المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صيام الموريتانيين فاسد



دشتى
10-26-2005, 07:39 AM
سكينة اصنيب من نواكشوط

لا يكون موريتانيا من لا يشرب الشاي يوميا


قبل 5 آلاف سنة اكتشفت الصين الشاي، واليوم يدين الموريتانيون لها باكتشاف المشروب المعتمد كمادة فعالية لـ"إطفاء حريق" توتراتهم النفسية والعصبية ومؤشر لقياس حالة أمزجهم، حيث لا يحلو الحديث بموريتانيا بدون شاي بل لا طعم للحياة بدونه فهو حاضر في كل الأوقات والمناسبات ويتساوى في عشقه الغني والفقير. ويكره الموريتانيون تناول القهوة بكل أنواعها بينما تضعف مقاومتهم لكأس شاي منعنع ساخن حتى إن منعوا من تناوله لأسباب صحية أو بسبب الصيام حيث يوصف الـ"أتاي" كما يطلق عليه هنا بـ"العدو اللدود" خلال شهر رمضان و"مفسد الصيام" لما يسببه الانقطاع عن تناوله من آلام الرأس والصداع والتقيؤ.

وقد أفسد الشاي الأخضر صيام كثير من الموريتانيين الذين اشتكوا بسبب التقيؤ المستمر طوال النهار المصحوب بالآلام والصداع الناجمين عن الامتناع عن تناول الشاي، لأن طريقة إعداده تختلف عن تلك المتبعة في الدول الأخرى حيث أن الشاي الموريتاني معروف بتركيزه الشديد مما يسبب مضاعفات فور الإحجام عن تناوله، إضافة الى أن تناوله بكميات كبيرة وفي كل الأوقات يضاعف من تأثيرات الامتناع عنه، كما يلعب المناخ الصحراوي الشديد الحرارة وطول ساعات الصيام دورا في معاناة الموريتانيين مع الشاي.

ليس هذا فقط بل إن الشاي الموريتاني هو المتهم الرئيسي في ازدياد معدل التوتر والانفعال في الشوارع والطرقات، وشيوع ظاهرة الصياح والتشويح بالأصابع عند إشارات المرور والمشادات الكلامية في المنزل والعمل.

وعلى الرغم من كل هذه التأثيرات السلبية على الصيام يبقى الشاي مفضلا عن جميع الأشربة والأطعمة حيث يفضل غالبية أهل موريتانيا تناوله مباشرة بعض الافطار مظهرين "اشتياقا غير عاد" لشربه والتلذذ برغوته.

وقد ثبت لدى الموريتانيين أن الشخص يكون في أحسن حالاته بعد أن يتناول كأس شاي منعنع ساخن حتى أن الموظفين يتهربون من لقاء مديرهم قبل أن يتناول الشاي ويحثون الساعي على الإسراع في اعداده وتقديمه كي تعم النشوة والفرحة مكان العمل، كما تحجم ربة البيت عن طلب مستلزمات المنزل من زوجها حتى يتناول كأس شاي تعده بنفسها للتأكد من تأثيره الايجابي على مزاج رب البيت.
ولأن تناوله أصبح عادة متجذرة في المجتمع فلن تستغرب إن علمت أن أواني الشاي من مكونات الصالونات والمجالس بالبلاد، وفي الأسواق التجارية يلجأ البائع الشاطر الى تعديل مزاج زبونه بكأس ساخن قبل التفاوض على البيع والشراء حيث ينتدب لمهمة اعداد الشاي عاملا همه الوحيد تقديم كؤوس الشاي في كل حين. كما يحتفظ الكثير من الموريتانيين بعدة الشاي كاملة في صندوق السيارة حتى يستطيع اعداده في كل مكان وفي أية لحظة. وقد قال شاعر موريتاني في وصف الشاي:

سقانا كريـم بين قوم أكارم كؤوسا كأعين الديك بيض العمائم
بأطيب مفتول وأحسن سكر أحسـن نعناع من المدينــة قام

ورغم أن الـ"أتاي" لم يتأثر بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية حيث ظل تداول كؤوس الشاي ينتشر بشكل اكبر في أوساط ذوي الدخل المنخفض أكثر من الأغنياء رغم ارتفاع ثمنه عاما بعد آخر مما يظهر أن الموريتاني الفقير أكثر تمسكا بخصوصية الشاي من الغني، كما يظهر ذلك بوضوح في طريقة التعاطي مع الشاي لدى طبقات المجتمع حيث انتقل صنعه في بيوت الفئات الميسورة من صالونات والمجالس إلى المطبخ، وعهد بإعداده إلى خادمة البيت الأجنبية أما الفقراء فيرفضون تحويل طبقهم الرئيسي الى طبق مطبخي أو إسناد مهمة إعداد الشاي إلى غير أهلها.

وقد يشكك البعض في وطنيتك وانتمائك لموريتانيا إذا لم تكن شاعرا وعاشقا للشاي حتى أن أحد علماء الاجتماع قال أنه "لا يكون موريتانيا من لا يشرب الشاي يوميا"، بالمقابل تعالت بعض الأصوات "المعارضة" لثقافة الشاي مطالبة بتقنين تناوله وإخضاعه لمعايير معينة، ولم يطالب المعارضون بحظر تناول الشاي بل طالبوا بالتقليل منه حيث يرى هؤلاء أن الشاي قد تغلغل قديما في الثقافة الشعبية الموريتانية طلبا لتجزية وقت الصحراء الطويل، ولأن الظروف تغيير لم يعد من المستحسن ضياع الوقت في اعداد الشاي الذي يتطلب ساعات طوال بين كؤوسه الثلاثة المعروفة.