المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سمير جعجع «الجديد»: حكيم وروحاني



زوربا
10-24-2005, 10:34 AM
باريس: ميشال أبو نجم


لم يكشف سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية الذي أمضى في سجن وزارة الدفاع في اليرزة في الطابق الثالث تحت الأرض،11 سنة من حياته، موعد عودته الى لبنان واستعادة قيادة «القوات»، واكتفى بالقول إنه عائد «في فترة قريبة». كما لم يرد الخوض، في أول لقاء له مع مجموعة من الصحافيين اللبنانيين قبل ايام، في ضاحية راقية تبعد حوالي 30 كلم غرب باريس، في السياسة «العملية» والتحالفات والرئاسيات وتقرير المحقق الدولي في ملف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ديتليف ميليس، وخلافه فقطع الطريق سلفا بقوله: «اليوم، أريد أن أتعرف عليكم وأريد أن تتعرفوا علي. السياسة سنحكي فيها في ما بعد».

وما أراده «الحكيم» هو أن نراه وأن نرى «التحولات» التي طرأت عليه، جسديا وفكريا وخصوصا روحيا. فالرجل استعاد بعض وزنه لكنه ما زال يعاني من بعض الشحوب الذي هو نتيجة سنوات الزنزانة الطويلة. وهو ما يزال يحب الجدل والنقاش، لكنه يتكلم بصوت هادئ وبنبرة متوازية لا تعلو ولا تهبط حتى عندما يجيء على ذكر من رموه في السجن «لأنهم لم يكونوا يريدون رجلا يخالفهم ولا ينحني» أو حتى عند سؤاله عن الذين «خانوه». وعن هؤلاء يقول: «بعضهم لم أتوقع منه ذلك. لكن لا يحق لي الحكم عليهم». سمير جعجع «الجديد» مزيج من «عاقل» ومن مفكر متصوف. بعد أن بان له أن أيام السجن ستكون طويلة وأن محاكمته «سياسية»، قال في نفسه، على ما روى: «فلأستفد من هذا الوقت ولأفعل ما كنت أحب أن أفعله: التأمل». ويروي جعجع انه كان يسترسل في التأمل يوميا لساعات. يومه يخت صر بالتأمل والصلاة والقراءات والنزهات الخارجية القصيرة التي كان يقاد إليها معصوب العينين. أراد استكشاف «البعد الآخر»، أي البعد الروحي الداخلي للإنسان. ولهذا البعد سيكرس كتابا عنوانه «البعد الآخر». اختلج عندما قيل له إنه كان «يعد الأيام في السجن»، لا بل أكد أنه كان «ينزعج» عندما كان يقاد من أجل إجراء فحوصات أو عندما سرت أخبار عن إمكانية إطلاقه في السنوات الأولى من حبسه.

يريد جعجع أن يتعاطى السياسة بروحية جديدة. يقول: «اشتغلت على نفسي وقمت بعملية نقد ذاتي. أنا اليوم وعاء نظيف...على المستوى الشخصي، هناك أمور ندمت على القيام بها. أنا تصالحت مع نفسي وأتمنى للسياسيين الآخرين أن يصلوا هم أيضا الى هذا الوضع». ويسترسل «الحكيم» الذي قرأ في السجن القرآن الكريم وكتبا لاهوتية وفلسفية وفي علم النفس، بالقول: «اليوم أرى أن الغاية (في السياسة) لا تبرر الوسيلة ويجب تغيير المناخ السياسي ( في لبنان)»، مضيفا انه يريد أن تقبل القوات اللبنانية التي لم يعد يصف نفسه بأنه «قائدها» بل «رئيسا للحزب المولود عنها»، هذه «الروحية» الجديدة في الشأن العام.

ويستعيد «الحكيم» مطولا أيام الزنزانة وكيف كان «يمرر» لزوجته ستريدا كلمات مكتوبة على محارم كلينكس، كما يروي لقاءه مع العماد ميشال عون الذي زاره في سجنه قبل أيام من خروجه. يقول جعجع عن الشخص الذي تحارب معه في «حرب الإلغاء»: «كان لقاء جميلا. سمحوا لعون وهو الوحيد أن يصافحني. دمعت عيناه بينما كنت أنا جامدا. لقد فقد الكلام وجرني معه ثم تحدثنا في كل شيء: قراءاتنا، الحياة، السياسة. قلنا: الماضي، يذكر ولا يعاد. الانتخابات (النيابية): قلت له: اعمل التحالفات التي تريد وما تحصل عليه أنت كأنه لنا وما نحصل عليه نحن أفترض أنك حصلت عليه أنت».

وينفي جعجع عن نفسه أي تصرف طائفي، إذ أن «الدين شيء والعمل السياسي شيء آخر». وهو يجهر بأنه «ليس خائفا على المسيحيين في لبنان، لا روحيا ولا سياسيا، وأن الطابع المسيحي الغالب على القوات «لا يغطي الطابع الوطني». ويؤكد جعجع أنه عمم على القواتيين نزع شعار الصليب المجروح، وأن حزب القوات منفتح على الجميع ويريد التعاون مع الجميع.