زهير
11-17-2005, 08:06 AM
مدخل القصر بني منخفضا لإجبار الداخلين على الانحناء
كاتمندو: محمد بن حسين
عندما تأتي على ذكر كاتمندو، عاصمة نيبال، تلك المدينة المستظلة بسلسلة جبال الهملايا فإن أول ما يرد لذهنك هي صورة قمة ايفيرست التي تثقب السماء بعمامتها البيضاء، بينما تركع المعابد البوذية وسط المدينة بقببها الذهبية عند أقدام تلك الجبال. لكن ما قد يغيب عن ذهن الكثيرين أن هذه المدينة الغارسة في القدم تحتضن بين شوارعها الضيقة، التي تبدو كمتاهة ضخمة، معبدا صغيرا تعيش فيه فتاة من عائلة فقيرة يعبدها جميع الهندوس والبوذيين الذين يركعون تحت أقدامها، بما فيهم ملك البلاد. بعد رحلة قصيرة في المدينة الصغيرة المكتظة بكل ما هو متحرك من سيارات وعربات و رجال ونساء، سواء ذوي الأصول الهندية ببشرتهم السمراء أم التيبيتيين ذوي الملامح المنغولية، وصلت مجمع دوربار الشهير الحاضن لكنوز تاريخية لا تقدر بثمن والمصنف من قبل الأمم المتحدة ضمن المواقع الأثرية الواجب الحفاظ عليها ورعايتها. وبعد عراك ودي مع جمهرة من الباعة أمام المدخل الرئيسي معظمهم من الأطفال خرجت محملا ببعض التذكارات الخشبية بعد أن تأكدت أن ذلك هو السبيل الوحيد لأن يتركوني وشأني.
عند البوابة الرئيسية للمجمع، وبعيدا عن زمجرة عربات النقل قابلني قصر متعدد الطوابق محاط بجدران خشبية قديمة وتماثيل منحوتة بفن اشتهر به النيباليون. يطلق على هذا القصر بيت كوماري، وهو المكان الذي تعيش فيه الآلهة ويحج إليه النيباليون كل يوم. وعلى الفور وقبل عبور البوابة الرئيسية هممت بإخراج آلة التصوير لالتقاط بعض الصور، كعادتي التي لاحظت أنها لم تعد تفارقني في جميع تنقلاتي في نيبال لكثرة ما يمكن تصويره، إلا أن الدليل الذي كان بصحبتي أخبرني بأن ذلك ممنوع فأعدتها إلى حقيبتي ولكن بتردد وبعض من الامتعاض. لاحظت أن المدخل الأمامي للقصر منخفض بشكل كبير كأنما القائمون على بنائه قصدوا إجبار كل من يدخله على الانحناء احتراما لآلهتهم.
بعد الانتهاء من البوابة ظهرت أمامي باحة يتوسطها معبد صغير رمزي يحتوي على كتاب وآلة موسيقية للآلهة (سارسواتي) التي يعبدها الهندوس وترمز للتعلم. عند النظر للأعلى يمكن مشاهدة شرفة خشبية مزخرفة بشكل رائع.
علمت أن هذه الشرفة هي نافذة الآلهة (كوماري) الوحيدة نحو العالم. وتبقى بقية العام حبيسة حياتها المقدسة ولا يسمح لها بالخروج سوى خلال بعض المناسبات الدينية دون أن تلمس أقدامها الأرض. وكل من يرغب بمشاهدتها، سواء من السياح أو سكان البلاد الراغبين بأداء طقوس العبادة، عليه الوقوف أسفل هذه الشرفة وانتظار خروجها.
عندما وصلنا لم تكن الآلهة واقفة على شرفتها فأخذ الدليل الذي بصحبتي بالتصفيق إيذانا بوجود بعض الزوار الراغبين بمشاهدة الآلهة. انتظرنا لفترة وجيزة قبل أن يقال لنا إن الآلهة تتناول طعام الغداء، لذا علينا الانتظار لفترة من الوقت حتى تخرج الينا. وما هي إلا لحظات حتى خرجت الطفلة الآلهة بزيها الحريري الأحمر وحليها وجواهرها التي تتدلى من جميع أطرافها المرئية. نظرت نحونا بعينيها السوداء الواسعة والمزينة بالكحل الكثيف. حاولت أن أقرأ حركات وجهها لأخمن شعورها لكنني عجزت عن ذلك فنظراتها كانت فارغة حتى أنه خيل لي أن الحياة قد انتزعت من داخلها. لم أعرف إن كانت حزينة أم سعيدة، لكنني تأكدت أن الطفولة قد غادرت هذه الفتاة منذ زمن وأن حياتها لن تكون كما كانت وإلى الأبد.
بدأت قصة هذه الفتاة الصامتة قبل نحو ثلاثة أعوام وبينما كانت تلعب مع أقرانها في أحد الشوارع الطينية لمنطقة وادي كاتمندو دون أن تعلم أن حياتها كما عرفتها سابقا ستنتهي.
فقد انتشر الخبر أن رهبان المدينة يبحثون عن الفتاة التي ستستضيف بداخلها روح الآلهة تاليجو. وحسب التقليد المتبع هناك ومنذ نحو 300 عام وروح الآلهة (تاليجو) تعيش في سلسلة من أجساد فتيات عذراوات. وقد حان الوقت لانتقال روح الآلهة من جسد الفتاة التي تعيش فيها حاليا بعد أن وصلت مرحلة البلوغ.
ومن هنا بدأت رحلة البحث عن الفتاة الغامضة. و ستكون رحلة البحث شاقة وخطرة، فقطرة دمع من الفتاة قد تسبب الفيضانات في البلاد وابتسامة منها قد تعيد البلاد إلى رغدها السابق. ويقال إن أحد حكام نيبال كان قد مات بعد أن شعرت الفتاة الآلهة بالنعاس لدى حضور قداس ديني بصحبته. وبالفعل بدأ الرهبان بالبحث عن ضالتهم بين أفراد قبيلة (شاكايا)، وهي القبيلة الوحيدة التي يعتقد أن روح الآلهة توافق على الاستقرار فيها. ومن هنا بدأ أفراد القبيلة كل بعرض ابنته للترشح لأن تكون هي الآلهة القادمة، فبالنسبة للنيباليين هذا شرف كبير، كما أن ذلك يعني فم أقل لإطعامه في بلد يعاني من فقر شديد. بالإضافة إلى ذلك كله فالسلطات النيبالية تقدم راتب تقاعد شهريا للفتاة مقداره 800 روبية (80 دولارا) وهو أربعة أضعاف ما يمكن أن يجني العامل البسيط هناك. ومن الشروط الواجب توافرها في الفتاة التي تتقدم للترشح أن تكون عائلتها ذات سمعة معروف عنها الهدوء والمسالمة كما أن شكلها الخارجي يجب أن يطابق جميع المواصفات البالغ عددها 32 مثل أن يكون جلدها صافيا دون وجود نمش عليه، بينما عيناها سوداوان وشعرها أسود اللون ولسانها قصير وساقها كساق الغزال وأن يكون لها 40 سنا وهو أمر غير اعتيادي لفتاة في مثل هذا العمر! بعد أن يتأكد الرهبان أن جميع الفتيات المرشحات يطابقن هذه المواصفات تبدأ فترة الاختبار لاختيار الفتاة القادرة على حمل روح آلهتهم. ومن أهم الطقوس الممارسة لتحديد هوية الفتاة المناسبة إدخالها في غرفة ممتلئة بالدماء فيها 108 جواميس مقطوع رأسها وتكون الفتاة المناسبة تلك التي لا تجفل ولا تخاف من هذا المنظر. وبعد أن يتم اختيار الفتاة الأمثل وفي سرية تامة وعلى مدى عدة أسابيع يتم العمل على نقل روح الآلهة (تاليجو) التي كانت قد هامت خلال فترة الاختيار إلى جسد الفتاة الجديدة.
ويتم الإعلان أمام الملأ أن الآلهة قد استقرت أخيرا بعد العثور على الفتاة المناسبة لتعم الفرحة بين الشعب ليستعد الجميع للتوجه نحو منزلها لتقديم واجب الولاء والطاعة.
ومنذ تلك الفترة تصبح هذه الفتاة ملكا لشعب كامل يتطلع لرؤيتها من أجل البركة و رد الشر عنهم. ولكن قبل أن يتم عرضها على الشعب تمنح بعضا من الوقت برفقة عدد من الرجال والنساء للتعود على أسلوب الحياة المخملية الجديدة والطقوس الدينية التي تمارس عليها كل صباح سواء من عملية الماكياج الشاقة والطويلة أم التدريب النفسي على التعود على حياة الوحدة التي ستعيش فيها لفترة طويلة. ومن الأمور الملاحظة في شكل الآلهة (كوماري) وجود عين ثالثة يتم رسمها على جبين الفتاة. بعد انقضاء تلك الفترة يبدأ أفراد الشعب بالتوجه لآلهتهم طلبا للمغفرة والرحمة بينما يقوم بعضهم الآخر بعرض مشاكله عليها خاصة أولئك الذين يعانون من مشاكل تتعلق بالثأر. فإذا ارتجفت فإن ذلك الشخص سيذهب إلى السجن أما إذا بكت أو ضحكت أو حكت عينها فإن ذلك المسكين سيمرض، أما إذا بقيت ثابتة فلا يوجد داع للقلق. وهكذا تمضي الفتاة بداية يومها إلى أن يأتي وقت ممارسة بعض الطقوس الدينية السرية. وخلال وقت فراغها، إن وجد، فيسمح لها باللعب مع بعض الأطفال المختارين أو تترك وحيدة في غرفتها. وعلى هذه الفتاة الحذر من التعرض لأي خدش قد يسبب نزيف الدم منها الذي بدوره يعني هروب روح الآلهة منها.
وهكذا أمضت تلك الفتاة السنوات الثلاث السابقة من حياتها في عزلة عن طفولتها التي سلبت منها، وإلى الأبد كما أنها ستمضي السنوات الثلاث القادمة أيضا في حياة العبودية هذه إلى أن تقترب من سن البلوغ الجنسي لتبدأ رحلة البحث عن فتاة أخرى من جديد والتي لا تعلم هي الأخرى ماذا يخبئ لها القدر.
ودون سابق انذار سيتم انتزاع حياة الترف منها وإعادتها إلى عائلتها التي لم تعد تعرفها وعلى الأرجح أنها ستبقى وحيدة بقية حياتها خاصة مع وجود اعتقاد بين النيباليين أن من يتزوج كوماري سابقة يموت. وستكون هذه الفتاة مفتقرة لجميع أساليب البقاء من القيام بالواجبات المنزلية حتى أنها لا تستطيع قطع الشارع لوحدها.
عندها ستتساءل هذه الفتاة إن كانت قد كوفئت بعبادة شعب كامل لها أم عوقبت لتعيش مع عائلتها التي لم تعد تعرفها ومجتمع لم يعد يرغب بالاقتراب منها؟
كاتمندو: محمد بن حسين
عندما تأتي على ذكر كاتمندو، عاصمة نيبال، تلك المدينة المستظلة بسلسلة جبال الهملايا فإن أول ما يرد لذهنك هي صورة قمة ايفيرست التي تثقب السماء بعمامتها البيضاء، بينما تركع المعابد البوذية وسط المدينة بقببها الذهبية عند أقدام تلك الجبال. لكن ما قد يغيب عن ذهن الكثيرين أن هذه المدينة الغارسة في القدم تحتضن بين شوارعها الضيقة، التي تبدو كمتاهة ضخمة، معبدا صغيرا تعيش فيه فتاة من عائلة فقيرة يعبدها جميع الهندوس والبوذيين الذين يركعون تحت أقدامها، بما فيهم ملك البلاد. بعد رحلة قصيرة في المدينة الصغيرة المكتظة بكل ما هو متحرك من سيارات وعربات و رجال ونساء، سواء ذوي الأصول الهندية ببشرتهم السمراء أم التيبيتيين ذوي الملامح المنغولية، وصلت مجمع دوربار الشهير الحاضن لكنوز تاريخية لا تقدر بثمن والمصنف من قبل الأمم المتحدة ضمن المواقع الأثرية الواجب الحفاظ عليها ورعايتها. وبعد عراك ودي مع جمهرة من الباعة أمام المدخل الرئيسي معظمهم من الأطفال خرجت محملا ببعض التذكارات الخشبية بعد أن تأكدت أن ذلك هو السبيل الوحيد لأن يتركوني وشأني.
عند البوابة الرئيسية للمجمع، وبعيدا عن زمجرة عربات النقل قابلني قصر متعدد الطوابق محاط بجدران خشبية قديمة وتماثيل منحوتة بفن اشتهر به النيباليون. يطلق على هذا القصر بيت كوماري، وهو المكان الذي تعيش فيه الآلهة ويحج إليه النيباليون كل يوم. وعلى الفور وقبل عبور البوابة الرئيسية هممت بإخراج آلة التصوير لالتقاط بعض الصور، كعادتي التي لاحظت أنها لم تعد تفارقني في جميع تنقلاتي في نيبال لكثرة ما يمكن تصويره، إلا أن الدليل الذي كان بصحبتي أخبرني بأن ذلك ممنوع فأعدتها إلى حقيبتي ولكن بتردد وبعض من الامتعاض. لاحظت أن المدخل الأمامي للقصر منخفض بشكل كبير كأنما القائمون على بنائه قصدوا إجبار كل من يدخله على الانحناء احتراما لآلهتهم.
بعد الانتهاء من البوابة ظهرت أمامي باحة يتوسطها معبد صغير رمزي يحتوي على كتاب وآلة موسيقية للآلهة (سارسواتي) التي يعبدها الهندوس وترمز للتعلم. عند النظر للأعلى يمكن مشاهدة شرفة خشبية مزخرفة بشكل رائع.
علمت أن هذه الشرفة هي نافذة الآلهة (كوماري) الوحيدة نحو العالم. وتبقى بقية العام حبيسة حياتها المقدسة ولا يسمح لها بالخروج سوى خلال بعض المناسبات الدينية دون أن تلمس أقدامها الأرض. وكل من يرغب بمشاهدتها، سواء من السياح أو سكان البلاد الراغبين بأداء طقوس العبادة، عليه الوقوف أسفل هذه الشرفة وانتظار خروجها.
عندما وصلنا لم تكن الآلهة واقفة على شرفتها فأخذ الدليل الذي بصحبتي بالتصفيق إيذانا بوجود بعض الزوار الراغبين بمشاهدة الآلهة. انتظرنا لفترة وجيزة قبل أن يقال لنا إن الآلهة تتناول طعام الغداء، لذا علينا الانتظار لفترة من الوقت حتى تخرج الينا. وما هي إلا لحظات حتى خرجت الطفلة الآلهة بزيها الحريري الأحمر وحليها وجواهرها التي تتدلى من جميع أطرافها المرئية. نظرت نحونا بعينيها السوداء الواسعة والمزينة بالكحل الكثيف. حاولت أن أقرأ حركات وجهها لأخمن شعورها لكنني عجزت عن ذلك فنظراتها كانت فارغة حتى أنه خيل لي أن الحياة قد انتزعت من داخلها. لم أعرف إن كانت حزينة أم سعيدة، لكنني تأكدت أن الطفولة قد غادرت هذه الفتاة منذ زمن وأن حياتها لن تكون كما كانت وإلى الأبد.
بدأت قصة هذه الفتاة الصامتة قبل نحو ثلاثة أعوام وبينما كانت تلعب مع أقرانها في أحد الشوارع الطينية لمنطقة وادي كاتمندو دون أن تعلم أن حياتها كما عرفتها سابقا ستنتهي.
فقد انتشر الخبر أن رهبان المدينة يبحثون عن الفتاة التي ستستضيف بداخلها روح الآلهة تاليجو. وحسب التقليد المتبع هناك ومنذ نحو 300 عام وروح الآلهة (تاليجو) تعيش في سلسلة من أجساد فتيات عذراوات. وقد حان الوقت لانتقال روح الآلهة من جسد الفتاة التي تعيش فيها حاليا بعد أن وصلت مرحلة البلوغ.
ومن هنا بدأت رحلة البحث عن الفتاة الغامضة. و ستكون رحلة البحث شاقة وخطرة، فقطرة دمع من الفتاة قد تسبب الفيضانات في البلاد وابتسامة منها قد تعيد البلاد إلى رغدها السابق. ويقال إن أحد حكام نيبال كان قد مات بعد أن شعرت الفتاة الآلهة بالنعاس لدى حضور قداس ديني بصحبته. وبالفعل بدأ الرهبان بالبحث عن ضالتهم بين أفراد قبيلة (شاكايا)، وهي القبيلة الوحيدة التي يعتقد أن روح الآلهة توافق على الاستقرار فيها. ومن هنا بدأ أفراد القبيلة كل بعرض ابنته للترشح لأن تكون هي الآلهة القادمة، فبالنسبة للنيباليين هذا شرف كبير، كما أن ذلك يعني فم أقل لإطعامه في بلد يعاني من فقر شديد. بالإضافة إلى ذلك كله فالسلطات النيبالية تقدم راتب تقاعد شهريا للفتاة مقداره 800 روبية (80 دولارا) وهو أربعة أضعاف ما يمكن أن يجني العامل البسيط هناك. ومن الشروط الواجب توافرها في الفتاة التي تتقدم للترشح أن تكون عائلتها ذات سمعة معروف عنها الهدوء والمسالمة كما أن شكلها الخارجي يجب أن يطابق جميع المواصفات البالغ عددها 32 مثل أن يكون جلدها صافيا دون وجود نمش عليه، بينما عيناها سوداوان وشعرها أسود اللون ولسانها قصير وساقها كساق الغزال وأن يكون لها 40 سنا وهو أمر غير اعتيادي لفتاة في مثل هذا العمر! بعد أن يتأكد الرهبان أن جميع الفتيات المرشحات يطابقن هذه المواصفات تبدأ فترة الاختبار لاختيار الفتاة القادرة على حمل روح آلهتهم. ومن أهم الطقوس الممارسة لتحديد هوية الفتاة المناسبة إدخالها في غرفة ممتلئة بالدماء فيها 108 جواميس مقطوع رأسها وتكون الفتاة المناسبة تلك التي لا تجفل ولا تخاف من هذا المنظر. وبعد أن يتم اختيار الفتاة الأمثل وفي سرية تامة وعلى مدى عدة أسابيع يتم العمل على نقل روح الآلهة (تاليجو) التي كانت قد هامت خلال فترة الاختيار إلى جسد الفتاة الجديدة.
ويتم الإعلان أمام الملأ أن الآلهة قد استقرت أخيرا بعد العثور على الفتاة المناسبة لتعم الفرحة بين الشعب ليستعد الجميع للتوجه نحو منزلها لتقديم واجب الولاء والطاعة.
ومنذ تلك الفترة تصبح هذه الفتاة ملكا لشعب كامل يتطلع لرؤيتها من أجل البركة و رد الشر عنهم. ولكن قبل أن يتم عرضها على الشعب تمنح بعضا من الوقت برفقة عدد من الرجال والنساء للتعود على أسلوب الحياة المخملية الجديدة والطقوس الدينية التي تمارس عليها كل صباح سواء من عملية الماكياج الشاقة والطويلة أم التدريب النفسي على التعود على حياة الوحدة التي ستعيش فيها لفترة طويلة. ومن الأمور الملاحظة في شكل الآلهة (كوماري) وجود عين ثالثة يتم رسمها على جبين الفتاة. بعد انقضاء تلك الفترة يبدأ أفراد الشعب بالتوجه لآلهتهم طلبا للمغفرة والرحمة بينما يقوم بعضهم الآخر بعرض مشاكله عليها خاصة أولئك الذين يعانون من مشاكل تتعلق بالثأر. فإذا ارتجفت فإن ذلك الشخص سيذهب إلى السجن أما إذا بكت أو ضحكت أو حكت عينها فإن ذلك المسكين سيمرض، أما إذا بقيت ثابتة فلا يوجد داع للقلق. وهكذا تمضي الفتاة بداية يومها إلى أن يأتي وقت ممارسة بعض الطقوس الدينية السرية. وخلال وقت فراغها، إن وجد، فيسمح لها باللعب مع بعض الأطفال المختارين أو تترك وحيدة في غرفتها. وعلى هذه الفتاة الحذر من التعرض لأي خدش قد يسبب نزيف الدم منها الذي بدوره يعني هروب روح الآلهة منها.
وهكذا أمضت تلك الفتاة السنوات الثلاث السابقة من حياتها في عزلة عن طفولتها التي سلبت منها، وإلى الأبد كما أنها ستمضي السنوات الثلاث القادمة أيضا في حياة العبودية هذه إلى أن تقترب من سن البلوغ الجنسي لتبدأ رحلة البحث عن فتاة أخرى من جديد والتي لا تعلم هي الأخرى ماذا يخبئ لها القدر.
ودون سابق انذار سيتم انتزاع حياة الترف منها وإعادتها إلى عائلتها التي لم تعد تعرفها وعلى الأرجح أنها ستبقى وحيدة بقية حياتها خاصة مع وجود اعتقاد بين النيباليين أن من يتزوج كوماري سابقة يموت. وستكون هذه الفتاة مفتقرة لجميع أساليب البقاء من القيام بالواجبات المنزلية حتى أنها لا تستطيع قطع الشارع لوحدها.
عندها ستتساءل هذه الفتاة إن كانت قد كوفئت بعبادة شعب كامل لها أم عوقبت لتعيش مع عائلتها التي لم تعد تعرفها ومجتمع لم يعد يرغب بالاقتراب منها؟