زهير
10-20-2005, 08:02 AM
من إبراهام لنكولن إلى هتلر.. ومن الكرملين إلى الإليزيه وداوننغ ستريت والبيت الأبيض
لندن: حسن ساتي
* «وقال يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة». (قرآن كريم ـ سورة يوسف آية 67)
* وإن زجروا طيرا بنحس تمر بي.. زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا (الشاعر المقنّع الكندي) لا جديد في سيادة قيم مثل التفاؤل والتشاؤم أو الإيمان بالغيب بين بعض الناس، أو ركون البعض الى المنجمين وتسليمهم بقيادة أمرهم لما يقولون من أمور غيبية، ولكن الجديد بالفعل يكمن في وجود قائمة كبيرة ممن لهم بصمات محورية في التاريخ الإنساني ومن مواقع عليا مثل رئاسة الدول الكبرى، تجاهر بالتفاؤل والتشاؤم، أو تؤمن بما يقول به المنجمون، بل أن الجديد الذي ربما يصل لحد استدعاء الدهشة يأتي حين تضم تلك القائمة توليفة تحمل طغاة مثل هتلر، وأبطال تحرير مثل ديغول وتشرشل، وشيوعيون مثل ستالين وبرزنيف، أو اصلاحيون مثل يلتسين واشتراكيون مثل ميتران، وديموقراطيون مثل مارغريت تاتشر، بل وبراغماتيون لدى معقل البراغماتية في أميركا بدءا من إبراهام لنكولن أحد آباء الاستقلال ونهاية برونالد ريغان.
ولنبدأ بأميركا معقل البراغماتية، وعمادها كما هو معروف مقولة ذهبية للفيلسوفين وليام جيمس (1842 – 1907 ) وجون ديوي (1859 – 1952 )، تقول أن لا شيئا يمكن أن يكون صحيحا، إذا لم يبرهن على أنه صحيح. ولكن كل ذلك يتبخر هباء حين نتوقف مع ثلاثة رؤساء هم ابراهام لنكولن ( 1809 – 1865)، وفرانكلين روزفلت (1882 ـ 1945 )، ورونالد ريغان (1911 – 2005 )، فالأول، لنكولن، عاش أياما عصيبة بعد حلم جاء مباشرة. بعد انتخابه عام 1860 رأى نفسه فيه بشخصيتين في داخل مرآة، فتوجس من الحلم لحد قال فيه لزوجته وأعضاء حكومته في يوم من أيام أبريل (نيسان) 1865 أن في ذاكرته حلم حول اغتياله، وقد كان، فقد اغتاله جون ويكس بوت بعد 3 أيام فقط من روايته لتلك الواقعة.
أما الرئيس فرانكلين روزفلت فكان لا يجلس البتة في مائدة تضم 13 شخصا ولا يسافر في أي رحلة حتى وإن كانت رئاسية في يوم 13 من كل شهر مهما كانت الظروف.
أما قصة الرئيس الراحل ريغان، فتتعداه الى اكتشاف آخر يقول أن غالبية في الشعب في الأميركي ظلت تربط بين أحداث متفرقة لتنسج منها رواية أسطورية، أو قل غيبية تقول لك أن أي رئيس أميركي يأتي فوزه بالرئاسة في عام ينتهي في أرقامه الأربعة بالصفر يمينا، وقد أنشأ الأميركيون تلك العقيدة الغيبية من تاريخهم بعد أن لاحظوا أنهم وعلى مدى 150 عاما، لم ينتخبوا رئيسا في عام بتلك المواصفات الا ومات أو قتل خلال رئاسته، وهم يقرأون هنا من رؤسائهم الذين انطبق عليهم ذلك الحكم هاريسون انتخب في 1840)، و(لنكولن 1860)، و(غارفيلد 1880)، و(ماكينلي 1900) و(هاردينغ 1920) و(روزفلت 1940)، و(كينيدي 1960)، ليجئ ريغان (انتخب في 1980) ليكذب لهم الحكم، بل ويكمل رئاستين الى 1988، بل ويعمر ليطفئ شمعة ميلاده الـ93. ولكن ومن عجب أن ريغان نفسه وإن كذّب الحكم من جهة الا أنه كان أكثر الرؤساء استغراقا في الغيبيات والإيمان بالخرافات، فقد كان أكثر الرؤساء تمسكا بطقوس غريبة بينها نثره لما يقترب من ملعقة من الملح باستمرار على كتفه الأيسر، وحمله قطعة عملة معدنية ظل يقرنها بالفأل الحسن، فيما ظل يستشير العرافين حول برامج عمله الرئاسية.
ولا تقل الحكاية في غرابتها أو إثارتها للدهشة إذا اتجهنا شرقا، والى أكبر دولتين في عداد المناوئين لأميركا سواء بمستويات العقيدة السياسية، أو مجرد الاختلاف المتواصل في المواقف السياسية، وهما فرنسا والاتحاد السوفياتي السابق، ومن بعده روسيا كوريث له سواء في مقعده الدائم بمجلس الأمن، أو في ترسانته النووية.
ففي فرنسا، انفق أبناء الثورة الفرنسية في عام واحد، منتصف تسعينات القرن الماضي، نحو 4 مليارات دولار على المنجمين والعرافات، برغم تحريم قوانينهم لهكذا نشاط واعتباره جنحة (التقديرات تقول أن فرنسا نحو 50 ألف عرافة ومنجم في مقابل 10 ملايين استشارة لهم سنويا). وليس ذلك فحسب، بل أن الرئيس شارل ديغول (1890 ـ 1970) بطل التحرير المعروف، كان يركن الى عرافة طوال سنوات منفاه في انجلترا قبل أن يدخل فرنسا بعد معركة النورماندي التي وضعت نهاية للنازية، والطريف هنا أن ديغول لم يتردد في إهداء صديقه رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل (1871 – 1947 ) العرافة الفرنسية الشهيرة جين ديكسون، أما ميتران فلم يكن يخفي استشارته المستمرة للعرافة اليزابيث تيسييه قبل اتخاذه أية قرارات سياسية مهمة، بما في ذلك كفالته لها اختيار يوم استفتاء الشعب الفرنسي على اتفاقية ماستريخت، وبعض قراراته إبان غزو صدام حسين للكويت عام 1990. (تيسييه لم تخف الأمر، بل انها ألفت كتابا بعد وفاة ميتران بعنوان «تحت برج ميتران.. سبع سنوات من الأحاديث»، مثلما هو معروف أن تيسييه سبق وإن تنبأت لميتران بغزو الكويت، وتقول في كتابها أن ميتران كان يتصل بها عدة مرات في اليوم خلال ما بعد غزو الكويت ليسألها: ما العمل؟، مثلما قالت أنها كشفت له مسبقا حادثة مفاعل تشرنوبل، لتجيء الصحافة الفرنسية من بعد وتقول أن تيسييه كانت تحلل لميتران وزراءه من واقع أبراجهم فتقبّح من تشاء وتجمّل في عينيه من تشاء. أما في المانيا القريبة فقد كان لهتلر عرافه الخاص واسمه كارل برندلبرخت، ولكنه تحول منه بعد عام 1933 الى أريك هانوزون مدير ما عرف بـ«معهد برلين للعرافة».
وتزداد القصة طرافة بالرحيل شرقا، الى الاتحاد السوفياتي، ومن بعده وريثته روسيا، لنقف مع ستالين وبريجينيف ويلتسين. فمع رجل حديدي وملحد ودموي مثل ستالين (1879 – 1953) يقال أنه كان يركن وبصورة مستمرة الى عراف اسمه وولف ميننغ، وكان منوما مغنطيسيا أيضا، وقد تنبأ لستالين بأن مدينة ستاليننغراد ستكون نقطة المواجهة الحاسمة بينه وبين الألمان، فيما لجأ الى نفس العراف خلفه الرئيس نيكيتا خروتشوف خلال أزمة الصواريخ مع أميركا عام 1962.
أما الرئيس الروسي بوريس يلتسين وكبار القادة من حوله فقد وصل بهم حد الإعجاب بالتنجيم والعرافات وطقوسهم لحد أعلن فيه يلتسين انتماءه لما عرف بـ«محفل الأشوريين»، وقد جاراهم في ارتداء أزيائهم وأخذ صور تذكارية معهم، أضف الى ذلك تقريبه للطبيبة «دجونا دفتشتغالي» والتي كانت في صباها عرافة الرئيس برجينيف، والذي كان بدوره يلجأ للعرافة الشهيرة «فانغا»، ويقال أنها نصحته بعدم غزو أفغانستان، ولكنه لم يأخذ بنصيحتها. ويمكن أخذ مجمل القول هنا من حكم قاس للمحلل السياسي الروسي فلاديمير فدرسفسكي، يقول: السلطة الحقيقية والفعلية في مؤسسة الرئاسة في يد عصبة من الفلكيين والعرافيين، لحد أصبح معه تأثيرهم في قرارات الكرملين أكبر من تأثير الوزراء.
أما حين نأتي لـ10 داوننغ ستريت، مقر رئاسة الوزراء البريطانية، فباستثناء حالة تشرشل التي أهداه فيها ديغول العرافة جين ديكسون، فلا يوجد الكثير، فالمرأة الحديدية مارغريت تاتشر اعترفت بأنها لجأت أحيانا لعرافة ومنجمين، ولكنها قطعت بأنها لم تأخذ بآرائهم.
لوحة الغيبيات وعشقها مع الرؤساء طويلة وغنية، وفيها أيضا من الفلبين الرئيس جوزيف سترادا، ومن الأرجنتين الرئيس كارلوس منعم، ومن الهند رئيس الوزراء ديف غودا، ومن إندونيسيا الرئيس سوهارتو، ومن السودان الرئيس نميري. والقائمة طويلة، ليصبح السؤال الذي يتقدم سواه هو: وما الذي دفعهم لذلك وجعلهم يجارون بعض العامة في هذا العشق أو الهواية؟ الإجابة بسيطة وهى إن لم تخلو من تعقيد، فهم في النهاية بشر، والتفاؤل والتشاؤم نزوع إنساني تغذيه عوامل يتلاقى فيها ما هو ديني مع ما هو اجتماعي، مع ما هو ثقافي، بل وما هو بيئي أحيانا.
ولتقريب هذه المعادلة، فالآية التي حملها استهلال هذا الموضوع إنما حملها القرآن الكريم على لسان سيدنا يعقوب في وصيته لأبنائه، ويشرحها شيخ المفسرين ابن كثير بالقول: «يقول تعالى إخبارا عن يعقوب عليه السلام أنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين الى مصر، أن لا يدخلوا من باب واحد ويدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد: أنه خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ومنظر بهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم، فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه». تفسير القرآن العظيم ـ 2/466.
وكذلك الاستشهاد ببيت الشاعر المقنع الكندي بصدر هذا الموضوع، فالتفاسير تقول أن المقنع لقب غلب عليه لأنه كان أجمل الناس وجها، وكان إذا حسر اللثام عن وجهه أصابته العين ويلحقه عنت ومشقة، فكان لا يمشي الا مقنعا. وأظن أن الصورة قد وضحت، فهناك تيار، وكبشر يستكين للتنجيم، أو للأثر يختار منه ما يبرر له لجوءه، فيما هناك تيار لا يقيم وزنا على الإطلاق لمثل هذه الأمور، وخير من عبّر عن هذا التيار شاعر العرب لبيد بن ربيعة في قوله: لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى. ولا زاجرات الطير ما الله صانع.
لندن: حسن ساتي
* «وقال يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة». (قرآن كريم ـ سورة يوسف آية 67)
* وإن زجروا طيرا بنحس تمر بي.. زجرت لهم طيرا تمر بهم سعدا (الشاعر المقنّع الكندي) لا جديد في سيادة قيم مثل التفاؤل والتشاؤم أو الإيمان بالغيب بين بعض الناس، أو ركون البعض الى المنجمين وتسليمهم بقيادة أمرهم لما يقولون من أمور غيبية، ولكن الجديد بالفعل يكمن في وجود قائمة كبيرة ممن لهم بصمات محورية في التاريخ الإنساني ومن مواقع عليا مثل رئاسة الدول الكبرى، تجاهر بالتفاؤل والتشاؤم، أو تؤمن بما يقول به المنجمون، بل أن الجديد الذي ربما يصل لحد استدعاء الدهشة يأتي حين تضم تلك القائمة توليفة تحمل طغاة مثل هتلر، وأبطال تحرير مثل ديغول وتشرشل، وشيوعيون مثل ستالين وبرزنيف، أو اصلاحيون مثل يلتسين واشتراكيون مثل ميتران، وديموقراطيون مثل مارغريت تاتشر، بل وبراغماتيون لدى معقل البراغماتية في أميركا بدءا من إبراهام لنكولن أحد آباء الاستقلال ونهاية برونالد ريغان.
ولنبدأ بأميركا معقل البراغماتية، وعمادها كما هو معروف مقولة ذهبية للفيلسوفين وليام جيمس (1842 – 1907 ) وجون ديوي (1859 – 1952 )، تقول أن لا شيئا يمكن أن يكون صحيحا، إذا لم يبرهن على أنه صحيح. ولكن كل ذلك يتبخر هباء حين نتوقف مع ثلاثة رؤساء هم ابراهام لنكولن ( 1809 – 1865)، وفرانكلين روزفلت (1882 ـ 1945 )، ورونالد ريغان (1911 – 2005 )، فالأول، لنكولن، عاش أياما عصيبة بعد حلم جاء مباشرة. بعد انتخابه عام 1860 رأى نفسه فيه بشخصيتين في داخل مرآة، فتوجس من الحلم لحد قال فيه لزوجته وأعضاء حكومته في يوم من أيام أبريل (نيسان) 1865 أن في ذاكرته حلم حول اغتياله، وقد كان، فقد اغتاله جون ويكس بوت بعد 3 أيام فقط من روايته لتلك الواقعة.
أما الرئيس فرانكلين روزفلت فكان لا يجلس البتة في مائدة تضم 13 شخصا ولا يسافر في أي رحلة حتى وإن كانت رئاسية في يوم 13 من كل شهر مهما كانت الظروف.
أما قصة الرئيس الراحل ريغان، فتتعداه الى اكتشاف آخر يقول أن غالبية في الشعب في الأميركي ظلت تربط بين أحداث متفرقة لتنسج منها رواية أسطورية، أو قل غيبية تقول لك أن أي رئيس أميركي يأتي فوزه بالرئاسة في عام ينتهي في أرقامه الأربعة بالصفر يمينا، وقد أنشأ الأميركيون تلك العقيدة الغيبية من تاريخهم بعد أن لاحظوا أنهم وعلى مدى 150 عاما، لم ينتخبوا رئيسا في عام بتلك المواصفات الا ومات أو قتل خلال رئاسته، وهم يقرأون هنا من رؤسائهم الذين انطبق عليهم ذلك الحكم هاريسون انتخب في 1840)، و(لنكولن 1860)، و(غارفيلد 1880)، و(ماكينلي 1900) و(هاردينغ 1920) و(روزفلت 1940)، و(كينيدي 1960)، ليجئ ريغان (انتخب في 1980) ليكذب لهم الحكم، بل ويكمل رئاستين الى 1988، بل ويعمر ليطفئ شمعة ميلاده الـ93. ولكن ومن عجب أن ريغان نفسه وإن كذّب الحكم من جهة الا أنه كان أكثر الرؤساء استغراقا في الغيبيات والإيمان بالخرافات، فقد كان أكثر الرؤساء تمسكا بطقوس غريبة بينها نثره لما يقترب من ملعقة من الملح باستمرار على كتفه الأيسر، وحمله قطعة عملة معدنية ظل يقرنها بالفأل الحسن، فيما ظل يستشير العرافين حول برامج عمله الرئاسية.
ولا تقل الحكاية في غرابتها أو إثارتها للدهشة إذا اتجهنا شرقا، والى أكبر دولتين في عداد المناوئين لأميركا سواء بمستويات العقيدة السياسية، أو مجرد الاختلاف المتواصل في المواقف السياسية، وهما فرنسا والاتحاد السوفياتي السابق، ومن بعده روسيا كوريث له سواء في مقعده الدائم بمجلس الأمن، أو في ترسانته النووية.
ففي فرنسا، انفق أبناء الثورة الفرنسية في عام واحد، منتصف تسعينات القرن الماضي، نحو 4 مليارات دولار على المنجمين والعرافات، برغم تحريم قوانينهم لهكذا نشاط واعتباره جنحة (التقديرات تقول أن فرنسا نحو 50 ألف عرافة ومنجم في مقابل 10 ملايين استشارة لهم سنويا). وليس ذلك فحسب، بل أن الرئيس شارل ديغول (1890 ـ 1970) بطل التحرير المعروف، كان يركن الى عرافة طوال سنوات منفاه في انجلترا قبل أن يدخل فرنسا بعد معركة النورماندي التي وضعت نهاية للنازية، والطريف هنا أن ديغول لم يتردد في إهداء صديقه رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل (1871 – 1947 ) العرافة الفرنسية الشهيرة جين ديكسون، أما ميتران فلم يكن يخفي استشارته المستمرة للعرافة اليزابيث تيسييه قبل اتخاذه أية قرارات سياسية مهمة، بما في ذلك كفالته لها اختيار يوم استفتاء الشعب الفرنسي على اتفاقية ماستريخت، وبعض قراراته إبان غزو صدام حسين للكويت عام 1990. (تيسييه لم تخف الأمر، بل انها ألفت كتابا بعد وفاة ميتران بعنوان «تحت برج ميتران.. سبع سنوات من الأحاديث»، مثلما هو معروف أن تيسييه سبق وإن تنبأت لميتران بغزو الكويت، وتقول في كتابها أن ميتران كان يتصل بها عدة مرات في اليوم خلال ما بعد غزو الكويت ليسألها: ما العمل؟، مثلما قالت أنها كشفت له مسبقا حادثة مفاعل تشرنوبل، لتجيء الصحافة الفرنسية من بعد وتقول أن تيسييه كانت تحلل لميتران وزراءه من واقع أبراجهم فتقبّح من تشاء وتجمّل في عينيه من تشاء. أما في المانيا القريبة فقد كان لهتلر عرافه الخاص واسمه كارل برندلبرخت، ولكنه تحول منه بعد عام 1933 الى أريك هانوزون مدير ما عرف بـ«معهد برلين للعرافة».
وتزداد القصة طرافة بالرحيل شرقا، الى الاتحاد السوفياتي، ومن بعده وريثته روسيا، لنقف مع ستالين وبريجينيف ويلتسين. فمع رجل حديدي وملحد ودموي مثل ستالين (1879 – 1953) يقال أنه كان يركن وبصورة مستمرة الى عراف اسمه وولف ميننغ، وكان منوما مغنطيسيا أيضا، وقد تنبأ لستالين بأن مدينة ستاليننغراد ستكون نقطة المواجهة الحاسمة بينه وبين الألمان، فيما لجأ الى نفس العراف خلفه الرئيس نيكيتا خروتشوف خلال أزمة الصواريخ مع أميركا عام 1962.
أما الرئيس الروسي بوريس يلتسين وكبار القادة من حوله فقد وصل بهم حد الإعجاب بالتنجيم والعرافات وطقوسهم لحد أعلن فيه يلتسين انتماءه لما عرف بـ«محفل الأشوريين»، وقد جاراهم في ارتداء أزيائهم وأخذ صور تذكارية معهم، أضف الى ذلك تقريبه للطبيبة «دجونا دفتشتغالي» والتي كانت في صباها عرافة الرئيس برجينيف، والذي كان بدوره يلجأ للعرافة الشهيرة «فانغا»، ويقال أنها نصحته بعدم غزو أفغانستان، ولكنه لم يأخذ بنصيحتها. ويمكن أخذ مجمل القول هنا من حكم قاس للمحلل السياسي الروسي فلاديمير فدرسفسكي، يقول: السلطة الحقيقية والفعلية في مؤسسة الرئاسة في يد عصبة من الفلكيين والعرافيين، لحد أصبح معه تأثيرهم في قرارات الكرملين أكبر من تأثير الوزراء.
أما حين نأتي لـ10 داوننغ ستريت، مقر رئاسة الوزراء البريطانية، فباستثناء حالة تشرشل التي أهداه فيها ديغول العرافة جين ديكسون، فلا يوجد الكثير، فالمرأة الحديدية مارغريت تاتشر اعترفت بأنها لجأت أحيانا لعرافة ومنجمين، ولكنها قطعت بأنها لم تأخذ بآرائهم.
لوحة الغيبيات وعشقها مع الرؤساء طويلة وغنية، وفيها أيضا من الفلبين الرئيس جوزيف سترادا، ومن الأرجنتين الرئيس كارلوس منعم، ومن الهند رئيس الوزراء ديف غودا، ومن إندونيسيا الرئيس سوهارتو، ومن السودان الرئيس نميري. والقائمة طويلة، ليصبح السؤال الذي يتقدم سواه هو: وما الذي دفعهم لذلك وجعلهم يجارون بعض العامة في هذا العشق أو الهواية؟ الإجابة بسيطة وهى إن لم تخلو من تعقيد، فهم في النهاية بشر، والتفاؤل والتشاؤم نزوع إنساني تغذيه عوامل يتلاقى فيها ما هو ديني مع ما هو اجتماعي، مع ما هو ثقافي، بل وما هو بيئي أحيانا.
ولتقريب هذه المعادلة، فالآية التي حملها استهلال هذا الموضوع إنما حملها القرآن الكريم على لسان سيدنا يعقوب في وصيته لأبنائه، ويشرحها شيخ المفسرين ابن كثير بالقول: «يقول تعالى إخبارا عن يعقوب عليه السلام أنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين الى مصر، أن لا يدخلوا من باب واحد ويدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد: أنه خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة ومنظر بهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم، فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه». تفسير القرآن العظيم ـ 2/466.
وكذلك الاستشهاد ببيت الشاعر المقنع الكندي بصدر هذا الموضوع، فالتفاسير تقول أن المقنع لقب غلب عليه لأنه كان أجمل الناس وجها، وكان إذا حسر اللثام عن وجهه أصابته العين ويلحقه عنت ومشقة، فكان لا يمشي الا مقنعا. وأظن أن الصورة قد وضحت، فهناك تيار، وكبشر يستكين للتنجيم، أو للأثر يختار منه ما يبرر له لجوءه، فيما هناك تيار لا يقيم وزنا على الإطلاق لمثل هذه الأمور، وخير من عبّر عن هذا التيار شاعر العرب لبيد بن ربيعة في قوله: لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى. ولا زاجرات الطير ما الله صانع.