سلسبيل
10-20-2005, 08:25 AM
غسان شربل - الحياة
لم يعتد أهل الشرق الأوسط على هذا النوع من المشاهد. فكرة الرئيس السابق نفسها غير موجودة تقريباً. يؤخذ القصر عنوة ثم يستدعى الدستور لتبرير الاقامة وتمديدها الى أن ينجح «منقذ» آخر في انتزاع القصر فاتحاً لساكنه طريق القبر.
أغلب الظن ان صدام حسين لم يتوقع يوماً أن يساق الى قفص الاتهام. وان يجرؤ عراقي على سؤاله عن اسمه الثلاثي. كل ما كان يتوقعه هو أن تغدره رصاصة ما أو أن يتسلل السم الى طعامه وكان بارعاً في اتقاء الخطرين.
المشهد ليس بسيطاً. فالرجل الذي أنكر بالأمس أهلية المحكمة وشرعيتها هو الرجل الذي كان يمسك بمصير الأعناق والأرزاق. شبهة بسيطة كانت تكفي ليفيض غضبه. تتحرك آلة القتل لشطب شخص أو عشيرة أو بلدة. كان يكفي ان يتخذ «السيد الرئيس القائد» قراراً ليتحرك الجيش لمحو الحدود الدولية والغاء دولة وانهاك أخرى.
كان في استطاعة من تابعوا جلسة أمس ان يسمعوا بكاء خافتاً وصراخاً عميقاً. فالرجل الذي يصر على الاحتفاظ بحقوقه الدستورية بوصفه رئيساً للعراق هو رجل الأرقام القياسية على الأقل في منطقتنا. لم تسعف الفرصة أحداً غيره على اطلاق حربين مدمرتين التهمتا جموعاً من الناس وثروات هائلة. لم يتسع الوقت لأحد غيره لترصيع أرض البلاد بالمقابر الجماعية واطلاق مصانع الأرامل والثكالى والأيتام. تفرّد الرجل بجوع استثنائي. وهكذا التهم السلطة والحزب والجيش والنفط والنخيل مستنداً الى تفويض دجال من التاريخ الذي ارسله في مهمة استثنائية.
جميل أن يجد مستبد كبير نفسه في قفص. جميل أن يقتاد الى محكمة وأن يكتشف في النهاية انه خاضع للمساءلة والحساب. ان كون صدام حسين سقط بفعل ضربات الأجنبي لا يغسله من اخطائه الشاسعة حتى وان اعتبرنا الحرب غير مبررة وانها فتحت طريق الكارثة.
لعل الأهم في المشهد فكرة انتصار القانون والعدالة على الطاغية الذي كان يأمل في عدم مغادرة القصر إلا الى القبر وهو في عرفه قصر التاريخ.
ولأن المستقبل لا يبنى بحجارة الماضي على المحاكمة ان تكون فرصة لإحقاق العدالة لا لممارسة الثأر. فمحاكمة صدام هي محاكمة لشخص ونهد وحقبة وأهم ما يمكن أن تحققه هو منع وقوع العراق مجدداً في قبضة مستبد حتى وان اختلفت مدرسته وأساليبه.
كان يمكن للمحاكمة أن تكون أشد وقعاً لو أن الذين رقصوا ابتهاجاً لسقوط صدام تصرفوا منذ تلك اللحظة بالقدر اللازم من المسؤولية الوطنية. والموضوع الأهم ليس مصير صدام حسين بل هو مصير البلاد التي كان يحكمها.
ولا بد هنا من الاعتراف أن عراق ما بعد صدام هو اليوم أخطر من عراق صدام على العراقيين والمنطقة والعالم. مسؤولية الادارة الاميركية واضحة وصارخة. لكنها لا تحجب بالتأكيد مسؤولية القوى العراقية فلا الذين انتصروا وضعوا انتصارهم في خدمة بناء العراق الجديد ولا الذين هزموا تقبلوا بعض الخسارة من أجله.
خسر صدام السلطة لكن العراق في طريقه الى خسارة وحدته ودوره على دوي الانانيات المذهبية والقومية والضربات الارهابية. قد يكون صدام في طريقه الى الاعدام لكن ما يقلق هو ان يكون العراق نفسه مرشحاً للاعدام. ولا بد من التذكير ان انتحار العراق سيكون أول الآلام الواسعة وليس خاتمتها.
لم يعتد أهل الشرق الأوسط على هذا النوع من المشاهد. فكرة الرئيس السابق نفسها غير موجودة تقريباً. يؤخذ القصر عنوة ثم يستدعى الدستور لتبرير الاقامة وتمديدها الى أن ينجح «منقذ» آخر في انتزاع القصر فاتحاً لساكنه طريق القبر.
أغلب الظن ان صدام حسين لم يتوقع يوماً أن يساق الى قفص الاتهام. وان يجرؤ عراقي على سؤاله عن اسمه الثلاثي. كل ما كان يتوقعه هو أن تغدره رصاصة ما أو أن يتسلل السم الى طعامه وكان بارعاً في اتقاء الخطرين.
المشهد ليس بسيطاً. فالرجل الذي أنكر بالأمس أهلية المحكمة وشرعيتها هو الرجل الذي كان يمسك بمصير الأعناق والأرزاق. شبهة بسيطة كانت تكفي ليفيض غضبه. تتحرك آلة القتل لشطب شخص أو عشيرة أو بلدة. كان يكفي ان يتخذ «السيد الرئيس القائد» قراراً ليتحرك الجيش لمحو الحدود الدولية والغاء دولة وانهاك أخرى.
كان في استطاعة من تابعوا جلسة أمس ان يسمعوا بكاء خافتاً وصراخاً عميقاً. فالرجل الذي يصر على الاحتفاظ بحقوقه الدستورية بوصفه رئيساً للعراق هو رجل الأرقام القياسية على الأقل في منطقتنا. لم تسعف الفرصة أحداً غيره على اطلاق حربين مدمرتين التهمتا جموعاً من الناس وثروات هائلة. لم يتسع الوقت لأحد غيره لترصيع أرض البلاد بالمقابر الجماعية واطلاق مصانع الأرامل والثكالى والأيتام. تفرّد الرجل بجوع استثنائي. وهكذا التهم السلطة والحزب والجيش والنفط والنخيل مستنداً الى تفويض دجال من التاريخ الذي ارسله في مهمة استثنائية.
جميل أن يجد مستبد كبير نفسه في قفص. جميل أن يقتاد الى محكمة وأن يكتشف في النهاية انه خاضع للمساءلة والحساب. ان كون صدام حسين سقط بفعل ضربات الأجنبي لا يغسله من اخطائه الشاسعة حتى وان اعتبرنا الحرب غير مبررة وانها فتحت طريق الكارثة.
لعل الأهم في المشهد فكرة انتصار القانون والعدالة على الطاغية الذي كان يأمل في عدم مغادرة القصر إلا الى القبر وهو في عرفه قصر التاريخ.
ولأن المستقبل لا يبنى بحجارة الماضي على المحاكمة ان تكون فرصة لإحقاق العدالة لا لممارسة الثأر. فمحاكمة صدام هي محاكمة لشخص ونهد وحقبة وأهم ما يمكن أن تحققه هو منع وقوع العراق مجدداً في قبضة مستبد حتى وان اختلفت مدرسته وأساليبه.
كان يمكن للمحاكمة أن تكون أشد وقعاً لو أن الذين رقصوا ابتهاجاً لسقوط صدام تصرفوا منذ تلك اللحظة بالقدر اللازم من المسؤولية الوطنية. والموضوع الأهم ليس مصير صدام حسين بل هو مصير البلاد التي كان يحكمها.
ولا بد هنا من الاعتراف أن عراق ما بعد صدام هو اليوم أخطر من عراق صدام على العراقيين والمنطقة والعالم. مسؤولية الادارة الاميركية واضحة وصارخة. لكنها لا تحجب بالتأكيد مسؤولية القوى العراقية فلا الذين انتصروا وضعوا انتصارهم في خدمة بناء العراق الجديد ولا الذين هزموا تقبلوا بعض الخسارة من أجله.
خسر صدام السلطة لكن العراق في طريقه الى خسارة وحدته ودوره على دوي الانانيات المذهبية والقومية والضربات الارهابية. قد يكون صدام في طريقه الى الاعدام لكن ما يقلق هو ان يكون العراق نفسه مرشحاً للاعدام. ولا بد من التذكير ان انتحار العراق سيكون أول الآلام الواسعة وليس خاتمتها.