زهير
10-20-2005, 07:52 AM
يتمتع خامنئي بسلطات لا يتمتع بها أقوى رئيس دولة في العالم
لندن: علي نوري زادة
ألقى المرشد الأعلى لايران آية الله على خامنئى بغليونه، التي لم تكن تنفصل عنه، في المزبلة، واستبدل ساعته الـ«رولكس» بساعة جيب متصلة بسلسلة من الفضة، كما بدل أصدقاء السهر والأغاني وعزف الموسيقى، بأصدقاء جدد من السياسيين المحافظين ورجال الدين التقليدين. كل هذا حدث لدى اختياره مرشدا أعلى 1989 خلفا للخميني مؤسس الجمهورية الايرانية فى ايران.
ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم، أظهر الرجل «الفنان» ذو الصوت الحلو، انه الأقوى في ايران. ولم تكن التعديلات التي اجراها قبل ايام بمنح رفيق دربه رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني صلاحيات رقابية على حكومة محمود احمدي نجاد والبرلمان، الا تأكيدا على القوة الاستثنائية التي يتمتع بها في النظام الايراني. خامنئي الذي يعد اليوم رأس المحافظين في ايران، لم يكن محافظا في شبابه الأول أو حتى نشأته، فهو أحد أبناء الميرزا جواد التبريزي، وكان له ولشقيقته بدري مكانة خاصة لدى الميرزا وزوجته الفاضلة، التي كانت هي نفسها رائدة بين النساء المتزوجات من رجال الدين في ميدان التعليم والتعلم والأدب، كونها شاعرة تنشد قصائد عن أهل البيت ومعاناة النساء وهي سليلة أسرة «خياباني» المعروفة.
وعقب ولادة علي خامنئى في عام 1939، وبمساعدة المرجع الأعلى آنذاك آية الله الحاج حسين آغا الطباطباي القمي (والد المرجع البارز آية الله الحاج حسن آغا الطباطبائي القمي، البالغ عمره تسعين عاماً، والذي يقيم بمدينة مشهد في شبه حصار كامل بسبب معارضته القوية لولاية الفقيه ومواقفه الوطنية، ورفضه لتدخل رجال الدين في السياسة)، اشترى الميرزا جواد بيتاً صغيراً في أحد الأزقة القديمة المجاورة لضريح الامام الرضا ثامن أئمة الشيعة.
وفي هذا البيت الصغير المتواضع، علم الميرزا جواد أبناءه الكتابة والقراءة. وقد ذهب خامنئي إلى المدارس الحديثة خلافاً للتقليد المتبع في الأسر الدينية بحيث كان يتعين على الأولاد فور بلوغهم السابعة من العمر الالتحاق بالمدارس الدينية، غير ان خامنئي التحق بإحدى مدارس مدينة مشهد الحديثة وقضى ست سنوات في المدرسة، وبعد ان نال الشهادة الاعدادية انضم الى مدرسة «سليمان خان» لتلقي الدروس الدينية في الصباح، ومتابعة دراسته المتوسطة في المدارس الحديثة مساء ومن ثم دخل في مدرسة «نواب» إحدى المدارس المعروفة للعلوم الدينية والفقه والشريعة والمنطق والفلسفة واللغة العربية وببلوغه سن الـ16، وبعد انهائه مرحلة الدروس المقدماتية المعروفة بدروس السطح، انضم الى حلقة دروس المرجع البارز آنذاك آية الله المرحوم ميلاني. وبعد عامين توجه خامنئي إلى الاعتاب المقدسة في كربلاء والنجف، حيث حضر دروس بعض كبار المراجع، مثل الحكيم والخوئي والشاهرودي، غير ان والده عارض بقاءه في العراق، مما تسبب في عودته الى مشهد ومن ثم الى قم، حيث التحق بحلقة تلامذة الامام الخميني وآية الله منتظري وآية الله مرتضى حائري يزدي، وكان ذلك في عام 1958.
وسرعان ما شعر خامنئي بأن أجواء قم الخاضعة لسلطة المراجع والمدرسين التقليديين والمتعصبين لا تناسبه، خاصة بعد أن تعرف على الإمام موسى الصدر وشقيقه العلامة السيد رضا الصدر والعلامة السيد هادي خسر وشاهي وغيرهم من تلامذة وحاشية آية الله كاظم شريعتمداري زعيم العلماء المجددين في قم. ومن الصفات المعروفة عن خامنئي، انه كان يُحب الشعر والفلسفة والفن والثقافة، والموسيقى والى جانب صوته العذب، كان يلعب في خلوته بأوتار «سه تار» وهي آلة موسيقية يعزفها عادة الصوفية والدراويش. وخلافاً لأقرانه وزملائه في الحوزة، الذين كانوا يطمحون إلى التقرب من كبار العلماء، فإن خامنئي كان مشتاقاً لحضور مجالس الأنس والشعر والموسيقى عند كبار الفنانين مثل عازف «سه تار» الأول المرحوم عبادي وعازف الكمانجة علي اصغر بهاري والشاعر الكبير اميري فيروزكوهي والفنان والأديب البارز أديب خونساري.
كما كان خامنئي يحب الدردشة مع المثقفين العلمانيين ورجال الفكر والطلبة الجامعيين وليس مع طلاب الحوزة.
ولما عاد خامنئي الى مشهد تعرف على الدكتور علي شريعتي المفكر الاسلامي الاصلاحي رائد مدرسة «الاسلام بلا رجال الدين» الفكرية وسرعان ما تأثر بآراء ومواقف شريعتي ما سبب له مشاكل كبيرة مع والده وأصدقائه، ممن تصدوا للدكتور شريعتي قولاً وفعلاً وذهب بعضا منهم إلى حد تكفير شريعتي، مما أدى الى خروج شريعتي من مشهد والذهاب الى طهران، حيث كان بإمكانه إلقاء الخطب الدينية والسياسية في حسينية «ارشاد» التي أنشأها جمع من التجار الوطنيين من انصار المهندس مهدي بازركان زعيم حركة الحرية ورئيس وزراء إيران بعد الثورة. وحاول خامنئي إنشاء حلقات الدرس والبحث الفلسفي والأدبي والتاريخي، استدراج الطلبة الجامعيين الى البحث الديني والفلسفي على نهج علي شريعتي بمشهد، ولكنه اضطر بعد فترة اعتقل خلالها مرتين، الى مغادرة مشهد مثل شريعتي نحو طهران. والسبب وراء اعتقاله كان دعمه وتعاطفه مع المنظمات الثورية اليسارية المعارضة للشاه، التي خاضت منذ أواسط الستينات في القرن الماضي نضالاً مسلحاً ضد الشاه.
ومنذ 1967 وحتى قيام الثورة في فبراير (شباط) 1979، قضى خامنئي حوالي سنة ونصف السنة في السجن، وأكثر من خمس سنوات منفياً بقرار المحكمة العسكرية عن مسقط رأسه مشهد، في مدن مقاطعة بلوشستان مثل «ايرانشهر»، حيث يشكل أهل السنة الأغلبية، وخامنئي المنفتح لم يواجه صعوبة في العيش بين أهل السنة، الذين اكتشفوا فيه شخصية مثقفة مناهضة لرجال الدين الشيعة المتعصبين.
ورغم ان خامنئي لم يكن من أعضاء مجلس قيادة الثورة الاوائل، غير انه سرعان ما أبرز وجوده بتأسيس الحزب الجمهوري الاسلامي باتفاق آية الله محمد بهشتي، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني وآية الله موسوي أردبيلي، ومن ثم عُين ممثلاً للخميني ونائباً لوزير الدفاع ونائباً في البرلمان، ومسؤولاً عن قوات الحرس الثوري، وحينما اعتذر آية الله منتظري عن حضور مراسم صلاة الجمعة بطهران، باعتباره إمام الصلاة المعين من قبل الإمام الخميني، تسلم خامنئي المهام بتكليف من الخميني، وهو لا يزال شاباً آنذاك، مما أثار حسد واعتراض بعض تلامذة الخميني وحاشيته، وفي مقدمتهم الشيخ علي طهراني زوج شقيقة خامنئي السيدة بدري، الذي وجه رسالة غاضبة الى استاذة الخميني سائلا إياه: «بأي منطق ومبرر قد عهدتم إمامة صلاة طهران الى رجل يفتقر الى العلم والعدالة والتقوى»؟، وفعلاً لم يكن خامنئي من حيث مرتبته الدينية ومستوى تعليمه الحوزوي، بدرجة تؤهله ليؤم الصلاة في طهران، غير ان المثقفين والطلبة الجامعيين رحبوا بقرار الخميني كون خامنئي رجل الدين الأقرب إليهم.
وبإشارة من الخميني ايضا، ترشح خامنئي في الانتخابات الرئاسية1981 وفاز فيها بحصوله على 16 مليون صوت، وقد أعيد انتخابه ثانية 1985، حيث استمرت رئاسته حتى وفاة الإمام الخميني. غير ان رئاسة خامنئي كانت رمزية بالمعنى الحقيقي للكلمة، اولا بسبب حضور الخميني بثقله ومكانته فوق حضور الجميع، وثانيا بسبب وجود رجل الدين القوى آية الله منتظري حتى تم عزله قبل وفاة الخميني ببضعة اشهر، وثالثا: بسبب كون رئيس الوزراء مير حسين موسوي الرئيس الحقيقي للسلطة التنفيذية. وكلما اراد خامنئي ان يظهر سلطته ويمارس حقه الدستوري، كلما تصدى له الخميني الذي ظل منحازا الى جانب رئيس الوزراء مير حسين موسوي، وربما بسبب هذا الصراع المكتوم عمل خامنئي على الغاء منصب رئيس الوزراء في الدستور أواخر حياة الخميني.
ومن تلك اللحظة تبلورت الميول التسلطية لدى خامنئي. غير انها اخذت منحى آخر مع وفاة الخميني، فلم يكن خامنئي قط من ضمن قائمة المرشحين لخلافته، أولا لأنه لم يكن مرجعا دينيا، وثانيا بسبب رفض مجلس الخبراء تسليم منصب المرشد الى رجل فى عمره ومكانته الدينية المتدنية (كان ساعتها حجة الاسلام). غير ان هاشمي رفسنجاني، الذي كان ساعتها من المقربين من خامنئي، جعل ما بدا مستحيلا، ممكنا ومحققا، وذلك بإقصاء منتظري المنافس اللدود لخامنئي. ويوم وفاة الخميني، عقد مجلس الخبراء اجتماعا طارئا تم خلاله التصويت مرتين لاختيار ثلاثة، وبعد ذلك خمسة من الفقهاء بدلا من مرشد واحد، لخلافة الخميني، غير ان المجلس فشل في التوصل الى صيغة تحظى بتأييد أغلبية أعضائه.
عندئذ وقف رفسنجاني ليقول ان الامام الخميني قد أوصى قبل وفاته بأيام، بتسليم مسؤولية قيادة البلاد الى خامنئي، وقد ايده في ذلك أحمد الخميني. ورغم ان 54 عضوا من اعضاء المجلس البالغ عددهم 84 نائبا، صوتوا لخامنئي، الا ان رفسنجاني اعتبر ذلك كافيا لاعطاء الصفة الشرعية لانتخاب خامنئي، علما بأن رفسنجاني كان قد انتخب قبل ذلك بشهر واحد رئيسا للجمهورية. ومنذ ذلك الحين ولمدة خمس سنوات اي الى السنة الاولى للدورة الثانية لرئاسة رفسنجاني، ظلت شراكة خامنئي ورفسنجاني في ادارة البلاد، فوق اي شبهة، وصمدت امام تحديات كبيرة. وهي عادت هذا الاسبوع الى سابق عهدها، فيما لا يزال خامنئي ينشد القصائد بمضامين عن الحب والغرام وفقا للمعايير الصوفية.
لندن: علي نوري زادة
ألقى المرشد الأعلى لايران آية الله على خامنئى بغليونه، التي لم تكن تنفصل عنه، في المزبلة، واستبدل ساعته الـ«رولكس» بساعة جيب متصلة بسلسلة من الفضة، كما بدل أصدقاء السهر والأغاني وعزف الموسيقى، بأصدقاء جدد من السياسيين المحافظين ورجال الدين التقليدين. كل هذا حدث لدى اختياره مرشدا أعلى 1989 خلفا للخميني مؤسس الجمهورية الايرانية فى ايران.
ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم، أظهر الرجل «الفنان» ذو الصوت الحلو، انه الأقوى في ايران. ولم تكن التعديلات التي اجراها قبل ايام بمنح رفيق دربه رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني صلاحيات رقابية على حكومة محمود احمدي نجاد والبرلمان، الا تأكيدا على القوة الاستثنائية التي يتمتع بها في النظام الايراني. خامنئي الذي يعد اليوم رأس المحافظين في ايران، لم يكن محافظا في شبابه الأول أو حتى نشأته، فهو أحد أبناء الميرزا جواد التبريزي، وكان له ولشقيقته بدري مكانة خاصة لدى الميرزا وزوجته الفاضلة، التي كانت هي نفسها رائدة بين النساء المتزوجات من رجال الدين في ميدان التعليم والتعلم والأدب، كونها شاعرة تنشد قصائد عن أهل البيت ومعاناة النساء وهي سليلة أسرة «خياباني» المعروفة.
وعقب ولادة علي خامنئى في عام 1939، وبمساعدة المرجع الأعلى آنذاك آية الله الحاج حسين آغا الطباطباي القمي (والد المرجع البارز آية الله الحاج حسن آغا الطباطبائي القمي، البالغ عمره تسعين عاماً، والذي يقيم بمدينة مشهد في شبه حصار كامل بسبب معارضته القوية لولاية الفقيه ومواقفه الوطنية، ورفضه لتدخل رجال الدين في السياسة)، اشترى الميرزا جواد بيتاً صغيراً في أحد الأزقة القديمة المجاورة لضريح الامام الرضا ثامن أئمة الشيعة.
وفي هذا البيت الصغير المتواضع، علم الميرزا جواد أبناءه الكتابة والقراءة. وقد ذهب خامنئي إلى المدارس الحديثة خلافاً للتقليد المتبع في الأسر الدينية بحيث كان يتعين على الأولاد فور بلوغهم السابعة من العمر الالتحاق بالمدارس الدينية، غير ان خامنئي التحق بإحدى مدارس مدينة مشهد الحديثة وقضى ست سنوات في المدرسة، وبعد ان نال الشهادة الاعدادية انضم الى مدرسة «سليمان خان» لتلقي الدروس الدينية في الصباح، ومتابعة دراسته المتوسطة في المدارس الحديثة مساء ومن ثم دخل في مدرسة «نواب» إحدى المدارس المعروفة للعلوم الدينية والفقه والشريعة والمنطق والفلسفة واللغة العربية وببلوغه سن الـ16، وبعد انهائه مرحلة الدروس المقدماتية المعروفة بدروس السطح، انضم الى حلقة دروس المرجع البارز آنذاك آية الله المرحوم ميلاني. وبعد عامين توجه خامنئي إلى الاعتاب المقدسة في كربلاء والنجف، حيث حضر دروس بعض كبار المراجع، مثل الحكيم والخوئي والشاهرودي، غير ان والده عارض بقاءه في العراق، مما تسبب في عودته الى مشهد ومن ثم الى قم، حيث التحق بحلقة تلامذة الامام الخميني وآية الله منتظري وآية الله مرتضى حائري يزدي، وكان ذلك في عام 1958.
وسرعان ما شعر خامنئي بأن أجواء قم الخاضعة لسلطة المراجع والمدرسين التقليديين والمتعصبين لا تناسبه، خاصة بعد أن تعرف على الإمام موسى الصدر وشقيقه العلامة السيد رضا الصدر والعلامة السيد هادي خسر وشاهي وغيرهم من تلامذة وحاشية آية الله كاظم شريعتمداري زعيم العلماء المجددين في قم. ومن الصفات المعروفة عن خامنئي، انه كان يُحب الشعر والفلسفة والفن والثقافة، والموسيقى والى جانب صوته العذب، كان يلعب في خلوته بأوتار «سه تار» وهي آلة موسيقية يعزفها عادة الصوفية والدراويش. وخلافاً لأقرانه وزملائه في الحوزة، الذين كانوا يطمحون إلى التقرب من كبار العلماء، فإن خامنئي كان مشتاقاً لحضور مجالس الأنس والشعر والموسيقى عند كبار الفنانين مثل عازف «سه تار» الأول المرحوم عبادي وعازف الكمانجة علي اصغر بهاري والشاعر الكبير اميري فيروزكوهي والفنان والأديب البارز أديب خونساري.
كما كان خامنئي يحب الدردشة مع المثقفين العلمانيين ورجال الفكر والطلبة الجامعيين وليس مع طلاب الحوزة.
ولما عاد خامنئي الى مشهد تعرف على الدكتور علي شريعتي المفكر الاسلامي الاصلاحي رائد مدرسة «الاسلام بلا رجال الدين» الفكرية وسرعان ما تأثر بآراء ومواقف شريعتي ما سبب له مشاكل كبيرة مع والده وأصدقائه، ممن تصدوا للدكتور شريعتي قولاً وفعلاً وذهب بعضا منهم إلى حد تكفير شريعتي، مما أدى الى خروج شريعتي من مشهد والذهاب الى طهران، حيث كان بإمكانه إلقاء الخطب الدينية والسياسية في حسينية «ارشاد» التي أنشأها جمع من التجار الوطنيين من انصار المهندس مهدي بازركان زعيم حركة الحرية ورئيس وزراء إيران بعد الثورة. وحاول خامنئي إنشاء حلقات الدرس والبحث الفلسفي والأدبي والتاريخي، استدراج الطلبة الجامعيين الى البحث الديني والفلسفي على نهج علي شريعتي بمشهد، ولكنه اضطر بعد فترة اعتقل خلالها مرتين، الى مغادرة مشهد مثل شريعتي نحو طهران. والسبب وراء اعتقاله كان دعمه وتعاطفه مع المنظمات الثورية اليسارية المعارضة للشاه، التي خاضت منذ أواسط الستينات في القرن الماضي نضالاً مسلحاً ضد الشاه.
ومنذ 1967 وحتى قيام الثورة في فبراير (شباط) 1979، قضى خامنئي حوالي سنة ونصف السنة في السجن، وأكثر من خمس سنوات منفياً بقرار المحكمة العسكرية عن مسقط رأسه مشهد، في مدن مقاطعة بلوشستان مثل «ايرانشهر»، حيث يشكل أهل السنة الأغلبية، وخامنئي المنفتح لم يواجه صعوبة في العيش بين أهل السنة، الذين اكتشفوا فيه شخصية مثقفة مناهضة لرجال الدين الشيعة المتعصبين.
ورغم ان خامنئي لم يكن من أعضاء مجلس قيادة الثورة الاوائل، غير انه سرعان ما أبرز وجوده بتأسيس الحزب الجمهوري الاسلامي باتفاق آية الله محمد بهشتي، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني وآية الله موسوي أردبيلي، ومن ثم عُين ممثلاً للخميني ونائباً لوزير الدفاع ونائباً في البرلمان، ومسؤولاً عن قوات الحرس الثوري، وحينما اعتذر آية الله منتظري عن حضور مراسم صلاة الجمعة بطهران، باعتباره إمام الصلاة المعين من قبل الإمام الخميني، تسلم خامنئي المهام بتكليف من الخميني، وهو لا يزال شاباً آنذاك، مما أثار حسد واعتراض بعض تلامذة الخميني وحاشيته، وفي مقدمتهم الشيخ علي طهراني زوج شقيقة خامنئي السيدة بدري، الذي وجه رسالة غاضبة الى استاذة الخميني سائلا إياه: «بأي منطق ومبرر قد عهدتم إمامة صلاة طهران الى رجل يفتقر الى العلم والعدالة والتقوى»؟، وفعلاً لم يكن خامنئي من حيث مرتبته الدينية ومستوى تعليمه الحوزوي، بدرجة تؤهله ليؤم الصلاة في طهران، غير ان المثقفين والطلبة الجامعيين رحبوا بقرار الخميني كون خامنئي رجل الدين الأقرب إليهم.
وبإشارة من الخميني ايضا، ترشح خامنئي في الانتخابات الرئاسية1981 وفاز فيها بحصوله على 16 مليون صوت، وقد أعيد انتخابه ثانية 1985، حيث استمرت رئاسته حتى وفاة الإمام الخميني. غير ان رئاسة خامنئي كانت رمزية بالمعنى الحقيقي للكلمة، اولا بسبب حضور الخميني بثقله ومكانته فوق حضور الجميع، وثانيا بسبب وجود رجل الدين القوى آية الله منتظري حتى تم عزله قبل وفاة الخميني ببضعة اشهر، وثالثا: بسبب كون رئيس الوزراء مير حسين موسوي الرئيس الحقيقي للسلطة التنفيذية. وكلما اراد خامنئي ان يظهر سلطته ويمارس حقه الدستوري، كلما تصدى له الخميني الذي ظل منحازا الى جانب رئيس الوزراء مير حسين موسوي، وربما بسبب هذا الصراع المكتوم عمل خامنئي على الغاء منصب رئيس الوزراء في الدستور أواخر حياة الخميني.
ومن تلك اللحظة تبلورت الميول التسلطية لدى خامنئي. غير انها اخذت منحى آخر مع وفاة الخميني، فلم يكن خامنئي قط من ضمن قائمة المرشحين لخلافته، أولا لأنه لم يكن مرجعا دينيا، وثانيا بسبب رفض مجلس الخبراء تسليم منصب المرشد الى رجل فى عمره ومكانته الدينية المتدنية (كان ساعتها حجة الاسلام). غير ان هاشمي رفسنجاني، الذي كان ساعتها من المقربين من خامنئي، جعل ما بدا مستحيلا، ممكنا ومحققا، وذلك بإقصاء منتظري المنافس اللدود لخامنئي. ويوم وفاة الخميني، عقد مجلس الخبراء اجتماعا طارئا تم خلاله التصويت مرتين لاختيار ثلاثة، وبعد ذلك خمسة من الفقهاء بدلا من مرشد واحد، لخلافة الخميني، غير ان المجلس فشل في التوصل الى صيغة تحظى بتأييد أغلبية أعضائه.
عندئذ وقف رفسنجاني ليقول ان الامام الخميني قد أوصى قبل وفاته بأيام، بتسليم مسؤولية قيادة البلاد الى خامنئي، وقد ايده في ذلك أحمد الخميني. ورغم ان 54 عضوا من اعضاء المجلس البالغ عددهم 84 نائبا، صوتوا لخامنئي، الا ان رفسنجاني اعتبر ذلك كافيا لاعطاء الصفة الشرعية لانتخاب خامنئي، علما بأن رفسنجاني كان قد انتخب قبل ذلك بشهر واحد رئيسا للجمهورية. ومنذ ذلك الحين ولمدة خمس سنوات اي الى السنة الاولى للدورة الثانية لرئاسة رفسنجاني، ظلت شراكة خامنئي ورفسنجاني في ادارة البلاد، فوق اي شبهة، وصمدت امام تحديات كبيرة. وهي عادت هذا الاسبوع الى سابق عهدها، فيما لا يزال خامنئي ينشد القصائد بمضامين عن الحب والغرام وفقا للمعايير الصوفية.