الحاج مؤمن
10-06-2024, 05:45 PM
الأحد 6 تشرين الأول 2024
https://al-akhbar.com/Images/ArticleImages/2024105223247907638637643679074433.jpg
(هيثم الموسوي)
تحمل الضاحية الجنوبية كلّ تناقضات النّظام. فيها الأثرياء، وفيها أكثر المناطق فقراً وتهميشاً. العيش في هذه المنطقة يحمّلك مشاعر متناقضة تجاهه. يمقت أهل الضاحية «عجقتها» ويتذمّرون من فوضاها، لكنهم اعتادوا العيش فيها إلى حدّ الإدمان.
وحتى عندما أشعلت التهديدات التي سبقت المجزرة، التي ارتكبها الاحتلال في حارة حريك باغتيال القائد الجهادي الشهيد فؤاد شكر، الشرارة الأولى للنزوح بين أهل الضاحية، سارع المقتدرون منهم إلى استئجار بيوت وشقق في «المناطق الأكثر أمناً» في بيروت أو الجبل، غير عابئين ببدلات الإيجار التي شهدت ارتفاعاً صاروخياً.
لكنهم رغم ذلك، لم يتركوا الضاحية. بقوا حيث هم، بعدما أمّنوا ملاذاً لهم في حال اشتداد العدوان. بعضهم لم يفكّر حتى في قضاء نهاية الأسبوع في شقة دفع إيجارها مقدّماً لستة أشهر، ولو هرباً من الحر إلى برودة الجبل.
قرار النّزوح، مهما بدا حتمياً، ليس سهلاً لمن «حياته ومصالحه وعمله وكل ما له هو هنا داخل الضاحية»، كما يقول أحدهم. وهو ليس سهلاً بطبيعة الحال لمن لا قدرة له أساساً على تأمين بديل. لذا، بقي قرار الخروج مؤجلاً لدى معظم سكّان الضاحية على اختلاف انتماءاتهم الطبقيّة حتّى اللحظات الأخيرة قبل اندلاع الحرب.
سريعاً اكتشف أهل الضاحية أن معايير عدوان تموز 2006 للمناطق «الآمنة» لا تنطبق على عدوان أيلول 2024
في 23 أيلول الماضي، مع توسع العدوان وبدء النزوح من الجنوب، كان شعور أهل الضاحية بأن الحرب باتت تقترب منهم سريعاً، وأن استهداف منطقتهم آتٍ لا محالة. نزح المقتدرون سريعاً إلى بيوت كانوا قد استأجروها أو إلى أخرى استأجروها للتوّ في ما يعدّ «مناطق آمنة».
الأُسَر الأقلّ دخلاً تشاركت في استئجار منزل أو لجأت إلى منازل أقارب وأصدقاء. وبعضهم مارس نزوحاً داخلياً، إلى مناطق أقل عرضة للاستهداف ضمن الضاحية نفسها. غادر البقاعيون إلى البقاع، فيما بقي سكان المناطق المهمّشة، في حيّ السلم والعمروسية وصحراء الشويفات وغيرها، في منازلهم ظنّاً بأن ما تهمّشه الدولة يهمّشه العدوان.
هؤلاء جميعاً اكتشفوا بعد أيام قليلة أن معايير عدوان تموز 2006 لا تنطبق على عدوان أيلول 2024، وأن لا مناطق آمنة لا في الضاحية ولا في البقاع، وبطبيعة الحال لا في الجنوب. هكذا خرج كل من بقي في الضاحية في تغريبة كبرى لينفلشوا على مساحة الوطن، في بيروت والجبل والشمال، وصولاً إلى وادي خالد وعكار والعريضة.
يلعب العامل الطبقي دوره في ظروف النزوح أكثر من تدخّله في مكان النزوح نفسه، ويطرح تساؤلاً إضافياً عن إمكانية القادرين حالياً على الصمود في أماكن إقامتهم الجديدة إذا طالت الحرب. ففي نظام العقارات والعقاريين والمضاربين، حيث لا سقف للإيجارات، لا يجد النازحون مكاناً يلجأون إليه ضمن قدراتهم الاقتصادية.
لذلك، كان من شبه المستحيل على معظم من التحقوا بموجة النزوح أخيراً، إيجاد أماكن يلجأون إليها نتيجة موجة النزوح الأولى من الضاحية والجنوب والبقاع... سوى مراكز الإيواء أو الشوارع.
بعد النزوح، سقطت اعتبارات كثيرة. أكثر من عشرين فرداً يقيمون في منزل يتّسع أساساً لسبعة أشخاص. ليس الواقع المادي لتلك العوائل وحده ما فرض ذلك، هي «الروابط العائلية أيضاً، والحاجة إلى أن نكون معاً، فإن عشنا نعيش معاً، وإن استشهدنا نستشهد معاً، وإن كان علينا أن نعاني لمدّة طويلة، فلنعانِ معاً»، تقول نازحة.
https://al-akhbar.com/Images/ArticleImages/2024105223247907638637643679074433.jpg
(هيثم الموسوي)
تحمل الضاحية الجنوبية كلّ تناقضات النّظام. فيها الأثرياء، وفيها أكثر المناطق فقراً وتهميشاً. العيش في هذه المنطقة يحمّلك مشاعر متناقضة تجاهه. يمقت أهل الضاحية «عجقتها» ويتذمّرون من فوضاها، لكنهم اعتادوا العيش فيها إلى حدّ الإدمان.
وحتى عندما أشعلت التهديدات التي سبقت المجزرة، التي ارتكبها الاحتلال في حارة حريك باغتيال القائد الجهادي الشهيد فؤاد شكر، الشرارة الأولى للنزوح بين أهل الضاحية، سارع المقتدرون منهم إلى استئجار بيوت وشقق في «المناطق الأكثر أمناً» في بيروت أو الجبل، غير عابئين ببدلات الإيجار التي شهدت ارتفاعاً صاروخياً.
لكنهم رغم ذلك، لم يتركوا الضاحية. بقوا حيث هم، بعدما أمّنوا ملاذاً لهم في حال اشتداد العدوان. بعضهم لم يفكّر حتى في قضاء نهاية الأسبوع في شقة دفع إيجارها مقدّماً لستة أشهر، ولو هرباً من الحر إلى برودة الجبل.
قرار النّزوح، مهما بدا حتمياً، ليس سهلاً لمن «حياته ومصالحه وعمله وكل ما له هو هنا داخل الضاحية»، كما يقول أحدهم. وهو ليس سهلاً بطبيعة الحال لمن لا قدرة له أساساً على تأمين بديل. لذا، بقي قرار الخروج مؤجلاً لدى معظم سكّان الضاحية على اختلاف انتماءاتهم الطبقيّة حتّى اللحظات الأخيرة قبل اندلاع الحرب.
سريعاً اكتشف أهل الضاحية أن معايير عدوان تموز 2006 للمناطق «الآمنة» لا تنطبق على عدوان أيلول 2024
في 23 أيلول الماضي، مع توسع العدوان وبدء النزوح من الجنوب، كان شعور أهل الضاحية بأن الحرب باتت تقترب منهم سريعاً، وأن استهداف منطقتهم آتٍ لا محالة. نزح المقتدرون سريعاً إلى بيوت كانوا قد استأجروها أو إلى أخرى استأجروها للتوّ في ما يعدّ «مناطق آمنة».
الأُسَر الأقلّ دخلاً تشاركت في استئجار منزل أو لجأت إلى منازل أقارب وأصدقاء. وبعضهم مارس نزوحاً داخلياً، إلى مناطق أقل عرضة للاستهداف ضمن الضاحية نفسها. غادر البقاعيون إلى البقاع، فيما بقي سكان المناطق المهمّشة، في حيّ السلم والعمروسية وصحراء الشويفات وغيرها، في منازلهم ظنّاً بأن ما تهمّشه الدولة يهمّشه العدوان.
هؤلاء جميعاً اكتشفوا بعد أيام قليلة أن معايير عدوان تموز 2006 لا تنطبق على عدوان أيلول 2024، وأن لا مناطق آمنة لا في الضاحية ولا في البقاع، وبطبيعة الحال لا في الجنوب. هكذا خرج كل من بقي في الضاحية في تغريبة كبرى لينفلشوا على مساحة الوطن، في بيروت والجبل والشمال، وصولاً إلى وادي خالد وعكار والعريضة.
يلعب العامل الطبقي دوره في ظروف النزوح أكثر من تدخّله في مكان النزوح نفسه، ويطرح تساؤلاً إضافياً عن إمكانية القادرين حالياً على الصمود في أماكن إقامتهم الجديدة إذا طالت الحرب. ففي نظام العقارات والعقاريين والمضاربين، حيث لا سقف للإيجارات، لا يجد النازحون مكاناً يلجأون إليه ضمن قدراتهم الاقتصادية.
لذلك، كان من شبه المستحيل على معظم من التحقوا بموجة النزوح أخيراً، إيجاد أماكن يلجأون إليها نتيجة موجة النزوح الأولى من الضاحية والجنوب والبقاع... سوى مراكز الإيواء أو الشوارع.
بعد النزوح، سقطت اعتبارات كثيرة. أكثر من عشرين فرداً يقيمون في منزل يتّسع أساساً لسبعة أشخاص. ليس الواقع المادي لتلك العوائل وحده ما فرض ذلك، هي «الروابط العائلية أيضاً، والحاجة إلى أن نكون معاً، فإن عشنا نعيش معاً، وإن استشهدنا نستشهد معاً، وإن كان علينا أن نعاني لمدّة طويلة، فلنعانِ معاً»، تقول نازحة.