المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعلمت من قليل الأدب! ......أنيس منصور



فاتن
10-28-2005, 01:43 PM
أنيس منصور

في ديوان «بستان الورد» للشاعر الفارسي سعدي هذه النكتة: سئل رجل من أين تعلمت الأدب؟ قال: من واحد قليل الأدب، فكان إذا فعل شيئا امتنعت عنه!

ولم أر أحدا يطبق هذه الحكمة مثل الموسيقار محمد عبد الوهاب. كان يقول: إن أحسن نموذج لأسوأ سلوك: سيد درويش قديما، وبليغ حمدي حديثا، فكلاهما موهبة عظيمة، لكن سيد درويش بدد موهبته بتعاطي المخدرات والمنبهات وكذلك بليغ حمدي!

ولذلك كان عبد الوهاب لا يشرب الخمر ولا المشروبات الساخنة، ولا يأكل الآيس كريم، فهو يرى أن المطرب يجب أن يصون حباله الصوتية، وقدرته على التنفس، وكان لا يدخن أيضا.

والذي لم ينتبه إليه الناس أن عبد الوهاب كان حريصا على أن يزور أي فنان صاعد ليرى بيته وأهله وطعامه وشرابه وغرفة نومه. سألته في ذلك قال: إن الموهبة كائن رقيق حساس، ولذلك يجب أن يهتم بها الفنان وأن يحرص عليها، وأغلب الشبان لا يفعلون ذلك، وأنت تستطيع أن تعرف كم هو العمر الفني لأي واحد إذا رأيته في بيته، أي كيف يصون موهبته وكيف يحتفي بها. أكثر الفنانين لا يعرفون أن لديهم موهبة، ولذلك يقضون عليها في مهدها!

وكنا نندهش عندما يستأذن عبد الوهاب ليدخل غرفته وينام، فكان يطلب إلينا أن نلقي فوقه أكثر من لحاف، ويلف نفسه كأنه مومياء فرعونية. أما السبب فهو حرصه على أن ينام في درجة حرارة واحدة بعيدا عن التكييف، وفي ذلك صيانة لجهازه الوحيد الذي يملكه ويعيش به ويعيش عليه جسمه!

وفي يوم امتدحت المطرب الشعبي أحمد عدوية وقلت «إنه صاحب أقوى الأصوات وأكثرها تميزا، وهو أعجوبة بين المطربين».

أما السبب فهو أن أحمد عدوية له صوت قوي رغم أنه لا يرعاه رعاية كاملة، فهو يغني في الكباريهات حيث الجو ملوث بالدخان، ثم يخرج من الكباريه إلى الهواء البارد ثم يدخل في كباريه آخر، من حار إلى بارد إلى حار إلى بارد، ومع ذلك فصوته قوي لم يتأثر بشيء!

وفوجئت بأن عبد الوهاب قال: أنا من رأيك، ولكني لا أستطيع أن أصرح بذلك فسوف يساء فهمي من المطربين والملحنين ورجال الدين!

ولكن أحمد عدوية ليس النموذج الذي يجب أن يقتدي به صاحب الموهبة التي يجب أن يحميها ويصونها، حماية لنفسه وحماية لموهبته، والنموذج الرفيع لذلك: عبد الوهاب وأم كلثوم!