المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعضهم ترك مهناً "مهمة".. عمل الـ"أونلاين" يستهوي الشباب والفتيات في العراق



ديك الجن
08-03-2025, 10:09 PM
https://media.shafaq.com/media/arcella/1754238002668.jpeg

2025-08-03

شفق نيوز- بغداد

اختارت فرح أحمد، البالغة من العمر 30 عاماً، أن تترك مهنة المحاماة وتتجه إلى العمل من المنزل، بعد أن وجدت صعوبة في تحقيق مردود مادي مجزٍ من مهنتها القانونية التي تتطلب الوقوف لساعات طويلة في أروقة المحاكم بحثاً عن زبائن.

كانت أحمد ترتدي ملابسها الرسمية يومياً، وتتنقل بين المحاكم على أمل الحصول على قضية، إلا أن الأمر كثيراً ما كان ينتهي دون نتيجة، مما أثر سلباً على معيشتها ودفعها إلى البحث عن بديل.

بعد تفكير طويل، قررت فرح أحمد الاتجاه إلى بيع الملابس عبر تطبيق "تيك توك" بدعم من زوجها، وتقول في حديثها لوكالة شفق نيوز "كنت أنتظر ساعات طويلة أمام كُتاب العرائض، وغالباً ما أعود دون عمل، وهذا ما كان يؤلمني".

وتضيف "لفت نظري خلال تصفحي لتيك توك، وجود بث مباشر لحسابات تبيع منتجات مختلفة، فقررت خوض التجربة برأس مال بسيط، بحثت عن طريقة مناسبة لشراء الملابس، وأنشأت حساباً خاصاً وبدأت بالترويج لبضاعتي بين الجيران والأقارب".

وسرعان ما بدأت أحمد تبث يومياً في ساعة محددة، ولاحظت تزايد عدد المتابعين والزبائن الذين يطلبون منها الملابس والعطور والحقائب، حيث تؤكد أن "هذا العمل وفر عليها متاعب النهوض مبكراً، والوقوف الطويل، والتعامل مع مزاجية الزبائن في المحاكم، دون أن تتخلى كلياً عن المحاماة، التي اقتصرت لاحقاً على دائرة الأصدقاء والمعارف".

ووفقاً لحديثها، فإنها قد جرّبت سابقاً مهناً منزلية مثل الخياطة والحلاقة النسائية، لكنها لم تحقق من خلالها دخلاً كافياً، مبينة أن العمل الحالي رغم إيجابياته، إلا أنه لا يخلو من السلبيات مثل إلغاء الطلبات، أو حالات النصب، أو تلقي طلبات وهمية ومقالب مزعجة.

ومنذ العام 2019، انتشرت المهن المنزلية في بغداد وعدد من المحافظات، خاصة بعد تفشي وباء كورونا، ما أدى إلى شيوع ثقافة البيع والشراء عبر الإنترنت، بعد أن كانت الأعمال المنزلية مقتصرة على الخياطة والحلاقة النسوية.

ويسعى العديد من الفتيات والشباب إلى مزاولة أعمال تجارية بسيطة عبر الإنترنت، خاصة طالبات الجامعات والمعاهد رغبة منهن في تحقيق الاستقلال المالي دون التأثير على دراستهن.

مشاريع طلابية

وتقول سجى علوان، طالبة في معهد الفنون الجميلة وتبلغ من العمر 19 عاماً، إنها فكرت بعمل لا يعيق دراستها، فبدأت بإعطاء تمارين رياضية ونُظم غذائية عبر مواقع التواصل.

وتابعت علوان، خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، قائلة إنها أنشأت حساباً خاصاً، وشاركت في دورات "أونلاين"، وأصبحت تقدم تدريبات خاصة بالرشاقة، ووجهت مشتركاتها إلى اتباع أنظمة غذائية مناسبة، ما ساعدها في تحقيق دخل جيد.

وتتابع: "أنا أدير عملي بنفسي وبمرونة تامة، دون الاعتماد على مزاج أصحاب القاعات الرياضية، مما وفر لي الوقت والدخل اللازم لإكمال دراستي دون مشاكل مادية"، مشيرة إلى "بعض التحديات مثل عدم التزام المشتركين بالدفع أو عدم رضا البعض عن نتائج التمارين".

في المقابل، يرى مختصون أن توسع الأعمال المنزلية التي تُدار عبر الإنترنت بحاجة إلى تشريعات واضحة لضمان حقوق البائعين والمستهلكين.

ويقول الخبير القانوني علاء العامري، لوكالة شفق نيوز، إن "هناك قوانين تنظم المعاملات التجارية الإلكترونية، منها قانون التوقيع الإلكتروني والمعاملات الإلكترونية رقم 78 لسنة 2012، وقانون حماية المستهلك رقم 1 لسنة 2010، لكن هذه القوانين بحاجة إلى تعديل لتواكب التطورات الحالية".

الهجرة الرقمية

تزامناً مع انتشار الأعمال المنزلية، بدأ العديد من الشباب العراقيين بمزاولة ما يُعرف بـ"الهجرة الرقمية"، أي العمل مع شركات وأفراد خارج العراق دون مغادرة البلاد، مستفيدين من التطور التكنولوجي وسوق العمل العالمي.

ويقول حسن فاروق، أحد هؤلاء الشباب، الذي ترك عمله السابق في شركة اتصالات محلية نتيجة الضغوط وسوء المعاملة، وتوجه إلى العمل عن بُعد مع شركة أجنبية متخصصة بأنظمة الحاسوب: "أنا خريج الجامعة التكنولوجية، ولم أقبل بالإهانة أو التقليل من قدراتي، فقررت ترك الوظيفة المحلية ووجدت التقدير والدخل المناسب في العمل مع شركة أجنبية".

ويضيف فاروق، في حديثه لوكالة شفق نيوز، أنه يشعر الآن بالحرية والاحترام، ويتقاضى راتبه بالدولار شهرياً دون معاناة زحامات الطريق أو أعباء التنقل والطعام.

بدوره، يوضح المهندس حسن مصطفى، لوكالة شفق نيوز، أن "العمل مع شركات دولية يوفر امتيازات كبيرة من الناحية المالية والراحة النفسية"، مضيفاً أن "العالم الافتراضي أكثر واقعية مما نتصور، ولم أواجه أي مشاكل تُذكر، حيث يتم تحويل راتبي شهرياً إلى أحد البنوك المحلية".

نمو متصاعد

رغم عدم توفر بيانات رسمية بشأن "الهجرة الرقمية" أو حجم التجارة الإلكترونية في العراق، إلا أن الخبراء يرون في هذا المسار رافداً اقتصادياً مهماً يجب دعمه وتشريعه.

ويقول الخبير الاقتصادي منار العبيدي، لوكالة شفق نيوز، إن العمل المنزلي والـ"أونلاين" يمثل قيمة مضافة للاقتصاد من خلال خلق فرص عمل، لكنه لا يرفد خزينة الدولة بأي إيرادات ضريبية لكونه غير منظم قانونياً.

ويشير إلى أن قانون التجارة الإلكترونية أُقر بالفعل، وصدرت تعليماته، لكن لم يُفعّل بشكل جاد على أرض الواقع حتى الآن.

ويتحدث العبيدي، قائلاً إن "هذه المشاريع، رغم بساطتها، تلعب دوراً مهماً في امتصاص البطالة، وتمكين الشباب والنساء، وينبغي دعمها رسمياً ضمن خطة وطنية شاملة".