زوربا
11-13-2005, 12:36 AM
فرح الهاجري
من القرارات المرتجلة التي أقرتها حكومة ياسين الهاشمي إبان العهد الملكي قرار التجنيد الإلزامي الذي قوبل آنذاك بالتنديد من قبل العراقيين، وكان الكاتب والصحافي العراقي محمد رضا الشبيبي من أهم المعارضين لهذا القرار إذ كتب انذاك سلسلة من المقالات منتقداً حكومة الهاشمي تحت عنوان «يوميات جندي بأقل ما يمكن» وتساءل الشبيبي: «لماذا لا تصرف الحكومة تذاكر سفر مجانية للجندي العراقي حتى لا يضطر الجنود إلى القفز من عربة إلى أخرى تهرباً من مفتش التذاكر في القطارات الذي يدعى «التيتي»!
لم يكن العريف عطية المسودن يتمتع بالرشاقة «الكافية» لذلك وكان دائم التذمر «لو أنا خفيف شويه شان طفرت بين أويلي» لاحظ عطية ان علوان وعبد لم يقفزا فبادرهما «ها علوان اليوم شكو ماكو أنت وعبد لازمين مقاعدكم» فرد علوان «شوف عطية إحنا نقص تذكرة واحدة ولما نشوف التيتي أقبل علينا نروح بسرعة للمرحاض ولما يلحقنا التيتي نطيه من تحت الباب التذكرة يفحصها ويرجعها متصور ان في المرحاض نفر واحد وبعدين نرجع لما نتأكد ان التيتي خرج من العربة ونسافر بتذكرة واحدة بدلاً من تذكرتين، ونقتسم الفرق، ما لازم نطمع أكثر من اللازم»، استمع عطية إلى كلامه واستحسنه فأشار عليهما أن يدفع هو ثمن التذكرة وفي المرة الثانية يدفعون!!
«نظر علوان إلى عبد غامزاً فخبأ عبد التذكرة، وعندما لمحا التيتي من بعيد أشارا إلى عطية ان يسبقهما الى المرحاض فركض عطية والعربة ترتج من حوله ولحقه عبد ولأن مراحيض عربات الدرجة الثالثة ضيقة اضطر عطية الى أن يحمل الجندي عبد فوق كتفيه فاستغل علوان الفرصة ونادى بنبرة التيتي:
بطاقاتكم شباب, فدفع عطية البطاقة من تحت الباب كعادته وهو يتصبب عرقاً لاهثاً منتظراً ان يعيد التيتي اليه التذكرة، طال الوقت ومرت الدقائق ثقيلة على عطية بينما شغل عبد وقته وهو يسترق النظر إلى حمام النساء المجاور، فطنت المرأة إلى الجندي وبدأت بالصراخ فقفز عبد من على كتفي عطية وأطلق ساقيه هو وعلوان قفزاً من بين العربات، أما عطية فقد حشر في الحمام واجتمع حوله أهل المرأة وأشبعوه ضرباً وشتائم، فدخل عليه التيتي قائلا «ها آغاتي سلامات ملخوك الجماعة اطلع من المرحاض هسه وانطيني التذكرة» نظر عطية المسودن إلى التيتي وقال له: «عمي سمعت عن زمّال المحلة هذا بزماناته ما قعد راحه يحملونه أهله بيض يحتك بالحايط» هذا أنا يا أهل المحلة وأخذ عطية يهوس وعربة القطار ترتج كنا بواحدة وصرنا باثنتين!
لم يعد مبدأ السيادة اليوم حامياً «لحرية الأسياد»، من قبض ممن ومن دفع لمن؟ لم يعد هذا الأمر أيضا سراً، يقول فؤاد السنيورة: «الفرق بين الذي يعرف والذي لا يعرف في لبنان,,, ساعة واحدة» القاضي الألماني ديتليف ميليس هو من كشف تورط المخابرات الليبية في عملية نسف ملهى برلين العام 1986، ومقتل الحريري أعطى «قميص عثمان» لأميركا لملاحقة نظام بشار الأسد، والمحافظون الجدد يريدون اتباع سياسة الضربة الاستباقية للهروب من تبعات الفوضى في العراق، ولا بأس هنا في الابقاء على سورية ككمبوديا أخرى، تماما كما فعل الأميركيون في فيتنام عندما ضاقت بهم السبل فقصفت كمبوديا وحملتها المسؤولية!
سورية اليوم واقع أميركي عند الحاجة الضرورية! كيف الجمع بين المبادئ الثابتة والزمن المتغير؟ يقول المدير السابق لـ «سي آي أيه» ريتشارد هيلمز: «الخطأ الوحيد لرجل المخابرات هو عندما يضبط متلبساً»، أما أنصار هتلر فقد عبروا عن ولائهم للفوهرر بإطلاق رصاص المسدسات داخل أفواههم! أليست هي المرة الأولى في التاريخ التي يتدخل فيها مجلس الأمن في جريمة اغتيال فرد لا صفة رسمية له ويقيم لذلك لجنة تحقيق دولية ايضاً لا سابقة لحجمها ونطاق عملها؟
,,, لحساب من تقرير ميليس؟ لمجلس الأمن أم للمسؤولين عن التحقيق في لبنان أم للإعلام الدولي؟ هل يكفي التقرير في حالته الراهنة لتشكيل محكمة دولية خاصة للنظر في الجريمة، وهل سيجلس قضاة سوريون ولبنانيون على منصتها؟ الاشكالية الطريفة هنا كيف تحاكمهم محكمة جرائم دولية في الوقت الذي ترفض فيه واشنطن الاعتراف بالمحكمة أصلا (خشية محاكمة ضباطها المتورطين بالقتل في العراق والتعذيب في أبوغريب وغوانتانامو)؟! استكمال التحقيق يحتاج إلى أشهر وربما تمتد المسألة إلى سنوات، ولكن الأهم هو استثمار ما جاء في التقرير واقتناص الفرصة السانحة لممارسة ضغوط سياسية محلية ودولية في اتجاه كل من قصر بعبدا وقصر الروضة والحذف طال أسماء سياسية ولم يستطع ميليس الدفاع عن ذلك أمام اصرار كوفي أنان على حياده الدولي وأمام الإعلاميين من جهة اخرى، إذن لماذا الابقاء على اسم الرئىس بشار الأسد في المقطع الخاص بتهديداته للرئيس الحريري هذا المقطع الذي بقي من دون تدخل والابقاء على اسم الرئىس لحود بتلقيه مكالمة قبل الجريمة بدقائق من أحد الذين يجري التحقيق معهم بقي كذلك دون حذف؟ ألا يبدو الأمر مكشوفا لقطف ثمار التقرير سياسياً قبل أي إدانة أو حكم؟ ألم يكن القصد هنا ان يوضع التقرير تحت بقعة ضوء لإجبار مجلس الأمن على التجاوب معه أمام الضغط الإعلامي؟ وما يدفع الى الشك هو النتيجة التي اضعفت الاستنتاج والنقص في الأدلة يجري التعويض عنه بالاسماء والتسريبات ثم الحذف والتبرير، ألا تبدو الأمور كلعبة العصا والجزرة والتسوية الممكنة لصفقات سياسية مقبلة (فلا يوجد في قارات مجلس الأمن - الذي أنشأ هذه اللجنة وحدد آلية عملها - ما يعطيه حق إخفاء معلومة أو حتى شهادة عن التحقيق اللبناني)؟
أميركا وفرنسا وبريطانيا تريد سورية لا قتلة الحريري وسورية تنفي بالجملة والمفرق وترد عن نفسها تهمة في حجم اغتيال الرئىس الحريري وتنفي ان يلجأ أكابر النظام كفاروق الشرع الى تضليل التحقيق أو حتى أن يكون نائبه السفير وليد المعلم قد هدد الحريري, لم تفطن سورية الى ان معارضيها ليسوا من «الانعزاليين» أو العملاء، بل هم غلاة القوميين ولقد دخل الجميع على الخط التصعيدي.
يقول كونفوشيوس: «إذا ما استخدمنا الكلمات الخطأ فلن نستطيع اشتقاق النتائج الصحيحة» تقرير ميليس يشير بأصابعه العشرة إلى مخابراتيين وعسكريين سوريين أمثال آصف شوكت وماهر الأسد وبهجت سلمان ورستم غزالة (تشكيلة من الحرس الجمهوري والمخابراتي الجديد) في عالم فضولي وحشري وباتت فيه لكل من زعماء الطوائف في لبنان محطة فضائىة وتكون الحقائق المصحوبة بفضائح فاقعة لا يستطيع نظام شمولي، انتهت صلاحيته، ان يحجبها بعباءته, عندما كان شاوشيسكو حاكم رومانيا السابق في زيارة لطهران كان اعصار التغيير يجتاح كل أوروبا الشرقية وسأله صحافي عن احتمالات التغيير في رومانيا فأجاب عاقداً حاجبيه:
«نعم هناك تغيرات في ما حولنا ولكن من يجهل رومانيا يظن ان التغيير قادم إلينا وأنا أقول لهؤلاء ان النظام في ر ومانيا لن يهتز وإذا أنبتت شجرة الحسك تينا فقد يتغير النظام عندنا», بعد هذا الكلام بأسبوعين كان شاوشيسكو قد رحل عن الدنيا قتيلاً ولم يعثر له على قبر!
أساس الحكم غريزة البقاء، فهل يكون مخرج النظام السوري نموذج «عروسة النيل» (قديما كان المصريون القدماء يخافون ثورة النيل فيلقون فيه فتاة جميلة حتى يتجنبون غضبه) بمن سيلقي النظام السوري داخل نهر العاصي؟ هل سيلقي بهم دفعة واحدة؟! أم ان النظام سيماطل ويلقي برجاله واحداً تلو الآخر على فترات متباعدة مراهنا على أن عامل الوقت سيكون في صالحه؟ على أمل ان تنهار ادارة اليمين الأميركي المحافظ قبل انهيار نظام الأسد؟ يقول الكاتب مأمون فندي «قد يبتدئ النظام برستم غزالة، فهو ليس من الطائفة الحاكمة والاستغناء عنه يكون سهلا كما انه قد يلقي بالسنة من النظام مثل فاروق الشرع أو أبوجمال، ولكنه قد لا يلقي بأخيه ماهراً أو حتى بزوج أخته آصف شوكت، وبالتأكيد لن يلقي بأي من آل مخلوف فالرئىس الأسد لا يستطيع اغضاب أركانه، فالمؤسسة العلوية هي دعامة بيت الحكم، والتضحية بآل مخلوف (أخوال بشار الأسد) بمثابة خلخلة لأعمدة النظام!
النظام السوري لا يقوم على تعدد المستويات ومراكز السلطة بقدر ما ينهض على دمجها وتلخيصها وهو ما يجعل من الصعب الا يقضي انهيار المركز الى تصدع النظام ككل!
والسؤال هنا هل يمكن الرهان على الحكمة الدولية وحسن نية ما تبقى من النظام فضلاً عن الحكمة وحسن النية لدى المعارضة بما يؤمن العبور الانتقالي الهادئ والتدريجي؟!
هناك فراغ سياسي آخر سينشأ في المنطقة وأكثر من زرقاوي سيتهيأ لملء هذا الفراغ، ولكن الا تكفي 42 عاماً فرصة البعث في الحكم؟!
الجيش السوري منظمة محاطة بالسرية التامة ويعد حارساً شرعياً في البلاد والتساؤل هنا يمكن أن يحصد بشار الأسد تأييد هؤلاء الضباط مما يتيح للرئىس أن يواجه أخوه ماهر الذي يقود أقوى الوحدات العسكرية ( اللواء الرابع الذي يسيطر على كل مداخل العاصمة) وإذا ما حصلت مواجهة بين الأخوين فهل سيكون ذلك تكراراً لسيناريو وقع العام 1984 بين الأسد وشقيقه رفعت الذي كان آنذاك على رأس وحدة عسكرية قوية تسمى «سرايا الدفاع» وقد انتهت تلك المواجهة لصالح حافظ وذهب رفعت الى المنفى؟ اللافت ان القيادة القطرية التي انتخبت اثر مؤتمر الحزب في مطلع الصيف لم تصدر حتى الآن أي بيان للرئىس بشار الذي هو في الوقت نفسه الأمين العام للحزب ولم يعد سراً أيضاً أن هناك انقساماً حاداً بين أجهزة الأمن والمخابرات، والخيارات صعبة جدا أمام الرئىس السوري ولكن الكلام عن صفقات اللحظة الأخيرة وارد وخصوصاً إذا لعبت الصفقة دوراً في السيطرة علي الحدود العراقية ـ السورية، وقامت بإقفال كل مكاتب الفصائل الفلسطينية التي تتخذ من دمشق مقراً لها مع تبني موقف سياسي علني يؤكد ان الشأن الفلسطيني عائد الى السلطة الفلسطينية وحدها.
وقد تقول الصفقة أن تقوم القيادة السورية بقطع كل الامدادات الى حزب الله وان يتخذ الرئىس السوري موقفا علنيا واضحا بأن الوقت حان ليتجرد حزب الله من السلاح، وليصبح طرفاً سياسياً فاعلاً في العملية السياسية في لبنان وقد يتطلب الأمر ايضاً ان تعلن دمشق ان مزارع شبعا واقعة في أراضيها وليس في الأراضي اللبنانية مما يحذف من المعادلة منطق مقاومة الاحتلال الذي يتذرع به حزب الله للاحتفاظ بالسلاح، ربما أصبح التحقيق في اغتيال رفيق الحريري العين الساهرة على الصفقات التي تراود الحكومات المعنية، ولكن الجميع متفقون على أن الوقت قد حان لتقليص نفوذ سورية خارج حدودها، وان لم يكن ديتليف ميليس طرفاً في الصفقات السياسية فمن الضروري جداً هنا التمييز بين الصفقات السياسية وبين صفقات ذات علاقة بالتصفيق!
ميليس مدرك جيداً أنه عثرة أمام صفقات مقبلة, وعليه أبلغ مجلس الأمن انه تعرض هو وفريق عمله إلى تهديدات جدية فالقاضي الألماني واع تماماً أن من يريد قتله ليس بالضرورة جهة واحدة، ربما أكثر من جهة، وعليه كان لابد من تقطير الأدلة والاكتفاء بالإيماء والأمثلة على ما يمتلكه من دلائل واثباتات و(Mr X) ليس إلا مثالاً صغيراً على أدلة جديدة ومفاجأت أكثر, أما الأمل الذي قد يراود البعض بصفقات تقوض التحقيق فهذه غير واردة فميليس لن يتراجع ولا هو بصدد مساومة ومثل هذه الكلفة أصبحت باهظة الثمن لا تتحملها هشاشة الدول المحيطة!
يقال ان رجلاً طاعناً في السن تزوج من بنت في العشرين، وهي الآن حامل وفي زيارة خاطفة للطبيب فكر الأخير كيف سيشرح الأمر للعجوز؟ ثم قال له لنفترض ان هناك صياداً ماهراً دائماً يصيب الهدف أخطأ مرة فحمل إلى الصيد عصا يتوكأ عليها بدل بندقية الصيد، وعندما رأى غزالاً سدد العصا إليه معتقداً انه يطلق النار وبالفعل أصيب الغزال اصابة قاتلة وصرح العجوز بأن هذا مستحيل كيف؟ لابد أن شخصاً آخر أطلق النار، وقال الطبيب هذا ما أحاول أن أشرحه لك!
عندما وصل طارق عزيز إلى الكرملين وقابل ميخائيل غورباتشوف أدرك ان الكرملين ليس هو الكرملين ولم يبق في قباب موسكو والساحة الحمراء سوى شاشات النيون لماكدونالدز وقطع الهمبرجر وسراويل الجينز المهلهلة، فنسخ كارل ماركس والحلم بمرسى في دفء المتوسط من وهران الى اللاذقية لم يعد وارداً، حاول عبثا ان يقنع صدام ولم يفعل الأخير, اليوم هناك من يريد ان يقنع سورية بأن روسيا والصين ستقفان الى جانبها في مجلس الأمن، الصين اليوم هي من تحمي سلة الدولار الأميركي، اليوم تتجه الصين إلى أن تكون أكبر دولة رأسمالية, لقد ولى ذلك اليوم الذي تقود فيه بكين الثورات، ألم تحاول الصين الشيوعية ابان الثورة الجزائرية القفز فوق قباب موسكو للتقرب من الرباط الملكية، لكي تنقل إلى شمال افريقيا حرب الفيتنام أو الهند الصينية انتقاماً من الفرنسيين، وان تصدي هواري بومدين لذلك «اليوم الحجم التجاري بين الصين وأميركا يفوق تجارات العالم الثالث مجتمعة كلها واليوم أيضاً تقترع الجزائر في مجلس الأمن الى جانب روسيا والصين»؟! اليوم يوم آخر صباح الخير يا دمشق!
كشفت لجنة الكونغرس في العام 1976 ان وكالة الاستخبارات الاميركية قتلت رؤساء معادين لأميركا مثل باتريس لوممبا «الكونغو» ورفائيل تروجيلو «الدومينيكان» وسلفادور الندى (التشيلي) ولكن هناك من لاحق هذه القضايا، وعندما قتل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد كانت هناك استنكارات خافتة، ثم قتل الشيخ صبحي الصالح والمستشار الرئاسي محمد شقير ثم الرئيس رينيه معوض, أما عندما اغتيل كمال جنبلاط الزعيم الدرزي، فإن طائفته انتقمت له من موارنة الشوف، رغم انهم لم يكونوا القتلة ثم جرت محاكمة قتلة رئىس الوزراء السابق رشيد كرامي على شاكلة (خميس خمش خشم حبش) وكان ممكنا ألا تحصل لو أن الدكتور سمير جعجع وافق على الاشتراك في الحكومة (رفضه بسبب تفجير كنيسة سيدة النجاة) ومن ثم اتهامه باغتيال كرامي, أما ايلي حبيقة فتقول عنه الكاتبة هدى الحسيني انه لم يقتل بسبب مجزرتي صبرا وشاتيلا، بل أصبح وزيراً وكاد يصبح رئيساً للجمهورية كعقاب للبنانيين! لم يعد لي مرارة للتكملة وللحديث بقية,,, أما قطار عطية أو قطار الشرق فقد مر عبر الأراضي السورية وربما يشارك ويهوّس السوريون مع عطية كنا بواحدة وصرنا باثنتين,,, أويلا!
من القرارات المرتجلة التي أقرتها حكومة ياسين الهاشمي إبان العهد الملكي قرار التجنيد الإلزامي الذي قوبل آنذاك بالتنديد من قبل العراقيين، وكان الكاتب والصحافي العراقي محمد رضا الشبيبي من أهم المعارضين لهذا القرار إذ كتب انذاك سلسلة من المقالات منتقداً حكومة الهاشمي تحت عنوان «يوميات جندي بأقل ما يمكن» وتساءل الشبيبي: «لماذا لا تصرف الحكومة تذاكر سفر مجانية للجندي العراقي حتى لا يضطر الجنود إلى القفز من عربة إلى أخرى تهرباً من مفتش التذاكر في القطارات الذي يدعى «التيتي»!
لم يكن العريف عطية المسودن يتمتع بالرشاقة «الكافية» لذلك وكان دائم التذمر «لو أنا خفيف شويه شان طفرت بين أويلي» لاحظ عطية ان علوان وعبد لم يقفزا فبادرهما «ها علوان اليوم شكو ماكو أنت وعبد لازمين مقاعدكم» فرد علوان «شوف عطية إحنا نقص تذكرة واحدة ولما نشوف التيتي أقبل علينا نروح بسرعة للمرحاض ولما يلحقنا التيتي نطيه من تحت الباب التذكرة يفحصها ويرجعها متصور ان في المرحاض نفر واحد وبعدين نرجع لما نتأكد ان التيتي خرج من العربة ونسافر بتذكرة واحدة بدلاً من تذكرتين، ونقتسم الفرق، ما لازم نطمع أكثر من اللازم»، استمع عطية إلى كلامه واستحسنه فأشار عليهما أن يدفع هو ثمن التذكرة وفي المرة الثانية يدفعون!!
«نظر علوان إلى عبد غامزاً فخبأ عبد التذكرة، وعندما لمحا التيتي من بعيد أشارا إلى عطية ان يسبقهما الى المرحاض فركض عطية والعربة ترتج من حوله ولحقه عبد ولأن مراحيض عربات الدرجة الثالثة ضيقة اضطر عطية الى أن يحمل الجندي عبد فوق كتفيه فاستغل علوان الفرصة ونادى بنبرة التيتي:
بطاقاتكم شباب, فدفع عطية البطاقة من تحت الباب كعادته وهو يتصبب عرقاً لاهثاً منتظراً ان يعيد التيتي اليه التذكرة، طال الوقت ومرت الدقائق ثقيلة على عطية بينما شغل عبد وقته وهو يسترق النظر إلى حمام النساء المجاور، فطنت المرأة إلى الجندي وبدأت بالصراخ فقفز عبد من على كتفي عطية وأطلق ساقيه هو وعلوان قفزاً من بين العربات، أما عطية فقد حشر في الحمام واجتمع حوله أهل المرأة وأشبعوه ضرباً وشتائم، فدخل عليه التيتي قائلا «ها آغاتي سلامات ملخوك الجماعة اطلع من المرحاض هسه وانطيني التذكرة» نظر عطية المسودن إلى التيتي وقال له: «عمي سمعت عن زمّال المحلة هذا بزماناته ما قعد راحه يحملونه أهله بيض يحتك بالحايط» هذا أنا يا أهل المحلة وأخذ عطية يهوس وعربة القطار ترتج كنا بواحدة وصرنا باثنتين!
لم يعد مبدأ السيادة اليوم حامياً «لحرية الأسياد»، من قبض ممن ومن دفع لمن؟ لم يعد هذا الأمر أيضا سراً، يقول فؤاد السنيورة: «الفرق بين الذي يعرف والذي لا يعرف في لبنان,,, ساعة واحدة» القاضي الألماني ديتليف ميليس هو من كشف تورط المخابرات الليبية في عملية نسف ملهى برلين العام 1986، ومقتل الحريري أعطى «قميص عثمان» لأميركا لملاحقة نظام بشار الأسد، والمحافظون الجدد يريدون اتباع سياسة الضربة الاستباقية للهروب من تبعات الفوضى في العراق، ولا بأس هنا في الابقاء على سورية ككمبوديا أخرى، تماما كما فعل الأميركيون في فيتنام عندما ضاقت بهم السبل فقصفت كمبوديا وحملتها المسؤولية!
سورية اليوم واقع أميركي عند الحاجة الضرورية! كيف الجمع بين المبادئ الثابتة والزمن المتغير؟ يقول المدير السابق لـ «سي آي أيه» ريتشارد هيلمز: «الخطأ الوحيد لرجل المخابرات هو عندما يضبط متلبساً»، أما أنصار هتلر فقد عبروا عن ولائهم للفوهرر بإطلاق رصاص المسدسات داخل أفواههم! أليست هي المرة الأولى في التاريخ التي يتدخل فيها مجلس الأمن في جريمة اغتيال فرد لا صفة رسمية له ويقيم لذلك لجنة تحقيق دولية ايضاً لا سابقة لحجمها ونطاق عملها؟
,,, لحساب من تقرير ميليس؟ لمجلس الأمن أم للمسؤولين عن التحقيق في لبنان أم للإعلام الدولي؟ هل يكفي التقرير في حالته الراهنة لتشكيل محكمة دولية خاصة للنظر في الجريمة، وهل سيجلس قضاة سوريون ولبنانيون على منصتها؟ الاشكالية الطريفة هنا كيف تحاكمهم محكمة جرائم دولية في الوقت الذي ترفض فيه واشنطن الاعتراف بالمحكمة أصلا (خشية محاكمة ضباطها المتورطين بالقتل في العراق والتعذيب في أبوغريب وغوانتانامو)؟! استكمال التحقيق يحتاج إلى أشهر وربما تمتد المسألة إلى سنوات، ولكن الأهم هو استثمار ما جاء في التقرير واقتناص الفرصة السانحة لممارسة ضغوط سياسية محلية ودولية في اتجاه كل من قصر بعبدا وقصر الروضة والحذف طال أسماء سياسية ولم يستطع ميليس الدفاع عن ذلك أمام اصرار كوفي أنان على حياده الدولي وأمام الإعلاميين من جهة اخرى، إذن لماذا الابقاء على اسم الرئىس بشار الأسد في المقطع الخاص بتهديداته للرئيس الحريري هذا المقطع الذي بقي من دون تدخل والابقاء على اسم الرئىس لحود بتلقيه مكالمة قبل الجريمة بدقائق من أحد الذين يجري التحقيق معهم بقي كذلك دون حذف؟ ألا يبدو الأمر مكشوفا لقطف ثمار التقرير سياسياً قبل أي إدانة أو حكم؟ ألم يكن القصد هنا ان يوضع التقرير تحت بقعة ضوء لإجبار مجلس الأمن على التجاوب معه أمام الضغط الإعلامي؟ وما يدفع الى الشك هو النتيجة التي اضعفت الاستنتاج والنقص في الأدلة يجري التعويض عنه بالاسماء والتسريبات ثم الحذف والتبرير، ألا تبدو الأمور كلعبة العصا والجزرة والتسوية الممكنة لصفقات سياسية مقبلة (فلا يوجد في قارات مجلس الأمن - الذي أنشأ هذه اللجنة وحدد آلية عملها - ما يعطيه حق إخفاء معلومة أو حتى شهادة عن التحقيق اللبناني)؟
أميركا وفرنسا وبريطانيا تريد سورية لا قتلة الحريري وسورية تنفي بالجملة والمفرق وترد عن نفسها تهمة في حجم اغتيال الرئىس الحريري وتنفي ان يلجأ أكابر النظام كفاروق الشرع الى تضليل التحقيق أو حتى أن يكون نائبه السفير وليد المعلم قد هدد الحريري, لم تفطن سورية الى ان معارضيها ليسوا من «الانعزاليين» أو العملاء، بل هم غلاة القوميين ولقد دخل الجميع على الخط التصعيدي.
يقول كونفوشيوس: «إذا ما استخدمنا الكلمات الخطأ فلن نستطيع اشتقاق النتائج الصحيحة» تقرير ميليس يشير بأصابعه العشرة إلى مخابراتيين وعسكريين سوريين أمثال آصف شوكت وماهر الأسد وبهجت سلمان ورستم غزالة (تشكيلة من الحرس الجمهوري والمخابراتي الجديد) في عالم فضولي وحشري وباتت فيه لكل من زعماء الطوائف في لبنان محطة فضائىة وتكون الحقائق المصحوبة بفضائح فاقعة لا يستطيع نظام شمولي، انتهت صلاحيته، ان يحجبها بعباءته, عندما كان شاوشيسكو حاكم رومانيا السابق في زيارة لطهران كان اعصار التغيير يجتاح كل أوروبا الشرقية وسأله صحافي عن احتمالات التغيير في رومانيا فأجاب عاقداً حاجبيه:
«نعم هناك تغيرات في ما حولنا ولكن من يجهل رومانيا يظن ان التغيير قادم إلينا وأنا أقول لهؤلاء ان النظام في ر ومانيا لن يهتز وإذا أنبتت شجرة الحسك تينا فقد يتغير النظام عندنا», بعد هذا الكلام بأسبوعين كان شاوشيسكو قد رحل عن الدنيا قتيلاً ولم يعثر له على قبر!
أساس الحكم غريزة البقاء، فهل يكون مخرج النظام السوري نموذج «عروسة النيل» (قديما كان المصريون القدماء يخافون ثورة النيل فيلقون فيه فتاة جميلة حتى يتجنبون غضبه) بمن سيلقي النظام السوري داخل نهر العاصي؟ هل سيلقي بهم دفعة واحدة؟! أم ان النظام سيماطل ويلقي برجاله واحداً تلو الآخر على فترات متباعدة مراهنا على أن عامل الوقت سيكون في صالحه؟ على أمل ان تنهار ادارة اليمين الأميركي المحافظ قبل انهيار نظام الأسد؟ يقول الكاتب مأمون فندي «قد يبتدئ النظام برستم غزالة، فهو ليس من الطائفة الحاكمة والاستغناء عنه يكون سهلا كما انه قد يلقي بالسنة من النظام مثل فاروق الشرع أو أبوجمال، ولكنه قد لا يلقي بأخيه ماهراً أو حتى بزوج أخته آصف شوكت، وبالتأكيد لن يلقي بأي من آل مخلوف فالرئىس الأسد لا يستطيع اغضاب أركانه، فالمؤسسة العلوية هي دعامة بيت الحكم، والتضحية بآل مخلوف (أخوال بشار الأسد) بمثابة خلخلة لأعمدة النظام!
النظام السوري لا يقوم على تعدد المستويات ومراكز السلطة بقدر ما ينهض على دمجها وتلخيصها وهو ما يجعل من الصعب الا يقضي انهيار المركز الى تصدع النظام ككل!
والسؤال هنا هل يمكن الرهان على الحكمة الدولية وحسن نية ما تبقى من النظام فضلاً عن الحكمة وحسن النية لدى المعارضة بما يؤمن العبور الانتقالي الهادئ والتدريجي؟!
هناك فراغ سياسي آخر سينشأ في المنطقة وأكثر من زرقاوي سيتهيأ لملء هذا الفراغ، ولكن الا تكفي 42 عاماً فرصة البعث في الحكم؟!
الجيش السوري منظمة محاطة بالسرية التامة ويعد حارساً شرعياً في البلاد والتساؤل هنا يمكن أن يحصد بشار الأسد تأييد هؤلاء الضباط مما يتيح للرئىس أن يواجه أخوه ماهر الذي يقود أقوى الوحدات العسكرية ( اللواء الرابع الذي يسيطر على كل مداخل العاصمة) وإذا ما حصلت مواجهة بين الأخوين فهل سيكون ذلك تكراراً لسيناريو وقع العام 1984 بين الأسد وشقيقه رفعت الذي كان آنذاك على رأس وحدة عسكرية قوية تسمى «سرايا الدفاع» وقد انتهت تلك المواجهة لصالح حافظ وذهب رفعت الى المنفى؟ اللافت ان القيادة القطرية التي انتخبت اثر مؤتمر الحزب في مطلع الصيف لم تصدر حتى الآن أي بيان للرئىس بشار الذي هو في الوقت نفسه الأمين العام للحزب ولم يعد سراً أيضاً أن هناك انقساماً حاداً بين أجهزة الأمن والمخابرات، والخيارات صعبة جدا أمام الرئىس السوري ولكن الكلام عن صفقات اللحظة الأخيرة وارد وخصوصاً إذا لعبت الصفقة دوراً في السيطرة علي الحدود العراقية ـ السورية، وقامت بإقفال كل مكاتب الفصائل الفلسطينية التي تتخذ من دمشق مقراً لها مع تبني موقف سياسي علني يؤكد ان الشأن الفلسطيني عائد الى السلطة الفلسطينية وحدها.
وقد تقول الصفقة أن تقوم القيادة السورية بقطع كل الامدادات الى حزب الله وان يتخذ الرئىس السوري موقفا علنيا واضحا بأن الوقت حان ليتجرد حزب الله من السلاح، وليصبح طرفاً سياسياً فاعلاً في العملية السياسية في لبنان وقد يتطلب الأمر ايضاً ان تعلن دمشق ان مزارع شبعا واقعة في أراضيها وليس في الأراضي اللبنانية مما يحذف من المعادلة منطق مقاومة الاحتلال الذي يتذرع به حزب الله للاحتفاظ بالسلاح، ربما أصبح التحقيق في اغتيال رفيق الحريري العين الساهرة على الصفقات التي تراود الحكومات المعنية، ولكن الجميع متفقون على أن الوقت قد حان لتقليص نفوذ سورية خارج حدودها، وان لم يكن ديتليف ميليس طرفاً في الصفقات السياسية فمن الضروري جداً هنا التمييز بين الصفقات السياسية وبين صفقات ذات علاقة بالتصفيق!
ميليس مدرك جيداً أنه عثرة أمام صفقات مقبلة, وعليه أبلغ مجلس الأمن انه تعرض هو وفريق عمله إلى تهديدات جدية فالقاضي الألماني واع تماماً أن من يريد قتله ليس بالضرورة جهة واحدة، ربما أكثر من جهة، وعليه كان لابد من تقطير الأدلة والاكتفاء بالإيماء والأمثلة على ما يمتلكه من دلائل واثباتات و(Mr X) ليس إلا مثالاً صغيراً على أدلة جديدة ومفاجأت أكثر, أما الأمل الذي قد يراود البعض بصفقات تقوض التحقيق فهذه غير واردة فميليس لن يتراجع ولا هو بصدد مساومة ومثل هذه الكلفة أصبحت باهظة الثمن لا تتحملها هشاشة الدول المحيطة!
يقال ان رجلاً طاعناً في السن تزوج من بنت في العشرين، وهي الآن حامل وفي زيارة خاطفة للطبيب فكر الأخير كيف سيشرح الأمر للعجوز؟ ثم قال له لنفترض ان هناك صياداً ماهراً دائماً يصيب الهدف أخطأ مرة فحمل إلى الصيد عصا يتوكأ عليها بدل بندقية الصيد، وعندما رأى غزالاً سدد العصا إليه معتقداً انه يطلق النار وبالفعل أصيب الغزال اصابة قاتلة وصرح العجوز بأن هذا مستحيل كيف؟ لابد أن شخصاً آخر أطلق النار، وقال الطبيب هذا ما أحاول أن أشرحه لك!
عندما وصل طارق عزيز إلى الكرملين وقابل ميخائيل غورباتشوف أدرك ان الكرملين ليس هو الكرملين ولم يبق في قباب موسكو والساحة الحمراء سوى شاشات النيون لماكدونالدز وقطع الهمبرجر وسراويل الجينز المهلهلة، فنسخ كارل ماركس والحلم بمرسى في دفء المتوسط من وهران الى اللاذقية لم يعد وارداً، حاول عبثا ان يقنع صدام ولم يفعل الأخير, اليوم هناك من يريد ان يقنع سورية بأن روسيا والصين ستقفان الى جانبها في مجلس الأمن، الصين اليوم هي من تحمي سلة الدولار الأميركي، اليوم تتجه الصين إلى أن تكون أكبر دولة رأسمالية, لقد ولى ذلك اليوم الذي تقود فيه بكين الثورات، ألم تحاول الصين الشيوعية ابان الثورة الجزائرية القفز فوق قباب موسكو للتقرب من الرباط الملكية، لكي تنقل إلى شمال افريقيا حرب الفيتنام أو الهند الصينية انتقاماً من الفرنسيين، وان تصدي هواري بومدين لذلك «اليوم الحجم التجاري بين الصين وأميركا يفوق تجارات العالم الثالث مجتمعة كلها واليوم أيضاً تقترع الجزائر في مجلس الأمن الى جانب روسيا والصين»؟! اليوم يوم آخر صباح الخير يا دمشق!
كشفت لجنة الكونغرس في العام 1976 ان وكالة الاستخبارات الاميركية قتلت رؤساء معادين لأميركا مثل باتريس لوممبا «الكونغو» ورفائيل تروجيلو «الدومينيكان» وسلفادور الندى (التشيلي) ولكن هناك من لاحق هذه القضايا، وعندما قتل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد كانت هناك استنكارات خافتة، ثم قتل الشيخ صبحي الصالح والمستشار الرئاسي محمد شقير ثم الرئيس رينيه معوض, أما عندما اغتيل كمال جنبلاط الزعيم الدرزي، فإن طائفته انتقمت له من موارنة الشوف، رغم انهم لم يكونوا القتلة ثم جرت محاكمة قتلة رئىس الوزراء السابق رشيد كرامي على شاكلة (خميس خمش خشم حبش) وكان ممكنا ألا تحصل لو أن الدكتور سمير جعجع وافق على الاشتراك في الحكومة (رفضه بسبب تفجير كنيسة سيدة النجاة) ومن ثم اتهامه باغتيال كرامي, أما ايلي حبيقة فتقول عنه الكاتبة هدى الحسيني انه لم يقتل بسبب مجزرتي صبرا وشاتيلا، بل أصبح وزيراً وكاد يصبح رئيساً للجمهورية كعقاب للبنانيين! لم يعد لي مرارة للتكملة وللحديث بقية,,, أما قطار عطية أو قطار الشرق فقد مر عبر الأراضي السورية وربما يشارك ويهوّس السوريون مع عطية كنا بواحدة وصرنا باثنتين,,, أويلا!