على
11-05-2005, 09:39 AM
كابل تنتعش بالمطاعم والمحلات والأمن.. أما عاصمة الرشيد فتكافح من أجل البقاء
لندن : محمد الشافعي
كانت افغانستان، عندما كان يحكمها الملا عمر زعيم حركة طالبان المخلوعة، مخيفة ومرعبة، وكنت تحتاج في العاصمة كابل الى دبابة او عربة مجنزرة لتحميك عندما تذهب لشراء حتى قطعة خبز. وعندما ذهبت الى العاصمة الافغانية في عهد طالبان لم يكن مسموحا بأي حال من الاحوال الخروج من بوابة فندق «الانتركونتننتال» بدون المترجم وهو في نفس الوقت الرقيب الذي لا تغفل عيناه عن تحركات الصحافيين، كذلك سائق التاكسي الذي كان على الارجح يعمل بمرتب ثابت لدى مخابرات طالبان.
اما كابل من دون الملا عمر اليوم، فتمشي فيها بأمان وقد تذهب الى مطعم فرنسي لتناول المحار او لتناول «البيتزا» و«المكروني بلونيه» في مطعم ايطالي، او تحتسي الشاي الاخضر في مقهي ما، بدون رقيب او حسيب على خطواتك، وأنت في امان تماما تستشعره وتتنفسه.
بل ان كابل اليوم بها «ديسكو» تحت الارض يديره شابان انجليزيان من شرقي لندن، يرتاده ضباط وضابطات قوات التحالف وبعض الدبلوماسيين العاملين في كابل. كانت الممنوعات ايام الملا عمر لا تعد ولا تحصى، فلا كاميرات ولا تلفزيون ولا سينما، ولا نساء في الطريق بدون محرم، ولا تعليم للبنات، ولا مسابقات رياضية.. شيء واحد فقط كان الرجال يتبارون فيه هو العمامة السوداء وطول اللحية. اما اليوم فالملتحون الافغان يسيرون على استحياء وسط افواج من الشباب الصغير الذين يرتدون احدث ربطات العنق، بوجوه لامعة وشعر مصفف على احدث الموضات العالمية.
وفي شارع «شهرانو» بوسط العاصمة كابل تكثر متاجر بيع اشرطة الفيديو ومقاهي الإنترنت، وذلك اضافة الى اكثر من مركز تجاري كبير بواجهات زجاجية تضم بوتيكات عصرية تبيع احدث انواع العطور وموضات الازياء القادمة من الغرب. لكن التسامح ظل السمة التي تميز الافغان سواء في عهد طالبان او بعد ذلك. وما زلت اتذكر ذلك الشاب الذي جيء به الى استاد كابل لتنفيذ الحد الشرعي في عمه الذي قتل والده ضمن خلاف على الميراث، اذ يتقدم الشاب ببطء وفي يده سيف يلمع ، وبدلا من ان يجز رقبة عمه القاتل قصاصا لوالده، يرمي السيف بأباء ويعفو عن عمه. تذكرت ذلك كله، وأنا في شارع المطار الذي يربط مطار بغداد بقلب العاصمة.
والشارع معروف اكثر لدى العراقيين باسم شارع الموت، وذلك لانه شهد اعلى نسبة عمليات تفجير في بغداد، ولهذا تظهر آثار العبوات الناسفة على ارضية الطريق بسبب العمليات التي استهدفت الاميركيين والدبلوماسيين الاجانب الذين يستعملون طريق المطار للتوجه من المطار الى بغداد. وعلى العكس من كابل، عندما ذهبت الى ارض الرافدين ضمن وفد دولي ممثلا لـ«الشرق الاوسط» لمراقبة التصويت على الاستفتاء على الدستور منتصف اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، لم اجد سوى تفجيرات الزرقاوي والعربات المفخخة وخوف بالغ من الالغام.
جلسنا امام مطار بغداد لمدة ثماني ساعات في انتظار موكب حماية خاص مزود بالكلاشنيكوف لنقل الوفد المكون من صحافييين عرب وسفير اميركي سابق يتحدث العربية بطلاقة، خدم في مصر واليمن ودول عربية اخرى، وكذلك بريطاني يعمل رئيسا لمنظمة غير حكومية. على طريق المطار كنت اتساءل مع نفسي هل مر المغول قبل ساعات من هنا بسبب الدمار الكبير والاجراءات الأمنية المشددة بعد منتصف الليل على طول الطريق. كنت في «فندق فلسطين» قبل ضربه بثلاث سيارات مفخخة بعدة ايام، ونظرت من بلكونة الفندق وتطلعت الى شارع السعدون وتحسرت على ايام البهجة والفرح هناك، عندما كان يزدحم بالمقاهي والمسارح والمطاعم.
في بهو «فندق فلسطين» كنت استمع في ليلة الوصول الى قصة اختطاف احد مديري الفندق من قبل جماعة الزرقاوي، وعلامات الرعب كانت ترتسم على وجهه، ومنذ الافراج عن «ح . ق» قبل اربعة شهور لم يغادر بوابة الفندق، التي لم يغادرها ايضا الفريق الدولي الذي ذهب لمراقبة الانتخابات إلا ليعود ادراجه مرة اخرى الى المطار ومنه الى اربيل بكردستان. كانت نصيحة المدير الشاب لي اثناء الحوار الا اخرج من بوابة الفندق، لان خطف الصحافيين والعاملين الاجانب من موظفي المنظمات غير الحكومية مهنة مربحة للغاية. وأضاف «قد يختطفك سائق تاكسي مثلا ويبيعك مرة اخرى لجهة اخرى اكثر نفوذا.
حتى تعود الى اولادك فلا تأمن لأحد على الطريق، انهم يعرفون الغرباء، وقد يكونون صيدا ثمينا». وقال المدير الشاب الذي اختطفه انصار الزرقاوي بمزاعم شرب الكحول إن رجال الزرقاوي اثناء مراقبة منزل ما، شاهدوه يوما يشتري قنينة من الخمر من احد متاجر حي المنصور قبل اختطافه بعدها بأيام من نفس الحي في الصباح الباكر اثناء توجهه الى عمله. وتابع «لقد طلبوا مني بعد ان تسلموا الفدية من طرف وسيط عبر عائلتي ان اتوب الى الله واصلي ركعتين قبل الافراج عني».
لكن ليس كل ما في بغداد أسود وحزينا، فما ان وطأت قدماي مطار اربيل في رحلة مباشرة من العاصمة العراقية، حتى شعرت انني في بلد اخر وعالم اخر، فالمطار رغم صغره مقارنة بمطار بغداد الا انه يعتبر تحفة في النظافة والمعمار الهندسي. كما ان حرارة الترحيب من المسؤولين الاكراد انست الجميع متاعب السفر ومغامرة الذهاب الى بغداد. داخل المطار هناك فتيات كرديات في ريعان الشباب يتحركن بخفة ورشاقة، واعلانات كبيرة على الجدران عن قرب تنظيم رحلات مباشرة على الخطوط العراقية من اربيل الى لندن بعد تنظيم رحلات مماثلة ناجحة الى دبي وفرانكفورت.
اما في اربيل والسليمانية ودهوك وصلاح الدين وبعشيقة وشيخان وحلبجة، فكان الجميع يستشعر الأمن. وينعكس التحسن الملحوظ في الوضع الأمني والمستقر في المدن الكردية بشمال العراق على الوضع المعيشي والاقتصادي وعلى الاجواء الرمضانية في هذه المدن، اذ بدت الاجواء فيها مختلفة عن بغداد التي كانت تعيش حالة من الطوارئ والعنف الذي لم يتوقف في شهر رمضان. وبعد أقل من ساعتين بعد الافطار كانت الاسواق والمقاهي في اربيل تفتح ابوابها امام المواطنين وتعود الحركة الى المدينة وتزدحم المقاهي بروادها الذين يقبلون على تدخين النرجيلة. وكان الحديث لا ينقطع عن الدستور الجديد، بل ان بعض الشباب الكردي كان يحلم ويحلم بالاستقلال «التام».
ويقول آزاد ودخان النرجيلة يتصاعد امامه «لقد كافحنا كثيرا من اجل الحفاظ على الهوية الكردية، وعدد الاكراد (نحو 5 ملايين كردي عراقي) يتفوق على عدد سكان الكثير من بلدان المنطقة، ولكن ما زال الطريق امامنا طويلا». وتحدث الضابط فرهاد، من قوة الحراسة الكردية في اربيل، وهو اصلا من قرية بعشيقة التي زرتها لاحقا، وهي قرية جميلة، بيوتها مرصوصة بين الجبال، عن وصول عدد كبير من العوائل العربية من الموصل وكركوك ومناطق اخرى للعيش في اربيل بسبب نعمة الأمن الذي تنعم فيه. وقال لي ان هناك حيا اسمه الملايين في اربيل يزدان بفيلل فخمة، يسمونه حي «الزناجين» او حي الاثرياء تقطنه العوائل العربية، ويتميز بغلو اسعار الايجارات فيه.
ومنذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي بدأ المواطنون في المدن الكردية يستمتعون بالاجواء الليلية لشهر رمضان، اي بعد خروج اقليم كردستان من سلطة النظام العراقي السابق الذي كان يفرض حظر التجوال في المدن الكردية عند حلول المساء في اعوام الثمانينيات من القرن الماضي. اما في «شيراتون اربيل» فيدور الحديث عن النهضة السينمائية والفنية التي ستشهدها كردستان بعد انشاء ستة استديوهات عملاقة للتصوير السينمائي والفيديو، بل ان وزير الثقافة الكردي سامي شاورش عن ادارة حكومة اربيل قال لـ«الشرق الاوسط» ان كردستان ستكون هوليوود الشرق، ويرشحها في ذلك هجرة عدد كبير من الفنيين والسينمائيين الاكراد من اوروبا الى الداخل، بالإضافة الى المناظر الطبيعية الخلابة بين الجبال والاودية الخضراء والطقس الرائع.
وبينما كانت الانباء القادمة من بغداد تتحدث عن تفجيرات وسيارات مفخخة ضد عناصر الحرس الوطني، طالت ايضا ابرياء على الطريق، كانت فرقة ناظم الغزالي الموسيقية تشدو بألحانها ليلا بعد الافطار في حديقة «شيراتون اربيل» وكان الجمهور يتمايل على انغام «عيَّرتني بالشيب وهو وقارُ .. ليتها عيَّرت بما هو عارُ»، واغان اخرى مثل «يا امِّ العيون السود» و«سمراء» و«قولي يا حلو» و«حياك بابا حياك» و«فوق النخل» و«طالعة من بيت ابوها» واخرى لسيدة الغناء العربي ام كلثوم في ختام الوصلة الغنائية. وعشية التصويت على الدستور قبل نحو اسبوعين كان الشباب الكردي يرقص الدبكة طوال الليل في جادة سالم وشارع مولوي ابتهاجا بما هو آت.
لندن : محمد الشافعي
كانت افغانستان، عندما كان يحكمها الملا عمر زعيم حركة طالبان المخلوعة، مخيفة ومرعبة، وكنت تحتاج في العاصمة كابل الى دبابة او عربة مجنزرة لتحميك عندما تذهب لشراء حتى قطعة خبز. وعندما ذهبت الى العاصمة الافغانية في عهد طالبان لم يكن مسموحا بأي حال من الاحوال الخروج من بوابة فندق «الانتركونتننتال» بدون المترجم وهو في نفس الوقت الرقيب الذي لا تغفل عيناه عن تحركات الصحافيين، كذلك سائق التاكسي الذي كان على الارجح يعمل بمرتب ثابت لدى مخابرات طالبان.
اما كابل من دون الملا عمر اليوم، فتمشي فيها بأمان وقد تذهب الى مطعم فرنسي لتناول المحار او لتناول «البيتزا» و«المكروني بلونيه» في مطعم ايطالي، او تحتسي الشاي الاخضر في مقهي ما، بدون رقيب او حسيب على خطواتك، وأنت في امان تماما تستشعره وتتنفسه.
بل ان كابل اليوم بها «ديسكو» تحت الارض يديره شابان انجليزيان من شرقي لندن، يرتاده ضباط وضابطات قوات التحالف وبعض الدبلوماسيين العاملين في كابل. كانت الممنوعات ايام الملا عمر لا تعد ولا تحصى، فلا كاميرات ولا تلفزيون ولا سينما، ولا نساء في الطريق بدون محرم، ولا تعليم للبنات، ولا مسابقات رياضية.. شيء واحد فقط كان الرجال يتبارون فيه هو العمامة السوداء وطول اللحية. اما اليوم فالملتحون الافغان يسيرون على استحياء وسط افواج من الشباب الصغير الذين يرتدون احدث ربطات العنق، بوجوه لامعة وشعر مصفف على احدث الموضات العالمية.
وفي شارع «شهرانو» بوسط العاصمة كابل تكثر متاجر بيع اشرطة الفيديو ومقاهي الإنترنت، وذلك اضافة الى اكثر من مركز تجاري كبير بواجهات زجاجية تضم بوتيكات عصرية تبيع احدث انواع العطور وموضات الازياء القادمة من الغرب. لكن التسامح ظل السمة التي تميز الافغان سواء في عهد طالبان او بعد ذلك. وما زلت اتذكر ذلك الشاب الذي جيء به الى استاد كابل لتنفيذ الحد الشرعي في عمه الذي قتل والده ضمن خلاف على الميراث، اذ يتقدم الشاب ببطء وفي يده سيف يلمع ، وبدلا من ان يجز رقبة عمه القاتل قصاصا لوالده، يرمي السيف بأباء ويعفو عن عمه. تذكرت ذلك كله، وأنا في شارع المطار الذي يربط مطار بغداد بقلب العاصمة.
والشارع معروف اكثر لدى العراقيين باسم شارع الموت، وذلك لانه شهد اعلى نسبة عمليات تفجير في بغداد، ولهذا تظهر آثار العبوات الناسفة على ارضية الطريق بسبب العمليات التي استهدفت الاميركيين والدبلوماسيين الاجانب الذين يستعملون طريق المطار للتوجه من المطار الى بغداد. وعلى العكس من كابل، عندما ذهبت الى ارض الرافدين ضمن وفد دولي ممثلا لـ«الشرق الاوسط» لمراقبة التصويت على الاستفتاء على الدستور منتصف اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، لم اجد سوى تفجيرات الزرقاوي والعربات المفخخة وخوف بالغ من الالغام.
جلسنا امام مطار بغداد لمدة ثماني ساعات في انتظار موكب حماية خاص مزود بالكلاشنيكوف لنقل الوفد المكون من صحافييين عرب وسفير اميركي سابق يتحدث العربية بطلاقة، خدم في مصر واليمن ودول عربية اخرى، وكذلك بريطاني يعمل رئيسا لمنظمة غير حكومية. على طريق المطار كنت اتساءل مع نفسي هل مر المغول قبل ساعات من هنا بسبب الدمار الكبير والاجراءات الأمنية المشددة بعد منتصف الليل على طول الطريق. كنت في «فندق فلسطين» قبل ضربه بثلاث سيارات مفخخة بعدة ايام، ونظرت من بلكونة الفندق وتطلعت الى شارع السعدون وتحسرت على ايام البهجة والفرح هناك، عندما كان يزدحم بالمقاهي والمسارح والمطاعم.
في بهو «فندق فلسطين» كنت استمع في ليلة الوصول الى قصة اختطاف احد مديري الفندق من قبل جماعة الزرقاوي، وعلامات الرعب كانت ترتسم على وجهه، ومنذ الافراج عن «ح . ق» قبل اربعة شهور لم يغادر بوابة الفندق، التي لم يغادرها ايضا الفريق الدولي الذي ذهب لمراقبة الانتخابات إلا ليعود ادراجه مرة اخرى الى المطار ومنه الى اربيل بكردستان. كانت نصيحة المدير الشاب لي اثناء الحوار الا اخرج من بوابة الفندق، لان خطف الصحافيين والعاملين الاجانب من موظفي المنظمات غير الحكومية مهنة مربحة للغاية. وأضاف «قد يختطفك سائق تاكسي مثلا ويبيعك مرة اخرى لجهة اخرى اكثر نفوذا.
حتى تعود الى اولادك فلا تأمن لأحد على الطريق، انهم يعرفون الغرباء، وقد يكونون صيدا ثمينا». وقال المدير الشاب الذي اختطفه انصار الزرقاوي بمزاعم شرب الكحول إن رجال الزرقاوي اثناء مراقبة منزل ما، شاهدوه يوما يشتري قنينة من الخمر من احد متاجر حي المنصور قبل اختطافه بعدها بأيام من نفس الحي في الصباح الباكر اثناء توجهه الى عمله. وتابع «لقد طلبوا مني بعد ان تسلموا الفدية من طرف وسيط عبر عائلتي ان اتوب الى الله واصلي ركعتين قبل الافراج عني».
لكن ليس كل ما في بغداد أسود وحزينا، فما ان وطأت قدماي مطار اربيل في رحلة مباشرة من العاصمة العراقية، حتى شعرت انني في بلد اخر وعالم اخر، فالمطار رغم صغره مقارنة بمطار بغداد الا انه يعتبر تحفة في النظافة والمعمار الهندسي. كما ان حرارة الترحيب من المسؤولين الاكراد انست الجميع متاعب السفر ومغامرة الذهاب الى بغداد. داخل المطار هناك فتيات كرديات في ريعان الشباب يتحركن بخفة ورشاقة، واعلانات كبيرة على الجدران عن قرب تنظيم رحلات مباشرة على الخطوط العراقية من اربيل الى لندن بعد تنظيم رحلات مماثلة ناجحة الى دبي وفرانكفورت.
اما في اربيل والسليمانية ودهوك وصلاح الدين وبعشيقة وشيخان وحلبجة، فكان الجميع يستشعر الأمن. وينعكس التحسن الملحوظ في الوضع الأمني والمستقر في المدن الكردية بشمال العراق على الوضع المعيشي والاقتصادي وعلى الاجواء الرمضانية في هذه المدن، اذ بدت الاجواء فيها مختلفة عن بغداد التي كانت تعيش حالة من الطوارئ والعنف الذي لم يتوقف في شهر رمضان. وبعد أقل من ساعتين بعد الافطار كانت الاسواق والمقاهي في اربيل تفتح ابوابها امام المواطنين وتعود الحركة الى المدينة وتزدحم المقاهي بروادها الذين يقبلون على تدخين النرجيلة. وكان الحديث لا ينقطع عن الدستور الجديد، بل ان بعض الشباب الكردي كان يحلم ويحلم بالاستقلال «التام».
ويقول آزاد ودخان النرجيلة يتصاعد امامه «لقد كافحنا كثيرا من اجل الحفاظ على الهوية الكردية، وعدد الاكراد (نحو 5 ملايين كردي عراقي) يتفوق على عدد سكان الكثير من بلدان المنطقة، ولكن ما زال الطريق امامنا طويلا». وتحدث الضابط فرهاد، من قوة الحراسة الكردية في اربيل، وهو اصلا من قرية بعشيقة التي زرتها لاحقا، وهي قرية جميلة، بيوتها مرصوصة بين الجبال، عن وصول عدد كبير من العوائل العربية من الموصل وكركوك ومناطق اخرى للعيش في اربيل بسبب نعمة الأمن الذي تنعم فيه. وقال لي ان هناك حيا اسمه الملايين في اربيل يزدان بفيلل فخمة، يسمونه حي «الزناجين» او حي الاثرياء تقطنه العوائل العربية، ويتميز بغلو اسعار الايجارات فيه.
ومنذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي بدأ المواطنون في المدن الكردية يستمتعون بالاجواء الليلية لشهر رمضان، اي بعد خروج اقليم كردستان من سلطة النظام العراقي السابق الذي كان يفرض حظر التجوال في المدن الكردية عند حلول المساء في اعوام الثمانينيات من القرن الماضي. اما في «شيراتون اربيل» فيدور الحديث عن النهضة السينمائية والفنية التي ستشهدها كردستان بعد انشاء ستة استديوهات عملاقة للتصوير السينمائي والفيديو، بل ان وزير الثقافة الكردي سامي شاورش عن ادارة حكومة اربيل قال لـ«الشرق الاوسط» ان كردستان ستكون هوليوود الشرق، ويرشحها في ذلك هجرة عدد كبير من الفنيين والسينمائيين الاكراد من اوروبا الى الداخل، بالإضافة الى المناظر الطبيعية الخلابة بين الجبال والاودية الخضراء والطقس الرائع.
وبينما كانت الانباء القادمة من بغداد تتحدث عن تفجيرات وسيارات مفخخة ضد عناصر الحرس الوطني، طالت ايضا ابرياء على الطريق، كانت فرقة ناظم الغزالي الموسيقية تشدو بألحانها ليلا بعد الافطار في حديقة «شيراتون اربيل» وكان الجمهور يتمايل على انغام «عيَّرتني بالشيب وهو وقارُ .. ليتها عيَّرت بما هو عارُ»، واغان اخرى مثل «يا امِّ العيون السود» و«سمراء» و«قولي يا حلو» و«حياك بابا حياك» و«فوق النخل» و«طالعة من بيت ابوها» واخرى لسيدة الغناء العربي ام كلثوم في ختام الوصلة الغنائية. وعشية التصويت على الدستور قبل نحو اسبوعين كان الشباب الكردي يرقص الدبكة طوال الليل في جادة سالم وشارع مولوي ابتهاجا بما هو آت.