المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وفاة روزا باركس .. رمز مسيرة تحرير السود من قوانين العنصرية في أميركا



خديجة
10-26-2005, 10:58 AM
رفضها التخلي عن مقعدها بحافلة لرجل أبيض قبل نصف قرن حوَّلها إلى أسطورة

ديترويت (مشيغان): أي آر شيب *

توفيت روزا باركس، المرأة الخياطة السوداء التي تحولت الى اسطورة بسبب رفضها التخلي عن مقعدها في حافلة لرجل ابيض في مدينة مونتغومري بولاية ألاباما الاميركية قبل 50 سنة، في منزلها بمدينة ديترويت، عن عمر يناهز 92 سنة.

وقد ادى رفضها ذلك الى القبض عليها والحكم عليها بانتهاك قوانين الفصل العنصري ودفعت غرامة قدرها 10 دولارات بالاضافة الى مصاريف محكمة قيمتها 4 دولارات. ونتيجة لذلك قاطع السود في مدينة مونتغومري الحافلات لمدة 13 شهرا تقريبا، في الوقت الذي رفعوا فيها قضية امام المحكمة العليا الاميركية ضد ما يعرف باسم قوانين «جيم كرو» التي تحدد وضع السود كمواطنين من الدرجة الثانية.

وقد جذبت تلك الاحداث التي بدأت في صيف 1955 انتباه الولايات المتحدة وجعلت قسيسا شابا في السادسة والعشرين من عمره يدعى مارتن لوثر كينغ يتحول الى زعيم رئيسي لحركة الحقوق المدنية. وكان الدكتور كينغ الراعي الجديد لكنيسة دكستر افينيو في مونتغومري، الذي تولى رئاسة جمعية تطوير مونتغومري وهي الجمعية التي تشكلت للاشراف على الصراع من اجل الحقوق المدنية.

وكتب كينغ في كتابه «خطوات نحو الحرية» الصادر عام 1958: «كان القبض على روزا عاملا مؤثرا اكثر من سبب الاحتجاج ذاته».

لقد كان عصيانها المدني، يبدو تحديا بسيطا بعد سنوات من وقوعه، لكنه كان في الواقع عملا خطيرا بل متهورا في ألاباما في الخمسينات. فبرفضها التخلي عن مقعدها، خاطرت بتعريضها لعقوبات جنائية وربما للايذاء الجسدي، ولكنها تسببت ايضاً في حدث اصبح خارج سيطرة سلطات المدينة. فقد اوضحت روزا للناس خارج مونتغومري القسوة والمهانة المتأصلة في قوانين وعادات الفصل العنصري.

كما حولت تلك الحادثة امرأة عادية الى رمز، وحاملة لراية السعي للمساواة العنصرية ولحركة اصبحت منظمة تتقدم بمطالب وتحقق نتائج.

وقال القس جيسي جاكسون، في مقابلة صحافية من جنوب افريقيا: «لقد استمرت في الجلوس من اجل صمودنا. لقد فتح سجنها الابواب من اجل رحلتنا الطويلة للحرية».

وحتى في السنوات الاخيرة من حياتها، كانت روزا تحضر مناسبات وحفلات تذكارية، وكانت قليلة الحديث، لكن وجودها كان يضفي دعما كبيرا للمناسبة. وفي السنوات الاخيرة اصيبت بالخرف، طبقا لسجلاتها الطبية التي افرج عنها خلال قضية بخصوص استخدام اسمها من فرقة موسيقية.

وقد تردد الكثير من الاساطير التي حاولت إخفاء حقيقة روزا، ومن بينها انها كانت منظفة ولم تتمكن من القيام من مقعدها بسبب الإرهاق. وهناك رواية اخرى تقول انها كانت مدفوعة من «الجمعية الوطنية لتقدم الشعوب الملونة». والحقيقة، كما شرحتها هي في ما بعد، انها كانت متعبة من الشعور بالإهانة، واضطرارها للتكيف مع اجراءات مجحفة، بعضها على شكل قوانين والاخرى مجرد تقاليد، تدعم وضع السود كشعب اقل من البشر.

كانت روزا ناشطة في فرع «الجمعية الوطنية لتقدم الشعوب الملونة» في مونتغومري وكانت مع زوجها ريموند، وهو حلاق، قد شاركا في حملة لتسجيل الاصوات للمشاركة في الانتخابات. وكانت روزا قد حضرت بناء على طلب صاحبة المكان الذي تعمل به مؤتمرا للقيادات المشتركة من العناصر والاجناس في تينيسي في صيف 1955. وقالت في ما بعد انها اكتسبت قوة ساعدتها في عملها من اجل الحرية، ليس للسود فقط ولكن من اجل كل الشعوب المقهورة.

وقالت انها اسرعت بالعودة الى بيتها من عملها كخياطة في محل في الاول من ديسمبر (كانون الاول) 1955، وكان آخر ما يشغلها هو التحول الى «أم لحركة الحقوق المدنية» كما وصفها العديد في ما بعد. وكان يتعين عليها ارسال تقارير الى «الجمعية الوطنية لتقدم الشعوب الملونة» بخصوص انتخابات المسؤولين فيها. وقالت في مقابلة عام 1988: «لم يكن هناك وقت لأتصرف بطريقة تؤدي للقبض علي».

وتجدر الاشارة الى ان الاربعة صفوف الاولى من المقاعد في حافلات مونتغومري كانت مخصصة للبيض. اما المقاعد الخلفية فكانت مخصصة للسود الذين يشكلون 75 في المائة من مجموع الاشخاص الذين يستخدمون المواصلات العامة آنذاك، وكان يمكن للسود الجلوس في المقاعد الوسطى إلا اذا صعد شخص ابيض.

وفي الاول من ديسمبر 1955 طالب سائق حافلة من 4 من السود التخلي عن مقاعدهم في الجزء الاوسط من الحافلة بحيث يمكن لراكب ابيض الجلوس، وقد لبى 3 منهم الطلب.

وتتذكر روزا: «عندما شاهدني الرجل الابيض جالسة، سألني ما اذا كنت سأتخلى عن مقعدي فقلت له لا. فقال الرجل: اذا لم تتركي المقعد سأطلب الشرطة للقبض عليك. فقلت له: فلتفعل ذلك».

وتعرض السود للاعتقال، وحتى القتل، بسبب عصيان تعليمات سائقي الحافلات، كما انهم بدأوا الاهتمام بقضية فتاة سوداء عمرها 15 عاما جرى اعتقالها بسبب رفضها القيام من مقعدها في الحافلة لراكب ابيض، وكانت روزا باركس من بين الذين يجمعون التبرعات لمقابلة أتعاب الدفاع القانوني عن الفتاة. ولكن عندما علموا ان الفتاة كانت حاملا توصلوا الى انها ليست مناسبة لتكون رمزا لقضيتهم. روزا باركس، من الناحية الاخرى، كانت تعتبر «واحدة من افضل مواطني مونتغومري». وكما قال كينغ: «ليست فقط افضل المواطنين الزنوج، وإنما واحدة من افضل مواطني مونتغومري». وفيما اجتمع محام مدافع عن حقوق السود، يدعى نيكسون، مع محامين ومبشرين بغرض التخطيط لشن حملة ضد قوانين «جيم كرو»، تم نشر 35000 نسخة من منشور يطلب من السود مقاطعة الحافلات خلال يوم الاثنين الموافق 5 ديسمبر من ذلك العام وهو اليوم المحدد لمحاكمة روزا باركس. ووجه المنشور المواطنين السود بعدم ركوب الحافلات في ذلك اليوم سواء كان ذلك الى العمل او الى المدينة او المدرسة او أي مكان آخر. وفي يوم الأحد 4 ديسمبر نشر خبر الدعوة للمقاطعة في اكثر من منبر خاص بالسود، فضلا عن نشره في الصفحة الأولى بصحيفة «ذا مونتغومري أدفرتايزر»، وهي صحيفة خاصة بالسود. ولإنجاح دعوتهم للمقاطعة اضطر السود الى ركوب سيارات أجرة خاصة بالسود كان يدفع الراكب لصاحبها اجرة الحافلة (10 بنسات)، إلا ان معظم السود في المنطقة (حوالي 40 ألفا) قطعوا مسافات طويلة مشيا على الأقدام حرصا على إنجاح حملة المقاطعة، علما بأن بعضهم مشى لأكثر من عشرين ميلا في ذلك اليوم. وفي ندوة اقيمت في احدى الكنائس وافق السود بالإجماع على الاستمرار في حملة المقاطعة الى ان تستجيب السلطات لمطالبهم المتمثلة في معاملتهم بنوع من الاحترام وتوظيف السائقين السود لقيادة الحافلات وان يكون شغل المقاعد في وسط الحافلة على اساس من يأتي اولا. استمرت المقاطعة 381 يوما، وخلال تلك الفترة تعرض الكثير من السود للمضايقات والاعتقال لأسباب واهية وألقيت قنابل على كنائس ومنازل.

وفي 13 نوفمبر 1956 حظرت المحكمة العليا الاميركية الفصل العنصري في حافلات الركاب، إلا ان هذا القرار وصل الى مونتغومري في 20 ديسمبر وانتهت المقاطعة في اليوم التالي، إلا ان اعمال العنف تصاعدت وتعرضت منازل رموز سود الى هجمات بالقنابل. وفي مطلع العام التالي تركت اسرة روزا مونتغومري وتوجهت الى هامبتون بولاية فيرجينيا بسبب فشل روزا في الحصول على عمل في مونتغومري وبسبب الخلافات بين مارتن لوثر كينغ وقادة آخرين في حركة الحقوق المدنية بالمدينة. وفي أواخر نفس العام انتقلت روزا، تحت إلحاح شقيقها سيلفيستر، وزوجها ووالدتها، ليونا ماكولي، للاقامة في ديترويت حيث عملت روزا خياطة حتى عام 1965 عندما عرض عليها عضو الكونغرس جون كونيرز وظيفة كمساعدة له بمكتبه في ديترويت، وتقاعدت عام 1988 . وكتب كونيرز في بيان اصدره عقب خبر وفاة روزا: «هناك بضعة اشخاص فقط بوسعهم القول ان اعمالهم ونشاطاتهم غيرت وجه اميركا. روزا باركس واحدة من هؤلاء». مُنحت روزا خلال العقد الماضي ميدالية رئاسية وميدالية الكونغرس الذهبية. وعلى الرغم من انها كانت شخصية بارزة ومعروفة على صفحات الكتب الدراسية، فقد اتسمت سنواتها الأخيرة بالمتاعب. فقد ادخلت الى المستشفى بعد ان تعرضت للضرب من قبل رجل هاجمها داخل منزلها وسرق منها مبلغ 53 دولارا. كما واجهت صعوبات في دفع ايجار منزلها وكانت تعتمد على كنيسة محلية حتى ديسمبر الماضي عندما قرر صاحب المنزل السماح لها بالسكن مجانا.

ولدت روزا في 4 فبراير عام 1913 بمدينة توسكغي لوالدة كانت تعمل بالتدريس ووالد امتهن النجارة. تلقت تعليمها في مونتغومري وألاباما لكنها تركت المدرسة الثانوية للاهتمام بجدتها الكبيرة السن، ولذا فإن روزا لم تحصل على شهادة المدرسة الثانوية إلا عندما اصبح عمرها 21 عاما.

* خدمة «نيويورك تايمز»