تشكرات
11-13-2025, 03:39 PM
تركيا و... كوميديا اللامعقول
نبيه البرجي
https://good-press.net/wp-content/uploads/2025/08/DAIMJZRMMH1-390x220.jpg
12 تشرين الثاني 2025
https://static.addiyar.com/storage/attachments/2280/598157_large.jpg
أمّا لماذا وقع دونالد ترامب في غرام رجب طيب اردوغان، فلأنه يهوى الرقص على رؤوس الثعابين. هكذا نحن الآن أمام أكثر مسرحيات اللامعقول (كوميديا اللامعقول) اثارة. رجب طيب اردوغان هو الذي فتح أبواب البيت الأبيض أمام الرئيس أحمد الشرع، دون أن يستطيع، وهو عراب السلطة الجديدة في سوريا، الاقتراب من أبواب دمشق، بعدما كان يريد الصلاة وسط التهليل في الجامع الأموي، على خطى السلطان سليم الأول الذي دخل الى المدينة، بعد معركة مرج دابق في 28 كانون الأول عام 1516.
"الاسرائيليون" منعوه من ذلك، وقد حاولوا أيضاً اقفال الطريق الى واشنطن، لأن الطريق الى هناك يمر بأورشليم لا باسطنبول. لكن دونالد ترامب غير جو بايدن، حين كان بنيامين نتنياهو يقفز فوق البيت الأبيض في اتجاه تلة الكابيتول، ليستقبل كما لو أنه كبير "انبياء التوراة". هنا فقط الافتراق التكتيكي بين "تل أبيب" وواشنطن، التي تدرك مدى الحساسية التاريخية والجغرافية لسوريا في صناعة مستقبل الشرق الأوسط.
الآن لا تركيا ولا السعودية، هي الراعي الأكبر للسلطة في سوريا، بعدما أخفق اردوغان في تسويق الكوندومينيوم التركي ـ "الاسرائيلي" لحكم الشرق الأوسط، ما يفضي الى قيام تركيا الكبرى من جهة، و"اسرائيل الكبرى" من جهة ثانية. لكنها المنطقة التي كانت مهد الأساطير الكبرى، والحضارات الكبرى، والديانات الكبرى. والآن مهد... الثروات الكبرى!
ولكن متى كان "الاسرائيليون" يقبلون بوجود قوة كبرى غيرهم في المحيط، خصوصاً اذا كانت تركيا التي لا تزال تعيش اللوثة الأمبراطورية، بتلك المحاولة العبثية لاحياء السلطنة العثمانية. لهذا الغرض بالذات، الدخول التركي الى القرن من باب التكنولوجيا العسكرية. بعد الطائرة الشبحية "قان"، مشروع "ألغ بك" الاستراتيجي لبناء منظومة ملاحية فضائية مستقلة بالكامل، بأدمغة تركية، وبأيد تركية، وحتى بتقنيات تركية.
هذا ما يثير كثيراً هواجس "الاسرائيليين"، الذين رفضوا مشاركة قوة تركية في القوات الدولية المزمع تشكيلها لغزة، بالرغم من دور أنقرة في التوصل الى اتفاق وقف النار. ولكن ألم يحافظ اردوغان حتى اللحظة الأخيرة على العلاقات التجارية مع "اسرائيل"، بما في ذلك تصدير الذخائر اليها، بالرغم من كونه المرشد السياسي والاستراتيجي لـ"الاخوان المسلمين"، وحركة "حماس" جزء منهم، ليقتصر دوره على التنديد عن بُعد بالأهوال التي واجهها على مدى عامين أهل غزة.
باختصار، "الاسرائيليون" الذين كان الرئيس التركي يسعى لكي يقيم معهم، كخطوة أولى، شراكة لادارة الغاز في شرق وجنوب المتوسط (باتجاه أوروبا)، لن يسمحوا له باحياء السلطنة، وحيث القوات التركية تتواجد في سوريا وليبيا وقطر، مع الاتجاه الى اقامة قاعدة عسكرية في السودان على البحر الأحمر. كثيرون في "اسرائيل" يعتبرون أن تركيا أكثرخطراً عليهم من ايران التي يكثف الائتلاف استعداداته، بما في ذلك الاستعدادات النووية، لتقويض النظام فيها...
لكن الثابت أن تركيا لا تريد وقوع أي صدام مع "اسرائيل"، لادراكها ما التداعيات الكارثية لذلك. هذا ما لاحظناه لدى قيام الطائرات الاسرائيلية بالاغارة على مبنى الأركان في دمشق، وكذلك على محيط "قصر الشعب". صمت تركي مطبق، بالرغم من كون الشرع وصل الى القصر على متن حافلة تركية.
ما حدث قي البيت البيضاوي اعلان سوري بالخروج كلياً من الصراع مع "اسرائيل".
الرئيس الأميركي تفهّم موقف نظيره السوري الذي لا يتجرأ على القيام، وقبل تثبيت سلطته بالكامل، بأي خطوة في اتجاه التطبيع مع "اسرائيل"، ما دامت مرتفعات الجولان تحت الاحتلال.
ولكي تكتمل الحلقة الكوميدية للمشهد، فان دونالد ترامب، وخلافاً لسائر الرؤساء الأميركيين، اعترف في 25 أذار 2019، بالحاق هذه المرتفعات (قانوناً) "باسرائيل"، وحيث أمر نتنياهو باقامة مستوطنة فيها باسم "مرتفعات ترامب" (Trump heights).
عدم التطبيع، والى اشعار آخر، ما دام المايسترو (في أوركسترا التطبيع) قد رسم مساراً واحداّ للشرق الأوسط، وهو المسار الذي يفضي الى الهيكل. القرار السوري لا يعني عدم التوقيع على اتفاقات أخرى. المفاوضات جارية الآن، على ما صرح به الرئيس الشرع.
الامتناع السوري عن التطبيع، أثار حالة من الاطمئان لدى الجانب اللبناني، لا سيما بعد دعوة توم براك بيروت الى الاقتفاء بدمشق، التي كان يعتقد أنها في الطريق الى عقد معاهدة سلام مع "تل أبيب"، كما لو أن سفر اشعيا لا ينص على "زوال دمشق من بين المدن لتصبح ركاماً من الأنقاض" !
ولكن اذا كان دونالد ترامب يستطيع أن يضع رؤوس العرب في سلته، هل باستطاعته وضع رؤوس "الاسرائيليين" أيضاً، بتلك الأثقال التوراتية التي تجعلهم خارج العالم، وهم الذين يرون في أنفسهم فوق العالم؟
لا يكفي أن ننظر من نافذة المكتب البيضاوي، الى ما يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط. لا بد من النظر من نافذة بنيامين نتنياهو.
في رأينا النظر من نافذة التاريخ، وحيث الفلسطينيون لا يخرجون فقط من تحت الأنقاض، بل ومن قبورهم، ليصرخوا "هذه أرضنا وتبقى"!!...
https://addiyar.com/article/2279970-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%88-%D9%83%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%82%D9%88%D 9%84
نبيه البرجي
https://good-press.net/wp-content/uploads/2025/08/DAIMJZRMMH1-390x220.jpg
12 تشرين الثاني 2025
https://static.addiyar.com/storage/attachments/2280/598157_large.jpg
أمّا لماذا وقع دونالد ترامب في غرام رجب طيب اردوغان، فلأنه يهوى الرقص على رؤوس الثعابين. هكذا نحن الآن أمام أكثر مسرحيات اللامعقول (كوميديا اللامعقول) اثارة. رجب طيب اردوغان هو الذي فتح أبواب البيت الأبيض أمام الرئيس أحمد الشرع، دون أن يستطيع، وهو عراب السلطة الجديدة في سوريا، الاقتراب من أبواب دمشق، بعدما كان يريد الصلاة وسط التهليل في الجامع الأموي، على خطى السلطان سليم الأول الذي دخل الى المدينة، بعد معركة مرج دابق في 28 كانون الأول عام 1516.
"الاسرائيليون" منعوه من ذلك، وقد حاولوا أيضاً اقفال الطريق الى واشنطن، لأن الطريق الى هناك يمر بأورشليم لا باسطنبول. لكن دونالد ترامب غير جو بايدن، حين كان بنيامين نتنياهو يقفز فوق البيت الأبيض في اتجاه تلة الكابيتول، ليستقبل كما لو أنه كبير "انبياء التوراة". هنا فقط الافتراق التكتيكي بين "تل أبيب" وواشنطن، التي تدرك مدى الحساسية التاريخية والجغرافية لسوريا في صناعة مستقبل الشرق الأوسط.
الآن لا تركيا ولا السعودية، هي الراعي الأكبر للسلطة في سوريا، بعدما أخفق اردوغان في تسويق الكوندومينيوم التركي ـ "الاسرائيلي" لحكم الشرق الأوسط، ما يفضي الى قيام تركيا الكبرى من جهة، و"اسرائيل الكبرى" من جهة ثانية. لكنها المنطقة التي كانت مهد الأساطير الكبرى، والحضارات الكبرى، والديانات الكبرى. والآن مهد... الثروات الكبرى!
ولكن متى كان "الاسرائيليون" يقبلون بوجود قوة كبرى غيرهم في المحيط، خصوصاً اذا كانت تركيا التي لا تزال تعيش اللوثة الأمبراطورية، بتلك المحاولة العبثية لاحياء السلطنة العثمانية. لهذا الغرض بالذات، الدخول التركي الى القرن من باب التكنولوجيا العسكرية. بعد الطائرة الشبحية "قان"، مشروع "ألغ بك" الاستراتيجي لبناء منظومة ملاحية فضائية مستقلة بالكامل، بأدمغة تركية، وبأيد تركية، وحتى بتقنيات تركية.
هذا ما يثير كثيراً هواجس "الاسرائيليين"، الذين رفضوا مشاركة قوة تركية في القوات الدولية المزمع تشكيلها لغزة، بالرغم من دور أنقرة في التوصل الى اتفاق وقف النار. ولكن ألم يحافظ اردوغان حتى اللحظة الأخيرة على العلاقات التجارية مع "اسرائيل"، بما في ذلك تصدير الذخائر اليها، بالرغم من كونه المرشد السياسي والاستراتيجي لـ"الاخوان المسلمين"، وحركة "حماس" جزء منهم، ليقتصر دوره على التنديد عن بُعد بالأهوال التي واجهها على مدى عامين أهل غزة.
باختصار، "الاسرائيليون" الذين كان الرئيس التركي يسعى لكي يقيم معهم، كخطوة أولى، شراكة لادارة الغاز في شرق وجنوب المتوسط (باتجاه أوروبا)، لن يسمحوا له باحياء السلطنة، وحيث القوات التركية تتواجد في سوريا وليبيا وقطر، مع الاتجاه الى اقامة قاعدة عسكرية في السودان على البحر الأحمر. كثيرون في "اسرائيل" يعتبرون أن تركيا أكثرخطراً عليهم من ايران التي يكثف الائتلاف استعداداته، بما في ذلك الاستعدادات النووية، لتقويض النظام فيها...
لكن الثابت أن تركيا لا تريد وقوع أي صدام مع "اسرائيل"، لادراكها ما التداعيات الكارثية لذلك. هذا ما لاحظناه لدى قيام الطائرات الاسرائيلية بالاغارة على مبنى الأركان في دمشق، وكذلك على محيط "قصر الشعب". صمت تركي مطبق، بالرغم من كون الشرع وصل الى القصر على متن حافلة تركية.
ما حدث قي البيت البيضاوي اعلان سوري بالخروج كلياً من الصراع مع "اسرائيل".
الرئيس الأميركي تفهّم موقف نظيره السوري الذي لا يتجرأ على القيام، وقبل تثبيت سلطته بالكامل، بأي خطوة في اتجاه التطبيع مع "اسرائيل"، ما دامت مرتفعات الجولان تحت الاحتلال.
ولكي تكتمل الحلقة الكوميدية للمشهد، فان دونالد ترامب، وخلافاً لسائر الرؤساء الأميركيين، اعترف في 25 أذار 2019، بالحاق هذه المرتفعات (قانوناً) "باسرائيل"، وحيث أمر نتنياهو باقامة مستوطنة فيها باسم "مرتفعات ترامب" (Trump heights).
عدم التطبيع، والى اشعار آخر، ما دام المايسترو (في أوركسترا التطبيع) قد رسم مساراً واحداّ للشرق الأوسط، وهو المسار الذي يفضي الى الهيكل. القرار السوري لا يعني عدم التوقيع على اتفاقات أخرى. المفاوضات جارية الآن، على ما صرح به الرئيس الشرع.
الامتناع السوري عن التطبيع، أثار حالة من الاطمئان لدى الجانب اللبناني، لا سيما بعد دعوة توم براك بيروت الى الاقتفاء بدمشق، التي كان يعتقد أنها في الطريق الى عقد معاهدة سلام مع "تل أبيب"، كما لو أن سفر اشعيا لا ينص على "زوال دمشق من بين المدن لتصبح ركاماً من الأنقاض" !
ولكن اذا كان دونالد ترامب يستطيع أن يضع رؤوس العرب في سلته، هل باستطاعته وضع رؤوس "الاسرائيليين" أيضاً، بتلك الأثقال التوراتية التي تجعلهم خارج العالم، وهم الذين يرون في أنفسهم فوق العالم؟
لا يكفي أن ننظر من نافذة المكتب البيضاوي، الى ما يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط. لا بد من النظر من نافذة بنيامين نتنياهو.
في رأينا النظر من نافذة التاريخ، وحيث الفلسطينيون لا يخرجون فقط من تحت الأنقاض، بل ومن قبورهم، ليصرخوا "هذه أرضنا وتبقى"!!...
https://addiyar.com/article/2279970-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%88-%D9%83%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%82%D9%88%D 9%84