المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوانيت الكلام ورائحة القتل التى يشعر بها المحاربون المتمرسون



مجاهدون
11-12-2005, 03:12 PM
محمد صادق دياب



يروي الدكتور د. ت. سوزوكي أن أحد المحاربين اليابانيين القدامى، راح يستمتع في صباح ربيعي بالسير في حديقته وسط الأزهار، حينما أحس فجأة برائحة القتل أو الموت «الساكي» تهدده من الخلف، واستدار المحارب فلم يجد خلفه سوى خادمه الصغير الذي يحمل سيفه، ولم يستطع المحارب تحديد المصدر الذي انبعثت منه رائحة القتل أو «الساكي»، وحينما اشتدت حيرة المحارب وازداد قلقه، اعترف خادمه الصغير بأنه في تلك اللحظة التي أحس فيها المحارب برائحة القتل كانت تدور في ذهن الخادم فكرة أن سيده المحارب لن يقوى على الدفاع عن نفسه، لو قدر له أن يضربه من الخلف!!

وتشير هذه الحادثة إلى أن للقتل رائحة يعرفها المحاربون المتمرسون الذين خبروا الحروب واكتووا بويلاتها، ويتم الشعور بهذه الرائحة داخليا، بوصفها منبعثة من مصدر يضمر فكرة القتل، فالذين خبروا الحروب يكتسبون هذه الصفة أو الملكة أو المقدرة أو الحاسة السادسة، المتخصصة في استشعار القتل أو الفتنة في ظروف قد لا يحس بها الإنسان العادي.

ولسوء حظنا، نحن العرب، أننا أصبحنا نعيش وسط تلك الرائحة، فلا يكاد يمر يوم من أيامنا العربية المعاصرة ـ غير المجيدة ـ إلا ونشم فيه تلك الرائحة، والفرق بيننا وبين ذلك المحارب الياباني، أننا نعرف مصدر تلك الرائحة، أولئك الذين يقتلون الناس في ثياب الفرح، ووسط أهازيج الأعراس، وهذه أيديهم الملطخة بالدماء قد امتدت من الرياض إلى الدار البيضاء مرورا بالمنامة وعمان وبغداد والكويت وصنعاء ودمشق وبيروت وشرم الشيخ والجزائر وغيرها.

وقد كان ليل الأربعاء الماضي ليلا كئيبا، ذرفت عيونه الحزينة زخات من الوجوم على صحارى النفوس، وشاشات الفضائيات تمطر جثثا وجرحى، وقد فتحت حوانيت الكلام أفواهها لتسكب كلامها المكرر الرتيب، ولا جديد.. وسطور موجزة في بريدي الإلكتروني من صديقة أردنية مكلومة تقول: «كنت قد حجزت في فندق (الجراند حياة) لتناول العشاء مع عائلتي، ولكن لأسباب إلهية ألغيت الحجز»، وتضيف: «ببالغ المرارة تلقيت نبأ وفاة بعض من أصدقائي ومعارفي، بعضهم تحول إلى أشلاء، تهمتهم أنهم شاركوا في حفل زفاف، وبعضهم الآخر جريمته أنه ذهب لاحتساء القهوة».. تحاول أن تقدم العزاء لتلك السيدة فلا تجد الكلمات، فالفراشات لا تطير في الليالي السوداء.

وتغلق شاشة التلفاز، ويبقى عالقا في أذنك صوت ذلك المذيع المتشنج الذي يذكرك بأصوات الندابات المستأجرات في المآتم، بكلماته التي لا تعني شيئا.


m.diyab@asharqalawsat.com