ياولداه
04-25-2025, 11:08 PM
«قوّة التفاوض»: كتاب لوزير خارجية إيران.. تعلمت من والدتي مهارة «المساومة»
عراقجي يستعرض أسلوب بلاده فى فن التفاوض للملف النووي
| كتب: خالد الشامي (https://www.almasryalyoum.com/editor/details/610) |
https://mediaaws.almasryalyoum.com/news/large/2025/04/15/2654208_0.jpg
كتاب قوة التفاوض لوزير خارجية إيران
استعرض وزير خارجية إيران، عباس عراقجي، أسلوبه في التفاوض خاصة في ملف البرنامج النووي الإيراني، الذي كان يقوده لسنوات عديدة مضت ولا يزال أمام الولايات المتحدة الأمريكية، فخلال الأيام الماضية والمقبلة تتحدد خطوات مستقبلية للتفاوض بين واشنطن وطهران في هذا الملف الشائك.
ومن خلال كتابه المعنون بـ «قوَّة التفاوض»، الذي صدر عن دار نشر «هاشم»، اللبنانية، استعرض التفاوض وأساليبه ومناهجه وأدواته وفلسفته، فضلا عن خبراته في قيادة عملية التفاوض في الملف النووي في أواخر حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.
ويأتي الكتاب، الذي ترجمته الدكتورة فاطمة محمدي سيجاني، من خلال مقدمة و6 أبواب متكاملة عن طبيعة المفاوضات وأنواع المفاوضات السياسية والقوَّة الوطنية، ومهارات ومراحل المفاوضات السياسية ومتطلباتها، وسمات المفاوض.
وفي ماهية التفاوض، عرض الكتاب الإطار المفاهيمي للتفاوض، ويشير إلى أن أطراف المفاوضات يقررون التفاوض عندما يريدون مواجهة أزمة مشتركة تهددهم جميعًا، حينها يأتي دور المفاوضات من نوع «المساومة»، خاصةً في مسألة اتخاذ القرارات بشأن مستوى التكلفة وتقسيم الواجبات، لذا، يصبح إجراء المفاوضات أمرًا ضروريًا لمواجهة التهديد، وهناك الحديث عن «أفضل صفقة»، بأنه لا توجد صفقة .
وفي باب أنواع المفاوضات السياسية، يري أنها تنقسم حسب أهدافها والشكل والتركيب. ويقول إن هناك أنواع مختلفة من المفاوضات، التي تأخذ شكلها وصورتها وأساليبها المناسبة وفقًا للمقتضيات ونوعية العلاقة بين اللاعبين والأجواء السائدة على النظام العالمي والقواعد والمؤسسات الدولية، والأسس العرفية لسلوك اللاعبين، والأعداء والأضرار الناجمة عن سلوكهم في أثناء التفاوض، ويستشهد عن ذلك بمواقف مختلفة أثناء عملية التفاوض النووي مع الدول العالمية الكبرى الستَّة.
وبالنسبة للمفاوضات السياسية والقوة الوطنية، يرى أنها «فن الدبلوماسية»، وتعزيز الدبلوماسية يعني خفض التكاليف، وترسيخ المكتسبات، والنصر في زمن السلام وكذلك الحرب، ويقول:
«من يربح الحرب ليس بالضرورة يربح السلام، وإنما من يربح السلام يربح الحرب أيضًا» وما يحدد نتائج المفاوضات السياسية هو «مقومات القوة الوطنية». وتُجرى هذه المفاوضات معتمدة على القوة الوطنية، وعلى أساس قواعد المساومة، ترسم الإمكانات الوطنية لأطراف التفاوض ملامح أي اتفاق خلال مسار المفاوضات.
وحول أشكال القوّة، يرى الوزير الإيراني أنها تضم أشكال الصلبة والناعمة والمعنوية والقوَّة الذكية، ومن أجل ذلك هناك مقومات حول تحقيق القوّة وأبرزها الجغرافيا والموارد البشرية والسكان والقوّة العسكرية والتنمية الاقتصادية والعلوم والتقنية والتربية والتعليم والثقافة والتاريخ.
وبالنسبة لمهارات ومراحل المفاوضات السياسية ومتطلباتها، يقول إن الهدف من المفاوضات ليس إثبات الحق، وإنما ضمان المصالح، ويجب أن تقنع الطرف الآخر بهدف ضمانة المصالح إما القبول بكلامها أو القيام بعمل بعينه، كما أن المفاوضات السياسية ضمن مسار أو عملية، تمرّ بمراحل مختلفة، وكل مرحلة يمكن أن تخضع لجدول زمني محدد، أو تتبع مسار تنفيذي بعينه. ولكل مرحلة من مراحلها متطلباتها، التي تنقسم إلى 3 منها مرحلة قبل التفاوض، ومرحلة التفاوض، ومرحلة ما بعد التفاوض.
وحول سمات المفاوض الناجح وسلوكه وأساليبه ومواهبه المختلفة التي تعينه لكي يحقق مصالح بلاده الوطنية خلال أي تفاوض، يتعين الاستعانة بالدبلوماسيين المحترفين خلال المفاوضات لاسيما المفاوضات التي تجرى حول القضايا الحيوية والاعتبارية والوجودية، وفي كافة المفاوضات التي تستهدف الوصول إلى اتفاق مناسب.
وأكد ضرورة أن يتمتع الدبلوماسيين المحترفين، ببعض خصائص مثل التعصب القومي والقدرة العلمية والقيم الأخلاقية فضلًا عن الثقة بالنفس وإدارة المشاعر وتعزيز سعة الصدر، ولا يمكن إنكار دور فن الإقناع في تشكيل المفاوض الناجح.
وفي التفاوض الإيراني، هناك ما يعرف بـ«مساومة البازار»، وهو نهج إيران التفاوضي، التي تعني المساومة المتواصلة والدؤوبة، وفي هذا الفصل يستعرض عدد من المواقف التي حدثت أثناء مفاوضات الاتفاق النووي مع المفاوضة الأمريكية، ويندي شيرمن، وقصة بكائها بسبب موقف لعراقجي.
وذكر أن ما دعا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون للتراجع عن قرار التدمير العسكري للمنشآت النووية الإيرانية، وأرغمهم على القبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران، لم يكن سوى القدرة الدفاعية والعسكرية لطهران، خاصةً القدرات الصاروخية، والسبب الرئيس الذي جعل الغربيين يدخلون في المفاوضات مع طهران هو اليأس من تأثير العقوبات والحظر الاقتصادي، وأنّه لولا قدرات العلماء النوويين لإيران ولو لم يحقق البرنامج النووي الإيراني أي تقدم فلم يراوح مكانه، لم يكن هناك أي سبب يدعو الغرب للتفاوض ومنح امتيازات.
أو لو لم يتمكن العلماء الإيرانيون من إيصال نسبة التخصيب إلى 20%، أو القدرات اللازمة للتخصيب بنسب أعلى، أو إن لم يتمكنوا من تشغيل واستخدام المنشآت الخاصة بالقدرات النووية، لأصبحت إيران خالية الوفاض من القوّة اللازمة للتفاوض، بل لكان من الممكن ألا تنطلق المفاوضات عمليًا.
وذكر أن من أهمّ الأمور في مرحلة ما قبل المفاوضات تحديد الأهداف على أساس متطلبات الهوية، والدور، والمكانة، والأمن، والمصلحة لأنّ الوحدات السياسية تنظّم سلوكها، وخطابها، وأفعالها، وعملية الأخذ-العطاء عبر تحديد أهدافها، ولا بدّ للمفاوضين من المعرفة الصريحة للخطوط الحمراء والمجالات غير القابلة للتفاوض بالنسبة لهم وللأطراف الأخرى، الأمر الذي يستلزم توضيح هذه المجالات وتحديد القيود الحاكمة عليها قبل البدء في التفاوض.
ومن الضروري الإدراك السليم للخطوط الحمراء للطرف الآخر والتمييز بين الخطوط الحمراء الحقيقية والمعلن عنها، ويجب أن يعمل اللاعبون قبل بدء التفاوض إلى بناء الثقة في إطار علاقاتهم. وهنا فبناء الثقة الذي لا يحدث بين ليلة وضحاها ووفقًا لرغبة أحد الأطراف وإنما ينتج عبر طرق مختلفة.
ويتعين قبل البدء بالمفاوضات متعددة الأطراف مناقشة وتقييم حصة ودور وقوّة جميع الدول أو اللاعبين المشاركين، ما يتوجب الاستنتاج بدقة عمَّا يسعى إليه كل طرف من مصالح، وما الامتيازات المستعد لتقديمه لأجل مصالحه، وما الامتيازات التي يستطيع تقديمها بمفرده، ولأجل أي الامتيازات يحتاج إلى اتفاق مع حلفائه وأصدقائه.
وحول وجوه المفاوضين، يقول الوزير الإيراني، أنه لا يتعين أن ينقل وجه الدبلوماسي أي مشاعر، ولا يجب أن يتمكن الطرف الآخر من إدراك أي مشاعر منه، وجه الدبلوماسي المخضرم لا يمكن اختراقه، ولا يمكن قراءة أي شعور سواء خوف أو توتر أو سعادة سواء استياء وما إلى ذلك من على وجهه، ومن الممكن أن يفيد للغاية نسج علاقات شخصية مع الأطراف المفاوضة الأخرى. والفرص التي تتوفر قبل وأثناء التفاوض في خضم الضيافات غير الرسمية وأوقات الاستراحة والتقاط الأنفاس وغير ذلك، هي وقت مناسب للتعرف على الأفراد، وبناء نوع من العلاقات العاطفية أو التحفيزية معهم.
ويتحدث عن رفاقه بأنه كان والدكتور تخت روانتشي، أثناء المفاوضات النووية مثل المهاجمَين في فريق كرة القدم، يقول: كنا نمرّر الكرة إلى بعضنا البعض بأعينٍ مغلقة.
فحينما كنتُ أصمت، كان يعرف أن عليه التدخل، وماذا يقول، ويتعين إجراء كافة الحسابات ودراسة كافة الجوانب قبل سلَّ السيف أو الخنجر (التهديد)، وأن تعلم أنه إذا لم يتراجع طرف، فعليك استخدام السيف أو الخنجر
ويستغل المفاوض الإيراني إبان المفاوضات النووية، السابقة رصد حديث المسؤولين في الإعلام، والجلسات البرلمانية، والخطاب المتداول، وما إلى ذلك، وكانوا يستخدمونها في عملية التفاوض، فيما يعتبر انتقاء المفردات المناسبة في أثناء صياغة النص مهارة تفاوضية في حد ذاتها. فتكوين الجمل والتعابير والكلمات، يمكنه دفع عجلة المفاوضات نحو الأمام أو إعاقتها.
وعن شخصية الدبلوماسي المفاوض، قال: لا ينبغي على الدبلوماسيين الغضب في المفاوضات، إلا إذا كان الغضب جزءًا من تكتيكهم التفاوضي، الدبلوماسي لا يغضب إلا إذا قرر هو أن يغضب.
ويؤكد الوزير الإيراني، فكرة «الفصال»، والمساومة، وهي واحدة من الذكريات الجميلة التي يتذكرها عن أيام طفولته وهي المساومة الماهرة التي كانت تقوم بها والدته أثناء الشراء، إذ كانت تساوم باستمرار وصبر، ويقول:
أتذكر ذات مرة عندما كنت في السابعة أو الثامنة من عمري، سألت والدتي أيًا كان السعر الذي يقوله صاحب المتجر فأنت تقترحين قيمة أقل، لكن إذا كانت قيمة سلعة ما ريال واحد ماذا سوف يكون جوابك عندها؟
قالت أمي، أٌقول له أعطني سلعتين بريال واحد!
عندها ومن وجهة نظري الطفولية صدمتني هذه المهارة في المساومة!
وعن قصة بكاء المفاوضة الأمريكية، قال إن السر في كلمة «ولكن»، فقد قدَّمت شيرمن إيضاحات كثيرة حول أحد المواضيع الصغيرة التي كانت متبقية، وقالت لي: أتوافق؟
قلتُ: «نعم، ولكن هناك نقطة صغيرة».
هذه العبارة «نعم، ولكن...»، كثيرًا ما كانت تُقال من جانبنا...
لكن هذه المرّة لم تعد شيرمن تتحمل، وغضبت وانهارت دموعها بشكل لا إرادي، وقالت: قطعنا كل هذا الطريق الطويل، وتريد أن تدمّر كل شيء من أجل موضوع هامشي«، وأجبتها»لكن هذه نقطة صغيرة ومنخفضة الأهمية، فقالت مشكلتنا هي عراقيلكم المستمرة... أنتم تريدون المزيد دائمًا.
وفي كتابه عن التفاوض يؤكد عراقجي، أن الثقافة السياسية الإيرانية، تلتزم الوفاء بالوعد وهو مبدأ مُسلَّم به ومقبول، ولا يذكر التاريخ المعاصر أنّ إيران انتهكت أو نقضت الاتفاقيات أو المعاهدات التي وقّعت عليها، حسب ما جاء في كتاب «قوة التفاوض».
عراقجي يستعرض أسلوب بلاده فى فن التفاوض للملف النووي
| كتب: خالد الشامي (https://www.almasryalyoum.com/editor/details/610) |
https://mediaaws.almasryalyoum.com/news/large/2025/04/15/2654208_0.jpg
كتاب قوة التفاوض لوزير خارجية إيران
استعرض وزير خارجية إيران، عباس عراقجي، أسلوبه في التفاوض خاصة في ملف البرنامج النووي الإيراني، الذي كان يقوده لسنوات عديدة مضت ولا يزال أمام الولايات المتحدة الأمريكية، فخلال الأيام الماضية والمقبلة تتحدد خطوات مستقبلية للتفاوض بين واشنطن وطهران في هذا الملف الشائك.
ومن خلال كتابه المعنون بـ «قوَّة التفاوض»، الذي صدر عن دار نشر «هاشم»، اللبنانية، استعرض التفاوض وأساليبه ومناهجه وأدواته وفلسفته، فضلا عن خبراته في قيادة عملية التفاوض في الملف النووي في أواخر حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.
ويأتي الكتاب، الذي ترجمته الدكتورة فاطمة محمدي سيجاني، من خلال مقدمة و6 أبواب متكاملة عن طبيعة المفاوضات وأنواع المفاوضات السياسية والقوَّة الوطنية، ومهارات ومراحل المفاوضات السياسية ومتطلباتها، وسمات المفاوض.
وفي ماهية التفاوض، عرض الكتاب الإطار المفاهيمي للتفاوض، ويشير إلى أن أطراف المفاوضات يقررون التفاوض عندما يريدون مواجهة أزمة مشتركة تهددهم جميعًا، حينها يأتي دور المفاوضات من نوع «المساومة»، خاصةً في مسألة اتخاذ القرارات بشأن مستوى التكلفة وتقسيم الواجبات، لذا، يصبح إجراء المفاوضات أمرًا ضروريًا لمواجهة التهديد، وهناك الحديث عن «أفضل صفقة»، بأنه لا توجد صفقة .
وفي باب أنواع المفاوضات السياسية، يري أنها تنقسم حسب أهدافها والشكل والتركيب. ويقول إن هناك أنواع مختلفة من المفاوضات، التي تأخذ شكلها وصورتها وأساليبها المناسبة وفقًا للمقتضيات ونوعية العلاقة بين اللاعبين والأجواء السائدة على النظام العالمي والقواعد والمؤسسات الدولية، والأسس العرفية لسلوك اللاعبين، والأعداء والأضرار الناجمة عن سلوكهم في أثناء التفاوض، ويستشهد عن ذلك بمواقف مختلفة أثناء عملية التفاوض النووي مع الدول العالمية الكبرى الستَّة.
وبالنسبة للمفاوضات السياسية والقوة الوطنية، يرى أنها «فن الدبلوماسية»، وتعزيز الدبلوماسية يعني خفض التكاليف، وترسيخ المكتسبات، والنصر في زمن السلام وكذلك الحرب، ويقول:
«من يربح الحرب ليس بالضرورة يربح السلام، وإنما من يربح السلام يربح الحرب أيضًا» وما يحدد نتائج المفاوضات السياسية هو «مقومات القوة الوطنية». وتُجرى هذه المفاوضات معتمدة على القوة الوطنية، وعلى أساس قواعد المساومة، ترسم الإمكانات الوطنية لأطراف التفاوض ملامح أي اتفاق خلال مسار المفاوضات.
وحول أشكال القوّة، يرى الوزير الإيراني أنها تضم أشكال الصلبة والناعمة والمعنوية والقوَّة الذكية، ومن أجل ذلك هناك مقومات حول تحقيق القوّة وأبرزها الجغرافيا والموارد البشرية والسكان والقوّة العسكرية والتنمية الاقتصادية والعلوم والتقنية والتربية والتعليم والثقافة والتاريخ.
وبالنسبة لمهارات ومراحل المفاوضات السياسية ومتطلباتها، يقول إن الهدف من المفاوضات ليس إثبات الحق، وإنما ضمان المصالح، ويجب أن تقنع الطرف الآخر بهدف ضمانة المصالح إما القبول بكلامها أو القيام بعمل بعينه، كما أن المفاوضات السياسية ضمن مسار أو عملية، تمرّ بمراحل مختلفة، وكل مرحلة يمكن أن تخضع لجدول زمني محدد، أو تتبع مسار تنفيذي بعينه. ولكل مرحلة من مراحلها متطلباتها، التي تنقسم إلى 3 منها مرحلة قبل التفاوض، ومرحلة التفاوض، ومرحلة ما بعد التفاوض.
وحول سمات المفاوض الناجح وسلوكه وأساليبه ومواهبه المختلفة التي تعينه لكي يحقق مصالح بلاده الوطنية خلال أي تفاوض، يتعين الاستعانة بالدبلوماسيين المحترفين خلال المفاوضات لاسيما المفاوضات التي تجرى حول القضايا الحيوية والاعتبارية والوجودية، وفي كافة المفاوضات التي تستهدف الوصول إلى اتفاق مناسب.
وأكد ضرورة أن يتمتع الدبلوماسيين المحترفين، ببعض خصائص مثل التعصب القومي والقدرة العلمية والقيم الأخلاقية فضلًا عن الثقة بالنفس وإدارة المشاعر وتعزيز سعة الصدر، ولا يمكن إنكار دور فن الإقناع في تشكيل المفاوض الناجح.
وفي التفاوض الإيراني، هناك ما يعرف بـ«مساومة البازار»، وهو نهج إيران التفاوضي، التي تعني المساومة المتواصلة والدؤوبة، وفي هذا الفصل يستعرض عدد من المواقف التي حدثت أثناء مفاوضات الاتفاق النووي مع المفاوضة الأمريكية، ويندي شيرمن، وقصة بكائها بسبب موقف لعراقجي.
وذكر أن ما دعا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون للتراجع عن قرار التدمير العسكري للمنشآت النووية الإيرانية، وأرغمهم على القبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران، لم يكن سوى القدرة الدفاعية والعسكرية لطهران، خاصةً القدرات الصاروخية، والسبب الرئيس الذي جعل الغربيين يدخلون في المفاوضات مع طهران هو اليأس من تأثير العقوبات والحظر الاقتصادي، وأنّه لولا قدرات العلماء النوويين لإيران ولو لم يحقق البرنامج النووي الإيراني أي تقدم فلم يراوح مكانه، لم يكن هناك أي سبب يدعو الغرب للتفاوض ومنح امتيازات.
أو لو لم يتمكن العلماء الإيرانيون من إيصال نسبة التخصيب إلى 20%، أو القدرات اللازمة للتخصيب بنسب أعلى، أو إن لم يتمكنوا من تشغيل واستخدام المنشآت الخاصة بالقدرات النووية، لأصبحت إيران خالية الوفاض من القوّة اللازمة للتفاوض، بل لكان من الممكن ألا تنطلق المفاوضات عمليًا.
وذكر أن من أهمّ الأمور في مرحلة ما قبل المفاوضات تحديد الأهداف على أساس متطلبات الهوية، والدور، والمكانة، والأمن، والمصلحة لأنّ الوحدات السياسية تنظّم سلوكها، وخطابها، وأفعالها، وعملية الأخذ-العطاء عبر تحديد أهدافها، ولا بدّ للمفاوضين من المعرفة الصريحة للخطوط الحمراء والمجالات غير القابلة للتفاوض بالنسبة لهم وللأطراف الأخرى، الأمر الذي يستلزم توضيح هذه المجالات وتحديد القيود الحاكمة عليها قبل البدء في التفاوض.
ومن الضروري الإدراك السليم للخطوط الحمراء للطرف الآخر والتمييز بين الخطوط الحمراء الحقيقية والمعلن عنها، ويجب أن يعمل اللاعبون قبل بدء التفاوض إلى بناء الثقة في إطار علاقاتهم. وهنا فبناء الثقة الذي لا يحدث بين ليلة وضحاها ووفقًا لرغبة أحد الأطراف وإنما ينتج عبر طرق مختلفة.
ويتعين قبل البدء بالمفاوضات متعددة الأطراف مناقشة وتقييم حصة ودور وقوّة جميع الدول أو اللاعبين المشاركين، ما يتوجب الاستنتاج بدقة عمَّا يسعى إليه كل طرف من مصالح، وما الامتيازات المستعد لتقديمه لأجل مصالحه، وما الامتيازات التي يستطيع تقديمها بمفرده، ولأجل أي الامتيازات يحتاج إلى اتفاق مع حلفائه وأصدقائه.
وحول وجوه المفاوضين، يقول الوزير الإيراني، أنه لا يتعين أن ينقل وجه الدبلوماسي أي مشاعر، ولا يجب أن يتمكن الطرف الآخر من إدراك أي مشاعر منه، وجه الدبلوماسي المخضرم لا يمكن اختراقه، ولا يمكن قراءة أي شعور سواء خوف أو توتر أو سعادة سواء استياء وما إلى ذلك من على وجهه، ومن الممكن أن يفيد للغاية نسج علاقات شخصية مع الأطراف المفاوضة الأخرى. والفرص التي تتوفر قبل وأثناء التفاوض في خضم الضيافات غير الرسمية وأوقات الاستراحة والتقاط الأنفاس وغير ذلك، هي وقت مناسب للتعرف على الأفراد، وبناء نوع من العلاقات العاطفية أو التحفيزية معهم.
ويتحدث عن رفاقه بأنه كان والدكتور تخت روانتشي، أثناء المفاوضات النووية مثل المهاجمَين في فريق كرة القدم، يقول: كنا نمرّر الكرة إلى بعضنا البعض بأعينٍ مغلقة.
فحينما كنتُ أصمت، كان يعرف أن عليه التدخل، وماذا يقول، ويتعين إجراء كافة الحسابات ودراسة كافة الجوانب قبل سلَّ السيف أو الخنجر (التهديد)، وأن تعلم أنه إذا لم يتراجع طرف، فعليك استخدام السيف أو الخنجر
ويستغل المفاوض الإيراني إبان المفاوضات النووية، السابقة رصد حديث المسؤولين في الإعلام، والجلسات البرلمانية، والخطاب المتداول، وما إلى ذلك، وكانوا يستخدمونها في عملية التفاوض، فيما يعتبر انتقاء المفردات المناسبة في أثناء صياغة النص مهارة تفاوضية في حد ذاتها. فتكوين الجمل والتعابير والكلمات، يمكنه دفع عجلة المفاوضات نحو الأمام أو إعاقتها.
وعن شخصية الدبلوماسي المفاوض، قال: لا ينبغي على الدبلوماسيين الغضب في المفاوضات، إلا إذا كان الغضب جزءًا من تكتيكهم التفاوضي، الدبلوماسي لا يغضب إلا إذا قرر هو أن يغضب.
ويؤكد الوزير الإيراني، فكرة «الفصال»، والمساومة، وهي واحدة من الذكريات الجميلة التي يتذكرها عن أيام طفولته وهي المساومة الماهرة التي كانت تقوم بها والدته أثناء الشراء، إذ كانت تساوم باستمرار وصبر، ويقول:
أتذكر ذات مرة عندما كنت في السابعة أو الثامنة من عمري، سألت والدتي أيًا كان السعر الذي يقوله صاحب المتجر فأنت تقترحين قيمة أقل، لكن إذا كانت قيمة سلعة ما ريال واحد ماذا سوف يكون جوابك عندها؟
قالت أمي، أٌقول له أعطني سلعتين بريال واحد!
عندها ومن وجهة نظري الطفولية صدمتني هذه المهارة في المساومة!
وعن قصة بكاء المفاوضة الأمريكية، قال إن السر في كلمة «ولكن»، فقد قدَّمت شيرمن إيضاحات كثيرة حول أحد المواضيع الصغيرة التي كانت متبقية، وقالت لي: أتوافق؟
قلتُ: «نعم، ولكن هناك نقطة صغيرة».
هذه العبارة «نعم، ولكن...»، كثيرًا ما كانت تُقال من جانبنا...
لكن هذه المرّة لم تعد شيرمن تتحمل، وغضبت وانهارت دموعها بشكل لا إرادي، وقالت: قطعنا كل هذا الطريق الطويل، وتريد أن تدمّر كل شيء من أجل موضوع هامشي«، وأجبتها»لكن هذه نقطة صغيرة ومنخفضة الأهمية، فقالت مشكلتنا هي عراقيلكم المستمرة... أنتم تريدون المزيد دائمًا.
وفي كتابه عن التفاوض يؤكد عراقجي، أن الثقافة السياسية الإيرانية، تلتزم الوفاء بالوعد وهو مبدأ مُسلَّم به ومقبول، ولا يذكر التاريخ المعاصر أنّ إيران انتهكت أو نقضت الاتفاقيات أو المعاهدات التي وقّعت عليها، حسب ما جاء في كتاب «قوة التفاوض».