المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رمضان في السودان ... صيام بلا مشقة



خديجة
10-23-2005, 11:05 AM
خالد عزب - الحياة

كاتب مصري.


يحتفي السودانيون بشهر رمضان احتفاء كبيراً وتبدأ الاستعدادات للصيام قبل شهرين كاملين، فمع بداية شهر رجب والذي يسمونه رجب الخير يبدأ البعض في الصيام. ومن السودانيين من يصوم شهري رجب وشعبان، ويسمون هذا الشهر «قصيراً» اعتقاداً منهم انه يمر سريعاً اذ انهم يتطلعون الى رمضان.

وغالبية الذين يكثرون من الصوم قبل رمضان هم الذين اعتادوا على شرب المكيفات خصوصاً الشاي والقهوة يجدون في هذا الصيام فرصة للتغلب على عادات الطعام والشراب حتى اذا حل رمضان صاموه من دون مشقة او عناء. ومعلوم ان اهل غرب السودان مولعون بشرب الشاي ولهم مجالس خاصة لذلك لها طقوسها وعاداتها ومن يشرب اكثر يسمّى الحريف. كما ان اهل الشرق معروفون بحب شرب القهوة ولهم فيها اشعار وقصائد.

استعداد

في الشهرين السابقين لرمضان تجرى استعدادات كبيرة لهذا الشهر تشمل إعداد الاطعمة الخاصة برمضان وتهيئة اماكن الراحة والصلاة واماكن الافطار. وأهم ما يعد ويصلح لرمضان الرواكيب وهي مبان من القش والطين تنصب امام الغرف وهي معروفة بنسيمها العليل الطيب توضع فيها «العنا قريب» وتفرش ويقضون فيها جل النهار وينامون بعد الظهر، وفي شعبان يعاد اصلاح هذه الرواكيب بتجديد البروش والقش ويزخرفونها... وفي القرى يجري اصلاح الآبار التي يشربون منها وتسمى عملية الاصلاح «قلع وتكحيل» حتى يؤمنون حاجاتهم من الماء خلال الشهر ولا يضطرون لعمل شاق اذا استدعى الامر اصلاح البئر في رمضان. ويقوم اهل الحي باصلاح المسجد وتجديده بالبناء والطلاء وتجديد فرشه وكذلك يصلحون الخلاوي، وهي اماكن تدريس القرآن والعلوم الشرعية للاطفال الذين يرغبون في حفظ القرآن الكريم.

والعادة التي يتمسك بها السودانيون هي تناول الافطار في الطرقات وخارج المنازل ويقومون بشراء ما يلزم لذلك.

معدات المائدة

ولمائدة رمضان بعض الاواني الخاصة بها واهمها «الكورية» وهي اناء مستدير تكون فتحته اكبر من قاعدته ويشربون بها الليمون والحلومر والابري... ثم يشترون «الجردل» الصغيرة وهي اناء يسع نحو 3 ليترات تحمل به المشروبات الى موقع المائدة ويشترون «الكوز» وهي اناء تغرف به المشروبات... ثم يشترون الصحن الخاص لأكل البليلة وهو ملون ومتوسط الحجم.

اطعمة رمضان

يطلقون على كل الاطعمة التي يصنعونها في رمضان اسم «موية رمضان» وموية تعني الماء وهذا الاسم يدل على المأكولات والمشروبات معاً. ومن اهم مشروبات رمضان «الابري» و»الحلومر» وعملية اعداده تمر في مراحل عدة، وتبدأ منذ شهر قصير او شعبان بعمل الزريعة وفيها ينظفون الذرة «الصفراء والحمراء» ويخففونها ثم تفرش الجوالات وتوضع عليها لمدة 10 ايام الى ان تنبت وتتفتق عن نبت صغير ثم يجفف ويطحن وتصنع منه عجينة يضاف اليها الكثير من التوابل وبعد ذلك يوضع على النار في الصاج لتتم عملية «العواسة» وهي طهي الحلومر وبعدها يكون شكله عبارة عن لفائف مربعة يمكن ان تعيش طويلاً، وعندما يراد صنع المشروب منها تبل في الماء لساعات عدة ثم تصفى ليكون الناتج مشروباً احمر اللون لذيذ الطعم هو «الحلومر»، ويسمى بذلك لانه شاق ومر في صنعه ولكنه حلو في الطعم والحلومر يذهب العطش ويعطي احساساً بالارتواء لفرة طويلة.

وكلمة اجري تركية الاصل وهي ذات مقطعين اب بمعنى عاد وري الارتواء ويكون المعنى عودة الارتواء او ذهاب العطش، ويصنع اهل السودان الابري الابيض وهو من الذرة ولونه ابيض ويكون شكله في رقائق شفافة يبل بالماء والسكر، وكذلك يصنعون «الرقاق» وهي رقائق اكبر سمكاً من الابري وتؤكل في السحور وتبل في اللبن وتوضع امام الاسرة عند النوم لتؤكل ويشرب لبنها عند السحور، وفي شهر رجب يبدأ شراء التمر ليحصلوا على الجيد منه ويضعونه في الماء قبل الافطار لساعات عدة ويأكلون تمرات عدة قبل شرب الماء ويشربون ماءه ايضاً.

وفي رمضان يصنعون «البليلة» وتعد من الذرة والكبكبية وهو الحمص وتؤكل قبيل الافطار في رمضان وقد تؤكل مع التمر ويضعون فوق البليلة تمرات عدة وفي الريف يصنعون البليلة من «الوبيا». ومن الاطعمة المهمة في رمضان العصيدة وتسمى «اللقمة» وهي عجينة من الذرة تترك حتى تتجمد ويصب عليها «الملاح» وتؤكل ساخنة عند الافطار ولا تخلو مائدة رمضان من هذه «العصيدة».

ومن العادات القديمة التي يحافظ عليها الكثير من السودانيين حتى الآن ارسال «موية رمضان» الى المسافرين من الاهل والاولاد اياً كان البلد الذي سافـروا اليه. وتـهتم والدة الفتاة المخطوبة بارسال موية رمضان الى خطيب بنتها وحتى بعد الزواج تحرص على ارسالها وتكون غالباً من التمر الجيد والابري والحلومر والرقاق وتوضع في «قفة» وتبعث الى اهل الخطيب وترسل معها بعض الانية الخاصة برمضان وهي ترمز الى مقدار حبهم للابن البعيد او زوج البنت او خطيـبها واذا كان المرسل اليه عريساً او خاطباً في مكان قريب فإن مجموعة من النسوة تحمل هذه الاشياء وتذهب بها ومعهن والدة العروس والاقارب.

الافطار والسحور

جرت العادة على تناول الافطار خارج المنزل ويجلس الرجال على البروش على قارعة الطريق في شكل مجموعات، وترسل كل اسرة ما يتوافر لديها من طعام وشراب وقهوة.

وتهدف هذه العادة الى الترابط وتمكين الفقراء، الذين لا يستطيعون صنع اطعمة تساعد على الصيام، من الاكل في جماعة وكذلك «للعزابة» وهم الذين يسكنون رجالاً غير متزوجين وغالباً ما يكون هؤلاء من العمال والموظفين الذين جاءت بهم ظروف العمل مثل الكبيب ومساعده والمعلمين في المدارس وغيرهم.

وفي السحور يقوم «المسحراتي» بالتجول على الحي وهو يقرع على طبل وينادي «يا صايم قوم اتسحر ويا فاطر قوم اتندل» وتعني ان المفطر غير معني بهذا النداء، وعليه ان يغط في نومه العميق، وفي هذا شبه ذم للمفطرين.

وهناك عادة متبعة الى الآن في القرى والارياف وتسمى الرحمات هي من الرحمة وتكون في آخر خميس من رمضان لأنه اليوم الذي يسبق الجمعة اليتيمة وهي آخر جمعة في رمضان.

وفي هذا اليوم تصنع النساء الكثير من الاطعمة وتتكون من اللحم والفطائر والحلويات والبليلة وتوزع على الجيران والفقراء.

ويتجول الاطفال على المنازل لجمع الصدقة ويخص طلاب الخلاوي باكبر قدر منها. ولطلاب الخلاوي تعامل خاص مع هذه الاطعمة حيث يصنعون منها كرات يخلطون كل صنوف الطعام حلوها ومرها فيها وتوضع هذه الكرات حتى تجف لتؤكل وعندما تحين ساعة اكلها يمزجونها بالماء ويأكلونها وتسمى هذه الكرات من الطعام «الجانديقة».

الاسبوع الاخير

وفي آخر اسبوع من رمضان يبدأ الاستعداد لعيد الفطر وتخرج زكاة الفطر وتوزع على الفقراء ليتمكنوا من الافادة منها قبل العيد... ثم تصنع الملابس الزاهية الجميلة وملابس الاطفال تكون زاهية وملابس الكبار تتكون من جلابية بيضاء وعمامة وشال وطاقية ومركوب ابيض «حذاء». والذين توفي لهم احد افراد الاسرة في العام المنصرم فإن النسوة يصنعون طعاماً يوزعنه كصدقة جارية له وفجر العيد تقوم النساء من اهله بأخذ كميات من التمر والفطائر عليها السكر ويذهبن بها للقبر ويبكين عليه ثم يضعن هذه الصدقة على قبره ويأتي الفقراء والاطفال ويأخذونها.

صلاة العيد والمعافاة

وصلاة العيد في السودان يعتبرونها واجباً على كل شخص حتى الذين لا يصلون خلال العام كله تكاسلاً فهم يحضرون للصلاة وبعدها يذهبون لتناول الافطار في المسجد او الخلوة او منزل احد الوجهاء.

وفي هذا الافطار يسرع كل الذين لهم خصومات ويصلحون بينهم ويقول المتخاصمون لبعضهم «اعفوا عنا» ويرد الآخرون «عافيناكم» وبعدها يخرج الرجال في جماعات بلباسهم الابيض وعمائمهم ويطوفون على المنازل لمباركة العيد وتقدم لهم الحاوي والكعك والتمر ويستمر ذلك الى ان يجوبوا الحي كله.