبر عدد من الزوايا القرآنية «مدارس لحفظ القرآن» موجود في تيزي وزو ومنطقة القبائل عموماً، بينما بعض المساجد أوشكت على الإغلاق مع وجود نجاح نسبي ملموس في حركة التنصير، الحيرة تزداد حينما تكشف مراجعة أسماء قيادات الأحزاب الإسلامية أن نسبة معتبرة منها من أبناء منطقة القبائل، الأكثر من ذلك أن منطقة القبائل هي آخر المناطق التي سقطت في يد الاحتلال الفرنسي، وأبدت مقاومة شرسة في سنوات حرب التحرير، لكن الآن هناك حنين لفرنسا اليوم، لا يقتصر على المنطقة بل يشمل سائر أنحاء البلاد من خلال السعي إلى الحصول على التأشيرة والسفر إلى هناك وسط حالة إحباط من الداخل.. المثير أن هذا السجن يمتزج بكراهية حقيقية لفرنسا. وتخلو مدينة (تيزي وزو) البربرية من وجود أي عنصر للدرك «الجيش» وذلك بعد مقتل الشاب قرماح ماسنسا من قبل عناصر من الدرك الوطني.. اندلعت اثرها مظاهرات عارمة أرغمت فيها السلطة ابتعاد كل ما هو دركي من المدينة.
ويتخوف أهالي (تيزي وزو) استغلال العصابات والجماعات المسلحة في ظل غياب عناصر الدرك وتلحظ ذلك قبل غروب الشمس حيث تتحول (تيزي وزو) إلى مدينة أشباح الجميع يركن لمنزله درءاً لأية مشكلة أمنية.ويطالب الشاب محمد بلعيد صاحب متجر للمواد الغذائية بعودة قوات الدرك إلى المنطقة لتقوم بمهامها.. وعندما تسأله ألم يقتل الدرك أبناءكم يقول: «قوات الدرك ظالمة نعم والحل ليس في طردها، وإنما المطالبة بإصلاح المنظومة القضائية لها». وهنا نجد أن الشارع القبائلي منقسم على نفسه ما بين مؤيد لحركة العروش بقيادة عبريكة ويؤمن بتحركاتها، وما بين معارض لها معتبراً أنها تستغل الوضع لتحوير القضية الأمازيغية لمصالح شخصية ذاتية. ويرى المعنيون بشؤون مناطق البربر أن السلطة استغلت هذا التباين بين البربر أنفسهم، فوضعت ذلك لحسابها عبر لعبة المتناقضات في أزمة القبائل البربرية.
منقول
«الرياض» ذهبت إلى معقل الأمازيغ لقراءة الواقع هناك عن كثب فعند الساعة السابعة صباحاً من يوم خميس كان الانطلاق إلى (تيزي وزو) وذلك من محطة (الخروبة) بالعاصمة الجزائرية.
ذلك اليوم كان عداد المسافرين كبيراً حيث تتوفر كل خمس دقائق حافلة باص تتحرك نحو (تيزي وزو).. استقللت الباص.. وجلست بجانب رجل أربعيني العمر.. لا يتحدث العربية إلا بالكاد.. فقط مايعرفه «كيف الحال»؟ يعاود هذا الرجل يتحدث وبتلقائية باللغة الفرنسية.. فأقول له مهلاً.. مهلاً انني عربي.. ونحن نصعد أعالي الجبال باتجاه (تيزي وزو) ونسبر الغابات حيث التضاريس الوعرة.. تجاذبت معه أطراف الحديث.. قلت له لماذا هذا الاقبال على منطقة القبائل.. هل هناك مناسبة ما يحرص عليها هؤلاء المسافرون أم ماذا؟
فقال لي: لا.. فالجميع هنا في طريقه إلى العودة من العاصمة لقضاء عطلة الأسبوع مع أهله وذويه، وهؤلاء الذين تراهم، إما عاملون أو طلاب في العاصمة.. يستغلون الفرصة لقضاء يوم الإجازة بين اخوتهم.. الباص يسير ببطء شديد وتجده يقف كل ما سار (15) كيلومتراً، فتكثر في الطريق حواجز التفتيش من الدرك الوطني «الجيش»، ما يعكس حالة الترقب والحذر من أي طارئ أمني أو اختراقات تقوم بها الجماعات المسلحة المتمركزة في الجبال، حيث كثيراً ما أقامت تلك الجماعات نقاط تفتيش وهمية تعتقل كل من تشتبه به وله صلة بالحكومة.. قرابة الساعة والنصف وصلنا (تيزي وزو) حيث الجمال والطبيعة الخلابة.
وقفنا وسط العشرات من ابناء القبائل أمام مدرسة تعنى بدراسة التراث الامازيغي وتعليم لغته.. حالة من التحفز والترقب والحذر تلف الاجواء، اسعى للحوارفيسألون عن أي وسيلة اعلامية امثل، يعرفون انني لا امثل وسيلة اعلامية حكومية جزائرية.. فيوافقون على الحوار مبدئياً.. يعاودون السؤال عن الهوية فأجيب بأنها عربية.. فيرفضون.. يلتقطني ثلاثة من القيادات المثقفة الذين تتراوح اعمارهم بين عشرين وثلاثين عاماً، ويتنحون بي جانباً يدور حوار هادئ للتعارف والاطمئنان نذهب بعيداً وتتنامى الثقة مع توالي الكلمات والعبارات، وكأنهم يعتذرون عن حالة التحفز السائدة بين العوام.
ننطلق مع هؤلاء الشبان داخل حرم المدرسة كما يحلو ان يسميه اهالي منطقة القبائل.. ونتحدث مع الاستاذ (فريد ولد محند) حول موقع اللغة الامازيغية في الماضي والحاضر والمستقبل؟.. وماهو دورها فبدأ الحديث قائلاً: «يستطيعون ان يخدعوا الشعب لبعض الوقت لكن لايستطيعون ان يخدعوا الشعب لكل الوقت» فقلت له من؟.. فقال السلطة.. توقف قليلاً لبضع ثوان يرتب فيها افكاره.. لينطلق بالقول.. «لقد شكلت القضية الامازيغية ولازالت بالنسبة للعديد من المثقفين والفاعلين والمهتمين سواء في الجزائر او باقي دول المغرب العربي عقدة وشيطاناً تجب محاربته بشتى الوسائل مادام مجرد الحديث عن الامازيغية يعتبر احياء ل«للظهير» وهو عبارة عن مرسوم ينص على جعل ادارة المنطقة البربرية تحت سلطة الادارة الاستعمارية المتمثلة بفرنسا - الذي نعت بالبربري والكلام مازال للمدرس (فريد) وكل من سولت له نفسه المطالبة برد الاعتبار للامازيغية بكافة تجلياتها الهوية واللغة والثقافة اصبح عميلاً لفرنسا ويقوم باحياء سياستها «البربرية» قلت له اذا هل ترى الجزائر بلداً ليس عربياً إسلامياً؟.. وبصوت عال يعكس حالة الانفعال التي مر بها اثر هذا السؤال.. فقال لا.. لا.. لا.. انت فهمتني خطأ كما يفعل ابناء جلدتنا واخواننا في الجزائر.. اننا كقبائليين لانطلب الغاء اللغة العربية فهي لغة القرآن والإسلام.. وكل مانريده ان تكون اللغة الامازيغية التي هي لغة الجزائر الاصلية معترفاً بها رسمياً كلغة وطنية بجانب اللغة العربية.
وحول استجابة الحكومة لهذا الطلب علق المدرس قائلاً: «ان الحكومة تبذل جهوداً لكن عليها ان تقوم بها بوتيرة اسرع وذلك لصالح تحذير الديمقراطية في البلاد.
ويرى ان التحرك نحو ترجمة القرآن الكريم الى اللغة الامازيغية من قبل وزارة الشؤون الدينية خطوة ايجابية تصب في تعزيز المصلحة الوطنية.
مولود معمري مازال حاضرا
هممنا بالخروج من المدرسة.. ونتوجه بعد ذلك الى مؤسسة تختزل في واقعها الهوية والثقافة واللغة والعادات والتقاليد لكل من هو امازيغي انه دار الثقافة بوسط (تيزي وزو) الذي يحمل اسم الزعيم البربري والاب الروحي لمناضلي الحركة الامازيغية (مولود معمري)... هنا يمكنك تقرأ المشهد الامازيغي عن كثب.. فالمركز مزدحم بالزوار لما يحتويه من موروث ثقافي متنوع.. هناك من الناس منسجم مع فنانين تشكليين يرسمون اجمل اللوحات المعبرة عن تراث الاجداد.. والجزء الآخر من الزوار يمتع ناظريه لابداع نحاتين ينقشون اعمالاً تروي الانماط الثقافية لمنطقة القبائل.. وجل الزوار خصوصاً الشباب منهم ذهبوا الى قاعة المسرح.. استعداداً لبدء حفلة موسيقية يحيها الفنان الامازيغي (رابح لاني) المعروف باغانيه العاطفية.. ماهي الا دقائق فانطلق (لاني) يعزف بآلته الموسيقية الجاز حتى شهدت القاعة صراخاً وهتافاً وترحيباً لمطربهم المفضل اختار (لاني) اغنية من البومه الجديد «اممي» التي تعني باللغة الامازيغية «ابني» وهذه القصيدة المغناة مستمدة من رواية «البرنس» للكاتب الايطالي ميكافلي.. وتمايلت لهذه الاغنية القاعة بحضورها الذي فاق الالف.. فالاغنية التي غناها (رابح لاني) دغدغت مشاعرهم وهيجت احزانهم الى درجة ان هناك من بكى.. ثلاث ساعات لم يمل الحضور ، الجميع منهمك مع الترانيم الامازيغية الاصيلة.
واينما توجهت في (تيزي وزو) بحثاً عن اشخاص يطالبون بالاعتراف التام بالهوية الامازيغية وترسيم لغتها، فإنك تجدهم بكثرة.. ونحن نجول هذه الولاية الامازيغية تحدثنا مع شباب وجدناهم داخل الحديقة العامة.. وعن الهوية كان الحوار، انهم حذروني من تصديق ان مطالبهم ترتكز على الهوية وماجرى الحديث عنه من استقلالية فنحن لانريد ان تتحول الأمازيغية إلى «الشجرة التي تغطي الغابة» فتهمش مطالبنا الفعلية وهي العيش بكرامة مع بقية أبناء الوطن.
لكنك تجد من هم مفتونون بالأمازيغية إلى حد المطالبة بتقرير المصير، و«الاستقلال» فتحدثنا مع شباب آخرين رأوا أن الحل الأمثل للقضية الأمازيغية هو اعطاؤنا حق الانفصال، وبهذا يكون قد طوينا صفحة من الألم والحسرة، فهؤلاء لا يعترفون أبداً بمركزية القرار السياسي والإداري بالعاصمة الجزائرية، ويعتقدون أنه إذا تحقق الانفصال سيتسنى لهم حفظ الثقافة الأمازيغية ولا تشوبها شائبة عن طريق التعريبيين المتعصبين على حد قولهم!!
ونحن نسير في قلب (تيزي وزو) قررنا الذهاب إلى منطقة عُرفت بأنها من أكثر نقاط المعارضة القبائلية تعصباً.. إنها مدينة (العزازنة) الواقعة على بعد (30) كيلو متراً من (تيزي وزو) هنا في (العزازنة) يلتئم جمع القبائلين مرة واحدة في الأسبوع الأحياء ذكرى انتفاضتهم.. وذلك أمام كنيسة هجرها على ما يبدو الآباء البيض الذين ينشطون على نحو ملحوظ في منطقة القبائل.
الكنيسة قديمة تخلت عن رموزها الدينية وبقيت بداخلها مقاعدها في حالة متواضعة ثم تجهيز المكان منذ حدوث الأزمة بين أبناء المنطقة والسلطة في 2001 وامتلأت الجدران بصورة أكثر من مائة قتيل سقطوا في مواجهات مع قوى الأمن. تلحظ ملصقاً لافتاً في مكان بارز يحوي خريطة الجزائر وقد تم حشوها بصورة الضحايا، ملصق آخر لمواطن سقط مضرجاً في دمائه وهو يرفع اصبعه باتجاه الحائط كاتباً بدمه كلمة (Liberte) بالفرنسية، أي الحرية، حركة دائبة..
رجال ونساء من أعمار مختلفة يقطعون المكان ذهاباً وإياباً واجتماعات مكثفة لبحث آفاق حول مشاريعهم المستقبلية. وعلى مستوى الشارع القبائلي هناك كراهية بدأت تنتشر باتجاه اللغة العربية في عملية خلط لا شعوري بين ممارسة السلطة وبين العربية وحملة التعريب التي سارت على قدم وساق في عهد الرئيس هواري بومدين فاللوحات الإرشادية في المنطقة تكتب بالأمازيغية والفرنسية، ولا توجد أي استعمال للغة العربية، حتى في جامعة مولود معمري في تيزي وزو أزيل اسمه بالعربية من مدخلها، وبقي فقط بالأمازيغية والفرنسية، البعض يتحدث هنا عن لماذا يتم الاجبار على التعريب بينما يستكثرون علينا الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية.
تناقض
فارق واضح يلحظه الزائر لمدينتي الجزائر وتيزي وزو الحجاب منتشر بكثرة في الأولى، يقل وجوده في الثانية من دواعي الحيرة أن القبائل الذين يعيشون في العاصمة ينطبق عليهم السمة العامة للعاصمة وليس تيزي وزو، أكبر عدد من الزوايا القرآنية «مدارس لحفظ القرآن» موجود في تيزي وزو ومنطقة القبائل عموماً، بينما بعض المساجد أوشكت على الإغلاق مع وجود نجاح نسبي ملموس في حركة التنصير، الحيرة تزداد حينما تكشف مراجعة أسماء قيادات الأحزاب الإسلامية أن نسبة معتبرة منها من أبناء منطقة القبائل، الأكثر من ذلك أن منطقة القبائل هي آخر المناطق التي سقطت في يد الاحتلال الفرنسي، وأبدت مقاومة شرسة في سنوات حرب التحرير، لكن الآن هناك حنين لفرنسا اليوم، لا يقتصر على المنطقة بل يشمل سائر أنحاء البلاد من خلال السعي إلى الحصول على التأشيرة والسفر إلى هناك وسط حالة إحباط من الداخل.. المثير أن هذا السجن يمتزج بكراهية حقيقية لفرنسا. وتخلو مدينة (تيزي وزو) البربرية من وجود أي عنصر للدرك «الجيش» وذلك بعد مقتل الشاب قرماح ماسنسا من قبل عناصر من الدرك الوطني.. اندلعت اثرها مظاهرات عارمة أرغمت فيها السلطة ابتعاد كل ما هو دركي من المدينة.
ويتخوف أهالي (تيزي وزو) استغلال العصابات والجماعات المسلحة في ظل غياب عناصر الدرك وتلحظ ذلك قبل غروب الشمس حيث تتحول (تيزي وزو) إلى مدينة أشباح الجميع يركن لمنزله درءاً لأية مشكلة أمنية.ويطالب الشاب محمد بلعيد صاحب متجر للمواد الغذائية بعودة قوات الدرك إلى المنطقة لتقوم بمهامها.. وعندما تسأله ألم يقتل الدرك أبناءكم يقول: «قوات الدرك ظالمة نعم والحل ليس في طردها، وإنما المطالبة بإصلاح المنظومة القضائية لها». وهنا نجد أن الشارع القبائلي منقسم على نفسه ما بين مؤيد لحركة العروش بقيادة عبريكة ويؤمن بتحركاتها، وما بين معارض لها معتبراً أنها تستغل الوضع لتحوير القضية الأمازيغية لمصالح شخصية ذاتية. ويرى المعنيون بشؤون مناطق البربر أن السلطة استغلت هذا التباين بين البربر أنفسهم، فوضعت ذلك لحسابها عبر لعبة المتناقضات في أزمة القبائل البربرية.
منقول