تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مؤرخة: العراق سهّل هجرة اليهود لإسرائيل واستهدف الأثرياء وترك ميليشيا صهيونية



مخاوي الليل
06-10-2025, 09:59 PM
https://media.shafaq.com/media/arcella/1749561062408.jpg


10/6/2025

كشفت مؤرخة اسرائيلية، والدتها من أصول عراقية، في كتاب جديد لها تحت عنوان "يهود العراق: تاريخ طويل في أرض دجلة والفرات"، أن الحكومات في العراق واليمن وليبيا والمغرب، سمحت وبخلاف الرواية السائدة منذ 70 عاما، بالهجرة الجماعية لليهود، حتى برغم أن هذه الحكومات لم تتخل عن دعم القضية الفلسطينية، وذلك بحسب ما نشره موقع "واي نت" الإسرائيلي.

وأوضح التقرير الاسرائيلي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، ان أستير جليتس أينشتاين، وهي أستاذة فخرية في جامعة بن غوريون، وابنة لام عراقية المولد، تخلص في كتابها الى ان اي نظام عربي من هذه الدول كان بامكانه ايقاف هذه الهجرة في السنوات الأولى لقيام اسرائيل، فيما لو ارادت ذلك، لكنها لم تفعل، ولم تتخل أيضا عن القضية الفلسطينية.

وتساءل التقرير عن رد ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة على الادعاء بأن الدول العربية "خانت" فعليا اخوانها الفلسطينيين في السنوات الاولى لقيام اسرائيل، من خلال توصلها الى تفاهمات غير رسمية مع الدولة اليهودية الناشئة، والتي اتاحت تحقيق هجرة جماعية لمئات الآلاف من اليهود، ساهموا ليس في تعزيز الجيش والاقتصاد في اسرائيل فقط، وانما ايضا استقروا في الأراضي التي كان يعيش عليها الفلسطينيون.

ووصف التقرير هذه الخلاصات بأنها "راديكالية"، مشيرا الى ان كتاب "يهود العراق" يمتد من القرن الـ6 قبل الميلاد الى موجات الهجرة اللاحقة، بما في ذلك تلك الهجرة اليهودية التي جاءت من اليمن، مضيفا مع ذلك أن قصة الهجرة اليهودية العراقية الى اسرائيل في بداية الخمسينيات من القرن الماضي مثيرة بشكل محدد، حيث انها لا تكشف فقط كيفية تخلي الانظمة العربية عن القضية الفلسطينية، وانما ايضا تتحدى السردية الصهيونية التقليدية المتعلقة بهجرة اليهود من الدول العربية.

وذكر التقرير أنه في العام 1950، كان حوالي 130 الف يهودي يعيشون في العراق، لكن خلال 20 شهرا فقط، هاجر ما لا يقل عن 125 ألفا، حوالي 9% إلى إسرائيل، مضيفا انه بينما جاء المزيد من اليهود لاحقا من المغرب، وان هذه العملية تطلبت سنوات عدة، إلا ان الرحيل السريع وشبه الكامل لليهود العراقيين يطرح تساؤلات حول دور الحكومة، من بينها:

من سمح لهم بالهجرة؟ فهل أن النظام العراقي كان "يكرههم"؟، وهل كانوا هاربين من الاضطهاد؟ وما هو الدور الذي أدته الحكومة الاسرائيلية في تسهيل الهجرة الجماعية؟

وتابع انه مع تصاعد الصراع العربي اليهودي منذ عشرينيات القرن الـ20، وخصوصا في ثلاثينيات واربعينيات القرن، وفي ظل تصاعد التوترات وخطابات الزعماء العرب، لفت التقرير الى ان العام 1945، شهد تأسيس جامعة الدول العربية، والتي حذرت في واحدة من الاولى من انشاء دولة يهودية والضرر الذي ستلحقه بالمقيمين العرب في فلسطين الانتدابية البريطانية، حتى أن قادة الجامعة حذروا من أن اليهود في الدول العربية سيصبحون رهائن وسيدفعون ثمن "العدوان الصهيوني".

وبعدما لفت التقرير الى فشل غزو الجيوش العربية، بما فيها القوات الاتية من المملكة العراقية وقتها، واعلان اسرائيل انتصارها، قال انه بخلاف المتوقع، فإن هزيمة العراق لم تشعل شرارة العنف ضد اليهود.

ونقل التقرير عن جليس اينشتاين قولها إن السلطات العراقية "لم تسمح بأي هجمات ضد اليهود، وأن أحداثا مثل مذبحة فرهود التي وقعت في اوائل الاربعينيات، جرت خلال فترة من الفوضى السياسية، لكنها لم تحدث هذه المرة".

وبحسب المؤرخة الاسرائيلية، فان الحكومة العراقية كانت تخشى وقتها أن يؤدي العنف ضد اليهود الى اثارة اضطرابات قومية من جانب معارضي النظام قد يستغلون الفوضى، من اجل الاطاحة بالنظام الملكي الذي كان يعتمد بشكل كبير على الدعم البريطاني، لكن قواعده السياسية كانت ضعيفة.

لكن جليتس أنشتاين تلفت الى ان ذلك لا يعني ان السلطات العراقية اصبحت مؤيدة لاسرائيل، وانما على العكس من ذلك، فقد جرى استهداف اليهود الاثرياء باتهامات مشكوك فيها وسجنوهم، بل واعدموا بعضهم، وابرزهم شفيق عدس، المليونير اليهودي الذي اتهم ببيع أسلحة لاسرائيل.

ونقل التقرير عن المؤرخة قولها إنه "في ذلك الوقت، كان المئات من أعضاء ميليشيا الهاغاناه (الصهيونية) ينشطون في العراق، الا ان تصرفات الحكومة، رغم قسوتها، ركزت غالبا على النخب الثرية وتركت هؤلاء النشطاء دون أن تمسهم الى حد كبير".

وتابع التقرير أن قادة الهاغاناه كانوا متخوفين من إمكانية كشف الشبكة ونشاطها في عملية تهريب الى ايران، مضيفا ان خط التهريب هذا أثار غضب السلطات العراقية، لانه ساهم في زعزعة استقرار الحدود مع ايران، وعزز تهريب العملات الاجنبية وقوض نفوذ الحكومة على الجالية اليهودية.

واضاف انه كردٍّ على ذلك، لجأ رئيس الوزراء العراقي وقتها توفيق السويدي الى خطوة جذرية حيث طبق قانونا جديدا يخول مجلس الوزراء سحب جنسية اي يهودي يختار مغادرة العراق بشكل دائم، بعد التوقيع على اعلان رسمي امام مسؤول في وزارة الداخلية.

ونقل التقرير عن جليتس أينشتاين قولها إن: هذا القانون لم يكن يستهدف طرد اليهود، مضيفة أن الحكومة كانت تعتقد أن بإمكانها استغلال الهجرة القانونية لتخلص نفسها من مجموعة صغيرة من المتمردين، من الشيوعيين والصهاينة والمهربين، الا ان الواقع سرعان ما بدد هذا الافتراض.

وبحسب التقرير، فإنه خلال شهور، كان 70 الف يهودي قد سجلوا للتخلي عن جنسيتهم، ثم ارتفع العدد بعد 4 أشهر، الى 86 ألفا، و بالإجمال سجل 105 الاف يهودي، يمثلون الاغلبية الساحقة من المجتمع، بالتسجيل للمغادرة، مشيرا الى ان الازمة السياسية وصلت عندها الى مكتب رئيس الوزراء الجديد نوري السعيد.

وردا على سؤال عما يجب أن يفعله العراق مع هذا العدد الكبير من السكان اليهود، قالت جليس اينشتاين ان نوري السعيد قام بجولة دبلوماسية في الشرق الاوسط، محاولا إقناع الدول المجاورة باستيعاب يهود العراق، الا انه هذه الدول رفضت معتبرة أن القضية يجب أن تتم تسويتها في العراق.

وتابع التقرير ان نوري السعيد قرر بشكل لم يكن متوقعا، عدم عكس القانون او وقف الهجرة الجماعية، وسمح في المقابل، وانما بشكل غير رسمي وسري، بهجرة جماعية لهؤلاء الى اسرائيل.

وردا على سؤال عما إذا كان نوري السعيد وقع اتفاقا بهذا الصدد مع اسرائيل، قالت جليتس أنشتاين، بحسب ما نقل عنه التقرير، بالطبع لا.. لكن في ذلك الوقت، ظهر ممثلان لشركة الطيران الامريكية الاسكا ايرلاينز في العراق، وهما كانا مبعوثين اسرائيليين: شلومو هيليل (الذي اصبح لاحقا رئيسا للكنيست ووزير الحكومة) وروني بارنيت، وهو طيار بريطاني يهودي، حيث تفاوضا مع الحكومة العراقية لنقل اليهود جوا الى خارج العراق. وعملت الاسكا ايرلاينز وهي شركة طيران أمريكية، كواجهة لشركة العال الاسرائيلية".

وذكر التقرير انه استنادا الى الاتفاقية التي دعمها البريطانيون أيضا، كما تظهر الوثائق التي رفعت عنها السرية، فإن هذه الرحلات الجوية لم تتوجه مباشرة الى اسرائيل، وانما الى قبرص التي كانت مستعمرة بريطانية.

ومع ذلك، يقول التقرير إن المسؤولين العراقيين كانوا يدركون تماما ان هيليل وبارنيت وشركة الاسكا، كانوا وكلاء لاسرائيل وان قبرص كانت مجرد نقطة للعبور، إلا أنه بالنسبة لنوري السعيد، فقد كان للصفقة ميزتان: فقد خلص نفسه من اقلية يحتمل ان تكون تخريبية، وصادر جزءا كبيرا من أصولهم لصالح خزانة الدولة.

وردا على سؤال حول كيفية تبرير نوري السعيد ذلك أمام العالم العربي، قالت جليتس أينشتاين أنه فعل ذلك "بذكاء، وانما ليس بشكل مقنع، حيث ادعى أن تدفق اليهود سيؤدي الى انهيار الاقتصاد الاسرائيلي. وكان هذا ابعد ما يكون عن الصحة. نعم، كانت اسرائيل في حالة مالية صعبة، لكنها لم تكن على وشك الانهيار. لو كان القادة الاسرائيليون يعتقدون أن المزيد من المهاجرين سيضرون بالاقتصاد، لما احضروهم".

وبحسب كتاب جليتس أينشتاين، فان العراق لم يكن وحيدا في تمكين الهجرة اليهودية، حيث أن ليبيا التي كانت تحت السيطرة البريطانية حتى استقلالها العام 1951، سمحت لعشرات الآلاف من اليهود بالهجرة الى اسرائيل، كما ان اليمن، في اوائل العام 1949، سمح لليهود الذين كانوا يعيشون في مخيمات اللاجئين في عدن بالمغادرة، وبحلول نيسان/ابريل من ذلك العام، أعلن الإمام أحمد بن يحيى أنه بإمكان اليهود أن يغادروا.

وفي المقابل، يقول التقرير ان سوريا كانت على النقيض من ذلك، حيث انها اغلقت حدودها بالكامل، حيث انها بعد نيلها الاستقلال عن فرنسا العام 1946، منعت اليهود من المغادرة، وهي القيود التي ظلت قائمة حتى التسعينيات.

ونقل التقرير عن جليتس أينشتاين قولها إن "سوريا هي مثال للدولة التي اختارت بنشاط منع الهجرة اليهودية، وهو ما يبرهن على أنه كان من الممكن وقف الهجرة. وحقيقة ان العراق واليمن وليبيا والمغرب لم تفعل ذلك، وفي بعض الحالات شجعتها، يدل على تخليها عن السردية الفلسطينية".

وفيما يتعلق بالصمت حول هذه الاحداث، نقل التقرير عن المؤرخة الاسرائيلية قولها إنه "ليس شيئا يريدون تسليط الضوء عليه، وانه برغم ابحاثي، لم اجد اي انتقاد فلسطيني كبير لهذه الأحداث.

وحتى في مذكرات رئيس الوزراء العراقي وقتها، لم يتم ذكر هذه الحادثة إلا بشكل عابر".

"ومن الواضح ايضا انه فضل عدم إحياء ذكرى هذه الازدواجية، فمن جهة هناك التصريحات العامة بدعم الفلسطينيين، وحتى العمل العسكري ضد اسرائيل، ومن جهة، هناك التشريعات التي مكنت عن عمد الهجرة اليهودية الى اسرائيل، وهي هجرة عززت الدولة اليهودية ديموغرافيا و عسكريا وجغرافيا"، تقول المؤرخة.