المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «شيطنة إيران».. مَن الرابح؟ ... بقلم سعاد المعجل



الراي السديد
08-31-2025, 10:00 PM
https://pbs.twimg.com/media/GzoDPWQXEAAxGlZ.jpg:large

سعاد فهد المعجل

30 أغسطس 2025


في السياسة، تحكمنا الجغرافيا، وربما أكثر مما يحكمنا التاريخ، فالجغرافيا هي التي جعلت من بريطانيا قوة بحرية في القرن الثامن عشر، والجغرافيا هي التي أحاطت بروسيا، المقاطعة الألمانية التي أطلق عليها لاحقاً اسم «بروسيا الشرقية»، بالأعداء من جميع الجهات.

الجغرافيا هي التي جعلت من إيران دولة مجاورة، وجارة للعالم العربي، كما تدخّل التاريخ هنا في هذه العلاقة، فأضاف روابط أخرى بخلاف الجوار الجغرافي، كالدين والعادات والثقافة والفنون وغيرها.

وإذا كان بإمكان البشر تحريف التاريخ، أو تغييره، فإنه من الصعب إلغاء الجغرافيا من معادلة العلاقات هنا.

ليست هذه المقالة للدفاع عن إيران «السياسي»، وإنما محاولة للتمعن في إيران «الجغرافي»، والذي يسعى البعض وبكل أسف، ومن دون أدنى حصافة سياسية، إلى شيطنته وبشكل أدى، ويؤدي إلى إرباك كل المعادلات السياسية والاقتصادية والفكرية في المنطقة، في حين أن المنطق يقول إن التعاون أو التفاهم مع إيران، لا يكبح التوترات في المنطقة فحسب، بل ويخلق كذلك مناخاً مستقراً وآمناً للجميع، وبلا استثناء.

أي عاقل يزن الأمور خارج إطار الشخصانية والتعصب، سيصل إلى خلاصة أن أي توتر بين الدول العربية وإيران، يصب مباشرة في مصلحة الكيان الصهيوني، الذي لا يتوقف عن التحذير من «الخطر الإيراني»، لتحويل الأنظار عن جرائمه واحتلاله لأراضٍ ومقدسات إسلامية وعربية، وأن استمرار خلق توترات في المنطقة سيخلق حتماً سوقاً مفتوحاً للسلاح وشركاته، ويفتح شهية منظمات وهيئات مارقة وإرهابية، وهو بالتحديد ما تعاني منه المنطقة بأسرها اليوم من عدم استقرار واستنزاف لخيراتها مقابل صفقات سلاح نتقاتل بها.

المنطق، وليس السياسة، يقول إن استقرار المنطقة بأسرها لا يمكن أن يتحقّق إلا عن طريق بحث الخلافات بين إيران والعرب بشكل موضوعي، وتوافقي، وبمعزل عن الاملاءات الخارجية، والتدخلات الدولية، فأمن الخليج مسألة مشتركة بين إيران والعرب، وليس لطرف آخر شأن فيه، وتلك كانت ولا تزال نقطة خلاف أدّت إلى كوارث وحروب، عشنا ونعيش تداعيتها كل يوم، من الحرب العراقية – الإيرانية، إلى غزو الكويت، ولتزداد حدة هذا الخلاف في الحرب الهمجية على غزة، بعد أن انقسم العرب حولها، طرف يدعم خيار المقاومة الذي تبنته إيران، وطرف آخر اختار سبيل التفاوض لاسترجاع الأراضي المغتصبة، وإيجاد حل توافقي للقضية الفلسطينية.


لقد تمت شيطنة أفغانستان من قبل، وأصبحت ساحة مفتوحة لحروب الوكالة، لِما يقارب العشرين عاماً، وتم فيها استنزاف الثروات والبشر والموارد والتاريخ، لينتهي المطاف بتوقيع واشنطن معاهدة مع «طالبان»، وتكرّر الأمر في شيطنة إيران، والذي أدى إلى إرهاق المنطقة بالحروب الاستنزافية، التي أرهقت كل الأطراف، وتحويل أربع دول منها إلى دول فاشلة، وتغيير مسار قضية العرب المحورية فلسطين، وعدوها الحقيقي الكيان الصهيوني، لتصبح إيران قضيتنا الأولى، وتهديدها هو الخطر الحقيقي، وشيطنتها هو المخرج والحل، لينتهي الحال بنا اليوم، ووفقاً للدهاء والمكر الصهيوني، إلى أن نصبح جميعاً شياطين في نظر الكيان المحتل، والذي أصبح أكثر جرأة وغطرسة، بعد أن استطاع قلب المعادلة العدائية لمصلحته، وصار من «حقه» أن يعلن عن خريطته الشرق أوسطية، والتي يرى أنها الحل البديل لإنقاذ المنطقة من الزحف الإيراني الشيطاني، حسب وصفه.


لقد نجح الكيان الصهيوني، وبكل أسف، في قلب المعادلة هنا، واستطاع من خلال صفقات عديدة أن يروّج صورة إيران كعدو مشترك بينه وبين العرب، وأصبح «التهديد» الإيراني أخطر من التهديد الصهيوني، وبات على بعض العرب، بأموالهم وسلاحهم ورجالهم، محاربة إيران بالوكالة عن واشنطن وإسرائيل، وتحوّل هذا الهدف من مَطْلَب إلى ضرورة، وذلك حين اشتعلت سماء تل أبيب بالصواريخ الإيرانية لقرابة أسبوعين.


لا يوجد ثبات في السياسة، وقد قالها تشرشل من قبل: «في السياسة ليس هناك عدو دائم، أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة»، لكن في الجغرافيا تختلف الصورة، فالجِوار دائم ما لم تتغير تضاريس الأرض، والاستقرار والأمن لا يكونان من خلال شيطنة الجار، بل بالجلوس معه ورسم معالم ذلك الاستقرار والأمن، اللذين تفرضهما عوامل تاريخية وجغرافية مشتركة.


غزة تؤكد لنا كل يوم أن الكيان الصهيوني هو الشيطان الذي يحاصرنا جميعاً، عرباً كنا أو فرساً، هو شيطان علينا مواجهته بالتفاوض، لا بالانقسام الذي يخدمه وبشكل مباشر.






سعاد فهد المعجل


https://alqabas.com/article/5952121 :إقرأ المزيد