لمياء
11-10-2005, 07:21 AM
العربية.نت في منزل أسرة "أمير الجماعة السلفية للدعوة والقتال"
http://www.alarabiya.net/staging/portal/Archive/Media/2005/11/09/1109491.jpg
(مفتاح) الجزائر- جلال بوعاتي
الساعة منتصف النهار من يوم أحد، وبعد تردد لم يكن له أي تفسير سوى الخوف من الوقوع تحت رداء الحرج من أسرة هذا "الجزائري"، كان التحرك يجري بسهولة نحو منزل أسرة "أمير" الجماعة السلفية للدعوة والقتال، أخطر وأهم الجماعات المسلحة في الجزائر.. إنه عبد المالك دروكدال واسمه الحركي أبومصعب عبد الودود.
تقع مدينة مفتاح على مسافة 25 كلم جنوبي العاصمة الجزائرية.. سكانها القدامى لا يزالون ينادونها باسم "بقالم".. وعلى أطرافها توجد قرية صغيرة تدعى "زيان".
الاهتداء إلى منزل عائلة هذا "الأمير" الذي يشغل تزعمه الجماعة السلفية منذ مقتل زعيمها السابق نبيل صحراوي وثلاثة من كبار مساعديه في عملية عسكرية بناحية بجاية (250 كلم شرقي العاصمة) العام الماضي.. لم يكن صعبا، كما أن النطق باسمه في الشارع أو الأماكن العامة لم يعد محرما.. أو مجلبة للمشاكل كما في الماضي القريب.
من وسط بلدة مفتاح إلى قرية زيان مسافة 5 كلم تقريبا، طريق مليئة بالممهلات (المطبات) والطريق إلى منزل عائلة أبومصعب غير معبدة، منازلها متناثرة، وكل منزل تحيط به حديقة من أشجار التين والعنب، وأفضل السكان وضعية يملك بستانا صغيرا يقتاتون من خيراته.
في القرية أيضا يوجد مسجد صغير، اعتاد أبومصعب ارتياده عندما كان طالبا في المتوسط ثم الثانوي بمدينة مفتاح بعد عودته للمنزل مساء.. رزق أبناء العائلة قدرا كبيرا من الجمال.. يقول شقيقه الأكبر إن عبد المالك هو أجمل إخوته وزانه لون عينيه الأزرق.. كما زانه هدوءه ورصانته ولباقته وطاعته لوالديه فاستولى على قلب والده الشيخ رابح.
يقول الوالد، وهو شيخ سبعيني، إنه "أحب أولادي إلى قلبي وأقربهم مني مودة ورأفة بي.. يطيعني في كل الأحوال ولا يتوانى عن تلبية طلباتي خلافا لبقية إخوانه، لم يحدث أن جاءني واحد من الجيران أو رفقاؤه في المدرسة شاكيا من سلوك مشين له.. كان نابغة ونجيبا في دراسته.
صالح شقيقه الأكبر الذي يعمل كادرا بشركة حكومية وسط العاصمة يقول: عبد المالك كان نجيبا في دراسته في جميع مراحلها إلى أن سمعنا في 1993 أنه صعد للجبل وقتها عرفنا أن تغيرا كبيرا حدث في حياته.. فهو نابغة في الرياضيات ومكنه ذلك من التسجيل في كلية الكيمياء بجامعة الصومعة (البليدة) (50 كلم جنوبي العاصمة).
وعن الصعود للجبل، أكد الوالد "لم يصدق ما كان يسمع إلا بعد أن بدأت زيارات رجال الأمن تتكرر للمنزل العائلة للبحث عنه وسؤالنا عن مكان تواجده وعدم التستر عليه لو هو ظهر.
وفي جامعة الصومعة، درس إضافة إلى الكيمياء مادة الإلكترونيك، وهي هواية كثيرا ما كان يشغل وقت فراغه بها لما كان يعود للمنزل في عطلة نهاية الأسبوع.
أمل المصالحة
عشية ذهاب الجزائريين إلى مراكز الاقتراع الذي عرض على استفتاء يوم 29 سبتمبر المنصرم، أصدر أبومصعب الجزائري بيانا بل رسالة مطولة أعلن من خلالها رفض جماعته المسبق لأي نتيجة قد تفرزه الصناديق..وخاصة إذا كانت "نعم" لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وتوعد الحكومة بمواصلة العمليات الإرهابية.
لكن والده كان له رأيا آخر هو: نحن نؤيد المشروع مثل بقية الجزائريين لأننا نتمنى أن تنطفئ نار الفتنة للأبد وأن يعود ابني إلي قبل أن أموت وإن سبق القدر أمنيتي أن يحمل نعشي إلى مثواي الأخير.. هذه الأمنية التي أسأل الله أن تتحقق وأن على فوق هذه الأرض.
ولفت انتباه "العربية. نت" وصف أشقاء أبومصعب إياه بـ"الإرهابي" وطرحت السؤال عليهم عن السبب؟ فقال شقيقه الأكبر: لقد ترسخ هذا الوصف في أذهاننا وأصبح عاديا أن نقول أو نسمع اسم الإرهابي عبد المالك.. والسبب –كما يقول- هو التحقيقات الكثيرة والزيارات الكثيرة أيضا لرجال الأمن قبل 1999.. لكن بعد مجيء الرئيس بوتفليقة للحكم توقفت هذه الزيارات والتحقيقات، وأذكر أن آخر مرة جرى التحقيق معنا كان بغرض تسليمنا شريط كاسيت احتوى على فتاوى أصدرها العلماء تحرم ما تقوم به الجماعات المسلحة في البلاد.. وأن نبذل ما نستطيع لتوصيلها لعبد المالك لعلها تقنعه بالتخلي عن السير في هذا الطريق.
آخر زيارة
زار أبومصعب الجزائري منزل العائلة لآخر مرة في العام 1997، في إطار الهدنة التي أعلنها الجيش الجزائري والتنظيم المسلح المحل "جيش الإنقاذ"، الذي قيل بأنه الذراع العسكرية لجبهة الإنقاذ الممنوعة من النشاط السياسي منذ مارس 1992، وتنظيمات أخرى كانت منضوية تحت لوائها.
عن هذه الزيارة، يقول والده رابح: بعد دخول الهدنة حيز التطبيق في أكتوبر1997، نزل عبد المالك من الجبل لزيارتنا وكان برفقة بعض رفاقه.. أتذكر أنني انزويت به إلى ركن من المنزل وقلت له: يا ولدي إن هذه الطريق لن تأت بخير لا عليك ولا علينا، فأنا أطلب منك وأنت تعلم بأنك أحب إخوانك على قلبي أن تقلع عن هذه الأعمال وإلا فلا تريني وجهك مرة أخرى.
كان الشيخ رابح من خلال تلك الكلمات أن يقول لعبد المالك، إننا لا نريد أن نموت بسببك أو يتعرض إخوانك للمضايقات، ولما كان "مطيعا" فلم تره العائلة بعد تلك الزيارة إلى اليوم.
يروي الوالد الذي أصبح يدخن علبتين من السجائر يوميا منذ علم بصعود فلذة كبده للجبل، أنه تنفس بعض الصعداء عندما طرق باب المنزل في يوم من أيام يونيو 2004، من طرف رجال الأمن وطلبوا منه لمرافقتهم إلى مشرحة مدينة بجاية 1(250 كلم شرقا) للتعرف على جثة اعتقدت أجهزة الأمن أنها لأبومصعب.
في تلك العملية، سقط أمير الجماعة السلفية السابق نبيل صحراوي، برفقة ساعده الأيمن عكاشة المظلي، واثنين آخرين من كبار المساعدين، واعتبرت تلك العملية ضربة قاصمة لظهر الجماعة التي تعتبر أكثر الجماعات الإرهابية انضباطا وتنظيما.. خاصة بعد أن نجحت في اختراق شبكة الإنترنت والتواصل عبرها مع أنصارها والمتعاطفين معها في الداخل والخارج. وانتهت رحلة التعرف إلى أن القتيل ليس أبومصعب.
كلمة أخيرة
دام مكوثنا في منزل أبومصعب الجزائري الساعتين ونصف الساعة من عمر نهار يوم الأحد عشية استفتاء المصالحة والسلم يوم 29 سبتمبر المنصرم.. تذوقت خلالها من يدي والده طعم فاكهة العنب التي تنتصب شجرته في فناء المنزل المؤلف من طابقين.. وقبل المغادرة سألته: هل من كلمة توجهها لابنك؟ فأجاب دون تفكير: أناشدك بالله يا بني أن تعود.. يا ولدي أنا وأمك وإخوتك ينتظرون اللحظة التي تطل فيها علينا، لأن ما بقي لي من العمر لا يساوي ما مضى.. وأدعو الله أن تكون أنت من يحمل نعشي لمثواي الأخير.
http://www.alarabiya.net/staging/portal/Archive/Media/2005/11/09/1109491.jpg
(مفتاح) الجزائر- جلال بوعاتي
الساعة منتصف النهار من يوم أحد، وبعد تردد لم يكن له أي تفسير سوى الخوف من الوقوع تحت رداء الحرج من أسرة هذا "الجزائري"، كان التحرك يجري بسهولة نحو منزل أسرة "أمير" الجماعة السلفية للدعوة والقتال، أخطر وأهم الجماعات المسلحة في الجزائر.. إنه عبد المالك دروكدال واسمه الحركي أبومصعب عبد الودود.
تقع مدينة مفتاح على مسافة 25 كلم جنوبي العاصمة الجزائرية.. سكانها القدامى لا يزالون ينادونها باسم "بقالم".. وعلى أطرافها توجد قرية صغيرة تدعى "زيان".
الاهتداء إلى منزل عائلة هذا "الأمير" الذي يشغل تزعمه الجماعة السلفية منذ مقتل زعيمها السابق نبيل صحراوي وثلاثة من كبار مساعديه في عملية عسكرية بناحية بجاية (250 كلم شرقي العاصمة) العام الماضي.. لم يكن صعبا، كما أن النطق باسمه في الشارع أو الأماكن العامة لم يعد محرما.. أو مجلبة للمشاكل كما في الماضي القريب.
من وسط بلدة مفتاح إلى قرية زيان مسافة 5 كلم تقريبا، طريق مليئة بالممهلات (المطبات) والطريق إلى منزل عائلة أبومصعب غير معبدة، منازلها متناثرة، وكل منزل تحيط به حديقة من أشجار التين والعنب، وأفضل السكان وضعية يملك بستانا صغيرا يقتاتون من خيراته.
في القرية أيضا يوجد مسجد صغير، اعتاد أبومصعب ارتياده عندما كان طالبا في المتوسط ثم الثانوي بمدينة مفتاح بعد عودته للمنزل مساء.. رزق أبناء العائلة قدرا كبيرا من الجمال.. يقول شقيقه الأكبر إن عبد المالك هو أجمل إخوته وزانه لون عينيه الأزرق.. كما زانه هدوءه ورصانته ولباقته وطاعته لوالديه فاستولى على قلب والده الشيخ رابح.
يقول الوالد، وهو شيخ سبعيني، إنه "أحب أولادي إلى قلبي وأقربهم مني مودة ورأفة بي.. يطيعني في كل الأحوال ولا يتوانى عن تلبية طلباتي خلافا لبقية إخوانه، لم يحدث أن جاءني واحد من الجيران أو رفقاؤه في المدرسة شاكيا من سلوك مشين له.. كان نابغة ونجيبا في دراسته.
صالح شقيقه الأكبر الذي يعمل كادرا بشركة حكومية وسط العاصمة يقول: عبد المالك كان نجيبا في دراسته في جميع مراحلها إلى أن سمعنا في 1993 أنه صعد للجبل وقتها عرفنا أن تغيرا كبيرا حدث في حياته.. فهو نابغة في الرياضيات ومكنه ذلك من التسجيل في كلية الكيمياء بجامعة الصومعة (البليدة) (50 كلم جنوبي العاصمة).
وعن الصعود للجبل، أكد الوالد "لم يصدق ما كان يسمع إلا بعد أن بدأت زيارات رجال الأمن تتكرر للمنزل العائلة للبحث عنه وسؤالنا عن مكان تواجده وعدم التستر عليه لو هو ظهر.
وفي جامعة الصومعة، درس إضافة إلى الكيمياء مادة الإلكترونيك، وهي هواية كثيرا ما كان يشغل وقت فراغه بها لما كان يعود للمنزل في عطلة نهاية الأسبوع.
أمل المصالحة
عشية ذهاب الجزائريين إلى مراكز الاقتراع الذي عرض على استفتاء يوم 29 سبتمبر المنصرم، أصدر أبومصعب الجزائري بيانا بل رسالة مطولة أعلن من خلالها رفض جماعته المسبق لأي نتيجة قد تفرزه الصناديق..وخاصة إذا كانت "نعم" لميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وتوعد الحكومة بمواصلة العمليات الإرهابية.
لكن والده كان له رأيا آخر هو: نحن نؤيد المشروع مثل بقية الجزائريين لأننا نتمنى أن تنطفئ نار الفتنة للأبد وأن يعود ابني إلي قبل أن أموت وإن سبق القدر أمنيتي أن يحمل نعشي إلى مثواي الأخير.. هذه الأمنية التي أسأل الله أن تتحقق وأن على فوق هذه الأرض.
ولفت انتباه "العربية. نت" وصف أشقاء أبومصعب إياه بـ"الإرهابي" وطرحت السؤال عليهم عن السبب؟ فقال شقيقه الأكبر: لقد ترسخ هذا الوصف في أذهاننا وأصبح عاديا أن نقول أو نسمع اسم الإرهابي عبد المالك.. والسبب –كما يقول- هو التحقيقات الكثيرة والزيارات الكثيرة أيضا لرجال الأمن قبل 1999.. لكن بعد مجيء الرئيس بوتفليقة للحكم توقفت هذه الزيارات والتحقيقات، وأذكر أن آخر مرة جرى التحقيق معنا كان بغرض تسليمنا شريط كاسيت احتوى على فتاوى أصدرها العلماء تحرم ما تقوم به الجماعات المسلحة في البلاد.. وأن نبذل ما نستطيع لتوصيلها لعبد المالك لعلها تقنعه بالتخلي عن السير في هذا الطريق.
آخر زيارة
زار أبومصعب الجزائري منزل العائلة لآخر مرة في العام 1997، في إطار الهدنة التي أعلنها الجيش الجزائري والتنظيم المسلح المحل "جيش الإنقاذ"، الذي قيل بأنه الذراع العسكرية لجبهة الإنقاذ الممنوعة من النشاط السياسي منذ مارس 1992، وتنظيمات أخرى كانت منضوية تحت لوائها.
عن هذه الزيارة، يقول والده رابح: بعد دخول الهدنة حيز التطبيق في أكتوبر1997، نزل عبد المالك من الجبل لزيارتنا وكان برفقة بعض رفاقه.. أتذكر أنني انزويت به إلى ركن من المنزل وقلت له: يا ولدي إن هذه الطريق لن تأت بخير لا عليك ولا علينا، فأنا أطلب منك وأنت تعلم بأنك أحب إخوانك على قلبي أن تقلع عن هذه الأعمال وإلا فلا تريني وجهك مرة أخرى.
كان الشيخ رابح من خلال تلك الكلمات أن يقول لعبد المالك، إننا لا نريد أن نموت بسببك أو يتعرض إخوانك للمضايقات، ولما كان "مطيعا" فلم تره العائلة بعد تلك الزيارة إلى اليوم.
يروي الوالد الذي أصبح يدخن علبتين من السجائر يوميا منذ علم بصعود فلذة كبده للجبل، أنه تنفس بعض الصعداء عندما طرق باب المنزل في يوم من أيام يونيو 2004، من طرف رجال الأمن وطلبوا منه لمرافقتهم إلى مشرحة مدينة بجاية 1(250 كلم شرقا) للتعرف على جثة اعتقدت أجهزة الأمن أنها لأبومصعب.
في تلك العملية، سقط أمير الجماعة السلفية السابق نبيل صحراوي، برفقة ساعده الأيمن عكاشة المظلي، واثنين آخرين من كبار المساعدين، واعتبرت تلك العملية ضربة قاصمة لظهر الجماعة التي تعتبر أكثر الجماعات الإرهابية انضباطا وتنظيما.. خاصة بعد أن نجحت في اختراق شبكة الإنترنت والتواصل عبرها مع أنصارها والمتعاطفين معها في الداخل والخارج. وانتهت رحلة التعرف إلى أن القتيل ليس أبومصعب.
كلمة أخيرة
دام مكوثنا في منزل أبومصعب الجزائري الساعتين ونصف الساعة من عمر نهار يوم الأحد عشية استفتاء المصالحة والسلم يوم 29 سبتمبر المنصرم.. تذوقت خلالها من يدي والده طعم فاكهة العنب التي تنتصب شجرته في فناء المنزل المؤلف من طابقين.. وقبل المغادرة سألته: هل من كلمة توجهها لابنك؟ فأجاب دون تفكير: أناشدك بالله يا بني أن تعود.. يا ولدي أنا وأمك وإخوتك ينتظرون اللحظة التي تطل فيها علينا، لأن ما بقي لي من العمر لا يساوي ما مضى.. وأدعو الله أن تكون أنت من يحمل نعشي لمثواي الأخير.