jameela
06-05-2025, 05:33 PM
الخميس 5 يونيو, 2025
https://lebanon.shafaqna.com/wp-content/uploads/2024/07/mahdi-algharawi-640x363.jpg (https://lebanon.shafaqna.com/wp-content/uploads/2024/07/mahdi-algharawi.jpg)
سماحة الشيخ الدكتور مهدي الغروي
خاص شفقنا- بيروت
بين جبال مكة وصعيد عرفة، يقف المسلمون في التاسع من ذي الحجة كل عام، متضرعين إلى الله، في مشهد يتجاوز الحدود الجغرافية ليتحول إلى محطة روحانية كبرى في الوجدان الإسلامي، وهذا اليوم، كما قال سماحة الشيخ الدكتور مهدي الغروي خلال حديث خاص مع وكالة “شفقنا”: “ليس يوماً عادياً، بل هو يوم دعوة إلهية مفتوحة، ويوم تتجلّى فيه الرحمة الإلهية بأوسع معانيها”، فاعتبر سماحته أنّ يوم عرفة هو يوم عيد وإن لم يُسمَّ كذلك في النصوص صراحة، وهو عيد اللقاء مع الذات والعودة إلى الله عز وجل، حيث ورد في الحديث النبوي الشريف: “الحج عرفة”، ما يبيّن بجلاء مركزية هذا اليوم في الشعيرة الكبرى.
الوقوف في عرفة ليس مجرّد بُعد جغرافي أو التزام فقهي، بل هو وقوفٌ في حضرة العفو والمغفرة، وفرصة لأن يعود الإنسان إلى ربّه خالياً من كل ما كبّله، ومن أبرز ما يميّز يوم عرفة هو أنّ “الدعاء فيه مستجاب”، ومن أهم أعماله: الغُسل، وصلاة ركعتين تحت السماء بعد العصر، وزيارة الإمام الحسين (ع)، إلى جانب الانشغال بدعاء يوم عرفة المروي عن سيد الشهداء (ع).
المفاهيم التوحيدية التي أطلقها الإمام الحسين (ع) في دعاء عرفة
دعاء الإمام الحسين في يوم عرفة لا يُقرأ فقط كدعاء، بحسب سماحته، بل كوثيقة معرفية وروحية عميقة، قائلا: “الحسين (ع) لم يكتفِ بالدعاء بلسان الحاجة، بل أطلق مفاهيم توحيدية نادرة “ومتى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟”، وهذا القول وحده كفيل بأن يهزّ وجدان أي ساعٍ إلى معرفة الله تعالى، والحسين (ع) يرفض أن يكون الله غائباً عن إدراك العارفين، بل إن وجوده أسبق من كل دليل، وهو النور الذي يدل على نفسه، كما أنّ الشمس لا تحتاج إلى ضوء آخر لتُرى”.
وتابع الشيخ الغروي: “”عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً”، هنا ينتقل الإمام (ع) من بُعد التأمّل إلى بُعد التحذير، فكل صفقة في الحياة لا يكون لله تعالى فيها نصيب هي صفقة خاسرة، والمقصود هنا بالعين، ليس البصر الجسدي، بل البصيرة، فمَن لم يرَ الله في خلقه هو أعمى البصيرة، لا البصر، وورد في الدعاء “إلهي ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟” وهذا من أبلغ الأسئلة التي تُطرح في هذا الدعاء، إنها فلسفة وجدانية عميقة، مَن وجد الله تعالى، لا يفتقد شيئاً، ومَن فقده، خسر كل شيء، حتى لو ظن أنه يملك العالم، وعلينا أن نعيد قراءة هذا الدعاء بعيون جديدة، لا كمجرد نص أدعية، بل كنص تأسيسي في معرفة الله والارتباط به”.
العبادة لا تنفصل عن المعرفة
لقد أراد الإمام الحسين (ع) من خلال هذا الدعاء أن يفتح باب المعرفة بالله تعالى، وأن يرسم ملامح الطريق إلى الحقّ جلّ وعلا، ويُعرّف الإنسان بصفاته، وأسمائه، وآثار قدرته، وكيفية التقرّب إليه، فالدعاء يمزج بين الإقرار بالعجز البشري والتمجيد المطلق للإله الواحد، ويؤسّس لثقافة عبودية واعية مبنية على الإدراك لا التقليد، وبهذا الدعاء مهّد الإمام الحسين (ع) الطريق للسالكين والعارفين، ووضعهم على عتبة الفهم الحقيقي للعبادة، انطلاقاً من الآية الكريمة: “وما خلقتُ الجنّ والإنس إلا ليعبدون”، أي ليعرفوا، كما فُسّرت في بعض الروايات، فالعبادة الحقّة، كما أرادها الله عز وجل، لا تنفصل عن المعرفة، ولا تتحقّق إلا بها.
فهم العلاقة بين الخالق والمخلوق
وفي هذه الدعاء عبارات تقدّم رؤية معرفية سامية حول قرب الله ووضوح دلائله في الوجود، بحيث لا يحتاج المؤمن إلى البحث عن الله في الخارج أو عبر الوسائط، لأن وجوده تعالى ظاهر في كل شيء، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وإن الإمام هنا يشير إلى أن طرق معرفة الله متعدّدة بعدد أنفاس الخلائق، ولا تقتصر على دليل واحد أو منهج محدد، بل تتنوّع بحسب الاستعدادات والطاقات المعرفية لدى كل إنسان، فهو في دعائه هذا يطرح مفاهيم توحيدية عالية، بأسلوب وجداني وعرفاني، يفتح أمام المتأمل آفاقًا جديدة في فهم العلاقة بين الخالق والمخلوق.
الله تعالى لا يحتاج إلى دليل خارجي
ومن أبرز ما ورد في هذا السياق أيضًا قول الإمام (ع):
“كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟” فهو يستنكر هنا الاستدلال على المطلق بالناقص، وعلى الغني المطلق بالفقير في وجوده إليه، ويُضيف قوله: “أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك؟”
وفي ذلك إشارة إلى أن الوجود كله ظهور وتجلي لله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يكون شيء من خلقه أظهر منه، إن هذه العبارات تُعبّر عن ذروة المعرفة العرفانية، وتعيد تشكيل مفهوم “الدليل” في البحث عن الله تعالى، فكما أن النور لا يحتاج إلى نورٍ يُظهره، لأنه بذاته دليل على نفسه، فكذلك الله تعالى – بل هو أولى – لا يحتاج إلى دليل خارجي، إذ إنّ ذاته المباركة هي الدليل على كل شيء، وهي منبع الوجود كله.
ورأى الشيخ الغروي أنّ الإمام (ع) لا ينكر في الوقت ذاته الحاجة إلى الدليل العقلي والفطري بالنسبة إلى من تغشى فطرته الشكوك والشبهات، فالدليل ليس لغياب الله، بل لضعف بصر النفس أو تشوّش فطرتها، وهنا تأتي وظيفة البرهان العقلي لتصفية تلك الفطرة من العوالق، بالتالي خاطب الإمام (ع) المقامات العالية من العارفين بالله، الذين تجاوزوا طور البرهان إلى طور الشهود.
لإطلاق حملة علمية وفكرية معاصرة لفهم دعاء يوم عرفة
ودعا الشيخ الغروي إلى إطلاق حملة علمية وفكرية معاصرة لفهم دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة، فهماً ينسجم مع تحديات الفكر الديني اليوم، ويعيد قراءة هذه النصوص بلغة العصر واحتياجات الإنسان الباحث عن اليقين والمعرفة، ففي هذا الدعاء العظيم، نجد مقاطع ومضامين توحيدية دقيقة تحمل أبعادًا معرفية وروحية عميقة.
هكذا، نقل الإمام الحسين (ع) وعياً معرفياً رفيعاً، قائمًا على أن الوجود كله مرتبط بالله تعالى، وفيضه لا ينقطع، بل لو انقطع لحظة لهلك كل شيء، وهذه الحقيقة يؤكدها سائر الأئمة (ع)، ومن هنا، فإنّ الإمام الحسين (ع) لا يقدّم في دعائه مجرّد تضرّع أو مناجاة، بل مشروعًا معرفيًا متكاملاً، يستدعي التأمّل والدراسة، ويفتح الباب أمام قراءة جديدة للمفاهيم التوحيدية من داخل النص الدعائي، لا من خارجه.
وفاء حريري – شفقنا (https://lebanon.shafaqna.com/home/)
https://lebanon.shafaqna.com/wp-content/uploads/2024/07/mahdi-algharawi-640x363.jpg (https://lebanon.shafaqna.com/wp-content/uploads/2024/07/mahdi-algharawi.jpg)
سماحة الشيخ الدكتور مهدي الغروي
خاص شفقنا- بيروت
بين جبال مكة وصعيد عرفة، يقف المسلمون في التاسع من ذي الحجة كل عام، متضرعين إلى الله، في مشهد يتجاوز الحدود الجغرافية ليتحول إلى محطة روحانية كبرى في الوجدان الإسلامي، وهذا اليوم، كما قال سماحة الشيخ الدكتور مهدي الغروي خلال حديث خاص مع وكالة “شفقنا”: “ليس يوماً عادياً، بل هو يوم دعوة إلهية مفتوحة، ويوم تتجلّى فيه الرحمة الإلهية بأوسع معانيها”، فاعتبر سماحته أنّ يوم عرفة هو يوم عيد وإن لم يُسمَّ كذلك في النصوص صراحة، وهو عيد اللقاء مع الذات والعودة إلى الله عز وجل، حيث ورد في الحديث النبوي الشريف: “الحج عرفة”، ما يبيّن بجلاء مركزية هذا اليوم في الشعيرة الكبرى.
الوقوف في عرفة ليس مجرّد بُعد جغرافي أو التزام فقهي، بل هو وقوفٌ في حضرة العفو والمغفرة، وفرصة لأن يعود الإنسان إلى ربّه خالياً من كل ما كبّله، ومن أبرز ما يميّز يوم عرفة هو أنّ “الدعاء فيه مستجاب”، ومن أهم أعماله: الغُسل، وصلاة ركعتين تحت السماء بعد العصر، وزيارة الإمام الحسين (ع)، إلى جانب الانشغال بدعاء يوم عرفة المروي عن سيد الشهداء (ع).
المفاهيم التوحيدية التي أطلقها الإمام الحسين (ع) في دعاء عرفة
دعاء الإمام الحسين في يوم عرفة لا يُقرأ فقط كدعاء، بحسب سماحته، بل كوثيقة معرفية وروحية عميقة، قائلا: “الحسين (ع) لم يكتفِ بالدعاء بلسان الحاجة، بل أطلق مفاهيم توحيدية نادرة “ومتى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟”، وهذا القول وحده كفيل بأن يهزّ وجدان أي ساعٍ إلى معرفة الله تعالى، والحسين (ع) يرفض أن يكون الله غائباً عن إدراك العارفين، بل إن وجوده أسبق من كل دليل، وهو النور الذي يدل على نفسه، كما أنّ الشمس لا تحتاج إلى ضوء آخر لتُرى”.
وتابع الشيخ الغروي: “”عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً”، هنا ينتقل الإمام (ع) من بُعد التأمّل إلى بُعد التحذير، فكل صفقة في الحياة لا يكون لله تعالى فيها نصيب هي صفقة خاسرة، والمقصود هنا بالعين، ليس البصر الجسدي، بل البصيرة، فمَن لم يرَ الله في خلقه هو أعمى البصيرة، لا البصر، وورد في الدعاء “إلهي ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟” وهذا من أبلغ الأسئلة التي تُطرح في هذا الدعاء، إنها فلسفة وجدانية عميقة، مَن وجد الله تعالى، لا يفتقد شيئاً، ومَن فقده، خسر كل شيء، حتى لو ظن أنه يملك العالم، وعلينا أن نعيد قراءة هذا الدعاء بعيون جديدة، لا كمجرد نص أدعية، بل كنص تأسيسي في معرفة الله والارتباط به”.
العبادة لا تنفصل عن المعرفة
لقد أراد الإمام الحسين (ع) من خلال هذا الدعاء أن يفتح باب المعرفة بالله تعالى، وأن يرسم ملامح الطريق إلى الحقّ جلّ وعلا، ويُعرّف الإنسان بصفاته، وأسمائه، وآثار قدرته، وكيفية التقرّب إليه، فالدعاء يمزج بين الإقرار بالعجز البشري والتمجيد المطلق للإله الواحد، ويؤسّس لثقافة عبودية واعية مبنية على الإدراك لا التقليد، وبهذا الدعاء مهّد الإمام الحسين (ع) الطريق للسالكين والعارفين، ووضعهم على عتبة الفهم الحقيقي للعبادة، انطلاقاً من الآية الكريمة: “وما خلقتُ الجنّ والإنس إلا ليعبدون”، أي ليعرفوا، كما فُسّرت في بعض الروايات، فالعبادة الحقّة، كما أرادها الله عز وجل، لا تنفصل عن المعرفة، ولا تتحقّق إلا بها.
فهم العلاقة بين الخالق والمخلوق
وفي هذه الدعاء عبارات تقدّم رؤية معرفية سامية حول قرب الله ووضوح دلائله في الوجود، بحيث لا يحتاج المؤمن إلى البحث عن الله في الخارج أو عبر الوسائط، لأن وجوده تعالى ظاهر في كل شيء، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وإن الإمام هنا يشير إلى أن طرق معرفة الله متعدّدة بعدد أنفاس الخلائق، ولا تقتصر على دليل واحد أو منهج محدد، بل تتنوّع بحسب الاستعدادات والطاقات المعرفية لدى كل إنسان، فهو في دعائه هذا يطرح مفاهيم توحيدية عالية، بأسلوب وجداني وعرفاني، يفتح أمام المتأمل آفاقًا جديدة في فهم العلاقة بين الخالق والمخلوق.
الله تعالى لا يحتاج إلى دليل خارجي
ومن أبرز ما ورد في هذا السياق أيضًا قول الإمام (ع):
“كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟” فهو يستنكر هنا الاستدلال على المطلق بالناقص، وعلى الغني المطلق بالفقير في وجوده إليه، ويُضيف قوله: “أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك؟”
وفي ذلك إشارة إلى أن الوجود كله ظهور وتجلي لله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يكون شيء من خلقه أظهر منه، إن هذه العبارات تُعبّر عن ذروة المعرفة العرفانية، وتعيد تشكيل مفهوم “الدليل” في البحث عن الله تعالى، فكما أن النور لا يحتاج إلى نورٍ يُظهره، لأنه بذاته دليل على نفسه، فكذلك الله تعالى – بل هو أولى – لا يحتاج إلى دليل خارجي، إذ إنّ ذاته المباركة هي الدليل على كل شيء، وهي منبع الوجود كله.
ورأى الشيخ الغروي أنّ الإمام (ع) لا ينكر في الوقت ذاته الحاجة إلى الدليل العقلي والفطري بالنسبة إلى من تغشى فطرته الشكوك والشبهات، فالدليل ليس لغياب الله، بل لضعف بصر النفس أو تشوّش فطرتها، وهنا تأتي وظيفة البرهان العقلي لتصفية تلك الفطرة من العوالق، بالتالي خاطب الإمام (ع) المقامات العالية من العارفين بالله، الذين تجاوزوا طور البرهان إلى طور الشهود.
لإطلاق حملة علمية وفكرية معاصرة لفهم دعاء يوم عرفة
ودعا الشيخ الغروي إلى إطلاق حملة علمية وفكرية معاصرة لفهم دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة، فهماً ينسجم مع تحديات الفكر الديني اليوم، ويعيد قراءة هذه النصوص بلغة العصر واحتياجات الإنسان الباحث عن اليقين والمعرفة، ففي هذا الدعاء العظيم، نجد مقاطع ومضامين توحيدية دقيقة تحمل أبعادًا معرفية وروحية عميقة.
هكذا، نقل الإمام الحسين (ع) وعياً معرفياً رفيعاً، قائمًا على أن الوجود كله مرتبط بالله تعالى، وفيضه لا ينقطع، بل لو انقطع لحظة لهلك كل شيء، وهذه الحقيقة يؤكدها سائر الأئمة (ع)، ومن هنا، فإنّ الإمام الحسين (ع) لا يقدّم في دعائه مجرّد تضرّع أو مناجاة، بل مشروعًا معرفيًا متكاملاً، يستدعي التأمّل والدراسة، ويفتح الباب أمام قراءة جديدة للمفاهيم التوحيدية من داخل النص الدعائي، لا من خارجه.
وفاء حريري – شفقنا (https://lebanon.shafaqna.com/home/)