hassan69
10-27-2005, 01:38 AM
*آلان غريش
Alain GRESH
بمناسبة انعقاد مؤتمر اوزراء خارجية كل من الصين وروسيا والهند في فلاديفوستوك يوم 2 حزيرا/يونيو 2005، وقعت بكين وموسكو بالأحرف الاولى على اتفاق لفض الخلاف الحدودي بينهما كما أكدت الهند استثماراتها في النفط الروسي بحدود المليار دولار في مشروع ساخالين واحد. ويدعو البلدان الثلاثة الى رفض "الكيل بمكيالين" في العلاقات الدولية، وهي عبارة تستهدف ادارة بوش. ففي شهر آب/اغسطس 2005، وامام ما اثاره عرضها من اعتراضات في الكونغرس الاميركي، تخلت شركة CNOOC Ltd الصينية عن شراء شركة "يونوكال" النفطية الاميركية. تراجعت حرية انتقال الرساميل امام "الدواعي الامنية". في نفس الشهر، رفضت ايران اقتراح الدول الاوروبية الثلاث (المانيا، فرنسا وبريطانيا) المدعومة من الولايات المتحدة، المتضمنة التخلي النهائي عن تخصيب اليورانيوم في الوقت الذي تعطيها فيه معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية الحق في هذا التخصيب. رفعت طهران راية السيادة خصوصا وان ذكريات التدخل الاجنبي، من تدخل روسيا في القرن التاسع عشر الى وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية عام 1953، ما تزال حارقة.
ونتوقف امام ثلاثة احداث: تكاثر زيارات المسؤولين الصينيين الى افريقيا واميركا اللاتينية، التوتر التجاري بين الولايات المتحدة واوروبا والصين حول قضية النسيج، اقرار كوريا الجنوبية بحق بيونغ يانغ الحصول على صناعة نووية لاغراض مدنية وذلك في تعارض مع موقف واشنطن... ترسم هذه الاحداث المتناثرة ملامحا جيوسياسية اكثر تعقيدا مما نتخيله احيانا ولا يقتصر على الموجة العاتية للعولمة الليبرالية. فالشعور القومي قائم في كافة الانحاء وكذلك ثقافة المجتمعات والطموحات المنغرسة في التاريخ، ويتزايد عدد الرافضين الانصياع للنظام العالمي.
وليس في الافق اي بروز لامبريالية متفوقة تضع حدا للتنافس والمزاحمة. ففي وجه اميركا التي لا تتردد، كما في حالة "يونوكال"، في الدفاع عن مصالحها، يتأكد من بكين الى ساوباولو ومن سيول الى نيودلهي موقف وطني اقتصادي وسياسي واصرار على الدفاع عن الاستقلال. وفي ايلول/سبتمبر 2003، سبق لعشرين دولة من دول الجنوب وخصوصا الهند والبرازيل وافريقيا الجنوبية ان افشلت في كانكون مؤتمر منظمة التجارة العالمية بعد رفض مطالب هذه الدول. وفي فرنسا يتبين المنطق نفسه في المعارضة الواسعة لشراء شركة "دانون" من قبل "بيبسي كولا".
"نهاية التاريخ" كما اوضح فرنسيس فوكوياما تعلن ليس فقط انتصار العولمة بل ايضا النظام الليبرالي المتجسد في الولايات المتحدة الاميركية. لكن منذ عقد من الزمن تعجز الولايات المتحدة عن كسب "القلوب والعقول". ففي العام 1789 انتشرت افكار الثورة الفرنسية في اوروبا وما وراء اوروبا، وشكلت الثورة السوفياتية لوقت مديد تحديا ايديولوجيا وعسكريا للغرب. لكن اوج القوة العسكرية الاميركية يتطابق مع ادنى شعبية تحققها في العالم. فلم تكن يوما صورة واشنطن سلبية في الخارج كما هي اليوم. "حتى الصين افضل" عنونت "الهيرالد تريبيون انترناسيونال" في 24 حزيران/يونيو 2005.
بالطبع ما من بلد في العالم يطمح، في افق العقد الآتي، منافسة الولايات المتحدة كما فعل الاتحاد السوفياتي خلال النصف الثاني من القرن العشرين. فأميركا قوة عسكرية لا مثيل لها في التاريخ ومع ذلك فهي ما تزال غارقة في وحول العراق بمواجهة مقاومة من بضعة آلاف من المقاتلين الذين يسمّرون على الارض 148 الف جندي اميركي. اما فضائح غوانتانامو وابو غريب والتعذيب والتعدي شيئا فشيئا على الحريات الاساسية فانها كلها تدكّ الادعاءات الاميركية واحيانا الاوروبية (هذا الثنائي المسمى "الغرب") في الانفراد بتحديد القيم الكونية من حقوق البشر والديموقراطية والحريات واعلان ما هو الخير وما هو الشر واي نظام سياسي مقبول واي نظام مرفوض وعلى اي دولة تفرض العقوبات واي دولة تعفى منها.
محاولتهم فرض رؤية مجتزأة عن العالم والحق والاخلاق والمسوقة عبر وسائل الاعلام، تجابه بالرفض في كل مكان. فنجاح الفضائية العربية، "الجزيرة"، واطلاق "تيليسور" في اميركا الجنوبية تأكيد على هذا التمرد الذي يطال مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة. ولو ان هذا الرفض يتخذ احيانا اشكالا مشوهة من التطرف الديني او القومي تغذي مقولة "صدام الحضارات".
مطلع القرن الثامن عشر، فرضت اوروبا سيطرتها في وجه قوى أخرى. ويؤكد التأريخ المعاصر ان هذه الارجحية نتجت عن ظروف خاصة لا سيما امتلاك اميركا الشمالية وتجارة الرقيق [1]. وقد ترجمت بتفوق عسكري سمح للقارة القديمة باخضاع العالم للنير الاستعماري. وقد سعت اوروبا لتشريع سيطرتها من خلال التفوق المزعوم لقيمها وفكرها لا سيما الفلسفة اليونانية [2]. فاحتقرت سائر الثقافات "البربرية" او الدنيا" حسب قولها وباتت الولايات المتحدة واحيانا اوروبا تستعيد هذه الافكار المسبقة الطالعة من زمن مضى. عليهم التذكر ان الامبراطوريات الاستعمارية "المتقدمة" و"المتطورة" انتهت الى الزوال...
Alain GRESH
بمناسبة انعقاد مؤتمر اوزراء خارجية كل من الصين وروسيا والهند في فلاديفوستوك يوم 2 حزيرا/يونيو 2005، وقعت بكين وموسكو بالأحرف الاولى على اتفاق لفض الخلاف الحدودي بينهما كما أكدت الهند استثماراتها في النفط الروسي بحدود المليار دولار في مشروع ساخالين واحد. ويدعو البلدان الثلاثة الى رفض "الكيل بمكيالين" في العلاقات الدولية، وهي عبارة تستهدف ادارة بوش. ففي شهر آب/اغسطس 2005، وامام ما اثاره عرضها من اعتراضات في الكونغرس الاميركي، تخلت شركة CNOOC Ltd الصينية عن شراء شركة "يونوكال" النفطية الاميركية. تراجعت حرية انتقال الرساميل امام "الدواعي الامنية". في نفس الشهر، رفضت ايران اقتراح الدول الاوروبية الثلاث (المانيا، فرنسا وبريطانيا) المدعومة من الولايات المتحدة، المتضمنة التخلي النهائي عن تخصيب اليورانيوم في الوقت الذي تعطيها فيه معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية الحق في هذا التخصيب. رفعت طهران راية السيادة خصوصا وان ذكريات التدخل الاجنبي، من تدخل روسيا في القرن التاسع عشر الى وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية عام 1953، ما تزال حارقة.
ونتوقف امام ثلاثة احداث: تكاثر زيارات المسؤولين الصينيين الى افريقيا واميركا اللاتينية، التوتر التجاري بين الولايات المتحدة واوروبا والصين حول قضية النسيج، اقرار كوريا الجنوبية بحق بيونغ يانغ الحصول على صناعة نووية لاغراض مدنية وذلك في تعارض مع موقف واشنطن... ترسم هذه الاحداث المتناثرة ملامحا جيوسياسية اكثر تعقيدا مما نتخيله احيانا ولا يقتصر على الموجة العاتية للعولمة الليبرالية. فالشعور القومي قائم في كافة الانحاء وكذلك ثقافة المجتمعات والطموحات المنغرسة في التاريخ، ويتزايد عدد الرافضين الانصياع للنظام العالمي.
وليس في الافق اي بروز لامبريالية متفوقة تضع حدا للتنافس والمزاحمة. ففي وجه اميركا التي لا تتردد، كما في حالة "يونوكال"، في الدفاع عن مصالحها، يتأكد من بكين الى ساوباولو ومن سيول الى نيودلهي موقف وطني اقتصادي وسياسي واصرار على الدفاع عن الاستقلال. وفي ايلول/سبتمبر 2003، سبق لعشرين دولة من دول الجنوب وخصوصا الهند والبرازيل وافريقيا الجنوبية ان افشلت في كانكون مؤتمر منظمة التجارة العالمية بعد رفض مطالب هذه الدول. وفي فرنسا يتبين المنطق نفسه في المعارضة الواسعة لشراء شركة "دانون" من قبل "بيبسي كولا".
"نهاية التاريخ" كما اوضح فرنسيس فوكوياما تعلن ليس فقط انتصار العولمة بل ايضا النظام الليبرالي المتجسد في الولايات المتحدة الاميركية. لكن منذ عقد من الزمن تعجز الولايات المتحدة عن كسب "القلوب والعقول". ففي العام 1789 انتشرت افكار الثورة الفرنسية في اوروبا وما وراء اوروبا، وشكلت الثورة السوفياتية لوقت مديد تحديا ايديولوجيا وعسكريا للغرب. لكن اوج القوة العسكرية الاميركية يتطابق مع ادنى شعبية تحققها في العالم. فلم تكن يوما صورة واشنطن سلبية في الخارج كما هي اليوم. "حتى الصين افضل" عنونت "الهيرالد تريبيون انترناسيونال" في 24 حزيران/يونيو 2005.
بالطبع ما من بلد في العالم يطمح، في افق العقد الآتي، منافسة الولايات المتحدة كما فعل الاتحاد السوفياتي خلال النصف الثاني من القرن العشرين. فأميركا قوة عسكرية لا مثيل لها في التاريخ ومع ذلك فهي ما تزال غارقة في وحول العراق بمواجهة مقاومة من بضعة آلاف من المقاتلين الذين يسمّرون على الارض 148 الف جندي اميركي. اما فضائح غوانتانامو وابو غريب والتعذيب والتعدي شيئا فشيئا على الحريات الاساسية فانها كلها تدكّ الادعاءات الاميركية واحيانا الاوروبية (هذا الثنائي المسمى "الغرب") في الانفراد بتحديد القيم الكونية من حقوق البشر والديموقراطية والحريات واعلان ما هو الخير وما هو الشر واي نظام سياسي مقبول واي نظام مرفوض وعلى اي دولة تفرض العقوبات واي دولة تعفى منها.
محاولتهم فرض رؤية مجتزأة عن العالم والحق والاخلاق والمسوقة عبر وسائل الاعلام، تجابه بالرفض في كل مكان. فنجاح الفضائية العربية، "الجزيرة"، واطلاق "تيليسور" في اميركا الجنوبية تأكيد على هذا التمرد الذي يطال مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة. ولو ان هذا الرفض يتخذ احيانا اشكالا مشوهة من التطرف الديني او القومي تغذي مقولة "صدام الحضارات".
مطلع القرن الثامن عشر، فرضت اوروبا سيطرتها في وجه قوى أخرى. ويؤكد التأريخ المعاصر ان هذه الارجحية نتجت عن ظروف خاصة لا سيما امتلاك اميركا الشمالية وتجارة الرقيق [1]. وقد ترجمت بتفوق عسكري سمح للقارة القديمة باخضاع العالم للنير الاستعماري. وقد سعت اوروبا لتشريع سيطرتها من خلال التفوق المزعوم لقيمها وفكرها لا سيما الفلسفة اليونانية [2]. فاحتقرت سائر الثقافات "البربرية" او الدنيا" حسب قولها وباتت الولايات المتحدة واحيانا اوروبا تستعيد هذه الافكار المسبقة الطالعة من زمن مضى. عليهم التذكر ان الامبراطوريات الاستعمارية "المتقدمة" و"المتطورة" انتهت الى الزوال...