المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا تقصد بعقدة النقص؟



زهير
10-20-2005, 08:06 AM
تصريحات وزير أميركي سابق حول السود تكشف عنصرية ذهنية

واشنطن: محمد علي صالح


ما زال الجدل دائرا في الولايات المتحدة حول تصريحات وزير التربية الاميركي السابق الذي قال ان تزايد اجهاض النساء السوداوات يؤدي الى انخفاض نسبة الجريمة في الولايات المتحدة. وبالرغم من الرد شديد اللهجة من البيت الابيض على هذه التصريحات، إلا ان التصريحات عكست استمرار «العنصرية الثقافية» و«العنصرية الذهنية»، وهو نوع من العنصرية لا تجده في القوانين، ولكن تجده في افكار الناس وعقولهم ويظهر في الافلام والأغاني والنكات والكاريكاتير بنحو عفوي.
وبحثا عن نقاش صريح في الموضوع، نظمت صحيفة «الشرق الاوسط» حوارا بين اميركيين، أحدهما ابيض والآخر اسود، اشترطا عدم الاشارة الى اسميهما بسبب «حساسية الموضوع». وجرى الحوار على ضوء نقاش يدور في اميركا بعد الإعصار «كاترينا» الذي اغرق مدينة نيو اورلينز، وكشف الآتي: اولا، فقر وعزلة نسبة كبيرة من السود في المدينة (وفي مدن اميركية اخرى). ثانيا، كشف اختلافا في تفكير كثير من البيض والسود. اذ قال الرجل الاسود ان الاعصار «مؤامرة» من البيض ضد السود. وقال سود آخرون ان الحكومة تأخرت في إنقاذ السود لأنهم سود. لكن الرجل الابيض قال انه لا يصدق مثل هذه الاقوال، وحمل مسؤوليتها للصحافيين «الذين يبحثون عن أي اثارة» وللسود الفقراء «الذين لا يفكرون مثلي ومثلك»، لكن الاسود سأل: «هل كانت الحكومة ستتأخر اذا اغرق الاعصار احياء البيض، ولم يمس احياء السود؟».

ورد عليه الابيض بأن «هذا السؤال يوضح طريقة تفكير السود، لأن السؤال، اولا، افتراضي، وثانيا، يدل على عقدة النقص وسط السود». وعندما سأل الاسود «ماذا تقصد بعقدة النقص» اوضح الأبيض الآتي: اولا، يستغل كثير من السود الظلم التاريخي الذي وقع عليهم خلال مائتي سنة من تجارة الرقيق، ثم مائة سنة من التفرقة العنصرية (بعد عتق الرقيق، وخاصة في ولايات الجنوب). ويشيرون اليه من وقت لآخر، وخاصة لتذكير البيض بماضيهم «الاسود».

ثانيا، رغم تعليم وتطور اعداد كبيرة من السود منذ حملة الحقوق المدنية، وإدخالهم الجامعات بطرق استثنائية، وظهور طبقة وسطى «محترمة»، يعتقد كثير من السود انهم اقل مكانة وقيمة في المجتمع الاميركي.

ثالثا، يرفض السود، وخاصة المتعملين والمتحضرين وسطهم، الاعتراف بأن الحضارة الغربية (او الحضارة الاميركية بالتحديد) هي حضارة الرجل الابيض. ويخلط هؤلاء بين عيوب الحضارة الغربية، ومنها تجارة الرقيق والتفرقة العنصرية، وبين ايجابياتها كحضارة رائدة ومسيطرة في عالم اليوم. ورد الاسود قائلا ان «الحضارة الغربية غالبة ورائدة لأن الغربيين هم الذين كتبوا تاريخها.

وأشار الرجل الاسود الى نظرية «اثينا السوداء»، وهي ظهور مؤرخين، معظمهم سود، يقولون ان حضارات سوداء سبقت حضارة الغرب، قبل اثينا وروما. ويعتبر هؤلاء المصريين الفراعنة سودا، ويضيفون اليهم حضارة النوبة في جنوب مصر، وحضارة قرطاجنة، وهانيبال الاسود الذي قاد جيشا من الأفيال وصل حتى روما وهزمها، قبل ميلاد المسيح. ورد الابيض متسائلا «هل نقدر على نسيان الماضي؟ لماذا نضيع وقتنا في نقاش عن أمجاد السود او أمجاد البيض؟ يكثر السود، للأسف، من البحث عن ماض لهم، وهذا، كما قلت، ليس فقط دليلا على عقدة نقص السود، ولكنه، ايضا، يزيد قلقهم وتوترهم». وأكد الرجل الاسود زيادة نسبة القلق والتوتر وسط السود، لكنه قال ان السبب ليس عقدة النقص، ولكن «المعاناة اليومية في مجتمع لا يزال يقلل من قيمة السود». وأشار الى تقارير علمية اميركية نشرت أخيرا بأن نسبة ضغط الدم المرتفع وسط السود اكثر كثيرا من نسبتها وسط البيض. وقال «لا يعرف معاناة الاسود في اميركا غير الاسود في الولايات المتحدة». واعترف الأبيض بما سماها «تفرقة سرية»، اي ان نسبة غير قليلة من البيض تنظر الى السود نظرة استعلاء واستكبار. وتفرق «بين الاسود المتساوي في الحقوق، والأسود الاقل حضارة وتهذيبا ورقيا». وقال انه لا يعرف «كيف نقضي على هذه التفرقة النفسية (سايكلوجيكال سيغريغيشن)». لكنه قال ان هذه ليست تفرقة عقائدية او سياسية، بل نفسية، وتحكم على كل اسود حكما فرديا، اي ان «الاسود المتحضر المحترم لابد ان يجد معاملة متحضرة ومحترمة من الآخرين، بيضا او سمرا او سودا». وقال ان السود انفسهم يفرقون بين بعضهم حسب درجة تحضرهم وتعليمهم.

لكن الاسود لم يقتنع بهذا الرأي اقتناعا كاملا، ورغم انه اعترف بالاختلافات الحضارية والتعليمية والاقتصادية وسط السود (ووسط البيض ايضا)، قال ان «الابيض ابيض والاسود اسود في نهاية اليوم». وأن السبب الحقيقي لهذه «التفرقة السرية» من جانب البيض هو خوفهم من السود. وأشار الى برنامج ليلي في اذاعة محلية في واشنطن يبدأ كل ليلة بأغنية تكرر جملة واحدة «يخاف البيض من السود». وقال ان البيض يخافون من السود لأكثر من سبب: اولا، يخافون الجريمة، و«معهم حق»، لأن نسبة المجرمين وسط السود اكبر منها وسط البيض، ولأن جرائم السود ضد البيض اكثر من جرائم البيض ضد السود (رغم أن جرائم السود ضد بعضهم بعضا اكثر من جرائم البيض ضدهم). ثانيا، يخافون الاختلاط الاجتماعي. لكن المشكلة ليست اختلاط ابيض مع اسود، ولكن اختلاط ابيض مع مجموعة من السود، كجيران في حي، او زملاء في مكتب (أي ان الابيض يخاف عندما يجد نفسه اقلية). ثالثا، يخافون الاختلاط الجنسي، لأن «الدم الابيض هو بيت القصيد. كل دم ابيض يختلط بأسود او أسمر، لا يعتبر ابيض. وكل امرأة بيضاء تعاشر اسودا او اسمرا تعتبر «خائنة». هذا نوع آخر من انواع «التفرقة السرية»، لكنه وسط البيض انفسهم. وقال الابيض انه شخصيا لا يهمه اذا تزوج اسود شقيقته. واعترف بانواع الخوف السابقة الذكر، لكنه قال ان السبب ليس عرقيا ولكن ثقافيا. وقال ان «الطيور على اشكالها تقع»، اي ان الابيض «يرتاح» للحديث مع الابيض، مثله في ذلك مثل الاسود والمكسيكي والعربي والصيني.

وقال ان «التحدي الكبير الذي يواجه غير البيض هو ان يقتنعوا بان حب البيض لبعضهم البعض ثقافي وليس عنصريا. نحن عندما نلعب الغولف معا، او نتزحلق على الجليد معا، او نهمس معا، او نقهقه معا، لا نفعل ذلك لأننا نكره غيرنا. نحن لا نكره السود او السمر او الصفر. نحن نحب البيض لأننا بيض، وهذا، بحق السماء، شيء طبيعي». وقال انه لم يشاهد في حياته فيلما اسود (اشار الى فيلم «دكان الحلاق» الذي نجح قبل سنتين وظهر الجزء الثاني منه أخيرا، وكل الممثلين فيهما سود تقريبا. ثم ظهر فيلم «مصففة الشعر» للسوداوات). لماذا؟ لأن هذه الافلام عن ثقافة السود، وهو لا يفهمها، لكنه لا يكرهها. وسأل الاسود عن سبب عدم مشاهدة البيض لأفلام السود، رغم انهم يحبون اغاني السود بكل انواعها.

وسال الاسود عن سبب كثرة النكات عن السود، وقلتها عن البيض؟ ورد الابيض بأن التندر على الآخرين نوع من انواع الاستعلاء عليهم، ولهذا فان النكات في كثير من المجتمعات تقلل من مكانة القرويين بالمقارنة مع سكان المدن، ومن مكانة الجهلاء بالمقارنة مع المتعلمين. وان السود في اميركا، رغم تطورهم وتقدمهم أخيرا، لا تزال نسبة كبيرة منهم اقل تعليما واقل حضارة. وسأل الاسود عن استعمال كلمة «نيغر» (عبد) للاساءة الى السود؟ ورد الابيض بأن كلمات وعبارات الاساءة والاحتقار موجودة في كل المجتمعات. وان «الذي يحترم نفسه لا يسيء الى غيره، ولا يتأثر باساءة غيره له». واستغرب الابيض لماذا ينادي بعض السود بعضهم بكلمة «نيغر». وقال الاسود انهم يفعلون ذلك «لتقليل تاثيرها السلبي عليهم». ورد الابيض بأن «الكلمة القذرة ستظل قذرة، استعملها سود او بيض».