سلسبيل
10-24-2005, 09:57 AM
http://www.asharqalawsat.com/2005/10/19/images/art.329028.gif
«حياتي» صدر قبل ستة عقود ولكن كأنه كتب اليوم
لندن: عبد الرزاق الصافي
ظهر كتاب «حياتي» لأحمد أمين قبل ما يزيد على الخمسين عاماً، وطبع مجدداً ضمن سلسلة «الكتاب للجميع» التي توزع مجاناً كل شهر مع جريدة «المدى» البغدادية وعدد من الجرائد الأخرى في العراق والبلدان العربية هي: «الاتحاد» العراقية و«الثورة» السورية و«الأيام» البحرينية و«البيان» الاماراتية و«الحياة» السعودية و«السفير» اللبنانية و«القاهرة» المصرية و«القبس» الكويتية. والكتاب يسرد سيرة حياة الدكتور احمد امين، الباحث المصري المعروف، صاحب «فجر الاسلام» و«ضحى الاسلام» و«ظهر الاسلام»، والعديد من المؤلفات في النقد الأدبي وتاريخ الفلسفة والاخلاق والمقالات الادبية.
وهو كتاب شيق يحكي قصة طفولة وصبا ورجولة وشيخوخة الكاتب من مدرسة «أم عباس» الابتدائية النموذجية التي اسستها احدى اميرات القصر الملكي «ام الخديوي عباس»، الى الأزهر ومدرسة القضاء، وتنقله في مناصب القضاء والتدريس، وصولاً الى الجامعة استاذاً وعميداً في كلية الآداب.
ويعرض الكتاب من خلال حياة المؤلف الفنية لتطور الحياة الاجتماعية والثقافية، والى حد ما السياسية، في مصر منذ اواخر القرن التاسع عشر الى اواسط القرن العشرين. والتجارب التي مر بها في مراحل حياته الفنية واسفاره داخل مصر وخارجها، ومساهماته في العديد من المؤتمرات في اوروبا، واطلاعه على حياة الكثير من شعوبها ومقارنة ما فيها من مدنية وعمران ورقي بما في مصر من اوضاع. ويتحدث أيضاً عن نشاطه الواسع. فقد كان عضوا في المجمع اللغوي، وفي مجلس دار الكتب ومجلس كلية الاداب ودار العلوم، ورئيس لجنة التأليف والترجمة والنشر التي ظل رئيساً لها طيلة ثلاثين عاماً، وشارك في دفع مئتي كتاب للطبع من نشرياتها، والجامعة الشعبية، والاذاعة في الراديو، ومساهمته في تحرير مجلتي «الرسالة» و«الثقافة»، وغير ذلك من النشاطات التي يصعب حصرها.
ونظراً لطول ما يتطلبه عرض الكتاب من تجارب واراء مما له صلة بواقع ما يعيشه العراق والبلدان العربية هذه الأيام.
فقد سافر المؤلف بمهمة علمية تتعلق بجمع بعض الكتب والمخطوطات في استانبول في تركيا عام 1928، اي بعد بضع سنوات من الثورة الكمالية التي غيرت وجه تركيا. واستعرض منجزاتها في مجال تحرير المرأة، وكونها ألغت الخلافة والمدارس الدينية، ووحدت المدرسة، وقصرت التعليم الديني على كلية اللاهوت التي تتبع الجامعة، وألغت الطرق الصوفية، وحددت الزي الديني بمن يقوم بمهمة دينية، كأئمة الجوامع والخطباء، منعاً لاستغلاله من قبل غيرهم ممن يلبسون لباس الدين، وغير ذلك من المنجزات.
ورأى المؤلف ان لا يكتفي بوجهة نظره هو، ولذا سأل علي بك فوزي، استاذه القديم في مدرسة القضاء، الذي يعيش في استانبول عن رأيه بالاوضاع في تركيا فأجابه اجابة مستفيضة نقتبس بعضها: «ان اكبر مظهر للانقلاب التركي هو السفور. وقد افاد الامة التركية من حيث اصلاح الزواج فكل من الزوجين يرى صاحبه، ويأنس به قبل عقد الزواج ثم ان السفور مكن المرأة من معرفة كثير من شؤون الدنيا كانت تجهلها». واستطرد الدكتور احمد امين: «وسألته عن القبعة فحبّذها ـ اي علي بك فوزي ـ وقال انها افضل من الطربوش للرأس والعين.. وحبذ تعليم الحكومة لاظفار قسم من رجال الدين لانهم كانوا نصراء الرجعية واداة في يد السلاطين الظالمين، ينكلون بالامة بواسطتهم.. وقال انه كان يندس بين رجال الدين من لا يتصلون بالدين. وكثير من الناس يلبسون العمامة ويغررون بها الناس. فالمتسول والمنجم والدجال، كل هؤلاء كانوا يلبسون العمامة ويتزيون زي رجال الدين. فما فعلته الحكومة التركية من تحريم لبس العمامة إلا لرجال الدين الرسميين عمل نافع قطع دابر كثير من وسائل التخريف والتدجيل». واشار الى وقوع بعض الاخطاء في هذا المجال «ولكن الزمن كفيل باصلاح ذلك».
وتحدث الدكتور احمد امين عن زيارة قام بها للعراق عام 1931 مع عدد من اساتذة الحقوق وكلية الاداب وبعض الطلبة، والحفاوة التي قوبلوا بها في العراق ودعوتهم من قبل الملك فيصل الأول للافطار على مائدته. وكان من بين ما ذكره الكاتب عن زيارته للعراق ما يلي: «ولمست في العراق الانقسام بين الشيعة والسنية، وقد زرت النجف وكربلاء وغيرهما. وهي حصون الشيعة. وصادف ذلك ايام العزاء وذكرى مقتل الامام علي بن ابي طالب ـ لعله يقصد ايام عاشوراء ومقتل الامام الحسين في العاشر من محرم ـ ورأينا العامة في كربلاء يضربون صدورهم ضرباً شديداً حتى ليدموا اجسامهم حزناً على الامام، ومنهم من يضربون انفسم بالسيوف، ومنهم من يضربون ظهورهم بسلاسل من حديد والنساء يولولن على نحو ما كان معروفاً من عمل الشيعة في القاهرة الى عهد قريب. وقد اسفت لهذه المناظر وحملت مسؤولية ما يعمل في هذا الباب علماء الشيعة وفيهم فضلاء اجلاء مسموعو الكلمة يستطيعون ان يبطلوا كل هذا بكلمة منهم، ولكن لا ادري لماذا لا يفعلون؟».
وللاسف الشديد ما زال «علماء الشيعة الفضلاء» يواصلون السكوت عن هذه الممارسات التي تعكس فهماً قاصراً لرسالة الامام الحسي والمغزى العظيم لاستشهاده في سبيل الحق وضد مغتصبي السلطة الذين حولوا الخلافة الى ملك عضوض.
ويستطرد الدكتور احمد امين في حديثه عن هذا الموضوع فيقول: «وهذا الخلاف بين السنية والشيعة في العراق جرّ عليه كثيراً من المصائب والمحن ـ وبذل جهودا ضاعت فيما لا يفيد، لو صرفت في خير الامة وتقدمها ـ بقطع النظر عن سني وشيعي ـ لعادت على اهلها بالخير العميم...
وما عدا ذلك فالخلاف بين الشيعة والسنية كالخلاف بين حنفي وشافعي ومالكي لا يستدعي شيئاً من الخصومة، ولكن افسد الناس ضيق العقل وعواطف العامة ومصالح بعض رجال الدين وصبغ المسائل السياسية بالمسائل الدينية».
كتب الدكتور احمد امين ـ رحمه الله ـ هذا قبل اكثر من نصف قرن، عما شهده في زيارته للعراق عام 1931 وكأنه يتحدث عما يجري هذه الايام من استغلال الدين ستاراً لاغراض سياسية لا علاقة لها بدين أو مذهب. فالارهابي ابو مصعب الزرقاوي يكفّر الشيعة ويعلن الحرب عليهم، ويلقى دعماً من بعض السنة واعداء الديمقراطية، داخل العراق وخارجه، ممن يسمون اعماله الاجرامية «مقاومة»، بدل ادانتها وشجبها، وشجب اعمال ايتام النظام الدكتاتوري المنهار التخريبية، التي تنغص حياة الشعب العراقي وتضر باقتصاده، وبسعي القوى السياسية المنخرطة في العملية السلمية الهادفة الى اشكال السيادة الوطنية، وتقريب يوم جلاء آخر جندي اجنبي عن ارض الوطن.
ويقوم بعض الشيعة باستغلال اكثريتهم في الجمعية الوطنية بالتركيز على امور خاصة بطائفتهم في الدستور، لا مثيل لها في صياغات الدساتير، دون مبرر، وبما يستفز مشاعر اوساط سنية وشيعية لا ترى مبرراً لهذا التركيز الذي يعكرّ الاجواء بصرف النظر عن نوايا القائمين به.
«حياتي» صدر قبل ستة عقود ولكن كأنه كتب اليوم
لندن: عبد الرزاق الصافي
ظهر كتاب «حياتي» لأحمد أمين قبل ما يزيد على الخمسين عاماً، وطبع مجدداً ضمن سلسلة «الكتاب للجميع» التي توزع مجاناً كل شهر مع جريدة «المدى» البغدادية وعدد من الجرائد الأخرى في العراق والبلدان العربية هي: «الاتحاد» العراقية و«الثورة» السورية و«الأيام» البحرينية و«البيان» الاماراتية و«الحياة» السعودية و«السفير» اللبنانية و«القاهرة» المصرية و«القبس» الكويتية. والكتاب يسرد سيرة حياة الدكتور احمد امين، الباحث المصري المعروف، صاحب «فجر الاسلام» و«ضحى الاسلام» و«ظهر الاسلام»، والعديد من المؤلفات في النقد الأدبي وتاريخ الفلسفة والاخلاق والمقالات الادبية.
وهو كتاب شيق يحكي قصة طفولة وصبا ورجولة وشيخوخة الكاتب من مدرسة «أم عباس» الابتدائية النموذجية التي اسستها احدى اميرات القصر الملكي «ام الخديوي عباس»، الى الأزهر ومدرسة القضاء، وتنقله في مناصب القضاء والتدريس، وصولاً الى الجامعة استاذاً وعميداً في كلية الآداب.
ويعرض الكتاب من خلال حياة المؤلف الفنية لتطور الحياة الاجتماعية والثقافية، والى حد ما السياسية، في مصر منذ اواخر القرن التاسع عشر الى اواسط القرن العشرين. والتجارب التي مر بها في مراحل حياته الفنية واسفاره داخل مصر وخارجها، ومساهماته في العديد من المؤتمرات في اوروبا، واطلاعه على حياة الكثير من شعوبها ومقارنة ما فيها من مدنية وعمران ورقي بما في مصر من اوضاع. ويتحدث أيضاً عن نشاطه الواسع. فقد كان عضوا في المجمع اللغوي، وفي مجلس دار الكتب ومجلس كلية الاداب ودار العلوم، ورئيس لجنة التأليف والترجمة والنشر التي ظل رئيساً لها طيلة ثلاثين عاماً، وشارك في دفع مئتي كتاب للطبع من نشرياتها، والجامعة الشعبية، والاذاعة في الراديو، ومساهمته في تحرير مجلتي «الرسالة» و«الثقافة»، وغير ذلك من النشاطات التي يصعب حصرها.
ونظراً لطول ما يتطلبه عرض الكتاب من تجارب واراء مما له صلة بواقع ما يعيشه العراق والبلدان العربية هذه الأيام.
فقد سافر المؤلف بمهمة علمية تتعلق بجمع بعض الكتب والمخطوطات في استانبول في تركيا عام 1928، اي بعد بضع سنوات من الثورة الكمالية التي غيرت وجه تركيا. واستعرض منجزاتها في مجال تحرير المرأة، وكونها ألغت الخلافة والمدارس الدينية، ووحدت المدرسة، وقصرت التعليم الديني على كلية اللاهوت التي تتبع الجامعة، وألغت الطرق الصوفية، وحددت الزي الديني بمن يقوم بمهمة دينية، كأئمة الجوامع والخطباء، منعاً لاستغلاله من قبل غيرهم ممن يلبسون لباس الدين، وغير ذلك من المنجزات.
ورأى المؤلف ان لا يكتفي بوجهة نظره هو، ولذا سأل علي بك فوزي، استاذه القديم في مدرسة القضاء، الذي يعيش في استانبول عن رأيه بالاوضاع في تركيا فأجابه اجابة مستفيضة نقتبس بعضها: «ان اكبر مظهر للانقلاب التركي هو السفور. وقد افاد الامة التركية من حيث اصلاح الزواج فكل من الزوجين يرى صاحبه، ويأنس به قبل عقد الزواج ثم ان السفور مكن المرأة من معرفة كثير من شؤون الدنيا كانت تجهلها». واستطرد الدكتور احمد امين: «وسألته عن القبعة فحبّذها ـ اي علي بك فوزي ـ وقال انها افضل من الطربوش للرأس والعين.. وحبذ تعليم الحكومة لاظفار قسم من رجال الدين لانهم كانوا نصراء الرجعية واداة في يد السلاطين الظالمين، ينكلون بالامة بواسطتهم.. وقال انه كان يندس بين رجال الدين من لا يتصلون بالدين. وكثير من الناس يلبسون العمامة ويغررون بها الناس. فالمتسول والمنجم والدجال، كل هؤلاء كانوا يلبسون العمامة ويتزيون زي رجال الدين. فما فعلته الحكومة التركية من تحريم لبس العمامة إلا لرجال الدين الرسميين عمل نافع قطع دابر كثير من وسائل التخريف والتدجيل». واشار الى وقوع بعض الاخطاء في هذا المجال «ولكن الزمن كفيل باصلاح ذلك».
وتحدث الدكتور احمد امين عن زيارة قام بها للعراق عام 1931 مع عدد من اساتذة الحقوق وكلية الاداب وبعض الطلبة، والحفاوة التي قوبلوا بها في العراق ودعوتهم من قبل الملك فيصل الأول للافطار على مائدته. وكان من بين ما ذكره الكاتب عن زيارته للعراق ما يلي: «ولمست في العراق الانقسام بين الشيعة والسنية، وقد زرت النجف وكربلاء وغيرهما. وهي حصون الشيعة. وصادف ذلك ايام العزاء وذكرى مقتل الامام علي بن ابي طالب ـ لعله يقصد ايام عاشوراء ومقتل الامام الحسين في العاشر من محرم ـ ورأينا العامة في كربلاء يضربون صدورهم ضرباً شديداً حتى ليدموا اجسامهم حزناً على الامام، ومنهم من يضربون انفسم بالسيوف، ومنهم من يضربون ظهورهم بسلاسل من حديد والنساء يولولن على نحو ما كان معروفاً من عمل الشيعة في القاهرة الى عهد قريب. وقد اسفت لهذه المناظر وحملت مسؤولية ما يعمل في هذا الباب علماء الشيعة وفيهم فضلاء اجلاء مسموعو الكلمة يستطيعون ان يبطلوا كل هذا بكلمة منهم، ولكن لا ادري لماذا لا يفعلون؟».
وللاسف الشديد ما زال «علماء الشيعة الفضلاء» يواصلون السكوت عن هذه الممارسات التي تعكس فهماً قاصراً لرسالة الامام الحسي والمغزى العظيم لاستشهاده في سبيل الحق وضد مغتصبي السلطة الذين حولوا الخلافة الى ملك عضوض.
ويستطرد الدكتور احمد امين في حديثه عن هذا الموضوع فيقول: «وهذا الخلاف بين السنية والشيعة في العراق جرّ عليه كثيراً من المصائب والمحن ـ وبذل جهودا ضاعت فيما لا يفيد، لو صرفت في خير الامة وتقدمها ـ بقطع النظر عن سني وشيعي ـ لعادت على اهلها بالخير العميم...
وما عدا ذلك فالخلاف بين الشيعة والسنية كالخلاف بين حنفي وشافعي ومالكي لا يستدعي شيئاً من الخصومة، ولكن افسد الناس ضيق العقل وعواطف العامة ومصالح بعض رجال الدين وصبغ المسائل السياسية بالمسائل الدينية».
كتب الدكتور احمد امين ـ رحمه الله ـ هذا قبل اكثر من نصف قرن، عما شهده في زيارته للعراق عام 1931 وكأنه يتحدث عما يجري هذه الايام من استغلال الدين ستاراً لاغراض سياسية لا علاقة لها بدين أو مذهب. فالارهابي ابو مصعب الزرقاوي يكفّر الشيعة ويعلن الحرب عليهم، ويلقى دعماً من بعض السنة واعداء الديمقراطية، داخل العراق وخارجه، ممن يسمون اعماله الاجرامية «مقاومة»، بدل ادانتها وشجبها، وشجب اعمال ايتام النظام الدكتاتوري المنهار التخريبية، التي تنغص حياة الشعب العراقي وتضر باقتصاده، وبسعي القوى السياسية المنخرطة في العملية السلمية الهادفة الى اشكال السيادة الوطنية، وتقريب يوم جلاء آخر جندي اجنبي عن ارض الوطن.
ويقوم بعض الشيعة باستغلال اكثريتهم في الجمعية الوطنية بالتركيز على امور خاصة بطائفتهم في الدستور، لا مثيل لها في صياغات الدساتير، دون مبرر، وبما يستفز مشاعر اوساط سنية وشيعية لا ترى مبرراً لهذا التركيز الذي يعكرّ الاجواء بصرف النظر عن نوايا القائمين به.