المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من دعاة الإصلاح الديني: محسن الامين نموذجا



زوربا
11-04-2005, 08:13 AM
عزيز الحاج



نقاط ضوء لابد منها ..

يلاحظ القراء المتابعون، كما أظن، أنني قد أثرت مرارا قضية تمثيل الطوائف والمذاهب والأديان والتيارات السياسية في العراق، وكيف أنه لا يجوز لأية جهة ادعاء تمثيل مجموع طائفة ما أو دين أو قومية أو اتجاه سياسي. كما أدنت منذ بداية شبابي مرض الطائفية بشقيها، وإن كنت قد بدلت المواقف السياسية أكثر من مرة، فما لم أتزحزح عنها هي مبادئ العلمانية، وحقوق المرأة، ورفض الطائفية، وحقوق القوميات والأقليات. وهذا يعني مثلا أن نقدي لحزب ينتمي لقومية ما لا يعني التخلي عن إيماني بحقوق تلك القومية؛ وفي الحالة الكردية مثلا، إيماني بحق تقرير المصير للأمة الكردية المجزأة وبالأخوة الكردية ـ العربية في عراق ديمقراطي اتحادي [ سابقا الحكم الذاتي]. وفي مقالي عن مؤتمر لندن للمعارضة في ديسمبر 2002 [ قبل سقوط النظام الصدامي]، نشرت تحت عنوان " قراءة استشفافية لمؤتمر المعارضة في لندن" مقالا حول بيان المؤتمر، [ انظر المقال في كتابي "العراق والمخاض العسير" في سلسلة "مكتبة إيلاف."]

في ذلك المقال استعرضت سياسات وممارسات التمييز الطائفي ضد شيعة العراق في مختلف المراحل، عدا فترة حكم الزعيم قاسم، وبوجه أخص حملات القمع الجماعية الوحشية للنظام الفاشي المنهار. ومما ورد:

" إن التمييز والاضطهاد الحقيقين للشيعة واتخاذهما نهجا للحكم هو ما تميز به النظام القائم [أي نظام صدام عهد ذاك ]، وخصوصا منذ مقتل الإمام محمد باقر الصدر، وحملات تهجير الشيعة العرب والفيليين، وتصاعد النهج الطائفي للنظام بعد انتفاضة1991، من عمليات قمع دموي بالجملة، إلى هدم وتدمير الجوامع والمكتبات، وقتل وسجن علماء الدين، وصدورمقالات تشهر بالشيعة وترميهم بأشنع قذف وشتيمة.."

في الوقت نفسه انتقدت في المقال النفَس الطائفي في بعض أقسام البيان، وانتقدت المحاصصة الطائفية، التي وضع المؤتمر أساسها. وأضفت: " إن التوقف مطولا عند قضية اضطهاد الشيعة، والتأكيد مرارا على كونهم "الأغلبية" من العراقيين، وبالصيغ الواردة، ناهيكم عما قيل عن نسب التمثيل [نسب دينية]، لا بد وأن تثير المخاوف والحساسيات بين بقية العراقيين المسلمين وعند الجيران العرب." كما بين المقال أنه " لا يمكن لأي حزب سياسي، أو مجلس شيعي، ادعاء حق تمثيل جميع الشيعة العراقيين." وضربت الامثلة على ذلك من تاريخ الحركة الوطنية والمجتمع العراقيين الحديثين. وهذا ما أكدته وأوضحته مرارا في مقالاتي بعد سقوط صدام وفي عدد من آخر مقالاتي المنشورة.

إن مما يجعلني أن أعود من وقت لآخر لاستعراض سيرة وأفكار عدد من كبار المصلحيين الدينيين، هو انتشار الطائفية اليوم بشقيها السني والشيعي، وظاهرة استغلال الإسلام ومذاهبه للأغرااض السياسية، لا في العراق وحده بل وفي العديد من بلدان المنطقة العربية ناهيكم عن إيران.
في مقال أخير لي نوهت بعدد من الساسة والمفكرين ورجال الدين الشيعة العراقيين، وكيف قدموا خدمات جليلة للعراق الحديث في مختلف الميادين دون أن يكونوا منتمين لتنظيمات سياسية دينية مذهبية. واليوم أتوقف لدى واحد من كبار المصلحين، وهو لبناني من جبل عامل ولكنه نصف عراقي إن صح التعبير: وأقصد المرحوم السيد محسن الأمين.

محسن الأمين

تعرفت عليه من خلال اجمل كتب جعفر الخليلي، الكاتب والصحفي والمؤلف، الذي ترك للمكتبة العربية اثارا نفيسة، وحيث تعرفت من خلال الكتاب المكتوب بدقة وأسلوب ممتع على واحدة من الصفحات الجريئة في الاصلاح الديني والمذهبي، وتعود الى اواخر القرن التاسع عشر والى خمسينات القرن الماضي. ونبع اهتمامي المتجدد مع صدور كتاب السيرة الذاتية للسيد الامين عن دار رياض الريس بقلمه قبل سنوات.

كتب الخليلي: "المفروض عرفا، ولسنا ندري من الذي فرض ذلك العرف، هو ان يكون العالم الروحاني رجلا جافا خشنا، يدل على ذلك ماكله وملابسه وطريقة مشيته. أما الاقلية الهاشة الباشة، فقد كان في مقدمتهم محسن الامين، العالم المجدد النازع الى تيسير الامور الدينيه، والتبسط. ومن الحق أيضا ان أقول إن هذا الذي سمي بالتجديد لم يكن جديدا، وانما هو القديم الذي شرحه غير واحد من شراح الفلسفة،... ولكن الذي اخرج العلماء على قواعد الايمان وانحرف بهم عن الطريق الذي يفرض على المؤمن ان يكون هاشا بشا، هو الذي اخرجهم على مغزى التشريع وقواعد الدين، وانتحى بهم ناحية هي وأصول الدين الصحيح على طرفي نقيض، فاذا بنا لا نعرف منطوقهم ولا محمولهم، ولا ما يهدفون اليه فيما يخص المجتمع وليس فيما يخص بحوثهم العويصة." والسيد الامين من قرية شقرا بجبل عامل ساهم في نشر التعليم، وكان من العاملين لتعليم البنات في مدارس، ودعا الى المساواة بين الناس، والى نبذ الحزازات المفرقة بينهم.

لكن اكبر معارك العلامة محسن الامين دارت حول ممارسة بعض الطقوس والمراسيم العزائية بذكرى الحسين، وما كان يُقرا في الحسينيات، عهد ذاك. وقد كتب في سيرته، والحديث هو عن أواخر القرن التاسع عشر: "أما الامر الثالث، وهو اصلاح اقامة العزاء لسيد الشهداء عليه السلام، فكان فيه خلل من عدة جهات، منها ما يتلوه الذاكرون من الاخبار المكذوبة والاغلاط الشائنة، وبعض الأعمال التي تجري في المجالس. .. قرأ قاريء يوما في الكاظمية فلم يذكر في ذلك المجلس حرفا واحدا صادقا."

ولذلك حاول الامين وضع كتب في الموضوع تخلو من التلفيق والاكاذيب، لتكون مصدرا لخطباء المجالس الحسينية. ومضى ابعد في جرأته التجديدية ونزعته الاصلاحية فدعا الى تحريم الضرب بالسيوف والسلاسل في يوم عاشوراء، وعارض مستعملي الطبول والصنوج والابواق وغيرها في تسيير المواكب الحسينية؛ فكان موقفه واجتهاده ذريعة لمخالفيه وخصومه ومنافسيه لمهاجمته متشجعين كما راى الخليلي بكون موقفهم متفقا ورغبة العوام. لذلك، وكما يورد الخليلي، اتسعت الحملة عليه. وكان من مخالفيه المجتهد عبدالحسين صادق في النبطية والإمام عبدالحسين شرف الدين في صور، فبعثت هذه المخالفة في نفس السيد محسن روحا جديدة زادته حماسا وثورة في وجه القائلين بجواز الضرب بالسيف على الرؤوس في يوم عاشوراء، [اليوم في العراق صار الضرب في جميع أيام العشرة من محرم وليس في يوم عاشوراء فقط! وذلك بتشجيع من الأحزاب والتنظيمات والمراجع الدينية].

وامتدت المعركة من جبل عامل الى العراق. وقد وقف السيد أبو الحسن الاصفهاني، ولم يكن قد تبوأ بعد مركز المجتهد الاكبر، بجانب تحريم الضرب بالسيف، وقال ما مضمونه إن أمثال هذه الطقوس محرمة وغير شرعية. غير ان أكثر العلماء الاخرين عارضوا الأمين وأباالحسن وجوزوا تلك الطقوس. واستخدم خصوم الامين واحدا من اشهر خطباء المنابر الحسينية في العراق السيد صالح الحلي، الذي قاد حملة شعواء وصف فيها الأمين وأشياعه بالأمويين المعادين للعلويين. وكثر الاعتداء على الناس في المدن الشيعية المقدسة، وأهين عدد كبير وتطاول الحلي على السيد أبي الحسن، ووصف الأمين بالمتزندق! وكان الأمين عهد ذاك في دمشق، ولكنه لم يتراخ أمام تلك الحملات. وقد تلقى الخليلي وآخرون رسائل تهديد بالموت لتاييدهم للامين. وصار السقاؤون في النجف ينادون في عاشوراء: "لعن الله الأمين .. ماء"، وكانوا من قبل ينادون بلعنة حرملة.

وكان معظم العامليين الساكنين في النجف من خصوم السيد الامين. وقال بعض الخصوم: " أتبكي السماء والارض بالحمرة والدم، ولا يبكي الشيعي بالدم المراق من جميع اعضائه؟!" فرد الأمين في صحيفة لبنانية بقوله:" إننا ما رايناكم أهرقتم دما طول عمركم للحزن من بعض اعضائكم لتهرقوه من جميع اعضائكم. فلماذا تركتم هذا المستحب المؤكد تركا ابديا وهجرتموه هجرا سرمديا، ولم يفعله أحد من العلماء في عمره ولو بجرح صغير كبضعة الحجام؟!، ولماذا لم يلبسواالأكفان ويحملوا الطبول والابواق، وتركوا هذه المستحبات يفوز بها العوام والجهلة دونهم؟!"

ويصف الامين في كتاب سيرته إقامته في العراق عشر سنوات ونصفا، بدا من عام 1890، ويتحدث عن محطات السفر في الباخرة وعلى الدواب من بيروت فحلب فالكاظمية وبغداد وسامراء وكربلاء والنجف. وهنا، في النجف، يصف بعض عادات المدينة في ذلك الزمن. وينتهي المقام بالسيد الى دمشق حيث أقام، وحيث أنجز العديد من المؤلفات الهامة وفي مقدمتها مجلدات اعيان الشيعة، وهو الكتاب الشهير الذي واصل حسن الأمين إلحاق أجزاء جديدة به. وفي الشام ايضا كرس السيد اهتماما خاصا بتعليم البنات. وقد زاره جعفر الخليلي هناك وقال له" إن الحركة الاصلاحية بحاجة الى ايد فعالة لازالة الموانع والعراقيل لكي تتمكن من انتشال هؤلاء الجهلة من جهالتهم ."

وكان الامين قد زار النجف قبل ذلك في أوائل الثلاثينات فاستقبل استقبالا شعبيا حافلا، بل، وكما يروي الخليلي، قد بولغ في إكرامه ربما كفارة عن الاساءات الفظة التي وجهت اليه. لكن الاحتفال الواسع به لم يكن يعني قبول العامة باجتهاداته التي دافع عنها بشجاعة .

إننا حين نتطلع حولنا الى استفحال تيارات الضلالة والتعصب والتكفير والتحريم لنأسف حقا لندرة الاصوات الدينية الشجاعة التي تدين التعصب المقيت، والعنف، والطائفية، ورفض الاخر والدعوة للانغلاق، ونتألم لنرى الكثيرين من رجال الدين يتدخلون في تفاصيل السياسة ومنهم من يصدرون الفتاوى لتبيرير العمليات الإرهابية الفاشية، وآخرين يصمتون عندما يقترف الجرائم من هم محسوبون على طائفتهم؟ نأسف لندرة أمثال علي عبدالرازق ومحسن الامين ومحمد حسين آل كاشف الغطاء وغيرهم من المصلحين الدينيين الشجعان.

إن هناك فارقا جذريا بين احترام المعتقدات وبين استخدام الدين لمآرب السياسة، ولاقامة سلطة ثيوقراطية أو سلطة أفندية دينية، على أشلاء الحريات، او استخدام الدين نفاقا لخدمة الطغاة أو لاضطهاد الاقليات الدينية كالاقباط والأيزدية والمسيحيين والشبك وغيرهم، أو لاستخدام الفتاوى الدينية لمحاربة الكتب الحرة والكتاب الأحرار والتشهير بهم واتهامهم بمعاداة الإسلام، أو استخدام الفتاوى لتحريم الموسيقى والغناء ومحلات الفيديو، ألخ. ألخ.

لقد كانت الماثرة الكبرى للسيد محسن الامين، وعدا ما خلف من مؤلفات، هي شجاعته المبدئية، ودفاعه عن اجتهاداته الاصلاحية رغم شراسة وسعة المواجهة، وإلى حد تهديد سلامته.

الأمازيغي
11-04-2005, 11:19 AM
احسنت بارك الله فيك
ان السيد محسن الامين رحمه الله من كبار المجتهدين المصلحين وكانت له شجاعة يقل نظيرها وحين حرم الضرب والتطبير وما شابهها من بدع اقاموا عليه الدنيا وتهجموا عليه ووصفوه بكل الاوصاف.
من يدقق يرى ان ما حصل للسيد محسن الامين يتكررالان و يحصل للسيد فضل الله وان نهجهما متقارب جدا ان لم يكن واحد.
من الملاحظ الان تهجم السلفيين الشيعة على السيد فضل الله وما لاحظته انهم حتى الان لا يحبون السيد محسن الامين رحمه الله بل رايت بعضهم يتهجم على ابنه المرحوم حسن الامين رحمه الله
ان التاريخ سيخلد للسيد محسن الامين رسالته التنزيه اللتي انكر فيها البدع كما سيخلد كثير من كتبه كرده على موسى تركستان في كتاب سماه نقض الوشيعة و كموسوعته الرائعة اعيان الشيعة وغيرها من كتبه الرائعة
الشهيد شريعتي يقول عن السيد الامين انه من علماء التشيع العلوي و يمتدحه
رحم الله السيد محسن الامين وحفظ السيد فضل الله فهما بحق اعلام الاسلام و التشيع العلوي