المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العنف المديني في فرنسا:



سلسبيل
11-08-2005, 11:50 PM
جوزف سماحة



ربما العودة واجبة، أمام ما يحدث في فرنسا، إلى نتيجة الاستفتاء على الدستور الأوروبي. لقد أسقطت المشروع <<لا>> كثيفة وشعبية. صحيح أنه كانت لليمين الأقصى حصة في ذلك، لكن الأصح أن الطابع العام للرفض يساري. لقد احتجت أكثرية فرنسية على سياسات حكومية يمينية، على الأزمة الاجتماعية المستدامة، على البطالة المقيمة. ورفضت الأكثرية إياها أن يؤبّد المشروع الأوروبي والدستور هذه الحالة ويفاقمها معرّضاً فرص العمل لمزاحمة، ومهدداً بنقل الصناعات بالسهولة التي تنتقل بها الرساميل.

مضت أشهر على الاستفتاء. وجاء استطلاع للرأي في عز المواجهات الأخيرة ليؤكد أن سمعة الرأسمالية سيئة في فرنسا (61 في المئة). لكن ثبات الفرنسيين عند رأيهم لم يجد، لدى بعض النخب، أي استجابة إلا تلك التي تتعمّد تحقير كل من لا يشارك في القداس الكوني للرأسمالية الظافرة.

بُعيد الاستفتاء انفجر اليسار الاشتراكي من الداخل. دخل قادته في صراعات عاصفة تجمع غموض الرؤية إلى انعدام البرنامج البديل. دعا جناح إلى الانشقاق من أجل إعادة التموضع في الوسط <<العقلاني>>. ولم يتوفق جناح آخر في اقتراح سياسة لإعادة الهندسة الاجتماعية في ظل الضغوطات الناجمة عن موجبات الانتماء الأوروبي والعولمة.

وفي المقابل، استمر نجم نيكولا ساركوزي في الصعود. أي أن الفرنسيين اقترعوا لليسار فجاءهم بأطروحات أكثر يمينية من السياسات المتبعة. لقد خاطب رغبتهم في التغيير إنما في الاتجاه المعاكس لما يريدون. ساركوزي، في المشهد السياسي الفرنسي، هو قائد تيار المحافظة: المزيد من الحرية للرأسمال، المزيد من الهشاشة للعمل، المزيد من إضعاف دولة الرعاية، المزيد من الأمن. باختصار، المزيد من <<الأمركة>>. وهو يملك صدقية تفوق أقرانه من عتاة اليمين لأنه مرشح جدي للرئاسة، ولأنه وزير داخلية (وزير مالية سابقاً)، ولأنه زعيم الحزب النيو ديغولي الذي تضعف صلاته يوماً بعد يوم بالديغولية. وحتى عندما يتقدم ساركوزي بفكرة <<تقدمية>> فإنه يستعيرها من تقاليد <<اليسار>> الأميركي (التمييز الإيجابي مثلاً) الغريبة عن التراث الفرنسي والتجربة الوطنية الفرنسية والثقافة الملازمة لها.

تؤكد حصيلة الأشهر الماضية استمرار كتلة شعبية هائلة ومأزومة وقلقة من دون أي تعبير سياسي مقنع يفتح لها أفقاً ويعطي معنى لمشاركتها في الحياة العامة وتأثيرها على العملية الديموقراطية. انسداد الوضع الفرنسي كان هو الرد على الاستفتاء في ظل السجال حول مصير <<النموذج>> برمته.

ثمة مستويان ضمن هذه الكتلة المأزومة. والمستوى الأشد توتراً هو، بالطبع، مستوى الفرنسيين المتحدرين من أصول مهاجرة. المشكلة، هنا، مضاعفة: غيتوات، إهمال شامل، وعود لا تطبق، قلة اكتراث بحكم ضعف المشاركة في الانتخابات، تسرّب مدرسي، نسبة بطالة تصل إلى ضعف المستوى الوطني، هامشية، انغلاق، أزمات هوية وثقافة... إلخ. ينجم عن ذلك توتر واضطرابات واقتصاد مواز وسرقات وخوّات وعصابات. وينجم، أيضاً، سيل لا ينتهي من الانحرافات الصغيرة والكبيرة ومن عيش على حافة القانون ومن ثارات على المجتمع ومن أشكال تنظيمية لرفد المروق بأدواته العنفية.

وفي كل مرة ينفجر التوتر، وإن كان هذه المرة أوسع مدى وأكثر جذرية، يحصل الاكتشاف المريع لفقدان الهيئات الوسيطة، ولانعدام فعالية منظمات الدمج، ولغياب الأطر القادرة على إدراج التذمر في سياقات تصب في الحياة الوطنية العامة. لذا يتحوّل التوتر طرفياً، ويبدو كأن الضواحي تحاصر المدن وتثأر منها وتتراجع أواصر الربط بين مكونات تعيش أوضاعاً متقاربة.

منذ عقود ومدن الضواحي <<والأحياء الصعبة>> تتحول إلى مستنقع جاف. لذا يكفي لإشعال اللهيب أن يذهب ساركوزي نحو الاستفزاز متحدثاً عن <<الحثالة>>، و<<الأوباش>>، و<<ضرورة استخدام المبيدات>>. بكلام آخر، لم يفعل الوزير المرشح للرئاسة إلا مخاطبة الشبان والمراهقين باللغة الاستفزازية التي يتخاطبون بها وتشكل، غالباً، مدخلاً إلى عراك. أراد مواجهة فلتكن مواجهة. هذا ما يحصل في <<الأزقة الدنيئة>>. سوى أن وزيرا لداخلية الجمهورية هو أحد صبيان الأزقة...

تعرف فرنسا العنف المديني منذ سنوات. غير أنها فوجئت هذه المرة بحجمه. لقد تعاطت معه بالمراهم ولكنه، الآن، أدركها وسيرغمها، على الأرجح، على مواجهة الأسئلة الصعبة التي أرجأتها.
لا يمكن بناء ثقافة سياسية تقوم على تبهيت دور الدولة، وعلى مهاجمة التعليم الرسمي، والنقل العام، والضمان، والخدمات، ولا يمكن وضع هذا <<الفكر الأحادي>> في خدمة حفنة من رجال الإعلام، وتوقع، في الوقت نفسه، ألا يستنتج المتضررون من ذلك أنه مباح لهم التعدي على المؤسسات والممتلكات العامة.

لا يمكن تمجيد القوة بصفتها حلاً لقضايا وأزمات داخلية من دون إحداث رد الفعل الذي يهدد بعنف مضاد. ويصح ذلك، أيضاً، على السياسات الخارجية التي تستولد الخطر الذي تزعم محاربته.
ولا يمكن ادعاء العلمانية ومعاملة المهاجرين ككائنات دينية حصراً. لا يفعل ذلك سوى تشجيعهم على الانطواء والتقوقع وإبداء الاستعداد لاستقبال تأثيرات واردة إليهم من صراعات قد لا يكون لفرنسا دخل مباشر فيها.

لا يمكن تهديد الهوية الوطنية والمطالبة بالاندماج فيها. ولا يمكن، خاصة، التمسك ب<<إيجابيات>> الماضي الكولونيالي (كما هو وضع فرنسا)، لا بل استعادته (كما في حالة لبنان) وادعاء أن الصدفة وحدها هي التي تضع أبناء المستعمرات السابقة في هذه الوضعية الدونية.

إن النموذج الفرنسي في حاجة إلى إصلاح لا إلى نسف. فالنماذج الأخرى ليست أفضل وهي تعاني مشاكل جمة، من بريطانيا إلى هولندا. ولا علاج لهذه الأزمات المتجددة، التي يعززها ضغط الهجرات المتتالية التي تطرق الأبواب كلها، لا علاج لها من دون سياسات حكيمة تأخذ بالاعتبار، في ما تأخذ، آثار الانشطار الكوني الاجتماعي الاقتصادي الثقافي الذي تعمّقه توجهات هوجاء.

مقاوم
11-13-2005, 01:05 AM
شبان الضواحي أحرقوا مدارسهم أولاً!


الحياة

الى جانب اليأس والاحباط، فان الرابط الاساسي الذي يجمع بين الشبان الذين ألهبوا الضواحي الفرنسية على مدى الاسبوعين الماضيين هو رفضهم للنموذج الفرنسي، بل والحقد عليه، بسبب تقصيره حيالهم.

وهؤلاء الشبان الذين تراوح اعمارهم بين 12 و25 سنة يفتقرون الى أي مقومات ثقافية او ايديولوجية، وما يحركهم هو مشاعرهم السلبية دائماً، نظراً الى ما يرونه من حولهم.

انـــهم فرنسيون، كونهم ولدوا ونشأوا في فرنـــسا، لكن اصولهم شــمال افريقية او افريقية، وهـــذه الاصول تطغى على هويتـــهم، وتشكل حــاجزاً يطوقـــهم في كل خـــطواتهم، وتعزلهم عــن ســواهــم مـــن فرنســـيين من ابناء جيلهم.

يفتحون عيونهم منذ الصغر، على الفقر، فهم من ابناء العمال المهاجرين، الذين تفرض عليهم مداخيلهم الاقامة في احياء بائسة وفي شقق ضيقة ومتلاصقة لا تقل عنها فقراً.

والفقر في هذه الحالات غالباً ما يترافق مع الاهمال بسبب تعدد الاولاد، وغياب الامكانات فتقتصر تربيتهم على بعض المعايير الواهــية.

http://www.daralhayat.com/special/features/11-2005/Item-20051110-7b84b346-c0a8-10ed-0170-44c56f59bd2c/Burned_10.jpg_440_-1.jpg

الزامية التعليم في فرنسا حتى سن السادسة عشرة تقودهم الى المدارس العامة، التي تعتمد من حيث المبدأ، على المساواة في الفرص، لكنها تمثل بالنسبة الى ابناء الضواحي النطاق الاول، للفرز والتمييز الذي يلازمهم مدى الحياة. فالثانويات الفرنسية العامة تحقق نسب نجاح في شهادة البكالوريا تصل الى اكثر من 80 في المئة، وفي المقابل فان هذه النسبة في ثانويات الضواحي تقتصر على 10 في المئة. والسبب في ذلك الامكانات الضئيلة المتوافرة في مدارس الضواحي مقابل مدارس المناطق الاخرى، وغياب العناية العائلية، التي يحظى بها طلاب المناطق الاخرى، اضافة الى سوء المعاملة المفروضة على طلاب الضواحي من بعض الاساتذة.

لا جدوى وظيفية للمدرسة، بالنسبة الى ابناء الضواحي، فهي في رأيهم مجرد سجن الزامي رسمي فرضته الدولة عليهم من باب اراحة الضمير. وبدلاً من ان تساعد على ربطهم بالمجتمع الفرنسي، فانها تمهد لاستبعادهم.

وهذه المدارس التي يفترض ان تخرج متعلمين، تؤدي عملياً الى فبركة مجموعات من الفاشلين الذين لا يطمحون سوى الى هجرة مقاعدها، لكثرة ما يقال لهم منذ الصغر ان امكاناتهم لا تخولهم سوى التوجه نحو الفروع الدراسية المهنية.

والمدرسة التي يفترض ان تعدهم وتساعد على تطورهم، ليست اذاً سوى اطار، لا يريد سوى دفعهم للحلول محل ابائهم، كأيد عاملة، وانما مؤهلة بطريقة حديثة.

وليست من قبيل الصدفة ان يكون العديد من الحرائق في الضواحي استهدفت المدارس العامة، فهي حجر الزاوية في اطار النهج العام الذي يؤكد يومياً لابناء هذه المناطق انهم مختلفون على رغم كونهم فرنسيين.

وبخروجهم من المدرسة، ينتقل الناجحون القلائل منهم سريعاً للاقامة خارج ضواحيهم، اما الفاشلون وهم الاكثرية الساحقة، فيجدون انفسهم عرضة للمراوحة في دوامة مفرغة. فانعدام تأهيلهم، التعليمي والمهني، يغلق في وجههم سوق العمل، وهذه السوق بأي حال تعطي ضمنياً الاولوية في التوظيف لسواهم من الفرنسيين، فتنحسر آفاقهم لتصبح مقتصرة على شوارع احيائهم وساحاتها التي يتسكعون فيها.

وبما انهم خسروا طموحاتهم وآمالهم، فلا موانع لديهم ازاء كل ما من شأنه ان يؤمن لهم بعض الدخل من سرقات صغيرة او تجارات غير مشروعة بما فيها تجارة المخدرات.

اما الافلاس المعنوي فيواجهونه باعمال تساعد على تمضية الوقت مثل التعرض للمارة او اشعال النار في علب البريد او سلال النفايات، وتحولوا بذلك تدريجياً الى آفة تهدد أمن مناطقهم، والى مصدر ريبة وتخوف، يبدو واضحاً من خلال التصرف القاسي الذي يواجهونه على حواجز الشرطة المنتشرة في مناطقهم.