المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدام وسع علاقاته مع المغرب لنشر البعث



هاشم
11-11-2005, 06:04 PM
د. أسامة مهدي



أثارت عملية اختطاف تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين لدبلوماسيين مغربيين يعيشان في العراق منذ اكثر من 20 عاما مسألة اتجاه الرئيس العراقي صدام حسين في سبعينات القرن الماضي نحو اقصى المغرب العربي الى المملكة المغربية بهدف غير معلن هو نشر افكار حزب البعث هناك واقامة تنظيم مغربي للبعث تحت غطاء بعثات دراسية وفلاحين وعمال ومتخصصين في السياحة و نفط باسعار تفضيلية .. حتى مرت العلاقات بفتور عقب احتلال الكويت عام 1990 وصولا الى تدفق عشرات الشبان الاصوليين المغاربة على العراق بعد سقوط صدام بهدف معلن هو الجهاد ضد الاحتلال .

وقد تطورت العلاقات العراقية مع المغرب على الخصوص بعد قيام الجمهورية العراقية عام 1958 حين زار العراق عام 1960 الملك المغربي الراحل محمد الخامس الذي استقبله رئيس الوزراء الراحل عبد الكريم قاسم وسط حفاوة شعبية ورسمية حافلة باعتباره بطلا لتحرير المغرب .. كما اهداه ثلاث طائرات حربية بريطانية الصنع لتنضم الى القوة الجوية المغربية الناشئة انذاك .. ومرت هذه العلاقات بظروف متوازنة حتى استلام البعث للسلطة عام 1968 ثم صدام حسين لرئاسة الجمهورية عام 1979 حين اقام علاقات مميزة مع العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني والتي كانت غطاء على ما اثبتته الوقائع بعد ذلك لهدف نشر تنظيم حزب البعث هناك والذي لم ينجح به بسبب قوة وخبرة الاجهزة الامنية المغربية التي وأدت هذا التنظيم في المهد اواسط السبعينات برغم انها غضت الطرف عن النشاطات العلنية السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية بين البلدين .

فبعد استلام حزب البعث للسلطة في عام 1968 بسنتين او ثلاث وبعد ان رسخ اقدامه على الارض العراقية بعد تصفيات واسعة طالت القوى الاخرى بدأا النظام الذي اعتبر نفسه ممثلا شرعيا لحزب البعث الذي تأسس عام 1947 وبهدف إسقاط "شرعية" الحزب في سوريا بالتوجه خصوصا نحو المغرب بهدف الانتشار هناك نظرا لافتقار الحزب لتنظيمات في غرب الوطن العربي على عكس انتشاره في مشرقه . ففي بداية السبعينات بدأ النظام في بغداد بربط علاقات سياسية منتظمة مع الاحزاب المغربية التي كانت تنظر الى تجربة وصول البعث الى السلطة باعجاب وبدأت اموال النفط العراقي الذي جرى تأميمه مطلع السبعينات تصل على شكل "مساعدات" لعدد من هذه الاحزاب وشخصياتها والى تجمعات ثقافية وفنية . وقد خصصت الحكومة العراقية 20 زمالة دراسية لكل حزب مغربي في كل عام لترشيح طلبة من منتسبيها للدراسة في الجامعات العراقية على حساب وزارة التعليم العالي المغربية حيث كانوا يغرون بالانتماء للبعث فور وصولهم الى بغداد.

ثم بدأت قيادة الحزب توجه الدعوات للشخصيات المغربية في مختلف الميادين لزيارة العراق واقامة علاقات بين سياسيي ومثقفي وفناني البلدين اثمرت في كثير من الاحيان في خلق رأي عام واسع تقوده النخبة التي ارتبطت بعلاقات مع نظيراتها "البعثية" في العراق .. ولا عجب أن تخرج مظاهرة مليونية في العاصمة المغربية الرباط لدى بدء حرب الكويت عام 1991 "تأييدا للعراق" .

ففي عام 1977 استقدم العراق حوالي 400 عائلة فلاحية مغربية اقيمت لهم قرية عصرية قرب مدينة الصويرة (55 كم جنوب بغداد) وقد بدأت محاصيل مزارعهم تقدم انتاجا جيدا من الخضراوات والحمضيات وسط اهتمام اعلامي كبير انذاك حيث كانت الصحف تنشر والتلفزيون يعرض تحقيقات مصورة عنهم . ثم تطورت العلاقات الاقتصادية من خلال تصدير نفط عراقي الى المغرب بأسعار تفضيلية واستيراد العراق لمنتوجات مغربية غزت الاسواق العراقية اواخر السبعينات وبداية الثمانيات وخاصة من الزيتون والمنتجات الجلدية وفي مقدمتها الاحذية . وحين أنشأت السلطات العراقية في السبعينات عددا من الفنادق الفخمة في بغداد واقامت مرافق سياحية في مناطق اخرى من العراق تم استقدام المئات من المختصين في الشؤون الفندقية والسياحية من المغاربة والمغربيات .

وفي منتصف الثمانينات وحين اتجه صدام حسين الى بناء قصور فخمة له في انحاء العراق ومساجد كبيرة تحمل اسمه بدأت طائرات خاصة للخطوط الجوية العراقية تنقل المئات من المعماريين والعمال المتخصصين بفن العمارة المغربية ونقوشها وزيارتها اسبوعيا من المغرب الى العراق ، حيث كانت تجزل لهم العطاءات السخية . وكان ينظم ويشرف على هذه الرحلات المستشار بالسفارة العراقية في الرباط انذاك مؤيد عرب الذي اشتهر اسمه عام 1990 اثر العثور على جثته مقتولا على طريق المهدية بالقرب من مدينة القنيطرة (40 كم شمال الرباط) . واشارت مصادر عراقية الى الاسباب التي تعتقد انها كانت وراء مقتله فكشفت عن تكريم صدام حسين له لجهوده في تنظيم رحلات هؤلاء المعماريين بمنحه اجازة لمدة شهر يقضيها في أي بلد يختاره فسافر الى الولايات المتحدة التي تقيم فيها شقيقته المتزوجة من عراقي هناك لكن معلومات وصلت الى الاجهزة المخابراتية العراقية عن اتصالات "خطيرة" اجراها مع "اجهزة اميركية" فصدر قرار في بغداد بتصفيته في ظروف غامضة لم تعرف ملابساتها .

لكنه وبعد احتلال الكويت وفرض حصار اقتصادي على العراق بدأ المغاربة العاملون في العراق مغادرته اما الى دول اخرى او العودة الى بلدهم حتى اندلاع الحرب الاخيرة التي اطاحت بالنظام العراقي عام 2003 فقرر معظم المغاربة المقيمين هناك ايضا مغادرة العراق .. ولم يتبق في البلد غير عشرات من العائلات المغربية التي هاجرت اليه في السبعينات وولد لها ابناء تعلموا في المدارس العراقية وعملوا في مهن مختلفة وحيث لا يجيدون الا اللهجة العراقية التي وجدوا صعوبة في التحدث بها لدى عودتهم الى المغرب الذي اصبح بلدا غريبا بالنسبة لهم .

لكن العائلات المغربية العائدة من العراق بعد احتلاله لا تخفي تذمرها من الإهمال الذي تتعرض له من قبل المسؤولين وذكر بعض أفراد هذه العائلات أنهم منذ رجوعهم من العراق وهم ينتظرون أن يجد لهم المسؤولون بالمغرب حلا يمكنهم من استرجاع كرامتهم وتجاوز الظروف القاسية التي يعيشونها في الوقت الحالي في بعض دور الخيريات جنوب المغرب. وأكد بعض أفراد هذه العائلات أن أحدهم فضل العودة إلى العراق برفقة أسرته الصغيرة رغم الظروف الصعبة والقاسية التي يعيشها هذا البلد مفضلا الموت برصاص القوات الأميركية على أن يعيش في انتظار حل قد لا يأتي.

ويذكر أن حوالي 15 من العائلات المغربية التي كانت تقيم بالعراق وفرت منه بعد الاحتلال لا تزال تنتظر أن ينجز المسؤولون المغاربة الوعود التي أبرموها لهم بإيجاد حلول مناسبة تسمح لهم بالعيش الكريم وسط أهاليهم.

ولهذا فليس من المستغرب معرفة ان الدبلوماسيين المغربيين في العراق وهما عبد الرحيم بوعلام (55 عاما) و عبد الكريم المحافظي (49 عاما) واللذين اختطفا من قبل تنظيم القاعدة يعيشان في العراق منذ اكثر من 20 عاما ومتزوجين من سيدتين عراقيتين في عملية لابد وانها ستغير من مجرى الموقف الشعبي المغربي الذي كان متعاطفا مع "المقاومة المسلحة" في العراق . فقد اكدت وزارة الخارجية المغربية في بيان لها قبل ايام ان "سفارة المغرب في بغداد تقيم علاقات مع مجموع القوى السياسية والحساسيات التمثيلية العراقية" مضيفة ان "هذا الموقف لا يمكن ان يخضع لتدخل أو مساومة من أي كان لا سيما من مجموعة إرهابية لا يمكنها أن تدعي تمثيل العراق". وقالت الوزارة ان "المملكة المغربية تطالب بإطلاق سراحهما فورا ودون شروط"، متهمة تنظيم القاعدة بمحاولة "تبرير إعلانه المشين عن إعدام جبان للسيدين عبد الرحيم بوعلام وعبد الكريم المحافظي على أساس مرجعيات دينية مزعومة واعتبارات سياسية زائفة".

وكان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي يتزعمه الاردني المتطرف ابو مصعب الزرقاوي اعلن مطلع الاسبوع الحالي انه قرر قتل المغربيين المختطفين وهدد جميع البعثات الدبلوماسية في بغداد بالمصير نفسه. وزعم بيان التنظيم ان الرهينيتين قالا ان حكومتهما ارسلتهما "تمهيدا" لمجيء سفير للمغرب الى العراق .