المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رمضان في مكة.. روحانيات تتجاوز الضيق من الزحام



سلسبيل
10-29-2005, 11:05 AM
شموع الحرم كانت تتلألأ نورا وتسطع ضياء


أبها: مها عارف


يحرص المسلمون على صيام شهر رمضان المبارك الى جانب بيت الله العتيق في أم القرى مكة المكرمة بجوار الكعبة المشرفة في اجواء روحانية من الجلال والخشوع والرحمات.
في هذه الايام يتدفق ملايين المسلمين من ارجاء المعمورة لاداء العمرة في رمضان والتي تعادل حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. في هذه الايام تهافت كبير تشهده مكة المكرمة من قبل زوار بيت الله العتيق على اسواق المنتجات الغذائية المتعددة والمتنوعة. نتذكر أم القرى في ايامها السابقة، تميزت مكة المكرمة بكرمها مع الحجاج والمعتمرين، وظلت اسواق اللحوم والخضروات مزدحمة، فالناس على عجل لتجهيز مائدة الافطار بما لذ وطاب من انواع الاطعمة وصنوف الاشربة.

قسم اهل مدن الحجاز شهر رمضان الى ثلاثة اقسام: الثلث الاول للجزارين، والثلث الثاني للقماشين، والثلث الثالث للخياطين.

وكانت ليالي رمضان وهاجة ساطعة تتلألأ بالانوار على الرغم من انه لم تكن في تلك الايام كهرباء، ومع ذلك كانت المصابيح قوية وهاجة.

ولرمضان أثر بارز في مجتمع مكة نهارا، حيث لا يغادر الناس بيوتهم لشراء حاجات المطبخ من لحوم وخضروات وفواكه إلا بعد ان يمضي من النهار ثلثه لأنهم يسهرون حتى يتسحروا، ثم ينتظروا اذان الفجر ليؤدوا الصلاة ثم يذهبوا الى بيوتهم للنوم، واهالي مكة يعتنون بالسحور اكثر من الفطور، فترى المائدة تحتوي على اللحوم والارز والفواكه والادام والخضروات والحلوى.

وقد بلغ اهتمام اهالي مكة بهذا الشهر ـ في بعض العصور ـ مبلغا تحدث عنه «القضاعي» فقال: عجائب الاسلام اربع: عرض الخيل بمصر، ورمضان مكة، والعيد بطرطوس، والجمعة في بغداد.

يقول الرحالة ابن جبير الذي حضر شهر رمضان بمكة المكرمة عام 579 هـ: حينما استهل هلال رمضان، وقع الاحتفال في المسجد الحرام بهذا الشهر المبارك وقد جددت الحصر وكثر الشمع والمشاعل وغير ذلك من آلات الاضاءة حتى تلألأ الحرم نورا وسطع ضياء.

ان جماعة من التجار تنافسوا، فجلبوا لامام الكعبة شمعا كثيرا من اكبرها شمعتان نصبتا امام المحراب، فيهما قنطار وقد حف بهما شمع دونهما صغير وكبير.. فكاد لا تبقى في المسجد زاوية ولا ناحية الا وفيها قارئ يصلي بجماعة خلفه فيرتج المسجد لأصوات القراءة من كل ناحية فتعاين الابصار، وتشنف الاسماع بما تخشع له النفوس خشية ورقة.

وكل وتر من الليالي العشر الاواخر يختم فيها القرآن، فأولاها ليلة الواحد والعشرين، ختم فيها احد ابناء اهل مكة، وحضر الختمة القاضي، وجماعة من الاشياخ فلما فرغوا، قام الصبي فيهم خطيبا ثم استدعاهم ابو الصبي المذكور الى منزله الى طعام وحلوى قد اعدها واحتفل فيها ثم بعد ذلك ليلة الثالث والعشرين وكان المختتم فيها احد ابناء المكيين ذوي اليسار، غلام لم يبلغ سنه الخمس عشرة سنة فاحتفل ابوه بهذه الليلة، احتفالا بديعا وذلك انه اعد له ثريا مصنوعة من الشمع مغصنة، قد انتظمت فيها انواع الفواكه الرطبة واليابسة واعد لها شمعا كثيرا، ووضع وسط الحرم شبه المحراب المربع اقيم على قوائم اربع، تدلت منه قناديل مسرجة واحاط دائر المحراب بمسامير مدببة الاطراف، فرز فيها الشمع واوقدت الثريا المغصنة، ذات الفواكه وامعن في الاحتفاء هذا الاحتفال.

ثم كانت ليلة الخامس والعشرين، فكان المختتم الامام الحنفي وقد اعد ابن له لذلك مكان احتفال الامام لابنه في هذه الليلة عظيما احضر فيه من ثريات الشمع اربعا مختلفات الصنعة، فيها مشجر مغصنة مثمرة بأنواع الفواكه الرطبة واليابسة، ومنها غير مغصنة فصففت امام حطيم وتوج الحطيم بخشب والواح وضعت اعلاه وجلل ذلك كله سرجا ومشاعل وشمعا فاستنار الحطيم حتى لاح في الهواء كالتاج العظيم من النور، واحضر الشمع في الشمعدانات النحاسية، ووضع المحراب العودي فجلل دائره الاعلى كله شمعا، واحدق به الشمع في الشمعدانات فاكتنفته هالات من نور، ونصب المنبر قبالته مجللا ايضا على الكسوة الملونة. فختم الصبي المذكور ثم برز من محرابه الى منبر في اثوابه رائعة المنظر. فصعد المنبر واشار بالسلام على الحاضرين وابتدأ خطبته، وحضر القراء بين يديه على الرسم الاول، وانتهت الحفلة بالوليمة التي يقيمها والده، ثم يقول: واية حال توازي شهود ختم القرآن ليلة الخامس والعشرين من رمضان، خلف المقام الكريم، وتجاه البيت العظيم؟ وانها لنعمة تتضاءل لها النعم تضاؤل سائر البقاع للحرم.

ولما كانت ليلة السابع والعشرين، كان الاستعداد للاحتفال بهذه الليلة المباركة يكون قبل ذلك بليلتين، او ثلاث، واقيمت ازاء الحطيم، خشب عظيم ظاهر الارتفاع موصول بين كل ثلاث منها، بأذرع من الاعواد الوثيقة، فاتصل منها صف، كاد يمسك نصف الحرم عرضا، ووصلت بالحطيم، ثم عرضت بينها الواح طوال، مدت على الاذرع المذكورة وعلت طبقة منها طبقة اخرى، حتى استكملت ثلاث طبقات، فكانت الطبقة العليا خشبا، مستطيلة نصب عليها الشمع، والطبقتان تحتهما الواح مثقوبة، وثقبا متصلا، وضعت فيها زجاجات المصابيح، ذوات الانابيب المنبعثة من اسافلها وتدلت من جميع الاذرع المذكورة قناديل كبار وصغار، وشمعدانات نحاسية بها الشمع اضاءت الحرم وتقدم القاضي فصلى فريضة العشاء الآخرة، ثم قام وابتدأ بسورة «القدر» وكان أئمة الحرم في الليلة قبلها قد انتهوا في القراءة اليها، وتعطل في تلك الساعة سائر الائمة في الصلاة تعظيما لختمة المقام. وحضروا متبركين بمشاهدتها، فختم القاضي بتسليمتين، وقام خطيبا مستقبل المقام والبيت العتيق، ولما فرغ من خطبته انفض الجميع.