المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انقسام فى فرنسا حول تعريف: من هو الفرنسي؟



مجاهدون
11-12-2005, 03:28 PM
لبس «البيريه» وأكل الجبنة الفرنسية ليس دليل المواطنة


باريس: كريغ سميث


كان سامو ضيوف واقفا في القاعة القذرة في الطابق الأرضي من عمارة سكنية مزدحمة يحمل في يد غليونا وفي الأخرى سيجارة، ويوضح لماذا يشعر بأنه فرنسي. وقال قبل ان يضع الغليون في فمه «ولدت في السنغال عندما كانت جزءا من فرنسا. أتحدث الفرنسية، وتعلمت فى فرنسا، وزوجتي فرنسية. المشكلة الوحيدة أن الفرنسيين لا يعتقدون أنني فرنسي».
.
هذا هو بالضبط جوهر الاضطرابات التي انتشرت في فرنسا خلال الأسبوعين الماضيين: ملايين من المواطنين الفرنسيين، سواء من المهاجرين أو من أبناء المهاجرين، نبذهم المجتمع الفرنسي التقليدي، الذي رفض تعديل مفهوم المواطنة الذي تشكل عبر الثورة الفرنسية. ويبقى مفهوم الهوية الفرنسية متأصلا في الثقافة القديمة وفي جزء كبير من السكان الذين لم يقبلوا بعد التشكيلة العرقية المتعددة للأمة. ببساطة الفرنسي بالنسبة لكثير من الناس هو الخبز والجبنة الفرنسية والبيريه (القلنسوة الفرنسية).

وبالرغم من أن العديد من الدول تتطلع الى ضمان المساواة بين مواطنيها، ولا تنجح في ذلك، فإن القضية في فرنسا أكثر تعقيدا في مجتمع علماني مثالي يرفض الاعتراف بالعرقيات والخلافات الدينية في الحياة العامة. فكل مواطن هو فرنسي لا أكثر ولا أقل، كما تصر الحكومة، وهو موقف مثالي، إلا انه سمح للتفرقة بالانتشار. ومن المعروف أن الدستور الفرنسي يضمن المساواة للجميع، ولكن كان ذلك يفسر دائما على انه يعني أن الخلافات العرقية أو الدينية ليست مسؤولية الدولة. والنتيجة هي أن لا احد يواجه تلك الخلافات لمتابعة عدم المساواة المتزايدة ولذا يسهل إخفاء التفرقة. ويقول يزيد سابق، وهو الفرنسي الوحيد من اصل عربي الذي يرأس شركة مساهمة فرنسية «الناس يعتقدون أن التقسيم الطائفي أو العرقي هو أمر سيئ، وقذر وهو خاص بالأميركيين ويجب عدم القيام به هنا. ولكن بدون الاحصائيات كيف يمكن تقييم المشكلة».

وقد ولد سابق في الجزائر عندما كانت مستعمرة فرنسية ثم انتقل الى فرنسا مع أسرته. وكان والده عاملا ثم اشتغل ميكانيكيا لكي يتمكن من إدخال ابنه مدرسة داخلية لطائفة الجيزويت، ثم حصل على درجة الدكتوراه من السوربون. ويستخف سابق بفكرة الهوية الفرنسية المعتمدة، وخرافة الحقوق المتساوية وتردد الفرنسيين في الدخول في نقاش حول الهوة بين المثاليات والواقع. وأوضح ان فرنسا «لا تعرف كيف تدير التنوع. ولا تريد قبول نتائج المجتمع المتعدد الأعراق». وقد تعلم سابق مثل معظم أطفال المدارس الفرنسيين، أن أسلافهم من الغال و«أنه في عام 732 أوقف شارل مارتل عمدة بلدة بلاس الزحف الاسلامي عند بلدة بواتييه». ويعترف القادة الفرنسيون بفشلهم، ولكنهم يصرون على أنهم يبذلون جهدا لتحقيق المساواة لجميع المواطنين، وبدأوا بالفعل في نقاش علني واسع حول تعريف «من هو الفرنسي». إلا أن هذا النقاش لا يزال مقيدا بالالتزام بمثاليات الجمهورية الفرنسية. وقد ذكر الرئيس الفرنسي جاك شيراك للصحافيين في قصر الإليزيه يوم الخميس أن الحكومة لم «تكن سريعة بما يكفي في مواجهة مشاكل التفرقة»، وقال «بغض النظر عن أصولنا فنحن أبناء الجمهورية».

ومن ناحية أخرى، اتخذ النقاش السياسي بعدا جديدا، فقد أصدر حزب الجبهة الوطنية، اليميني المتطرف، شريط فيديو على موقعه على الإنترنت هذا الأسبوع يظهر الحرائق في باريس. وكان العنوان «انفجار المهاجرين في الضواحي.. لقد تنبأ به لوبان»، في إشارة الى زعيم الحزب جان ماري لوبان.

والفكرة وراء فلسفة المساواة فى الجمهورية الفرنسية، هي أن تتجاهل الخلافات العرقية لصالح هوية فرنسية شاملة، سيؤدي الى تجنب تقسيم المجتمع الى طبقات وجدت قبل الثورة الفرنسية، أو التفرقة التي تراها الآن في النماذج المتعددة الثقافات مثل الولايات المتحدة. ولكن النموذج الفرنسي، الذي لم يتطور قط، فشل كما يشير النقاد.

وأوضح سابق «إن فرنسا تتحدث دائما عن تجنب مبدأ «الغيتو»، ولكنه حدث بالفعل»، مضيفا أن الناس منفصلون في المشاريع الإسكانية، وفي المدارس.

وقد عزز التاريخ الاستعماري هذا التغريب. فرشيد أرحاب، وهو واحد من الصحافيين الإذاعيين المعروفين في فرنسا، يقول إن شعورا ينتابه بالامتعاض من حرب الاستقلال الدموية التي انتصرت فيها الجزائر عام 1962. وأضاف «بالنسبة لعديد من الفرنسيين، أنا أذكرهم بالحرب بطريقة غير شعورية». ويعتبر أرحاب نفسه نموذجا لحالة عدم الوضوح إزاء معنى أن يكون الشخص فرنسيا. فهو قد ولد في الجزائر عندما كانت تحت الاحتلال الفرنسي، ثم انتقل الى فرنسا وهو رضيع، لكنه فقد جنسيته الفرنسية عندما كان في الثامنة من عمره غداة الحرب الجزائرية، شأنه في ذلك شأن كثير من الفرنسيين من اصل جزائري، فوالداه لم يدركا أن عليهما تقديم طلب جديد، لاستعادة الجنسية الفرنسية. ولم يصبح أرحاب مواطنا فرنسيا مرة أخرى إلا في عام 1992.

ورغم ذلك يقول إنه يشعر بعمق أنه فرنسي. إلا ان لغة الهوية نفسها لا تخلو من المشاكل. ويقول أيضا انه عندما يسمع الآخرين يتحدثون عنه كمواطن فرنسي «من أصل جزائري» يعتبر أن ذلك يعني أنه ليس فرنسيا حقيقيا. ويضيف أن من هم في جيله عاشوا أوضاعا أفضل من الشباب الذين يعيشون الآن في المجمعات السكنية، لأنهم كانوا يحتفظون بعلاقات وثيقة مع أوطانهم. وقال معلقا «عندما يقول لي البعض إنني ليت فرنسيا يمكنني أن أعود الى جذوري، إلا أن هؤلاء الشباب لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك».

وغالبية الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين ليسوا أكثر تمسكا من الشبان الفرنسيين الكاثوليك، إلا أن التمييز تسبب في إيجاد الأوضاع التي جعلت الشباب الذين يشعرون بأنهم لا ينتمون لفرنسا ولا لشمال أفريقيا، يبحثون عن هوية في الإسلام، وفي الغالب الإسلام السياسي والمعادي للغرب. يقول سابق إنه ظل طوال عمره يعاني من التمييز، وأضاف قائلا أنه كلما ازداد التحامل ازدادت شهرته.

وتجدر الاشارة الى أن سابق قاد مجموعة من المستثمرين لشراء شركة «سي إس كوميونيكيشان آند سيستيمز» التي يديرها حاليا. وقال انه عندما تقدم للحكومة لتنفيذ عقود في مجال الدفاع قال له المسؤول المعني ان اسمه يعتبر مشكلة، في إشارة الى ان اسمه يدل على انه من اصل جزائري. ودارت بعد ذلك شائعات بأنه جاسوس جزائري، ولم يستطع الحصول على الموافقة بتنفيذ أول عقد لوزارة الدفاع إلا بعد ثلاث سنوات. ويقول سابق انه لم ينجح في معرفة المصدر وراء تلك الشائعة، وعلق قائلا إن العملية «أشبه بالثعبان، إذ يرى الشخص ذنبه عندما يختفى ولا يتمكن من رؤية رأسه»، ولا تزال الشائعات متواصلة حتى الآن.

وقد ظلت مساعي الحكومة للتواصل مع الأقليات العرقية ضعيفة حتى الآن وتعرقلها المثل والمبادئ الجمهورية التي عطلت جهود مكافحة التمييز وتثبيت مبدأ الفرص المتكافئة. ويقول كريم زريبي، لاعب الكرة السابق والمستشار السياسي، إن نتائج دراسة أجراها بداية هذا العام أظهرت أن السيرة الذاتية التي تحمل أسماء فرنسية في مجال التقدم الى وظائف تلقى استجابة أكثر بخمسين مرة مقارنة بتلك التي تحمل أسماء أفريقية أو شمال أفريقية. وكان زريبي قد أسس وكالة في أبريل يطلق عليها Citizenship» «Act for تعنى بمساعدة المتقدمين لوظائف من المقيمين في الأحياء التي تقطنها نسبة كبيرة من الأقليات العرقية. وقال زريبي إنهم يسعون الى إيجاد شبكة لمساعدة من لا يجدون وظائف، وأضاف أن الشباب المسجلين للوظائف في وكالته كثيرا ما يسألون عند التقدم لعمل ما إذا كانوا مسلمين ملتزمين.