مجاهدون
10-24-2005, 08:30 PM
خالص جلبي
العالم العربي برمته يحتاج للتغيير وهو آت لا مفر منه مثل تبدل المناخ في الطبيعة، وسوريا لا تخرج عن هذه القاعدة، ومن لا يغير ما بنفسه فإن قوانين التاريخ جاهزة لتغييره. وينفع في هذا الصدد تذكر دروس التاريخ؛ فشاوسيسكو حاكم رومانيا السابق كان في زيارة لطهران، وكان إعصار التغيير يجتاح كل أوروبا الشرقية، وسأله صحافي يومها عن احتمالات التغيير في رومانيا فأجاب: نعم هنالك تغيرات فيما حولنا، ولكن من يجهل رومانيا يظن أن التغيير قادم إلينا، وأنا أقول لهؤلاء أإن النظام في رومانيا لن يهتز، وإذا أنبتت شجرة الحسك تينا فقد يتغير النظام عندنا..
كان الرجل يتحدث بوثوقية وصلابة عقائدية كعادته..
وبعد هذا الكلام بأسبوع كان شاوسيسكو قد رحل عن الدنيا قتيلا ولم يعثر له على قبر.
وما حدث في رومانيا مصبوغاً بالدم لم يكن كذلك في تشيكوسلوفاكيا التي انفصلت بدون قطرة دم واحدة. ولا في أوكرانيا، وكان أعجبها صربيا حيث تعاون الضغط العالمي الخارجي مع المظاهرات السلمية الداخلية في فك النظام وإرسال سلوبودان إلى العدالة.
وهذه الحمى انتقلت مثل نسيم الربيع العليل على مناطق شتى في العالم حتى داعبت أرز لبنان، بعد أن مضى الحريري إلى ربه وجاء ملك الموت الألماني (دتليف ميليس) فقبض روح غازي كنعان كوجبة أولى.
وهذا التغير السلمي يلف بجناحه كل العالم اليوم، ويزداد أتباع جيش اللاعنف بدون توقف وينتصرون بدون سلاح، وينهزم جيش العنفيين مع كل السلاح..
أمام السوريين ثلاثة نماذج على الأقل في طريقهم إلى المستقبل فليختاروا: فإما العراق والفوضى حتى حين، ورؤية صدام يعرض على الشاشات العالمية في عزة وشقاق، وإما مذابح التوتسي والهوتو والصرب والكروات، وإما الطريقة الحضارية على النموذج التشيكي فلا يخسر أحد ويربح الجميع..
إن الأنبياء الذين كانوا يخاطبون أقوامهم كانوا يكررون: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، ونموذج النبي يونس يقول إنه رجع إليهم ورفع عنهم العذاب، فلا يشترط في القدر السوري أن يكون حافلا بالدماء مثل المصير العراقي، وربما كانت سيكولوجية الشعبين متباينة على الطريقة التي شرحها عالم الاجتماع العراقي الوردي.
وربما نُبش قبر كنعان، وربما خرج تقرير ميليس مع هذه المقالة، بإدانة أو براءة، أو تلفيقة سياسية، كل هذا ليس مهما، وليست المشكلة هنا، ولكن المشكلة أن سوريا تعيش وضع النظام الشمولي الذي انتهت صلاحيته، وما يحتاجه المجتمع السوري هو الحب الذي يبني ويرمم فليس مثل الحب قوة قاهرة ناعمة، فالحب قوة تدمج كل حبيبات الكون.
ومن الضروري على السوريين الاتعاظ بنماذج التاريخ، وشق طريق سلمي للمستقبل فهو خير وأبقى، ويبدو أن الجو تخمر ما فيه الكفاية عند كل الأطراف لهذا التغير، بعد أن ذاقوا العذاب الأليم. فلا يستأثر بالأمر فريق دون غيره.
ولكن المشكلة أن المعارضة في سوريا وبسبب الكساح الطويل والاضطهاد المعمق المتلاحق تشبه حاليا الكسيح الذي يتعلم المشي، أو المصاب بسكتة دماغية فهو يتمرن على النطق، فهذا يتعثر والثاني يتاتئ.
وعدم نضج المعارضة يحمل خطرا على التغيير السريع المفاجئ مثل المشلول الذي يريد دخول مباريات الأولمبياد، والتاريخ يعمل وفق قوانينه، ولينين فوجئ باندلاع ثورة بطرسبورغ، وموت عشيقته الفرنسية عجل بموته، فسقطت تفاحة السلطة في يد رجل لا يرقب في أحد إلاً ولا ذمة؛ فأدخل روسيا في نفق طال سبعين سنة، وسوريا جربت السير في نفق لأربعين سنة، فتراجعت عن المسيرة العالمية أربعين سنة، ودراسات باول كيندي في كتابه (التحضير للقرن الواحد والعشرين) تظهر ارتفاع دخل الفرد في كوريا الجنوبية 13 ضعفا في ثلاثين عاما، وبقاء ذلك للفرد الغاني في حدود 300 دولار لم يتزحزح، وهي النكبة التي أصابت السوريين أيضا. وعلينا نحن من يدعو إلى اللاعنف أن ندعو إلى دار السلام وليس إلى الانتقام، فدورات العنف مغلقة، ودورات الحب مفتوحة، والعنف مدمر، والحب يبني، والكراهية نفي للآخر وتسميم للذات، والحب حرص على الآخر واندماج فيه وحزن كبير على فقده.
وأنا أكتب هذه الأسطر أشعر بالحزن العميق لموت داعية اللاعنف ليلى سعيد زوجتي التي مضت إلى ربها وقلبها يفيض بالسلام والحب لكل الخلائق، وكانت تقول: هل تريد أن تتحرر من الخوف؟ عليك إذن بالسلام. فمن امتلأ قلبه بالحب لم يعد يخاف قط، ومن أمن كانت له الأبدية، وهذه المشاعر ليست أوهاماً بل هي أعظم العواطف عند الإنسان، والعقل لا يتحرك بدون وقود، والوقود هو العواطف.
ولكن السؤال هو هل تستفيد سوريا من دروس التاريخ القريبة منها والبعيدة، فتعلن مثلا موت الحزب القائد كما فعل بوريس يلتسين مع الحزب الشيوعي الروسي؟ هل تتصالح القيادة مع نفسها والمواطن وتفتح البلد للتعددية والعالمية ودخول العصر وتشكيل لجان (التأهيل والمصالحة) كما حصل في جنوب أفريقيا؟ وهل وهل.. وما أكثر الأسئلة...!
فهل تتجرأ القيادة السورية أن تكسب التاريخ فيسجل اسمها في الخالدين؟؟
إن هذا الكلام ليس طوباوياً، بل ضرورة، وهو تغير قادم مثل حقيقة الشمس والقمر والموت، والموت لا يغير، والحياة مبنية على التغير، فالحياة تدفق مستمر وتحول دائم وانتقال متواصل من حال إلى حال.
أليس فينا رجل رشيد؟؟
العالم العربي برمته يحتاج للتغيير وهو آت لا مفر منه مثل تبدل المناخ في الطبيعة، وسوريا لا تخرج عن هذه القاعدة، ومن لا يغير ما بنفسه فإن قوانين التاريخ جاهزة لتغييره. وينفع في هذا الصدد تذكر دروس التاريخ؛ فشاوسيسكو حاكم رومانيا السابق كان في زيارة لطهران، وكان إعصار التغيير يجتاح كل أوروبا الشرقية، وسأله صحافي يومها عن احتمالات التغيير في رومانيا فأجاب: نعم هنالك تغيرات فيما حولنا، ولكن من يجهل رومانيا يظن أن التغيير قادم إلينا، وأنا أقول لهؤلاء أإن النظام في رومانيا لن يهتز، وإذا أنبتت شجرة الحسك تينا فقد يتغير النظام عندنا..
كان الرجل يتحدث بوثوقية وصلابة عقائدية كعادته..
وبعد هذا الكلام بأسبوع كان شاوسيسكو قد رحل عن الدنيا قتيلا ولم يعثر له على قبر.
وما حدث في رومانيا مصبوغاً بالدم لم يكن كذلك في تشيكوسلوفاكيا التي انفصلت بدون قطرة دم واحدة. ولا في أوكرانيا، وكان أعجبها صربيا حيث تعاون الضغط العالمي الخارجي مع المظاهرات السلمية الداخلية في فك النظام وإرسال سلوبودان إلى العدالة.
وهذه الحمى انتقلت مثل نسيم الربيع العليل على مناطق شتى في العالم حتى داعبت أرز لبنان، بعد أن مضى الحريري إلى ربه وجاء ملك الموت الألماني (دتليف ميليس) فقبض روح غازي كنعان كوجبة أولى.
وهذا التغير السلمي يلف بجناحه كل العالم اليوم، ويزداد أتباع جيش اللاعنف بدون توقف وينتصرون بدون سلاح، وينهزم جيش العنفيين مع كل السلاح..
أمام السوريين ثلاثة نماذج على الأقل في طريقهم إلى المستقبل فليختاروا: فإما العراق والفوضى حتى حين، ورؤية صدام يعرض على الشاشات العالمية في عزة وشقاق، وإما مذابح التوتسي والهوتو والصرب والكروات، وإما الطريقة الحضارية على النموذج التشيكي فلا يخسر أحد ويربح الجميع..
إن الأنبياء الذين كانوا يخاطبون أقوامهم كانوا يكررون: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، ونموذج النبي يونس يقول إنه رجع إليهم ورفع عنهم العذاب، فلا يشترط في القدر السوري أن يكون حافلا بالدماء مثل المصير العراقي، وربما كانت سيكولوجية الشعبين متباينة على الطريقة التي شرحها عالم الاجتماع العراقي الوردي.
وربما نُبش قبر كنعان، وربما خرج تقرير ميليس مع هذه المقالة، بإدانة أو براءة، أو تلفيقة سياسية، كل هذا ليس مهما، وليست المشكلة هنا، ولكن المشكلة أن سوريا تعيش وضع النظام الشمولي الذي انتهت صلاحيته، وما يحتاجه المجتمع السوري هو الحب الذي يبني ويرمم فليس مثل الحب قوة قاهرة ناعمة، فالحب قوة تدمج كل حبيبات الكون.
ومن الضروري على السوريين الاتعاظ بنماذج التاريخ، وشق طريق سلمي للمستقبل فهو خير وأبقى، ويبدو أن الجو تخمر ما فيه الكفاية عند كل الأطراف لهذا التغير، بعد أن ذاقوا العذاب الأليم. فلا يستأثر بالأمر فريق دون غيره.
ولكن المشكلة أن المعارضة في سوريا وبسبب الكساح الطويل والاضطهاد المعمق المتلاحق تشبه حاليا الكسيح الذي يتعلم المشي، أو المصاب بسكتة دماغية فهو يتمرن على النطق، فهذا يتعثر والثاني يتاتئ.
وعدم نضج المعارضة يحمل خطرا على التغيير السريع المفاجئ مثل المشلول الذي يريد دخول مباريات الأولمبياد، والتاريخ يعمل وفق قوانينه، ولينين فوجئ باندلاع ثورة بطرسبورغ، وموت عشيقته الفرنسية عجل بموته، فسقطت تفاحة السلطة في يد رجل لا يرقب في أحد إلاً ولا ذمة؛ فأدخل روسيا في نفق طال سبعين سنة، وسوريا جربت السير في نفق لأربعين سنة، فتراجعت عن المسيرة العالمية أربعين سنة، ودراسات باول كيندي في كتابه (التحضير للقرن الواحد والعشرين) تظهر ارتفاع دخل الفرد في كوريا الجنوبية 13 ضعفا في ثلاثين عاما، وبقاء ذلك للفرد الغاني في حدود 300 دولار لم يتزحزح، وهي النكبة التي أصابت السوريين أيضا. وعلينا نحن من يدعو إلى اللاعنف أن ندعو إلى دار السلام وليس إلى الانتقام، فدورات العنف مغلقة، ودورات الحب مفتوحة، والعنف مدمر، والحب يبني، والكراهية نفي للآخر وتسميم للذات، والحب حرص على الآخر واندماج فيه وحزن كبير على فقده.
وأنا أكتب هذه الأسطر أشعر بالحزن العميق لموت داعية اللاعنف ليلى سعيد زوجتي التي مضت إلى ربها وقلبها يفيض بالسلام والحب لكل الخلائق، وكانت تقول: هل تريد أن تتحرر من الخوف؟ عليك إذن بالسلام. فمن امتلأ قلبه بالحب لم يعد يخاف قط، ومن أمن كانت له الأبدية، وهذه المشاعر ليست أوهاماً بل هي أعظم العواطف عند الإنسان، والعقل لا يتحرك بدون وقود، والوقود هو العواطف.
ولكن السؤال هو هل تستفيد سوريا من دروس التاريخ القريبة منها والبعيدة، فتعلن مثلا موت الحزب القائد كما فعل بوريس يلتسين مع الحزب الشيوعي الروسي؟ هل تتصالح القيادة مع نفسها والمواطن وتفتح البلد للتعددية والعالمية ودخول العصر وتشكيل لجان (التأهيل والمصالحة) كما حصل في جنوب أفريقيا؟ وهل وهل.. وما أكثر الأسئلة...!
فهل تتجرأ القيادة السورية أن تكسب التاريخ فيسجل اسمها في الخالدين؟؟
إن هذا الكلام ليس طوباوياً، بل ضرورة، وهو تغير قادم مثل حقيقة الشمس والقمر والموت، والموت لا يغير، والحياة مبنية على التغير، فالحياة تدفق مستمر وتحول دائم وانتقال متواصل من حال إلى حال.
أليس فينا رجل رشيد؟؟