المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خمسون فرقة مرتزقة في العراق على رأسها مؤسس «ساندلاين»



مقاوم
11-13-2005, 12:50 AM
جاد الحاج - الحياة

عام 1998 احدثت فضيحة «ساندلاين» ضجة عالمية حين كشفت الصحافة البريطانية ان وكالة المرتزقة كانت ترسل اسلحة الى سيراليون على رغم الحظر الذي وضعته الامم المتحدة، واطلقت نعوت «المرتزق الاكبر» من قبل الصحافة والدولة على رأس «ساندلاين»، الضابط السابق في القوات البريطانية تيم سبايسر لكن الدعوى المرفوعة ضده كشفت لاحقاًَ ان موظفي وزارة الخارجية البريطانية كانوا على علم بالصفقة، وفي النتيجة جرى حل «ساندلاين» وتبريد الساحة من حولها تمهيداً لاستعادة خدماتها عام 2002 باسم جديد هو «ايجيس للخدمات الدفاعية» واللافت ان مكاتب ايجيس محاذية لمبنى سكوتلنديارد في قلب لندن.

اللافت اكثر ان العقد الذي وقعته ايجيس اخيراً مع الولايات المتحدة لمساعدتها في الحرب العراقية يشمل حماية موظفي الامم المتحدة، بل ان سبايسر صرّح «لصنداي تايمز ماغازين» بأن هذه الخطوة ستتبعها خطوات تعاونية بين الامم المتحدة وبين المرتزقة الذين يشملون مئات الاجانب والف عراقي مدرب على ايديهم. الا ان ايجيس ليست وحدها المنظمة المشكلة من جنود قدماء وحرس ورياضيين وقتلة محترفين، بل يجوب العراق اليوم مسلحون مأجورون يقبض الواحد منهم اكثر من الف دولار يومياً وينتمون الى نحو 50 منظمة للجنود المرتزقة.

ويعود ذلك الى الانحسار في المصاريف الدفاعية وفي الاعداد المنضوية تحت بيارق الولايات المتحدة وبريطانيا على اثر انتهاء الحرب الباردة. لذا اصبحت الحرب أي حرب في أي مكان، فرصة عمل لمئات الجنود المتقاعدين والميليشيات المدربة عى القتل المنظم.

تاريخياً ليس جديداً توظيف المرتزقة في خدمة الجيوش النظامية فالامبراطوريات كلها كونت عديدها من خلال التجنيد الاجباري للذكور في البلاد الواقعة تحت سيطرتها. حتى هنيبعل الذي لم يكن حاكماً امبراطورياً اضطر الى اكتراء جنود محترفين يبيعون خدماتهم اما له واما للرومان. لكن عدد العسكر الاميركي هبط من مليونين ومئة الف خلال الحرب الباردة الى مليون واربعمئة الف حالياً، ويحارب على ارض العراق اليوم مرتزق واحد لكل عشرة جنود نظاميين، مما يعني ميدانياً ان مهمات المواجهة القصوى والمداهمات الخطرة وحراسة الشخصيات وحماية القوافل العسكرية كلها منوطة بالمرتزقة. لماذا؟

معروف ان الفاعلية العسكرية الاميركية مصدرها الزخم الناري على الارض، لكن هذا التقليد الحربي المعتمد على ضخافة القوة المدرعة فقد فاعليته في العراق بعد الضربة الاحتلالية الاولى، ولم يتمكن 140 الف جندي اميركي مزودين بأعلى مستويات المراقبة والتحري والتدريب والتقنية الحربية من السيطرة على الموقف بعد الاحتلال. لذا يدفع البنتاغون سنوياً لايجيس وحدها 293 مليون دولار حتى العام 2007 قابلة للتجديد، الا ان هذا القرار لم يأت الا نتيجة الهول الذي اصاب الرأي العام الاميركي بعد حرق وتعليق اربعة مقاولين اميركيين قرب الفلوجة، مما ادى الى اقتحام الفلوجة وتدميرها، وبالتالي قبول البنتاغون عقد قران سيئ السمعة مع المرتزقة.

وربما علينا ان نتذكر هنا ان الخزينة الاميركية وظفت 42 بليون دولار لاعادة بناء العراق وحماية المقاولين الاجانب، خصوصاً الاميركيين الذين حصلوا بديهياً على جل العقود. مسألة حيوية في معادلة الاحتلال ان لا يصاب المقاولون بالذعر فيذهب مال الخزينة بدداً. من هذه الكوة اطل تيم سبايسر باقتراح اقامة غرفة عمليات مستقلة مهمتها التنسيق مع القيادة العسكرية للتحالف البريطاني - الاميركي بهدف مواكبة وحماية المقاولين، اضافة الى مواجهة اعمال الشغب وقمع التظاهرات والقضاء على أي تحرك مشبوه في مهده. وتتمتع هذه الغرفة، داخل المنطقة الخضراء، باستقلالية مطلقة، بل لديها قمرها الاصطناعي الخاص. والغريب في قبول الاميركيين لسبايسر البريطاني على رغم تقدم عشرات الفرق المماثلة من الولايات المتحدة ان اعداءه في «الكار» اوصلوا اعتراضهم عليه الى البنتاغون، ولم تكن دعواهم متعلقة بتهريب الاسلحة بل بدفاع سبايسر عن جنديين اسكتلنديين قتلا فتى كاثوليكياً بدم بارد في بلفاست عام 1992، الا ان البنتاغون رد الدعوى بحجة انها لا «تمس صدقيته واخلاقياته المهنية».

ويقول سبايسر الذي زار العراق اخيراً لتفقد رجاله والتنسيق مع القيادة، تمهيداً للمشاركة في عمليات الاقتحام على الحدود العراقية – السورية: «لسنا هنا لنقاتل في الحرب. هناك من يحصل على راتب لهذه المهمة. لكن عند الضرورة يمكننا ان نقاتل. مبدأنا هو الرد على النار والانسحاب. الهرب وتهريب زبائننا من مناطق الخطر هدفنا، لا المشاركة في الحرب». لكن الاوساط العسكرية التقليدية في الجانب الاميركي ما زالت تطرح السؤال بالحاح حول فوائد وجود «جيش ظل» يعمل خارج القوانين المرعية، يتجاهل المعاهدات الدولية، ويلقي بالمسؤولية اخيراً على كاهل الجيش الرسمي خصوصاً حين يسقط مدنيون بالعشرات نتيجة التسرع في اطلاق النار. «انه الغرب الوحشي» أي كما في افلام رعاة البقر، يقول بيتر سينغر الموظف السابق في البنتاغون وأحد المفكرين الاستراتيجيين في مؤسسة «بروكينغ» في واشنطن. ويعارض سينغر مبدأ اللجوء الى المرتزقة، ويوافقه قائد الفرقة الثالثة للمشاة في الجيش الاميركي كارل هورست، وهو المسؤول عن حفظ الامن في بغداد وضواحيها: «هؤلاء الاشخاص يقتلون الناس ويتركون لغيرهم ان يتحمل المسؤولية. انه أمر يحصل في كل مكان».

مقارنة الوضع الراهن في العراق مع ما كانت عليه فييتنام ابان الاحتلال الاميركي موضوع الساعة في الاوساط العسكرية الاميركية منذ فترة طويلة، ويلعب تدفق الانتحاريين وتطويرهم اسلحة وتقنيات غير متوقعة دوراً واضحاً في ترسيخ تلك المقارنة. الفارق الاخلاقي الوحيد ان الفييتكونغ لم يهاجموا ابناء جلدتهم المدنيين في شكل عشوائي، بل قاتلوا حفاة عراة كاسبين عطف العالم الا ان «واشنطن بوست» في مقابلة اخيرة مع هنري كيسينجر، نقلت عنه قوله ان الولايات المتحدة لا تستطيع ان تخسر هذه الحرب مهما بلغت تكاليفها او اضطر الامر الى استعمال وسائل غير متبعة. ويقول كيسينجر ان عراق اليوم اكثر خطورة وصعوبة حربياً مما كانت عليه فييتنام، لكن الطريقة الوحيدة للخروج من العراق هي في كسب الحرب بشكل حاسم ونهائي، والا خسارتها.

صحيح ان استيراد مقاتلين مأجورين لا يخضعون للاعراف الدولية من شأنه تخفيف عدد الاصابات في صفوف الجنود العاديين، لكنه بنج موقت لعلّة لا يلوح الشفاء منها حتى كتابة هذه السطور.