سلسبيل
11-05-2005, 11:08 AM
مؤامرة اغتيال الإمام الحسن بن علي
مأمون غريب
بينما الصراع علي أشده بين علي ومعاوية من جهة وعلي والخوارج من جهة أخري، كانت هناك مؤامرة تحاك في الظلام أبطالها من الخوارج، والغرض من هذه المؤامرة التخلص من الامام علي، ومن معاوية ومن عمرو بن العاص في وقت واحد.
لقد تكفل عبدالرحمن بن ملجم بقتل علي بن أبي طالب وتعهد البرك بن عبدالله بقتل معاوية بن أبي سفيان وتعهد عمروبن بكر بقتل عمرو بن العاص.
.. كانت هذه المؤامرة في السنة الأربعين من الهجرة.
وكان موعد تنفيذ المؤامرة في صلاة الفجر في اليوم السابع عشر من رمضان.
وتقدم البرك بن عبدالله في محاولة لقتل معاوية، وعندما رفع السيف ليضربه عند سجوده تكاثر عليه الحراس، فوقع السيف في إلية معاوية، ونجا من الموت بعد أن سقاه الطبيب شربة من الدواء، وأمر معاوية بقتل البرك بن عبدالله.
وذهب عمرو بن بكر إلي مسجد عمروبن العاص ليقتله، ولمرض عمرو لم يذهب إلي الصلاة، وكان يصلي بالناس بدلا منه صاحب الشرطة خارجه، وطنه عمروبن بكر عمروبن العاص فقتله، وقبض عليه وسيق إلي عمروبن العاص، وفوجيء الرجل بنفسه أمام الرجل الذي كان يريد قتله، وأنه قتل واحدا غيره،
وقال الرجل لعمرو:
والله ما ظننته غيرك
فقال له عمرو
أردتني وأراد الله خارجة.. وأمر بقتله.
وتوجه عبدالرحمن بن ملجم إلي الكوفة واشتري سيفا وظل يسقي هذا السيف بالسم أربعين يوما.. وكان في نفس الوقت يتردد علي الامام فيكرمه ويحسن إليه.
وقد عرف هذا الرجل في أثناء استعداده لقتل الامام امرأة أعجب بها من الخوارج وكانت رائعة الجمال، وعندما تقدم لخطبتها قالت له.
لا أتزوجك حتي تشتفي لي فقد آليت ألا أتزوج إلا علي مهر لا أريد سواه وعندما سألها عما تريد قالت.
ثلاثة ألاف عبد وقينة وقتل علي'.
كانت قطام هذه تكره الامام لأنه قتل أباها وأخاها يوم النهروان وعرفت أنه ما جاء إلي الكوفة إلا لقتل الامام، وأخبرت قطام أنها سترسل ابن عمها (وردان) ليساعدها في تحقيق هذه المؤامرة.
وبينما اعتكفت قطام في المسجد من أول شهر رمضان..
كان الامام يفطر في رمضان عند ابنه الحسن أو عند الحسين، أو عند ابن أخيه جعفر.
وشاهد الامام يوما عبدالرحمن بن ملجم وهو يشحذ سيفه بالسم، فسأله عن الهدف من ذلك فقال له ابن ملجم.
لعدوي وعدوك!
وكان الامام يتصدق عليه..
وكان مما أغري هذا الرجل علي قتل الامام أن الامام لم يكن يتخذ حرسا كمعاوية أو عمرو.
***
غضبت قطام من عبدالرحمن بن ملجم وكانت قد تزوجته، واتهمته بالجبن لأنه لم يقتل الامام، ووعدها ابن ملجم بأنه سيحقق أمله وأملها، وأنه سوف يقتل الامام!
وعندما همَّ الامام بالخروج إلي المسجد، وكان ذلك في ليلة الجمعة التي توافق السابع عشر من رمضان، وهو اليوم الذي كان فيه غزوة بدر.. تلك الغزوة التي انتصرت فيها القلة المؤمنة علي الكثرة الكافرة..
.. عندما هم الامام بالخروج قال لابنه الحسن:
بابني إني بت أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر، فملكتني عيناي فنمت فسنح لي رسول الله صلي الله عليه وسلم.
فقلت:
يارسول الله ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد (الخصومة)؟
فقال لي:
ادع عليهم
فقلت:
اللهم ابدلني بهم من هو خير منهم وأبدلهم بي من هو شر مني'.
وخرج الامام يوقظ الناس كعادته لصلاة الفجر وهو ينادي:
الصلاة.. الصلاة.
وعندما دخل المسجد حاول (شبيب) ضربه ولكن الضربة لم تصب الامام، وهنا أسرع عبدالرحمن بن ملجم وضربه بالسيف علي رأسه وقال:
الحكم لله ياعلي لا لك ولا لأصحابك
فقال الامام
فزت ورب الكعبة.. لايفوتنكم الكلب وتكاثر الناس علي ابن ملجم وأمسكوه بينما خر الأخران.
وأخذ الناس بن ملجم للإمام الذي كان ينزف الدم من رأسه ويغطي لحيته فقال لهم:
: احبسوه فان مت فاقتلوه ولاتمثلوا به، وان لم أمت فالأمر إليَّ في العفو أو القصاص.
النفس بالنفس، ان هلكت فاقتلوه، وان بقيت رأيت فيه رأيي.
يابني عبدالمطلب لألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين.. ألا لايقتلن إلا قاتلي وان عشت فالجروح قصاص، وان مت فاقتلوه.. لكن احبسوه وأحسنوا'.
وسأل الامام ابن ملجم
أي عدو الله ألم أحسن إليك؟
بلي
فما حملك علي هذا؟
شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه!
لا أراك إلا مقتولا به.. ولا أراك إلا من شر خلقه.
وذهب الناس إلي الحسن، ومعهم ابن ملجم مقيدا، وعلم الحسن بما حدث، فقد كان يتهيأ للخروج للصلاة بينما فزعت أم كلثوم بنت علي، والتي كانت زوجة لعمربن الخطاب، وقالت لابن ملجم.
أي عدو الله، لابأس علي أبي والله مخزيك، قال لها هذا الفاجر:
علي من تبكين؟ والله لقد شريت السيف بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة علي جميع أهل مصر ما بقي منهم واحد!
قالت أم كلثوم:
لا بأس علي أمير المؤمنين.
قال لها: ما هو أمير المؤمنين ولكنه أبوك وطلب ابن ملجم أن يقترب الحسن منه بحجة أنه يريد أن يقول له كلاما.
فقال له الحسن:
تريد أن تعض أذني؟
والله لو أمكنني منها لأخذتها من صماخها.
***
كان الجرح غائرا.. وكان السم يسري في بدن الامام.. وكان الشفاء مستحيلا..
وسألوا الامام: هل يبايعوا لابنه الحسن؟
ولكن ترك الأمر شوري كما كان الأمر عند وفاة رسول الله وقال لهم:
ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر بأموركم.
***
ودعا الامام ولديه الحسن والحسين، وأخذ يوصيهما بتقوي الله، كما أوصي ابنه محمد بن الحنفية بأن يوقر أخويه، كما أوصاهما بابنه محمد.
وقال للحسن:
: أوصيك يا بني بتقوي الله، واقامة الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها، وحسن الوضوء، فانه لاصلاة إلا بطهور، ولاتقبل صلاة مع مانع زكاة.
وأوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم ضد الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش، وقال للحسن:
: ألا لا يقتلن إلا قاتلي.
انظر ياحسن: ان أنا مت من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة.. ولاتمثل بالرجل، فاني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:
: إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور'.
وكانت وصيته الأخيرة للحسن وأخوته قبل أن يواري التراب.
'بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصي به علي بن أبي طالب.. أوصي أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون.
ثم أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدي بتقوي الله ربكم ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون.. واعتصموا بحل الله جميعا ولاتفرقوا، فإنني سمعت أبا القاسم صلي الله عليه وسلم يقول: ان صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام.
انظروا إلي ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب.
الله.. الله في الأيتام فلا يضيعن بحضرتكم والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم صلي الله عليه وسلم مازال يوصي بالجار حتي ظننا أنه سيورثه.
والله الله في القرآن فلا يسبقكم إلي العمل به غيركم،
والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم.
والله الله في بيت ربكم فلا يخلو ما بقيتم.
والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم.
والله الله في الزكاة فإنها تطفيء غضب الرب..
والله الله في ذمة نبيكم (أهل الكتاب) فلا يظلمن بين أظهركم.
والله الله في أصحاب نبيكم، فإن رسول الله أوصي بهم.
والله.. الله في الفقراء والمساكين فاشركوهم في معايشكم.
والله الله فيما ملكت أيمانكم..
الصلاة الصلاة، لاتخافن في الله لومة لائم، فانه يكفيكم من أرادكم وبغي عليكم (أي يحميكم منه) وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله، ولاتتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم. وعليكم بالتواصل والتبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا علي البر والتقوي ولاتعاونوا علي الاثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم.. استودعكم الله. واقرأ عليكم السلام ورحمة الله'.
***
وقد عبر عن هذا الحادث الذي أودي بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن أبي مياس المرودي بقوله:
ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة.
كمهر قطام من فصيح وأعجم.
ثلاثة ألاف وعبد وقينة.
وضرب عليٌ بالمسام المسمم
فلا مهر أغلي من علي وإن غلا
ولاقتل إلا دون قتل ابن ملجم
وقد روي الطبري بسنده إلي خالد بن جابر قال:
سمعت الحسن يقول لما قتل علي عليه السلام وقد قام خطيبا:
لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل فيها القرآن وفيها رفع عيسي بن مريم عليه السلام، وفيها قتل يوشع بن نون فتي موسي عليه السلام.
والله ما سبقه أحد كان قبله ولايدركه أحد يكون بعده، والله ان كان رسول الله صلي الله عليه وسلم ليبعثه في السرية وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، والله ما ترك صفراء ولابيضاء إلا ثمانمائة أو سبعمائة أرصدها لخادمة'.
لقد رحل الامام إلي جوار ربه وكان عمره ثلاثا وستين سنة وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.
وقد قتل قاتله قصاصا لجريمته.
***
وبعد هذه الأحداث الجسيمة التي جثمت علي العالم الاسلامي، والفراغ الذي تركه الامام علي، كان لابد ان يختار الناس خليفة لهم.. وكان أقرب الناس إلي تولي هذا المنصب الرفيع ابنه الأكبر الحسن بن علي وقد بايعه أهل الكوفة، وأول من بايع الحسن قيس بن سعد بن عباده.. وقد تقدم سعد للحسن وقال له:
ابسط يدك أبايعك علي كتاب الله وسنة رسوله وقتال المحلين.
فقال الحسن: علي كتاب الله وسنه نبيه فانهما يأتيان علي كل شرط، وأخذ الناس يبايعونه، وبذلك خلف الحسن والده الامام علي بن أبي طالب.
وتتابعت الأحداث في خلافة الحسن، ولكنه كان رجلا يحب السلام، فآثر أن يجنب الناس مشكلات الحرب الأهلية في الاسلام، وأن يعود المسلمين تحت راية واحدة، وتجتمع الأمة علي امام واحد، حتي لاتتفرق الكلمة، وتسفك الدماء، وبذلك اتخذ القرار الصعب وهو أن يتنازل عن الخلافة لمعاوية بشروط، وهذا ما سوف نراه عندما نتحدث عن خلافة الحسن بن علي الله رضي عنه وكرم وجه ابيه.
مأمون غريب
بينما الصراع علي أشده بين علي ومعاوية من جهة وعلي والخوارج من جهة أخري، كانت هناك مؤامرة تحاك في الظلام أبطالها من الخوارج، والغرض من هذه المؤامرة التخلص من الامام علي، ومن معاوية ومن عمرو بن العاص في وقت واحد.
لقد تكفل عبدالرحمن بن ملجم بقتل علي بن أبي طالب وتعهد البرك بن عبدالله بقتل معاوية بن أبي سفيان وتعهد عمروبن بكر بقتل عمرو بن العاص.
.. كانت هذه المؤامرة في السنة الأربعين من الهجرة.
وكان موعد تنفيذ المؤامرة في صلاة الفجر في اليوم السابع عشر من رمضان.
وتقدم البرك بن عبدالله في محاولة لقتل معاوية، وعندما رفع السيف ليضربه عند سجوده تكاثر عليه الحراس، فوقع السيف في إلية معاوية، ونجا من الموت بعد أن سقاه الطبيب شربة من الدواء، وأمر معاوية بقتل البرك بن عبدالله.
وذهب عمرو بن بكر إلي مسجد عمروبن العاص ليقتله، ولمرض عمرو لم يذهب إلي الصلاة، وكان يصلي بالناس بدلا منه صاحب الشرطة خارجه، وطنه عمروبن بكر عمروبن العاص فقتله، وقبض عليه وسيق إلي عمروبن العاص، وفوجيء الرجل بنفسه أمام الرجل الذي كان يريد قتله، وأنه قتل واحدا غيره،
وقال الرجل لعمرو:
والله ما ظننته غيرك
فقال له عمرو
أردتني وأراد الله خارجة.. وأمر بقتله.
وتوجه عبدالرحمن بن ملجم إلي الكوفة واشتري سيفا وظل يسقي هذا السيف بالسم أربعين يوما.. وكان في نفس الوقت يتردد علي الامام فيكرمه ويحسن إليه.
وقد عرف هذا الرجل في أثناء استعداده لقتل الامام امرأة أعجب بها من الخوارج وكانت رائعة الجمال، وعندما تقدم لخطبتها قالت له.
لا أتزوجك حتي تشتفي لي فقد آليت ألا أتزوج إلا علي مهر لا أريد سواه وعندما سألها عما تريد قالت.
ثلاثة ألاف عبد وقينة وقتل علي'.
كانت قطام هذه تكره الامام لأنه قتل أباها وأخاها يوم النهروان وعرفت أنه ما جاء إلي الكوفة إلا لقتل الامام، وأخبرت قطام أنها سترسل ابن عمها (وردان) ليساعدها في تحقيق هذه المؤامرة.
وبينما اعتكفت قطام في المسجد من أول شهر رمضان..
كان الامام يفطر في رمضان عند ابنه الحسن أو عند الحسين، أو عند ابن أخيه جعفر.
وشاهد الامام يوما عبدالرحمن بن ملجم وهو يشحذ سيفه بالسم، فسأله عن الهدف من ذلك فقال له ابن ملجم.
لعدوي وعدوك!
وكان الامام يتصدق عليه..
وكان مما أغري هذا الرجل علي قتل الامام أن الامام لم يكن يتخذ حرسا كمعاوية أو عمرو.
***
غضبت قطام من عبدالرحمن بن ملجم وكانت قد تزوجته، واتهمته بالجبن لأنه لم يقتل الامام، ووعدها ابن ملجم بأنه سيحقق أمله وأملها، وأنه سوف يقتل الامام!
وعندما همَّ الامام بالخروج إلي المسجد، وكان ذلك في ليلة الجمعة التي توافق السابع عشر من رمضان، وهو اليوم الذي كان فيه غزوة بدر.. تلك الغزوة التي انتصرت فيها القلة المؤمنة علي الكثرة الكافرة..
.. عندما هم الامام بالخروج قال لابنه الحسن:
بابني إني بت أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر، فملكتني عيناي فنمت فسنح لي رسول الله صلي الله عليه وسلم.
فقلت:
يارسول الله ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد (الخصومة)؟
فقال لي:
ادع عليهم
فقلت:
اللهم ابدلني بهم من هو خير منهم وأبدلهم بي من هو شر مني'.
وخرج الامام يوقظ الناس كعادته لصلاة الفجر وهو ينادي:
الصلاة.. الصلاة.
وعندما دخل المسجد حاول (شبيب) ضربه ولكن الضربة لم تصب الامام، وهنا أسرع عبدالرحمن بن ملجم وضربه بالسيف علي رأسه وقال:
الحكم لله ياعلي لا لك ولا لأصحابك
فقال الامام
فزت ورب الكعبة.. لايفوتنكم الكلب وتكاثر الناس علي ابن ملجم وأمسكوه بينما خر الأخران.
وأخذ الناس بن ملجم للإمام الذي كان ينزف الدم من رأسه ويغطي لحيته فقال لهم:
: احبسوه فان مت فاقتلوه ولاتمثلوا به، وان لم أمت فالأمر إليَّ في العفو أو القصاص.
النفس بالنفس، ان هلكت فاقتلوه، وان بقيت رأيت فيه رأيي.
يابني عبدالمطلب لألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين.. ألا لايقتلن إلا قاتلي وان عشت فالجروح قصاص، وان مت فاقتلوه.. لكن احبسوه وأحسنوا'.
وسأل الامام ابن ملجم
أي عدو الله ألم أحسن إليك؟
بلي
فما حملك علي هذا؟
شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه!
لا أراك إلا مقتولا به.. ولا أراك إلا من شر خلقه.
وذهب الناس إلي الحسن، ومعهم ابن ملجم مقيدا، وعلم الحسن بما حدث، فقد كان يتهيأ للخروج للصلاة بينما فزعت أم كلثوم بنت علي، والتي كانت زوجة لعمربن الخطاب، وقالت لابن ملجم.
أي عدو الله، لابأس علي أبي والله مخزيك، قال لها هذا الفاجر:
علي من تبكين؟ والله لقد شريت السيف بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة علي جميع أهل مصر ما بقي منهم واحد!
قالت أم كلثوم:
لا بأس علي أمير المؤمنين.
قال لها: ما هو أمير المؤمنين ولكنه أبوك وطلب ابن ملجم أن يقترب الحسن منه بحجة أنه يريد أن يقول له كلاما.
فقال له الحسن:
تريد أن تعض أذني؟
والله لو أمكنني منها لأخذتها من صماخها.
***
كان الجرح غائرا.. وكان السم يسري في بدن الامام.. وكان الشفاء مستحيلا..
وسألوا الامام: هل يبايعوا لابنه الحسن؟
ولكن ترك الأمر شوري كما كان الأمر عند وفاة رسول الله وقال لهم:
ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر بأموركم.
***
ودعا الامام ولديه الحسن والحسين، وأخذ يوصيهما بتقوي الله، كما أوصي ابنه محمد بن الحنفية بأن يوقر أخويه، كما أوصاهما بابنه محمد.
وقال للحسن:
: أوصيك يا بني بتقوي الله، واقامة الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها، وحسن الوضوء، فانه لاصلاة إلا بطهور، ولاتقبل صلاة مع مانع زكاة.
وأوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم ضد الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش، وقال للحسن:
: ألا لا يقتلن إلا قاتلي.
انظر ياحسن: ان أنا مت من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة.. ولاتمثل بالرجل، فاني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:
: إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور'.
وكانت وصيته الأخيرة للحسن وأخوته قبل أن يواري التراب.
'بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصي به علي بن أبي طالب.. أوصي أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون.
ثم أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدي بتقوي الله ربكم ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون.. واعتصموا بحل الله جميعا ولاتفرقوا، فإنني سمعت أبا القاسم صلي الله عليه وسلم يقول: ان صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام.
انظروا إلي ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب.
الله.. الله في الأيتام فلا يضيعن بحضرتكم والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم صلي الله عليه وسلم مازال يوصي بالجار حتي ظننا أنه سيورثه.
والله الله في القرآن فلا يسبقكم إلي العمل به غيركم،
والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم.
والله الله في بيت ربكم فلا يخلو ما بقيتم.
والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم.
والله الله في الزكاة فإنها تطفيء غضب الرب..
والله الله في ذمة نبيكم (أهل الكتاب) فلا يظلمن بين أظهركم.
والله الله في أصحاب نبيكم، فإن رسول الله أوصي بهم.
والله.. الله في الفقراء والمساكين فاشركوهم في معايشكم.
والله الله فيما ملكت أيمانكم..
الصلاة الصلاة، لاتخافن في الله لومة لائم، فانه يكفيكم من أرادكم وبغي عليكم (أي يحميكم منه) وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله، ولاتتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم. وعليكم بالتواصل والتبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا علي البر والتقوي ولاتعاونوا علي الاثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم.. استودعكم الله. واقرأ عليكم السلام ورحمة الله'.
***
وقد عبر عن هذا الحادث الذي أودي بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن أبي مياس المرودي بقوله:
ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة.
كمهر قطام من فصيح وأعجم.
ثلاثة ألاف وعبد وقينة.
وضرب عليٌ بالمسام المسمم
فلا مهر أغلي من علي وإن غلا
ولاقتل إلا دون قتل ابن ملجم
وقد روي الطبري بسنده إلي خالد بن جابر قال:
سمعت الحسن يقول لما قتل علي عليه السلام وقد قام خطيبا:
لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة نزل فيها القرآن وفيها رفع عيسي بن مريم عليه السلام، وفيها قتل يوشع بن نون فتي موسي عليه السلام.
والله ما سبقه أحد كان قبله ولايدركه أحد يكون بعده، والله ان كان رسول الله صلي الله عليه وسلم ليبعثه في السرية وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، والله ما ترك صفراء ولابيضاء إلا ثمانمائة أو سبعمائة أرصدها لخادمة'.
لقد رحل الامام إلي جوار ربه وكان عمره ثلاثا وستين سنة وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.
وقد قتل قاتله قصاصا لجريمته.
***
وبعد هذه الأحداث الجسيمة التي جثمت علي العالم الاسلامي، والفراغ الذي تركه الامام علي، كان لابد ان يختار الناس خليفة لهم.. وكان أقرب الناس إلي تولي هذا المنصب الرفيع ابنه الأكبر الحسن بن علي وقد بايعه أهل الكوفة، وأول من بايع الحسن قيس بن سعد بن عباده.. وقد تقدم سعد للحسن وقال له:
ابسط يدك أبايعك علي كتاب الله وسنة رسوله وقتال المحلين.
فقال الحسن: علي كتاب الله وسنه نبيه فانهما يأتيان علي كل شرط، وأخذ الناس يبايعونه، وبذلك خلف الحسن والده الامام علي بن أبي طالب.
وتتابعت الأحداث في خلافة الحسن، ولكنه كان رجلا يحب السلام، فآثر أن يجنب الناس مشكلات الحرب الأهلية في الاسلام، وأن يعود المسلمين تحت راية واحدة، وتجتمع الأمة علي امام واحد، حتي لاتتفرق الكلمة، وتسفك الدماء، وبذلك اتخذ القرار الصعب وهو أن يتنازل عن الخلافة لمعاوية بشروط، وهذا ما سوف نراه عندما نتحدث عن خلافة الحسن بن علي الله رضي عنه وكرم وجه ابيه.