المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدينة أسمها سوق الشيوخ



زوربا
10-26-2005, 04:22 PM
زهير كاظم عبود


مدينة في العراق لا تتميز سوى بغرابة أسمها

كل المدن لها مسميات تتعلق بتاريخها أو زمانها الا هي .. فالمدينة أسمها ( سوق الشيوخ ) .

والحقيقة أنها ليست سوقاً ولا منتجعا سياحياً ولا مرفقا أثارياً رغم قربها من أطلال أور وبقايا الدولة السومرية العريقة ، وبالرغم من كونها على حافة التاريخ البشري الموغل في القدم ، لكنها تتميز بأن أهلها جميعهم شيوخ ، ومعنى الشيخ ليس فقط رئاسة العشيرة أو القبيلة ، وأنما القدرة على الحكمة والشجاعة والكرم والثقافة الشعبية

هذه المدينة التي تحتضن الفرات عندما يتلوى غنجاً قبل أن يعانق أطراف الهور ، من المدن العجيبة والجديرة بالملاحظة والالتفات والاهتمام

تتميز بقدرة أبنائها على نظم جميع أنواع الشعر الشعبي ، ففيها يرضع الصغار الشعر الشعبي ويتبارى الكبار ليس في شعر العامة بل حتى في شعر المعلقات والعرب عموماً ، فالثقافة في السوق لاتتقيد بالمستوى الأجتماعي أو الطبقي ، انها القاسم المشترك الذي يتلبس قلوب الجميع ، مثلما حباها الله بأصوات شجية تتميز على غيرها بقدرة أولادها على أداء جميع أطوار الغناء العراقي الجنوبي والفراتي الشجي والصعب

تتميز بجمال نسائها وتميزها باللباس الشعبي الفلكلوري الذي يزيد المرأة جمالاً وأنوثة ومهابة فيتميز الجرغد والهاشمي والشيلة في السوق عن سواها من مدننا الجميلة .

تتميز السوق بكرم أهلها ومحبتهم وتقديرهم للغريب واحتضانها للمبعدين والمنفيين من السياسيين الذين بقوا يتذكرون اصالة اهلها ودفء حنانهم على الضيوف ، وسمو أخلاقهم وثقافتهم غير الاعتيادية ، كثيرة العطاء .

أسمها سوق الشيوخ وشبابها ونسائها شيوخ حقاً ، و قبل تأسيس الدولة العراقية وبعد الحكم الوطني مروراً بالجمهوريات العديدة ، تميزت السوق بمواقفها الوطنية المناهضة للاستعمار والرجعية والسلطات الظالمة ، ولهذا برز من شبابها الكثير من كوادر الحركة الوطنية في العراق ، وأحتفظت المدينة بذكريات رائعة حينما ارتبطت بعلاقات حميمية وصادقة مع المبعدين السياسيين من مناطق الموصل والمنطقة الغربية ، مثلما تميزت علاقة أهلها الشيوخ مع الأخوة الكرد المبعدين اليها من قبل السلطات ، فكانوا أصدق من يجسد العلاقة الأخوية بين العرب والكرد ، ومازال الأخوة الكرد يتحدثون كثيراً عن هذه العلاقة .

وسوق الشيوخ متوحدة في مواقف أبنائها الشيوخ ، وخير مثل مواقفها ضد الاعتداء الثلاثي على مصر ، و كذلك فاعلية ومشاركة أبنائها ونسائها بالانتفاضة ضد السلطة الدكتاتورية عام 1991 ، ومن ثم تبعثر أبنائها في مجاهل الأرض طلبا للأمان الذي أفتقدوه في بلادهم بعد أن تركوا ورائهم من ينظم الشعر ويقول الهوسات الممتلئة بالحكمة والمناهضة للسلطة رغم كل هذا الزمن الصعب

غير أن المدينة بقيت يغلفها الحزن ، وتتكسر بين جدران بيوتها الشعبية الغصة وتمتلئ عيون نسائها بالدموع وهن يفارقن الأولاد والأخوة والأحباب .

وأذا أستطاعت السلطة الدكتاتورية في غفلة الزمن أن تسرق البسمة والفرحة من عيون السوق ، فأن المدينة وعشائرها وأهلها يقظة وبأنتظار بارقة الأمل لتتقدم الصفوف دوماً كما عرفناها .



ومع كل هذا تجد الكثير الكثير من أولادها من يمتلئ تفاؤلاً وأيماناً بقدرة الناس أن يعيدوا ما هدمته ونسفته السلطات الظالمة .

وها قد لاحت تباشير الفرح الديمقراطي الذي طالما ناضل من اجله رجال ونساء السوق ، وقد انتشرت في سماء السوق الوان الفرح وهي تعيد احتضان اولادها المنتشرين في أصقاع الارض ، وتعيد البسمة الى الناس وترجع السوق سوقاً للشيوخ والكرم والأصالة والفرح بعد أن رحلت كل غيوم الحزن والكآبة ، فتسمع على أطراف الفرات طرقعة الإصبع التي أشتهر بها المنتشين من أبنائها في جلسات السمر والفرح الكثيرة في سوق الشيوخ .

هي مدينة ليست كالمدن ، ولذا سميت سوقاً للشيوخ وجسراً للمحبة ومضيفاً للطيبين

زوربا
10-26-2005, 04:24 PM
نبذه عن تاريخ سوق الشيوخ

سوق الشيوخ ابنة الفرات والنخيل,سليلة المجد وحاضنة التاريخ , مرتع الادب والاشعار والشعراء , حارسة الصحراء والقوافل والحداء , حاضرة الأرياف والمضايف والابوذية . ذات الفسيفساء الجميل في المجتمع المتألف المتأخي منذ القديم.

ذات العنق الممتد طولا الى الانحاء بالصوت الصادح بحب الله والوطن.

مااجملها وانتم تطلعون على ارتباطها الموغل بالقدم بذلك الحكيم الذي جعل من ازقتها ملاعبا لحوارات الاجيال واسماها قومه

السومريون (بسوك مارو ) أي سوق الحكيم ومات الحكيم وانطفأت وضلت ركاما تلأ (ايشان) كبقية المدن السومرية المندثرة

في جنوب العراق لكنها ظهرت وبرغت من جديد مدينة تحمل ما تحمل من عطر التاريخ وألون الاصالة والارومة فكانت

قبل اكثر من قرنين عراقية عربية مرّ بها العثمانيون ولم تبتسم لهم ودخلها الانكليز بعد أن حاربتهم وكرهتهم وانحسروا

عنها بعد ان أفاق الوطن .

وها هي شامخة تتطاول مع الشمم والفخار . حيث أبنائها الغيارى تكفلوا ويتكفلون بالحفاظ على تراثها العريق وهم يتناقلونه

جيلا عن جيل امانه كاملة الوفاء ناصعة المضمون .

يقول الرواة العدول ان سوق الشيوخ نشأت على مرتفع واسع من الارض او تل كبير وعلى ايشان من اليشن السومرية

القديمه حيث وجده بعض الباعة من ابناء الارياف القريبه منه خير ساحه لمبادلة البضائع المختلفة وكان يعرف بتل الاسود

ثم بعد ان بنيت علية عدة دكاكين من طين او القصب . سمي بسوق النواشي نسبة الى اقرب عشيرة اليه تتردد اكثر من

غيرها للتبضع , هذه المرحله الاولى , اما المرحله التاليه هي بدء التجمع السكاني الذي فرضته تطورات سياسية واجتماعية

ولأهمية المنطقة الجغرافيه والموقع الملائم وبرعاية ومقصد من قبل الشيخ ثويني العبد الله آل سعدون الذي لا تبعد مشيخته

ومضاربة سوى بضع كيلومترات عن سوق الشيوخ .

بدأت المدينة تنمو وتتوسع واتخذها شيوخ آل سعدون مركزا لمشيختهم يتحركون فيها اداريا وعسكريا وسياسيا حيث يتوافد

شيوخ العشائر الاخرى اليهم للتجمع والتشاور وصنع القرارات وبذلك سميت بسوق الشيوخ .

وذلك في الارجح عام 1761م ثم اتسعت رقعة السكن الدائم بأتساع النشاط الاقتصادي والاجتماعي وتوافد التجار والحرفيين

على المدينة فظهرت المحلات ورسمت فهذه هي محلة النجادة نسبة للنجديين القادمين من نجد عبر الصحراء لان ارض العرب للعرب ولان العراق ارض السواد والخصب والنماء قبل ان يعرف النفط , ولان العراقيين وحدويون وهذه محلة البغاده وأهلها

الذين جاءوا من بغداد والحلة وبلد والموصل وغيرها من المدن , وهذه محلة الحويزه للذين هاجروا من الاحواز وما جاورها .

ومحلة الحضر وسكانها الذين جاءوا من مدن متفرقه وبعض الارياف المجاوره للمدينة وكانت هذه المحلات الاربع متجاورة

على التل الذي علية المدينة التي سورت وفتحت فيها الابواب في العهد العثماني التي تسمى (القول ) جمع (قولة) وذلك في

ولاية مدحت باشا والتي اصبحت وسميت بقضاء سوق الشيوخ عام 1870م وعين حسين باشا قائمقاما فيها...

ومرت السنين وجاء القرن العشرين وفي بدايتة تجدها قد توسعت في رفعتها , فهناك عبر النهر محلة الصابئة الذين جاءوها

من ميسان وبعدد كبير من الحرفيين , وهناك محلة الاسماعيلية في المنخفض الغربي للمدينة فكانت هذه الخارطة الملونه

الجميلة التي ضمت هذا الخليط الذي تجانس وتكاثر وتآخى وتألف.....

وتلألأ اسم سوق الشيوخ في سماء الاقتصاد والسياسه والعلم بعد ان تسلم العراقيون زمام امورهم , حيث جاء الحكم الوطني وعين لها قائمقام عربي عراقي عام 1921م وهو المرحوم صالح الحجاج وعند ذلك وعندما تدخل المدينة تجد البيوتات

وعناوينها الاقتصادية و العلمية و الدينية و تجد الحرف المتنوعه في اسواقها العامره المتخصصة و تجد المنتديات و

الدواوين التي يتداول روادها ما يشاءون وترى مجتمعها يتحرك وبنشاط وبكل المجالات .

وعندما تبحث الآن في أزقتها التي لا تزال آثارها باقية يقال لك هذا خان العجم , حيث سكنه الأيرانيون عندما ترددوا

على المدينة لممارسة حرفهم المتنوعة حتى اصبح لهم القنصل الفخري لحكومة ايران والذي رفع على باب دكانه لوحة

تحمل شعار دولة ايران آنذاك (الشمس و والأسد ) وهو المدعو محمد علي البهبهاني .

ثم أنك عندما تمر الآن في بداية الزقاق المؤدي الى دار العرفج في محلة النجاده تجد آثار الكنيس اليهودي(التوراة) حيث

مارس اليهود الذين سكنوا المدينة طقوسهم الدينية والذين مارسوا التجارة والصيرفه والربا والذي كان أخرهم المدعو

الياهو يعقوب القماش ....

وهكذا كانت المدينة وماتزال ممتدة بالتاريخ والألق الاجتماعي والحس العربي و الالتزام الاسلامي دينها وكان للعوائل

العريقة والبويتات الكريمة فضل كبير في الحفاظ على السيرة وفي مقدمتها اسرة ال حيدر التي اتسمت بالزعامه الدينية

والدنيوية والتي اثرت تأثيرا ايجابيا كبيرا في تاريخ المدينة حيث عطاءها اثر من الاعيان والعماء والادباء والشعراء

فهذا المجاهد الكبير الشيخ باقر حيدر يتزعم المجاهدين ضد الانكليز في حرب الشعيبة مع المجاهد الكبير محمد سعيد

الحبوبي ,وهذا الشيخ محمد حسن حيدر الذي هيأ لثورة العشرين بين سوق الشيوخ والنجف الاشرف , وكانت لسوق

الشيوخ وقفتها المعروفة في تلك الثورة , وفي عام 1935م كانت الانتفاضة في المدينة دعما ومساندة لما حصل في

الفرات الأوسط ضد السلطة الغاشمة التابعه للأجنبي.

واستمرت المدينة متفاعلة واعية مع احداث الوطن , حيث شهدت المجالس النيابية ومجالس الأعيان أصوات أبناء

سوق الشيوخ التي تحمل الروح الوطنية وبقوة ...

حتى جاء العقد الخامس وماتلاه في القرن العشرين شهدت مدينة سوق الشيوخ خضما" سياسيا" تلاقت وتعارضت فيه

الافكار والاشخاص تبعا" للجو السائد حيث النضج الفكري والثقافي الجو المعرفي للمدينة وبرز الكثير من أبناء المدينة

الذين أثر في السياسة العراقيه واحتلوا مراكز مهمه في الدوله .

ومن الاحداث السياسيه المهمه التي شهدتها مدينة سوق الشيوخ في القرن الواحد والعشرين شتراكها في انتفاضة عام

1991م حيث انطلقت الشراره الاولى لتلك الانتفاضه فيها وحدث ما حدث في تلك الانتفاضه فيما قدمت المدينة شهداء

وما تحملته المدينه من تشريد أبناءها وسجن الكثير وهي تعاني لحد الأن من أثار ذلك..

وأذا رجعنا الى الشعر والشعراء والابداع ففيها جيش من الشعراء الرواد الذين رحلوا والمعاصرين ذوي العطاء الذي

تشهد له الصحف والنشرات العراقية والعربية , اما العطاء العلمي فلقد اعطت سوق الشيوخ وتعطي الكثير الكثير

من العلماء والباحثين في شتى صنوف المعرفة والعلوم فنراهم في جميع الجامعات والمؤسسات يبذلون ويحملون

الدرجات العلمية العالية ونذكر منهم الدكتور عبد القادر اليوسف والدكتور حسن الهداوي والدكتور طالب الطالقاني

والدكتور حلمي الحمدي والدكتور أبو طالب محمد سعيد وغيرهم , ولابد لنا ان نذكرما يناسب المقام في الطب والاطباء

تلك الأسماء التي ذكرها الدكتور الاديب الفكيكي في كتابة تأريخ اعلام الطب العراقي حيث ذكر أربعة من كبار الأخصائيين

من ابناء سوق الشيوخ وهم الدكتور عمار الحمدي والدكتور محمد علي العيد والدكتور عبد الفتاح المطلق والدكتور عادل

الشاهر ولابد لنا ان نضيف الدكتور حسن يوسف النجار والدكتور خزعل ذياب وكذلك هذه الباقه النشيطة من الاطباء

الشباب من ابناء المدينة الذين يعملون من اجل رفع المستوى الصحي في المنطقة وأخيرا هاهي سوق الشيوخ بقضها

وقضيضها سلام ودعاء وحب وود وعرفان....... حسـن الشنون