المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بلاغة علي بن أبي طالب (عليه السلام



ابو علي السماوي
10-28-2005, 09:34 PM
ويستمر تولد الأفكار في (نهج البلاغة) من الأفكار، فإذا أنت منها أمام حشد لا ينتهي. وهي مع ذلك لا تتراكم، بل تتساوق ويترتّب بعضها على بعض. ولا فرق في ذلك بين ما يكتبه عليّ وما يُلقيه ارتجالاً. فالينبوع هو الينبوع ولا حساب في جَرْيهِ لليل أو نهار.

ففي خطبه المرتجلة معجزات من الأفكار المضبوطة بضابط العقل الحكيم والمنطق القويم. وإنك لتدهش، أمام هذا المقدار من الإحكام والضبط العظيمين، حين تعلم أن علياً لم يكن ليعدّ خُطَبَه ولو قُبَيل إلقائها بدقائق أو لحظات.

فهي جائشة في ذهنه منطلقة على لسانه عفْوَ الخاطر لا عنتَ ولا إجهاد، كالبرق إذ يلمع ولا خبرَ يأخذ أو يعطيه قبل وميضه. وكالصاعقة إذ تزمجز ولا تُهيّئ نفسَها لصعقٍ أو زمجرة. وكالريح إذ تهبّ فتلوي وتميل وتكسح وتنصبُّ على غاية ثم إلى مَدَاورها تعود ولا يدفعها إلى أن تروح وتجيء إلاّ قانونُ الحادثة ومنطقُ المناسبة في حدودها القائمة، لا قبل ولا بعد!

ومن مظاهر الذكاء الضابط القويّ في نهج البلاغة تلك الحدود التي كان عليّ يضبط بها عواطف الحزن العميق إذ تهيج في نفسه وتعصف. فإن عاطفته الشديدة ما تكاد تُغرقه في محيط من الأحزان والكآبات البعيدة، حتى يبرز سلطان العقل في جلاء ومضاء، فإذا هو آمر مطاع.