المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يستطيع «حزب الله» الانفكاك عن سوريا؟



سياسى
11-17-2005, 04:49 PM
وجهاً لوجه أمام الخيارات الخطيرة.. والمقاومة تعيش هاجس الـ 1559

متى يدرك بعض المسؤولين ان ( أبو عبدو ) لم يعد في عنجر ؟


بيروت ـ نبيه البرجي


هل يستطيع «حزب الله» الانفكاك عن سوريا؟
لا ريب ان الحزب يخشى ان ينساه الناس، هو الذي دحر الجيش الاسرائيلي في عام 2000، وكانت أول هزيمة معلنة يمنى بها الجيش الذي لا يقهر، لكن المجتمعات، وبفعل التغيرات المتلاحقة، لا بد ان تدخل في النسيان، حدث هذا لونستون تشرشل الذي أحلّ الانكليز محله كليمنت أتيل في 10 داوننغ ستريت، وحدث هذا لشارل ديغول الذي ترك الاليزيه الى قريته البعيدة «كولومبي ليدوزغليز.

إلى أين يذهب حسن نصرالله؟ لا يزال الوقت مبكرا جدا لطرح مثل هذا السؤال. الرجل المزروع في كل التفاصيل، الى حد كبير، يمكن القول انه هو الذي أعطى المقاومة ذلك الوقع الذي مكّنها من بناء قوة عسكرية ضاربة استطاعت، في نهاية المطاف، تنظيف مناطق الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال، لا أحد يمكنه ان يتصور مدى اهتمامه بالإعداد التقني والسيكولوجي والعملاني للمقاتل. هذا فضلا عن الإعداد الايديولوجي الذي جعل المقاوم يواجه في ظروف لا معقولة، حتى ان المعلق الاسرائيلي البارز زئيف شيف تحدث عن ذلك المقاتل الخارق.

بداية الأزمة

لعل الأزمة بدأت بعد الانسحاب الاسرائيلي في 24 مايو 2000، كيف يستطيع لبنان احتواء قوة عسكرية بتلك الضخامة، وبتلك النوعية، قيل ان مدير عام الأمن العام السابق جميل السيد، الذي يقبع في السجن موقوفا في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هو الذي «كشف» مزارع شبعا، ولكن، منذ البداية، بدا ان حجم الحزب أكبر من حجم منطقة لطالما وصفت بـ«جمهورية شانوح»، وان كانت كل قطعة أرض، بالنسبة الى اي شخص، يجب ان تكون جزءا لا يتجزأ من انتمائه الوطني.

الآن، المسألة تبدو أكثر تعقيدا بكثير، السوريون خرجوا، وهم في حالة من الارتباك القاتل، كل العالم يحوم حول البند الثالث من قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي يقضي بحل الميليشيات ونزع سلاحها، اذا، «حزب الله» وجها لوجه امام الخيارات الخطيرة.

الدوران حول الصفر

قطعا، وللقاصي والداني، لا مجال لاستخدام البندقية في مواجهة داخلية مهما كانت الأسباب، هذا ما يفهمه كل الذين يلتقون نصرالله، والذين يسمعون كلاما حول الصراع المفتوح مع الدولة العبرية، دون ان يقتنع بـ«التجارب» الدبلوماسية التي لا هدف لها سوى الحد من مستوى التوتير، فيما القضية تدور حول نقطة الصفر.

ولكن لماذا البندقية؟ ولماذا بقاؤها؟ ولماذا يفترض ان تكون «شرعية» في يد «حزب الله» ما دامت مزارع شبعا هي للبنان، وليس لطائفة بعينها، بما في ذلك الطائفة الشيعية، علما بان المزارع تقع في منطقة العرقوب بقراها السنية (شبعا، كفر شوبا، الهبارية وكفر حمام..)؟ هل تكفي القناعة الايديولوجية والقناعة الاستراتيجية لتبرير استمرار ترسانة الحزب؟

هذه اسئلة تطرح على امتداد الساعة، الاجوبة دائما ايديولوجية واستراتيجية.

استراتيجية الزوال

هذا الكلام يطرح: نظريا الكثيرون يتحدثون عن المقاومة وعن دعمها، فعليا الأقلية هي التي تقتنع بذلك وتعتبر ان وجود «حزب الله» هو انعكاس للتقاطع الاستراتيجي بين إيران وسوريا، الآن تضاءل الدور السوري الى حد الاضمحلال، هذا اذا لم يحدث لسوريا نفسها ما حدث لدورها، كما ان لإيران مصالحها البعيدة التي لا تلتقي مع المصالح اللبنانية، واذا ما التقت فليس في النقاط الخاصة بـ«ازالة اسرائيل»، لأن العرب تخلوا من زمان عن هذا الشعار بعدما تبين لهم انهم قد يزولون اذا ما تمسكوا باستراتيجية الزوال.

واضح ان سوريا تواجه أزمة لم تواجهها منذ حرب الأيام الستة في عام 1967، لا مجال لاغفال ذلك، ولا مجال للمقاومة اذا ما أخذنا بالاعتبار طبيعة العقوبات التي تطرح حاليا والتي ستؤدي حتما الى تدمير النظام الذي لا يملك بين يديه معادلة «النفط مقابل الغذاء».

من يوقع المعاهدة؟

هناك ثوابت مهمة أبرزها مواجهة التسوية العرجاء مع اسرائيل، بعيدا عن النظام، السوريون في حال تعبئة، ومنذ نعومة أظفارهم، ضد ذلك النوع من السلام، كان الرئيس حافظ الأسد يدرك جيدا، لم يوقع رغم ان المحادثات مع اسحق رابين قاربت نقطة النهاية، بشار الأسد لم يفعل ذلك. اذا سقط النظام، هل يتوقع احد ان يقبل اي رئيس سوري ابرام معاهدة سلام أقل مما يدعى بـ«وديعة رابين»؟ بالتأكيد لا، قد يقوم ذلك النظام الإسلامي الذي يعلن المقاومة لتحرير مرتفعات الجولان. الله أعلم أي نظام بديل اذا ما أخذنا بالاعتبار طبيعة الوضع السوري الراهن واحتمالاته.. سوريا تتقطع أوصالها.

بمعنى آخر، ان سوريا في حالة شديدة من الوهن والارتباك، عمليا، قادة الجيش هم الذين يثق بهم الناس، قالوا لبشار الأسد «نحن معك ضد أميركا و.. اسرائيل».

السندباد.. نبيه بري

لكن «حزب الله» الذي يعيش هاجس القرار 1559 ليس واثقا من ان الوضع الداخلي يعمل لمصلحته، شئنا أم أبينا هناك أكثرية نيابية وحتى شعبية ضده، حتى ان الحديث الآن يتناول «التحالف الشيعي»، وهو التعبير الذي يحرج كثيرا رئيس مجلس النواب نبيه بري فآثر الابتعاد في رحلة سندبادية بعيدة عن الاضواء، انه صديق دمشق، لكنه، بالضرورة ليس صديق الاخطاء، بما فيها الاخطاء المميتة، التي ارتكبها أو يرتكبها بعض النجوم في عاصمة الأمويين.

الواقع ان الحزب لا يمكنه التخلي عن سوريا في هذه الظروف، ومن الصعب، ان لم يكن من المستحيل، في الحالة الراهنة، الفصل بين الاستراتيجي والسياسي، في كل المقاييس، ومع اعتبار الحملة الإعلامية والسياسية الهائلة التي تتعرض لها سوريا خصوصا مع قول الأكثرية النيابية والوزارية، وحتى الشيعية بمسؤولية عدد من أركان النظام في قضية اغتيال الرئيس الحريري، فإن بعض المسؤولين يتصرفون كما لو ان «أبو عبدو» لا يزال في عنجر.

لكن الحزب يواجه تعقيدات داخلية لا حصر لها. عمليا، «الجمهور اللبناني» هو الذي يؤمن له التغطية. لسوريا همومها التي تشغلها عن اي هم آخر، وان كانت هناك نماذج من طراز رستم غزالة تعتبر ان الزمن لم يتغير وان بالامكان تحريك الشارع، أو رفع الصور، أو، أو، أو..

هذه كلها تصرفات ساذجة، وبما تعنيه الكلمة. سوريا حين تواجه الاعصار الأميركي وحين تقف في وجه النموذج العراقي، لا تستطيع الأكثرية الا ن تقف معها، اما ان يقال (وهذا يقال ويسمع علنا..) ان دمشق تستخدم الحزب كاحتياطي أخير في تفجير الوضع، فهو أمر خطير للغاية، مع الاقتناع التام بان حسن نصرالله ليس من هذا النوع، ولا يمكن ان يكون من هذا النوع، ولكن ثمة قناعة بأن هناك في سوريا من يعمل على تدمير ما تبقى من النظام من خلال هذا الأسلوب الذي ينم عن غباء منقطع النظير.

«حزب الله» استراتيجيا مع سوريا، لبنانيا مع لبنان. هذا الكلام يقال الآن، حتى ان وليد جنبلاط لم يتردد في التمني «على بعض الفرقاء في لبنان الذين نكّن لهم كل المودة والتحالف والصدق عدم نقل معركة النظام السوري الى لبنان».

ربما، عما قريب، تنتقل القبعات الزرق من الجنوب الى أمكنة أخرى، مهمة غير بيدرسون، ممثل أمين عام الأمم المتحدة بدأت تشمل كل لبنان، بما في ذلك المخيمات، بما في ذلك الحدود مع سوريا.