المهدى
08-10-2003, 05:45 PM
5 شروط لتوفير ملاذ آمن للدكتاتور المطارد
لندن: أمير طاهري
ثلاثة أشهر مضت على آخر ظهور للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين علنا. ومرت بالتحديد مائة يوم منذ شن التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة حملته التي استهدفت القبض على صدام. لكن مع ذلك، وكما أقر وزير الخارجية الأميركي كولن باول مساء الخميس الماضي في واشنطن، فان الأميركيين لا يزالون أبعد ما يكون عن القبض على الهارب.
قد يتساءل البعض: لماذا؟
باختصار يمكن الاجابة على هذا السؤال بالقول: لأنه لا يبدو ان هناك بالفعل من يتعقبه. أجل، لقد عرضت الولايات المتحدة مبلغ 25 مليون دولار أميركي مقابل القبض على صدام. وأجل نفذت القوات الأميركية ما يزيد على 22 غارة شملت تسعة مواقع، بما فيها بغداد، خلال الأيام المائة الماضية، استنادا لمعلومات أفادت بوجود صدام في تلك المواقع.
لكن لا شيء من هذا كله يعني ان هناك عمليات بحث متواصلة عن صدام. ففي كل مرة يتم تكليف القوات الأميركية بالتحرك بعد تلقي معلومات ما من مخبرين عراقيين، يفترض انهم يأملون في الحصول على المكافأة.
يقول الجنرال جون أوديرنو، أحد القاد العسكريين الأميركيين في العراق، ان حاكم العراق المستبد السابق بات يغير أماكن اقامته ثلاث أو أربع مرات يوميا. وذلك يعني وجوده في ما لا يقل عن 300 مكان خلال الأيام المائة الماضية. واذا صحت هذه النظرية فان صدام على الأرجح سيكون مختبئا في مدينة كبيرة تتوفر فيها أعداد هائلة من المخابئ التي يمكن استخدامها بدون اثارة الشكوك.
كما قد تتطلب كل تحركات صدام اليومية هذه حدا من التستر وصرف الأنظار، وهما مسألتان تتوافران فقط في المدن الكبيرة.
يضاف الى ذلك ان صدام لن يستطيع التحرك بهذه الدرجة وبشكل معتاد في أجواء معادية. وهكذا، فلا بد انه يختبئ وسط مجاميع، او مجموعة على الاقل من السكان الذين لا يكنون له العداء. واذا صحت هذه الافتراضات، فلا بد ان صدام قد يكون مختبئا في واحد فقط من مكانين: منطقة شمال غرب بغداد، أو مدينة الموصل في شمال البلاد.
ومع ذلك فعدد الهجمات التي استهدفت القبض على صدام في بغداد والموصل بلغت حتى الآن ستا فقط، في اشارة الى ان الجنود الأميركيين لا يعتقدون بالفعل ان الرجل يختبئ في اي من المكانين المذكورين.وبعبارات أخرى فان الولايات المتحدة بحد ذاتها لم تكون بعد رؤية نظرية واضحة بشأن «اختفاء» صدام. وللتأكيد فان القوات الأميركية اعتقلت العديد من البعثيين الملاحقين، وتمكنت مؤخرا من قتل نجلي صدام حسين أيضا.
لكن العمليات في كل مرة كانت تنفذ استنادا الى معلومات وفرها مخبرون عراقيون يعملون من أجل المال، ولم تنفذ نتيجة لما توصل اليه محققون أميركيون. وهكذا فان فكرة تلك العمليات تعتمد على المخبرين العراقيين، لا على القوات الأميركية. وتلك ببساطة ليست أفضل وسيلة للبحث عن صدام حسين. على ان ذلك لا يمنعنا من التفكير في نظرية بديلة. فصدام قد يكون مختبئا في مكان واحد يشعر بثقة مطلقة في ولاء سكان هذا المكان، أو على الأقل في انهم يخشون من التنكر له. فمخبأ المكان الواحد هذا يمتاز بالقدرة على تجنب التحركات المحفوفة بالمخاطر ومساعي المراقبة الالكترونية.
كما يوفر هذا الأمر ميزة الاعتياد عليه، التي تجعل تفعيل الاجراءات الأمنية أكثر يسرا، في الوقت الذي تسهل من التواصل مع شبكات التأييد في أماكن أخرى. وهنا لا بد لأنسب مكان للتخفي أن يجتاز خمسة اختبارات.
الأول هو أن يكون السكان المحليون متعاطفين مع صدام حسين، أو على الأقل غير معادين له. وهذه مسألة قد لا تكون سهلة كما يتوقع البعض. فصدام قتل العديد من البشر الى درجة انه أوجد لنفسه أعداء شخصيين في معظم أنحاء العراق. فهو لا يستطيع الاختباء بين شيعة العراق على سبيل المثال، الأمر الذي يجعله غير قادر على اللجوء لمعظم وسط وجنوب العراق.
كما انه لا يستطيع الاختباء بين الأكراد الذين لا يوجد لديهم سبب يدفعهم للتمسك به. وذلك يعني استبعاد فكرة لجوئه لمعظم شمال شرق العراق. وأكثر من أربعة أخماس بغداد، حيث تسكن أغلبية من الشيعة والأكراد، يمكن اعتبارها منطقة معادية لصدام.
أما الشرط الثاني واللازم لتوفر مخبأ مثالي، فهو ان يكون هذا المكان خاليا الى حد ما من الوجود العسكري الأميركي القوي والدائم.
وهذا الشرط يمكن توفره بسهولة، لأن الولايات المتحدة، بقوام الجيش الذي يزيد بقليل على 150 الف جندي، بمن فيهم أولئك البريطانيون، تتمتع فقط بوجود محدود للغاية في بلد بحجم فرنسا. وفي الواقع، يبدو التحالف موجودا بفعالية في ما يقل عن 20 من مدن وبلدات العراق الكبرى البالغ عددها .67 والعديد من قرى العراق التي يقدر عددها بـ18 الفا، لم تر جنديا أميركيا واحدا بعد.
ثالث الشروط يكمن في أن يكون المخبأ المثالي غير بعيد عن ممر للهروب، ويفضل أن يكون هذا الممر باتجاه منطقة قد يسكنها جيران متعاطفون، الأمر الذي يعني ان هذا قد يعني فقط اما سورية أو الأردن. (اذ من المستبعد أن يفكر صدام في الهرب الى تركيا أو ايران أو السعودية أو الكويت).
وبالنسبة للشرط الرابع فان المخبأ المثالي لا بد أن يكون قادرا على احتمال الطاغية وحاشيته لعدة أشهر على الأقل. وسيتطلب أيضا توفر أدوات الاتصال التي ستمكن الطاغية من التواصل مع شبكة مؤيديه، وتجعله مطلعا على تحركات أعدائه. وهذا يعني ان المكان الآمن لم يتم اختياره على عجل. فمعظم الناس يعرفون قصور صدام الـ22، التي شيدها لنفسه عقب حرب عام .1991
لكن ما يجهلونه، على أية حال، هو مئات المساكن الآمنة التي شيدها في نفس الوقت في أنحاء العراق، خشية أن يحاول الأميركيون قتله بهجوم صاروخي. أما الشرط الخامس اللازم توفره في المخبأ المثالي، فهو أن تتمتع منطقة هذا المخبأ بموقع طبيعي يمكن الدفاع عنه بسهولة، أي أن تتوفر للطاغية فرصة الهرب في حالة وقوع هجوم أميركي.
على ان صدام يتمتع بخبرة طويلة في الاختباء. ففي عام 1959، كان عضوا في جماعة سعت لاغتيال حاكم العراق حينها عبد الكريم قاسم. وبعد نجاته باعجوبة من الاعتقال، اختبأ صدام وتمكن من تجنب القبض عليه طوال ما يزيد على عام، على الرغم من عملية الملاحقة التي استهدفته شخصيا. وقد تمكن في ما بعد من الهرب الى سورية أولا، ثم الى مصر حيث واصل حياته شبه متخف. وحتى وهو يحكم العراق، تمسك صدام بعادة الحياة وفقا لاسلوب شبه متخف، حيث اعتاد الاختفاء لأيام عديدة. ففي عام 1983، على سبيل المثال، ذهب في «خلوة» استغرقت 17 يوما، مرددا اشاعات بأنه قرر الانتحار، بسبب الهزائم التي لحقت بالجيش في الحرب ضد ايران.
وهنا قد يتساءل البعض: هل يوجد أي مكان في العراق يمكن أن تتوفر فيه الشروط الخمسة التي حددناها للمخبأ المثالي؟
اذا ما توفر مثل هذا المكان فقد يكون على الأرجح في المنطقة المعروفة بالجزيرة، والواقعة الى الغرب من مدينة الموصل. فهذه المنطقة تنتشر فيها مئات القرى، حيث لا يكن السكان، ومعظمهم من العرب السنة، العداء للطاغية المخلوع. وخلال الأعوام الثلاثين الماضية ظل صدام يزور هذه المنطقة على الدوام، مانحا سكانها بعض الامتيازات على هيئة منح تنموية و«هدايا» رئاسية. ونسبة لا بأس بها من سكان المنطقة تتكون من عائلات تنتمي لتجمع عشائر شمر، التي بات أحد زعمائها اليوم عضوا في مجلس الحكم ببغداد.
وهناك عشرات القرى التي يمكن لصدام أن يختبئ فيها، فهناك يمكن للتقاليد القبلية، التي لا تقل صلابتها عن صلابة تقاليد عصابات المافيا أو انفصاليي كورسيكا، أن توفر الحماية لصدام من أي أذى، حتى ولو من الناحية النظرية على الأقل.
وهكذا، فما الذي يجب القيام به؟
أول الأشياء المطلوبة هو ان يعهد بملاحقة صدام الى المتخصصين في هذا الامر. وهذه مهمة شرطة التحري، وليست مهمة القوات المسلحة النظامية، أو الشرطة العسكرية.
وثانيا لا بد من حشد العراقيين للقيام بمهمة الملاحقة ميدانيا. فهناك مناطق لا يمكن للأجانب التسرب اليها، واذا ما تمكن أحدهم من ذلك، فانه لن يتمكن من ثقب جدار الصمت. وبينما يتساءل الكثير من العراقيين عما يعتبرونه عدم جدية الولايات المتحدة في ملاحقة صدام، ها هم يستمعون لنظريات المؤامرة.
احدى هذه النظريات تقول ان واشنطن ترغب في استمرار تهديد بقاء صدام على قيد الحياة، من اجل اسكات العراقيين واجبارهم على قبول وجود أميركي طويل المدى.
«نظرية» أخرى تقول ان صدام كان دائما يعمل لحساب الأميركيين، وانه نقل سرا الى واشنطن أو تل أبيب لقضاء ما تبقى من حياته هناك بهوية جديدة. على ان السؤال المطروح هو: هل يمكن لصدام أن يظل لسنوات بعيدا عن الاعتقال؟
من ناحية نظرية قد يكون هذا ممكنا. وعلى كل حال، فقد تمكن بعض زعماء النازية من الاختباء لعقود. (ألقي القبض على كلاوس باربي بعد 40 عاما من نهاية الحرب العالمية). ومع ذلك فالمقارنة هنا قد لا تكون دقيقة. وبخلاف النازي الذي كان بامكانه الاختباء في أميركا الجنوبية، لا يتوفر لصدام ولفلول البعثيين الفارين مكان آمن خارج العراق. وهذا هو ما يؤكد امكانية القبض عليهم. على افتراض ان يبدأ البعض بالبحث الجاد عنهم.
لندن: أمير طاهري
ثلاثة أشهر مضت على آخر ظهور للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين علنا. ومرت بالتحديد مائة يوم منذ شن التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة حملته التي استهدفت القبض على صدام. لكن مع ذلك، وكما أقر وزير الخارجية الأميركي كولن باول مساء الخميس الماضي في واشنطن، فان الأميركيين لا يزالون أبعد ما يكون عن القبض على الهارب.
قد يتساءل البعض: لماذا؟
باختصار يمكن الاجابة على هذا السؤال بالقول: لأنه لا يبدو ان هناك بالفعل من يتعقبه. أجل، لقد عرضت الولايات المتحدة مبلغ 25 مليون دولار أميركي مقابل القبض على صدام. وأجل نفذت القوات الأميركية ما يزيد على 22 غارة شملت تسعة مواقع، بما فيها بغداد، خلال الأيام المائة الماضية، استنادا لمعلومات أفادت بوجود صدام في تلك المواقع.
لكن لا شيء من هذا كله يعني ان هناك عمليات بحث متواصلة عن صدام. ففي كل مرة يتم تكليف القوات الأميركية بالتحرك بعد تلقي معلومات ما من مخبرين عراقيين، يفترض انهم يأملون في الحصول على المكافأة.
يقول الجنرال جون أوديرنو، أحد القاد العسكريين الأميركيين في العراق، ان حاكم العراق المستبد السابق بات يغير أماكن اقامته ثلاث أو أربع مرات يوميا. وذلك يعني وجوده في ما لا يقل عن 300 مكان خلال الأيام المائة الماضية. واذا صحت هذه النظرية فان صدام على الأرجح سيكون مختبئا في مدينة كبيرة تتوفر فيها أعداد هائلة من المخابئ التي يمكن استخدامها بدون اثارة الشكوك.
كما قد تتطلب كل تحركات صدام اليومية هذه حدا من التستر وصرف الأنظار، وهما مسألتان تتوافران فقط في المدن الكبيرة.
يضاف الى ذلك ان صدام لن يستطيع التحرك بهذه الدرجة وبشكل معتاد في أجواء معادية. وهكذا، فلا بد انه يختبئ وسط مجاميع، او مجموعة على الاقل من السكان الذين لا يكنون له العداء. واذا صحت هذه الافتراضات، فلا بد ان صدام قد يكون مختبئا في واحد فقط من مكانين: منطقة شمال غرب بغداد، أو مدينة الموصل في شمال البلاد.
ومع ذلك فعدد الهجمات التي استهدفت القبض على صدام في بغداد والموصل بلغت حتى الآن ستا فقط، في اشارة الى ان الجنود الأميركيين لا يعتقدون بالفعل ان الرجل يختبئ في اي من المكانين المذكورين.وبعبارات أخرى فان الولايات المتحدة بحد ذاتها لم تكون بعد رؤية نظرية واضحة بشأن «اختفاء» صدام. وللتأكيد فان القوات الأميركية اعتقلت العديد من البعثيين الملاحقين، وتمكنت مؤخرا من قتل نجلي صدام حسين أيضا.
لكن العمليات في كل مرة كانت تنفذ استنادا الى معلومات وفرها مخبرون عراقيون يعملون من أجل المال، ولم تنفذ نتيجة لما توصل اليه محققون أميركيون. وهكذا فان فكرة تلك العمليات تعتمد على المخبرين العراقيين، لا على القوات الأميركية. وتلك ببساطة ليست أفضل وسيلة للبحث عن صدام حسين. على ان ذلك لا يمنعنا من التفكير في نظرية بديلة. فصدام قد يكون مختبئا في مكان واحد يشعر بثقة مطلقة في ولاء سكان هذا المكان، أو على الأقل في انهم يخشون من التنكر له. فمخبأ المكان الواحد هذا يمتاز بالقدرة على تجنب التحركات المحفوفة بالمخاطر ومساعي المراقبة الالكترونية.
كما يوفر هذا الأمر ميزة الاعتياد عليه، التي تجعل تفعيل الاجراءات الأمنية أكثر يسرا، في الوقت الذي تسهل من التواصل مع شبكات التأييد في أماكن أخرى. وهنا لا بد لأنسب مكان للتخفي أن يجتاز خمسة اختبارات.
الأول هو أن يكون السكان المحليون متعاطفين مع صدام حسين، أو على الأقل غير معادين له. وهذه مسألة قد لا تكون سهلة كما يتوقع البعض. فصدام قتل العديد من البشر الى درجة انه أوجد لنفسه أعداء شخصيين في معظم أنحاء العراق. فهو لا يستطيع الاختباء بين شيعة العراق على سبيل المثال، الأمر الذي يجعله غير قادر على اللجوء لمعظم وسط وجنوب العراق.
كما انه لا يستطيع الاختباء بين الأكراد الذين لا يوجد لديهم سبب يدفعهم للتمسك به. وذلك يعني استبعاد فكرة لجوئه لمعظم شمال شرق العراق. وأكثر من أربعة أخماس بغداد، حيث تسكن أغلبية من الشيعة والأكراد، يمكن اعتبارها منطقة معادية لصدام.
أما الشرط الثاني واللازم لتوفر مخبأ مثالي، فهو ان يكون هذا المكان خاليا الى حد ما من الوجود العسكري الأميركي القوي والدائم.
وهذا الشرط يمكن توفره بسهولة، لأن الولايات المتحدة، بقوام الجيش الذي يزيد بقليل على 150 الف جندي، بمن فيهم أولئك البريطانيون، تتمتع فقط بوجود محدود للغاية في بلد بحجم فرنسا. وفي الواقع، يبدو التحالف موجودا بفعالية في ما يقل عن 20 من مدن وبلدات العراق الكبرى البالغ عددها .67 والعديد من قرى العراق التي يقدر عددها بـ18 الفا، لم تر جنديا أميركيا واحدا بعد.
ثالث الشروط يكمن في أن يكون المخبأ المثالي غير بعيد عن ممر للهروب، ويفضل أن يكون هذا الممر باتجاه منطقة قد يسكنها جيران متعاطفون، الأمر الذي يعني ان هذا قد يعني فقط اما سورية أو الأردن. (اذ من المستبعد أن يفكر صدام في الهرب الى تركيا أو ايران أو السعودية أو الكويت).
وبالنسبة للشرط الرابع فان المخبأ المثالي لا بد أن يكون قادرا على احتمال الطاغية وحاشيته لعدة أشهر على الأقل. وسيتطلب أيضا توفر أدوات الاتصال التي ستمكن الطاغية من التواصل مع شبكة مؤيديه، وتجعله مطلعا على تحركات أعدائه. وهذا يعني ان المكان الآمن لم يتم اختياره على عجل. فمعظم الناس يعرفون قصور صدام الـ22، التي شيدها لنفسه عقب حرب عام .1991
لكن ما يجهلونه، على أية حال، هو مئات المساكن الآمنة التي شيدها في نفس الوقت في أنحاء العراق، خشية أن يحاول الأميركيون قتله بهجوم صاروخي. أما الشرط الخامس اللازم توفره في المخبأ المثالي، فهو أن تتمتع منطقة هذا المخبأ بموقع طبيعي يمكن الدفاع عنه بسهولة، أي أن تتوفر للطاغية فرصة الهرب في حالة وقوع هجوم أميركي.
على ان صدام يتمتع بخبرة طويلة في الاختباء. ففي عام 1959، كان عضوا في جماعة سعت لاغتيال حاكم العراق حينها عبد الكريم قاسم. وبعد نجاته باعجوبة من الاعتقال، اختبأ صدام وتمكن من تجنب القبض عليه طوال ما يزيد على عام، على الرغم من عملية الملاحقة التي استهدفته شخصيا. وقد تمكن في ما بعد من الهرب الى سورية أولا، ثم الى مصر حيث واصل حياته شبه متخف. وحتى وهو يحكم العراق، تمسك صدام بعادة الحياة وفقا لاسلوب شبه متخف، حيث اعتاد الاختفاء لأيام عديدة. ففي عام 1983، على سبيل المثال، ذهب في «خلوة» استغرقت 17 يوما، مرددا اشاعات بأنه قرر الانتحار، بسبب الهزائم التي لحقت بالجيش في الحرب ضد ايران.
وهنا قد يتساءل البعض: هل يوجد أي مكان في العراق يمكن أن تتوفر فيه الشروط الخمسة التي حددناها للمخبأ المثالي؟
اذا ما توفر مثل هذا المكان فقد يكون على الأرجح في المنطقة المعروفة بالجزيرة، والواقعة الى الغرب من مدينة الموصل. فهذه المنطقة تنتشر فيها مئات القرى، حيث لا يكن السكان، ومعظمهم من العرب السنة، العداء للطاغية المخلوع. وخلال الأعوام الثلاثين الماضية ظل صدام يزور هذه المنطقة على الدوام، مانحا سكانها بعض الامتيازات على هيئة منح تنموية و«هدايا» رئاسية. ونسبة لا بأس بها من سكان المنطقة تتكون من عائلات تنتمي لتجمع عشائر شمر، التي بات أحد زعمائها اليوم عضوا في مجلس الحكم ببغداد.
وهناك عشرات القرى التي يمكن لصدام أن يختبئ فيها، فهناك يمكن للتقاليد القبلية، التي لا تقل صلابتها عن صلابة تقاليد عصابات المافيا أو انفصاليي كورسيكا، أن توفر الحماية لصدام من أي أذى، حتى ولو من الناحية النظرية على الأقل.
وهكذا، فما الذي يجب القيام به؟
أول الأشياء المطلوبة هو ان يعهد بملاحقة صدام الى المتخصصين في هذا الامر. وهذه مهمة شرطة التحري، وليست مهمة القوات المسلحة النظامية، أو الشرطة العسكرية.
وثانيا لا بد من حشد العراقيين للقيام بمهمة الملاحقة ميدانيا. فهناك مناطق لا يمكن للأجانب التسرب اليها، واذا ما تمكن أحدهم من ذلك، فانه لن يتمكن من ثقب جدار الصمت. وبينما يتساءل الكثير من العراقيين عما يعتبرونه عدم جدية الولايات المتحدة في ملاحقة صدام، ها هم يستمعون لنظريات المؤامرة.
احدى هذه النظريات تقول ان واشنطن ترغب في استمرار تهديد بقاء صدام على قيد الحياة، من اجل اسكات العراقيين واجبارهم على قبول وجود أميركي طويل المدى.
«نظرية» أخرى تقول ان صدام كان دائما يعمل لحساب الأميركيين، وانه نقل سرا الى واشنطن أو تل أبيب لقضاء ما تبقى من حياته هناك بهوية جديدة. على ان السؤال المطروح هو: هل يمكن لصدام أن يظل لسنوات بعيدا عن الاعتقال؟
من ناحية نظرية قد يكون هذا ممكنا. وعلى كل حال، فقد تمكن بعض زعماء النازية من الاختباء لعقود. (ألقي القبض على كلاوس باربي بعد 40 عاما من نهاية الحرب العالمية). ومع ذلك فالمقارنة هنا قد لا تكون دقيقة. وبخلاف النازي الذي كان بامكانه الاختباء في أميركا الجنوبية، لا يتوفر لصدام ولفلول البعثيين الفارين مكان آمن خارج العراق. وهذا هو ما يؤكد امكانية القبض عليهم. على افتراض ان يبدأ البعض بالبحث الجاد عنهم.