المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ايزديون وشبك وصابئة وكاكائيون... جماعات دينية وقومية تتجاور في شمال العراق



المهدى
10-24-2005, 04:09 PM
اربيل (شمال العراق)- لينا سياوش

يعتبر شمال العراق من المناطق النادرة في العالم لجهة وجود اقليات دينية متجاورة فيه على نحو يصعب رصده في مناطق اخرى. واقليات الشمال العراقي الدينية لا تمت الى الكثير من الأقليات الدينية او الأكثريات بصلات ثقافية. انها غير تلك الأقليات التقليدية التي طالما سمعنا بها. انهم الصابئة والشبك والكاكائيون والأيزيديون وغيرهم. وتتقاطع هذه الأقليات في انتماءآتها مع اكثريات قومية احياناً ودينية في احيان اخرى فالأيزيديون يمتون للأكراد بصلة قربى اكيدة. لا بل ان العديد من المؤرخين الأكراد يعتبرونهم الأكراد الأوائل. الشبك قريبون من العرب, ولكن لهم لغتهم وطقوسهم الخاصة. يقيمون في شمال الموصل, وبذلت الحكومة العراقية في ايام حكم صدام جهداً قاسية لتعريبهم. وهذا ما اوجد شرخاً «ثقافياً» في اوساطهم. للصابئة قصتهم ايضاً وكذلك للكاكائيين. وهنا عرض سريع لحكاية هذه الأقليات:


الصابئة

الصابئة (المندائيون)، طائفة دينية غير تبشيرية قديمة، يرى بعض المؤرخين أن جذورها تمتد الى الشعوب الآرامية القديمة، التي هاجرت الى العراق 67 ميلادي. وتختلف أراء البحاثة في أصلهم. فهناك من يعتقد من المستشرقين الأوروبيين، ان أصولهم شرقية، فيما يرى آخرون أنهم ينحدرون من فلسطين وسورية. ومعنى كلمة «صبأ» باللغة الأرامية القديمة «أغتسل»، أما «المندائي» فتعني القديم.

يسكن الصابئة على ضفاف نهري دجلة والفرات في وسط العراق وجنوبه، وذلك لعلاقتهم الوثيقة بالماء، ولتقديسهم له. وتقدر بعض المصادر عددهم الحالي بـ 200 الف نسمة. دينياً الصابئة يعبدون الله، ونبيهم هو يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) الذي عمد المسيح (ع) في مياه نهر الأردن.

لغتهم هي المندائية. يقدسون الماء، بخاصة الطبيعي أي المأخوذ بشكل مباشر من منابعه الأصلية لما له من أهمية كبيرة في حياتهم. فهم يعتبرونه أساس الحياة ويعتمدونه في أداء طقوسهم وشعائرهم الدينية كالزواج والولادة والموت، ومن هنا يمكننا فهم سبب تفضيلهم العيش قرب الأنهر والبحيرات والمياه الطبيعية.

يُعرف عن الصابئة في العراق تدينهم والتزامهم الشديد بالطقوس والشعائر والتقاليد الخاصة بهم. ويرجح البعض أن تكون صلواتهم وصيامهم أقدم تقاليد دينية عرفها البشر, وهي بدورها تغيرت بفعل عوامل الزمن, ولكنها وبشكل عام تبدأ عادة بالطهارة وتنتهي بتأدية فروض الصلاة. وللصابئة المندائيين كتبهم الدينية المقدسة الخاصة التي يحرصون عليها أشد الحرص ويمنعون على غير أبناء جلدتهم الاطلاع عليها! اعتقاداً منهم بأنهم بذلك يحمونها من الضياع. أما المهن التي يمتهنونها والتي يشتهرون بها في العراق، فهي صياغة الذهب والفضة والتجارة والحدادة.

وتتشابه بعض التقاليد الدينية للصابئة بالديانتين الاسلامية والمسيحية، مثل الاغتسال قبل البدء بالصلاة التي يؤدونها ثلاث مرات في اليوم قبل بزوغ الشمس وقبل غروبها وعند زوالها. وبخصوص الزواج وأنجاب الاطفال فهم ينظرون اليها كفريضة لا بد منها، ويتشابهون مع المسيحيين بمسائل التعميد وتقديس يوم الأحد من كل أسبوع، والعزوف عن العمل فيه، كما أن صيامهم يكون بالانقطاع عن أكل اللحوم.

السنة المندائية، هي 360 يوماً، في 12 شهراً، وفي كل شهر ثلاثون يوماً مع خمسة أيام كبيسة يتخللها عيد «البنجة». وللصابئة محرمات منها «الاشراك بالله والقسم به وأن كان القسم صادقاً، الزنى، الخمر، الزواج من زوجة الأخ، القتل، السحر والختان» ولهم عدد من الكتب الدينية إلا ان كتابهم المقدس يسمى بـ «كنزا رابا» أي الكنز العظيم.

ويسمون عيد رأس السنة، بالعيد الكبير، ومن مسمياته «دهفة ربة» و « نوروز ربة» وبالعامية يسمى بـ (الكرصة).

زواج الفتاة الصابئية بغير الشاب الصابئي أمر غير وارد في أعرافهم، وهي الطريقة التي تحافظ بها غالبية الأقليات الدينية على استمراريتها ونقاء دمها من الغريب!


الشبك

قوم يدينون بالدين الاسلامي، غالبيتهم من المذهب الشيعي الجعفري وفيهم من المذهب السني أيضاً. لهم لغتهم الخاصة التي يُعتقد بأنها خليط من اللغات العربية والكردية والفارسية والتركمانية. استوطنوا قرى صغيرة شرق الموصل في الشمال، ويسكن الشبك في المناطق الممتدة من تلعفر والموصل مروراً بكركوك وصولاً الى خانقين، وتُعتبر دراويش، قره تبه، باجربوغ ، بازواية، طوبرق زياره، خزنة تيه، منارة شبك، طيراوه ،علي رش، طوبراوه ، كورغريبان، كبرلي، باشبيثه، تيس خراب، ينكيجه، خرابة سلطان، بدنة، باسخره، شيخ امير وبعويزه من أهم مناطق انتشارهم.

ليست هناك أرقام رسمية دقيقة تبين عدد الشبك في العراق بسبب قلة الاحصاءات الحديثة بهذا الخصوص، إلا أن الباحثين يرجحون ان يتراوح عدد الشبك حالياً بين 100- 150 الفاً يتوزعون على أكثر من ستين قرية متفرقة. وبحسب الاحصاء السكاني الرسمي في العراق عام 1977 فإن عدد الشبك بلغ 80 الف نسمة، وقبلها في العام 1960 لم يتجاوز عددهم عشرة الآف عاشوا في 35 قرية على رغم أن الانكليز أوردوا رقماً يقارب إحصاء 1960 عام 1925.

تختلف الآراء وتتقاطع بخصوص أصل الشبك. فهناك من يعتقد أنهم كرد عاشوا على أرض العراق منذ زمن غير معروف، ومنهم من يقول انهم أتراك نزحوا الى العراق، فيما يعتقد آخرون بأنهم أتراك نزحوا الى العراق مع عقيدتهم ومذهبهم في عهد الصفويين.

ويرى الدكتور داود الجلبي في رسالته المنشورة في كتاب الصراف (ص)8: «إن الشبك جاءوا من جنوب أيران وأن لسانهم خليط بين الفارسية والكردية والعربية والقليل من التركية وأن لهجتهم أقرب الى لسان البلوش».

ويلخص الكاتب الكردي شاخوان رأي الأكراد في الشبك في ما كتبه في مجلة «سرهلدان» وتطرق اليه الكاتب العراقي المعروف زهير كاظم عبود في بحث له. ويتحدث شاخوان عن أن: «الشبك وفق أدلة وبراهين علمية تاريخية لا تقبل الشك هم كرد ولهجتهم البأجلانية تنتمي الى اللهجة الكورانية وهذه بدورها هي إحدى اللهجات الكردية الأربع».

والشبك مسلمون، يقترب تنظيمهم الاجتماعي من مراتب الصوفية ويسمى رجل الدين الناشيء المريد وهو يرتبط روحياً بشخص أعلى منه مرتبة دينية يسمى المرشد والمرشدون يرتبطون بمرجع أعلى يسمى البير واقدس الكتب الدينية عند الشبك هو كتاب مخطوط بالتركي يسمي بويورق - الأوامر».

يزور الشبك الشيعة مراقد الأئمة والعتبات المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء وبغداد ومنهم من يؤدي فريضة الحج الى الديار المقدسة. ومن العادات التي يتسمون بها، الندب والتوسل بالإمام في الازمات والامراض. وأكثر أسمائهم شيوعاً، هي: حسن وحسين وجعفر وصادق وحيدر ومهدي وخديجة وفاطمة وزينب وكلثوم وغيرها من الأسماء التي يعتبرونها مباركة ويتفاءلون بتسمية أبنائهم بها.


الأيزيدية

طائفة دينية قديمة، يعتقد أصحابها بأنهم من الكرد الأصليين الذين قل عددهم بعد انتشار الأديان السماوية الأخرى.

ويقول الكاتب والباحث العراقي رشيد خيون في كتابه «المذاهب والأديان في العراق»: «إن الأيزيديين يقطنون جبل سنجار شمال العراق وينتمون الى الاديان القديمة وأن نسبهم الصحيح يأتي نسبة الى يزدان، أحد أسماء الله التي يتعبدون بها وليس صحيحاً نسبتهم الى يزيد بن معاوية التي جاءت بتأثير قومي».

ويقول وزير الدولة في حكومة كردستان العراق بأربيل، القاضي الأيزيدي نمر كجو لـ «الحياة»: «إن يزيدي تعني (عباد الله) كوننا نؤمن بوحدانية الله ونقدس الملك طاووس والشيخ عدي من غير أن نشركهما بالله».

ويشير خيون في كتابه الى أن الأيزيديين هم اكراد وهو ما يؤكده أيضاً مؤلف كتاب «اليزيدية واليزيديون» الدكتور خلف الجراد: «إنهم ينحدرون من العنصر الذي ينتمي اليه الاكراد وانهم كانوا من أتباع الزرادشتية ثم أعلنوا إسلامهم كبقية شعوب وسكان المنطقة».

يؤمن الأيزيديون بوجود الله سبحانه وتعالى كخالق للكون لكنهم يعتقدون أيضاً بأنه فوض أمر تدبير وإدارة الكون الى مساعده ومنفذ مشيئته (ملك طاووس) الذي يقدسه الأيزيديون.

وعن عدد الأيزيديين الحالي في العراق يقول كجو: «إنه يتراوح بين 550 و600 الف نسمة قسمهم الأعظم يسكن قضاء سنجار، وآخرون موزعون على أقضية تلكيف وبعشيقة وبحزاني وشيخان، وكلها أقضية تابعة لمحافظة نينوى إضافة الى وجود 50 الف أيزيدي في محافظة دهوك موزعين على اربعة مجاميع».

ويعتبر معبد «لالش» القريب من قضاء شيخان من أهم العتبات عندهم، ويُزار طوال أيام السنة والزيارات تزداد كثافة في المناسبات والأعياد الخاصة وخصوصاً عيدي (أربعينية الصيف) المصادف في الثاني من آب ( أغسطس) من كل عام وعيد الجماعية. ليس للأيزيديين كتب سماوية منزلة ويقول كجو: «إنه من خلال العقل والمنطق عرفنا بأن هناك قوى خالقة للكون وبأن الله هو الواحد الاحد».

المجتمع الأيزيدي مقسم الى ثلاث طبقات هي طبقة البير والشيخ والمريد وهم يحرمون الزواج بشكل قاطع بين الطبقات المؤلفة لنسيج المجتمع الأيزيدي! فالشاب من طبقة البير او الشيخ او المريد عليه بزواج الفتاة المنتمية الى طبقته نفسها.

يعتقد الأيزيديون بأنهم كرد وأن لغتهم هي اللغة الأم ويتفاخرون بأن دينهم ومعتقداتهم وشعائرهم مدونة باللغة الكردية، ويقول كجو بهذا الخصوص: «نحن أكثر كرداً من الكرد».

والسنة الأيزيدية تبدأ في الأول من شهر نيسان (أبريل) والذي يتوج بعيد رأس السنة وهناك أعياد أخرى كعيد «مربعانية» الصيف الذي يسمى عيد الشيخ عدي أيضاً او العيد الكبير وعيد الجماعية ويعتبر من أهم الأعياد وأعظمها شأناً وأكثرها خطورة. وتقام في هذا العيد مجموعة من الطقوس يطلق عليها (القاباغ) التي تعني إطلاق الرصاص بغزارة.


الكاكائية

تعتبر الكاكائية من الاعتقادات الروحية الكردية القديمة، جذورها تمتد الى آلاف السنين.

يقول هادي بابا شيخ في دراسة عن الكاكائية إن أصل الكلمة هو فارسي وتعني «العم» او «الخال» ولكنها باللغة الكردية تعني (الأخوة الكبرى) وهي ترمز الى الشعور الديني وتأكيد الانتماء الى الكاكائية لدى أفرادها.

يتواجد الكاكائيون في منطقة السهل الجنوبي من مدينة كركوك (داقوق وطوز خورماتو وكفري وخانقين ومندلي ومناطق شرق الموصل) واللغة الكاكائية هي اللغة الكردية، لكن باللهجة الكورانية المشهورة بـ «ماجو» وشعائرهم وطقوسهم الدينية مدونة بها.

الكاكائيون يؤمنون بوحدة الوجود وأن الكون هو الله وبأنه لا يصح وصف الله باللون او باللغة او تسميته لأنه نور لا يمكن إدراكه ومعرفته بوجه او بوصف وهم يؤمنون بتناسخ الأرواح وأنتقالها من بدن الى آخر ويرون أن الملائكة تتقمص صورة البشر ويصلون مرتين في اليوم قبل بزوغ الشمس وأثناء غروبها ويصومون يوماً واحد ويسمونه يوم «الأستقبال» وبعده يصومون ثلاثة ايام ويدعونها «أيام الصوم» ويوم آخر يسمونه يوم «العيد» ومن كتبهم الدينية «سرانجام» و»يارسان».

يتشابة الكاكائيون مع الأيزيديين بأشياء كثيرة، فنسيجهم الاجتماعي يتالف من طبقات ثلاث هي السادة والبير والأخوان كما أنهم لا ينسبون أعمال الشر الى الشيطان ويعتقدون بوجود صراع بين متناقضات القيم كالخير والشر والطيبة والسوء ...الخ. ويحرص الرجال فيهم على عدم قص الشوارب كما أنهم لا يسمحون بزواج الكاكائي أو الكاكائية من خارج نطاقهم الاجتماعي والزواج بين أفراد طبقاتهم محرم أيضاً وتعدد الزوجات يخالف مبادئهم الدينية والطلاق من طرف واحد ممنوع منعاً باتاً.