زهير
10-20-2005, 07:44 AM
خمس زيجات انتهت جميعها بالطلاق
القاهرة: طاهر البهي
يتحدر رشدي اباظة من أسرة الاباظية المعروفة، التي يرجع اصلها إلى بلاد القوقاز، حيث هاجر عدد كبير من أفرادها إلى مصر أيام حكم المماليك، وكانت، ولا تزال، لهذه الأسرة مكانتها الكبيرة، حيث ظهر منها كثير من الأعلام في السياسة والثقافة والاقتصاد والتجارة والزراعة، بدءا من إسماعيل اباظة «باشا»، الذي كان من قادة الثورة العرابية، إلى دسوقي اباظة باشا الذي كان واحدا من المع شباب ثورة 1919، وعزيز اباظة الشاعر المغوار، ثم فكري باشا اباظة فارس الكتابة والخطابة، ثم ماهر اباظة وزير الكهرباء السابق والشقيق الأصغر للشاعر الكبير عزيز اباظة.
وتعلم رشدي في عدة مدارس أجنبية وأجاد فيها عدة لغات، منها الإنجليزية والإيطالية والفرنسية والألمانية، لذلك ظل محتفظا بلمسة أجنبية تبدو واضحة في ملامحه وفي طريقته في الإلقاء.
وكان رشدي اباظة لمن لا يعرفه، يبدو كابن ذوات في مظهره وشكله الخارجي، لكن يؤكد كل من اقترب منه وتعامل معه، على انه يحمل كل سمات ابن البلد، الجدع، الشهم، المصري، قلبا وقالبا.
الذين عاصروا رشدي «الممثل»، وتعاملوا معه من فنانين وفنيين، يختزنون في ذاكراتهم ووجدانهم مواقف وذكريات نادرة لشهامة هذا الإنسان، ولطفه، وتعاطفه مع البسطاء، فلم يكن يدخل من باب الاستوديو حتى لا يكف عن مداعبة العمال وإضحاكهم، كان يناديهم بأسمائهم، في حين كانوا ينادونه بـ«يا نجم».
وإذا ما تعرض عامل لأي أزمة من أي نوع، فإن رشدي كان أول من يهب لمساعدته، بل ان بعضهم لا يزال يتذكر أن رشدي كان يأتي كل خميس من أيام التصوير، ويسأل من سيارته دون أن يغادرها: هل أخذتم فلوسكم؟، فإذا أجاب العمال بنعم، فإنه ينزل ويكمل التصوير، أما إذا أجابوا بلا، فإنه يرفض استكمال تصوير مشاهده إلى أن يحصل العمال والفنيون على حقوقهم.
والده سعيد بغدادي اباظة، كان ضابطا كبيرا بالشرطة، وكان أمله أن يرى ابنه رشدي وهو يرتدي نفس بدلته. اما والدته، فإيطالية كانت مقيمة في القاهرة، وتعرف عليها والده فتزوجها وكانت قوية الشخصية، صارمة في أسلوب تربيتها.
حصل رشدي على الشهادة الابتدائية من المدرسة المارونية بحي الظاهر بالقاهرة، وهي نفس المدرسة التي تلقى فيها تعليمه كل من فريد الأطرش واسمهان، لكنه انتقل للدراسة بمدرسة «سان مارك» بالاسكندرية ومنها حصل على شهادة التوجيهية.
إلا أن رشدي أهمل دراسته، واتجه بكل ما يملك من عنفوان الشباب في اتجاه الرياضة البدنية التي عشقها منذ الصغر، وساعده ذلك في تشكيل بنيان قوي وسليم، وسهل له ذلك في ما بعد احتكار أدوار الفتى الأول على الشاشة الفضية.
مارس رشدي اباظة العاب الملاكمة وكمال الأجسام والبلياردو، وتفوق فيها جميعا حتى أحرز العديد من الانتصارات في هذه المجالات، وكانت الرياضة هي بوابته لدخول عالم السينما. وعلى الرغم من أن رشدي ابن لامرأة أجنبية، إلا أن دماء الوطنية وحب مصر بلده كانت سمة أساسية تجري في عروقه منذ الصغر، فلقد شكل مع أصدقائه مجموعة فدائية صغيرة لمطاردة جنود الاحتلال الإنجليزي، الذي كان جنوده يعربدون في مدينة الثغر ـ الاسكندرية ـ واستطاعت هذه المجموعة أن تشكل عامل ازعاج لجنود الاحتلال.
ولعبت الصدفة دورها في اكتشاف موهبة اباظة، التي كانت السينما تحتاج إليها بشدة، فذات يوم من صيف عام 1948، شاهده المخرج السينمائي كمال بركات وهو يمارس لعبة البلياردو في أحد أندية الثغر، لاحظه وهو يتحرك بليونة ولياقة عالية، وراقبه وهو يضحك ضحكته الصافية، لاحظ نظرات عينيه الحاسمتين، وقوامه الفارع، فلم يتردد في أن يعرض عليه المشاركة في فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان «المليونيرة الصغيرة».
وبالفعل قبل رشدي العرض، فلقد كانت السينما حلمه، والشهرة عشقه، ووافق على دور صغير بالفيلم مقابل مائة وخمسة جنيهات كأجر عن الفيلم. في البداية لم يجرؤ رشدي ان يقول لوالده شيئا عن عمله الجديد، إذ لم تكن السينما تحظى بثقة الطبقات العليا، على الرغم من دخول باكوات إلى عالم التمثيل مثل يوسف بك وهبي، وسليمان بك نجيب.. لكن الكل كان يواجه اعتراضات شديدة من الأهل.
قرأ والد رشدي خبر اشتغال ابنه بالتمثيل في الصحافة.. فانتظر حتى دخل رشدي عليه، وقابله بانفعال شديد، وألقى بالصحيفة، التي كان يطالعها في وجه الشاب الصغير.
وسأله سؤالا واحدا: هل أنت مصر على العمل بالتمثيل؟.
أجاب رشدي: بعد إذن حضرتك يا بابا.
وهنا لم يتمالك الأب أعصابه فطرده من البيت.. خاصة أن الأب كان يحلم بأن يرتدي ابنه بدلة الشرطة.. وهنا نقفز فوق أحداث كثيرة، لنتوقف عند واقعة نراها مكملة لهذا الموقف. فذات يوم بعد أن صار رشدي اباظة نجما كبيرا لامعا في سماء الفن، لم يكن الأب قد عفا عنه حتى تلك اللحظة، لكن رشدي اباظة كان يطمئن على صحة والده من شقيقه الأصغر فكري اباظة، فاتصل به رشدي وسأله عن صحة والدهما المريض، فقال الشقيق ان الوالد حالته غير مطمئنة، فقال رشدي انه سيقوم بعمل مفاجأة للوالد، فأمنية الوالد كانت أن يرى ابنه في ملابس الشرطة، ورشدي يقوم بأداء مشهد مهم في فيلم «كلمة شرف» مع النجم فريد شوقي، وفيه يرتدي بدلة لواء شرطة، ويقول رشدي «عندما ارتديت البدلة وجدت نفسي صورة طبق الأصل من الوالد». وفي تمام السادسة مساء، انهى رشدي مشهده، وذهب لرؤية الوالد المريض، وفور دخوله من باب المنزل وجد فكري يعطيه مفتاح غرفة الوالد ويشير إليه بما معناه ان القدر كان اسبق، وهنا دخل رشدي اباظة إلى حيث جثة والده المسجاة، وارتمى في أحضانه وبكي كما لم يبك في حياته من قبل.
ونعود إلى مسيرة «دونجوان» السينما المصرية..
فبعد ان ذاعت شهرة ذلك النجم، وتناثرت الأخبار حول شخصيته المرحة ووسامته، وعشقه للحياة، التقطت الخبر فاتنة السينما آنذاك «كاميليا»، التي طاردتها شائعات قوية عن علاقتها بالملك السابق فاروق، لكن ذلك لم يمنع كاميليا من البحث عن مغامرة جديدة، فسعت إلى التعرف على رشدي اباظة، والتقت به بالفعل في أحد الملاهي الليلية، بل وراقصته، وعندما وصل الخبر إلى الملك السابق، غضب وثار، وكان ذلك كافيا لإبعاد المخرجين والمنتجين عن رشدي اباظة لفترة من الزمن، اضطر خلالها للعمل كدوبلير للنجم العالمي روبرت تايلور الذي كان قد اتى إلى القاهرة لتصوير احد افلامه.
وكان من أمنيات رشدي اباظة أن يعمل في السلك الدبلوماسي، لذلك لم يخف فرحته عندما جاءه دور دبلوماسي خرج في حركة التطهير التي أعقبت قيام الثورة المصرية، ثورة يوليو 1952، حتى انه لاحظ ذوبانه في الشخصية التي جسدها في فيلم «أريد حلا» مع فاتن حمامة. والطريف انه طلب من الفنانة سامية جمال، التي كانت زوجته في ذلك الوقت، بأن تناديه بلقب «اكسلانس».. وهو يعادل جناب السفير، اللقب الذي كان يعشقه وناداه به اقرب المقربون منه.
وعلى مستوى الحياة الخاصة، تزوج رشدي اباظة خلال حياته خمس مرات، أولها من تحية كاريوكا، التي كانت واحدة من اجمل جميلات الفن في مصر في ذلك الوقت، وعقب عودته من إيطاليا بزغ الحب في قلبيهما وتزوجا في ديسمبر (كانون الاول) من عام 1950، ولم يستمر الزواج بينهما لأكثر من 3 سنوات، بسبب عصبية كلا الطرفين، وفي أعقاب خلاف بينهما، ترك رشدي المنزل وذهب إلى أسيوط في صعيد مصر، ومن هناك اخذ قراره وكتب لها برقية عاجلة يقول فيها باقتضاب شديد «تحية.. أنت طالق.. رشدي اباظة».
بعدها تزوج من امرأة أمريكية حسناء تدعى «بربارا»، وكانت متزوجة شقيق المطربة داليدا، وكانت هذه المرأة تحترم عمل رشدي وتوفر له مناخا جيدا للإبداع، فأنجب منها ابنته الوحيدة «قسمت»، التي كان يقول عنها انها «وش السعد»، حيث انهالت عليه البطولات السينمائية، وارتفع اجره، حتى انه كان يعمل في أربعة أفلام في وقت واحد، منها فيلم «جميلة بو حريد» مع ماجدة الصباحي في شخصية الكولونيل بيجار، كما قدم في هذه الفترة اللون الكوميدي في فيلم «طريق الأمل» مع فاتن حمامة وشكري سرحان.. إلى أن حدث الانفصال بينه وبين والدة ابنته.
ثم خفق قلبه للمرة الثالثة أمام سمراء الشاشة سامية جمال، حينما رشحه المخرج عز الدين لبطولة فيلم «الرجل الثاني» أمام سامية جمال وصباح، وهو الفيلم الذي يعد نقطة تحول في حياة رشدي اباظة، ومع انتهاء تصوير الفيلم انطلقت زغاريد معلنة زواج البطلين النجمين سامية ورشدي واستمر زواجهما نحو 18 عاما، لم تخبُ خلالها نار الحب المتأججة بين كلا النجمين.. إلى أن وقع بينهما الطلاق بسبب نيران الغيرة، لكن ظل رشدي اباظة يذكر أن سامية جمال هي الأقرب إلى قلبه بين زوجاته الخمس.
بعد ذلك سافر رشدي اباظة إلى بيروت للقيام ببطولة فيلم «ايدك عن مراتي»، وفي حفل بمناسبة تدشين الفيلم رقص رشدي مع صباح، ومع انتهاء الرقصة عرض عليها الزواج فوافقت، وكان لم يزل زوجا لسامية جمال، التي ما إن علمت حتى طلبت الطلاق فورا وأصرت عليه.
الزواج الأخير في حياة رشدي اباظة كان من ابنة عمه المستشار سليمان اباظة، وهي نبيلة اباظة، وكان زواجا تقليديا لترعاه ابنة عمه الوفية أثناء رحلة مرضه الأخير.. ومن فوق سرير المرض انهى رشدي اباظة زواجه الأخير من ابنة عمه بالطلاق ليغادر الدنيا وحيدا عن عمر يناهز 53 عاما بعد حياة حافلة بالحب والضحك والعطاء.. وأيضا الشقاء..
وأسدل الستار عن حياة النجم الكبير في يوم الأحد 27 من يوليو (تموز) عام 1980، لكن بقيت أعماله دررا، ونجوما تزين سماء السينما العربية.
القاهرة: طاهر البهي
يتحدر رشدي اباظة من أسرة الاباظية المعروفة، التي يرجع اصلها إلى بلاد القوقاز، حيث هاجر عدد كبير من أفرادها إلى مصر أيام حكم المماليك، وكانت، ولا تزال، لهذه الأسرة مكانتها الكبيرة، حيث ظهر منها كثير من الأعلام في السياسة والثقافة والاقتصاد والتجارة والزراعة، بدءا من إسماعيل اباظة «باشا»، الذي كان من قادة الثورة العرابية، إلى دسوقي اباظة باشا الذي كان واحدا من المع شباب ثورة 1919، وعزيز اباظة الشاعر المغوار، ثم فكري باشا اباظة فارس الكتابة والخطابة، ثم ماهر اباظة وزير الكهرباء السابق والشقيق الأصغر للشاعر الكبير عزيز اباظة.
وتعلم رشدي في عدة مدارس أجنبية وأجاد فيها عدة لغات، منها الإنجليزية والإيطالية والفرنسية والألمانية، لذلك ظل محتفظا بلمسة أجنبية تبدو واضحة في ملامحه وفي طريقته في الإلقاء.
وكان رشدي اباظة لمن لا يعرفه، يبدو كابن ذوات في مظهره وشكله الخارجي، لكن يؤكد كل من اقترب منه وتعامل معه، على انه يحمل كل سمات ابن البلد، الجدع، الشهم، المصري، قلبا وقالبا.
الذين عاصروا رشدي «الممثل»، وتعاملوا معه من فنانين وفنيين، يختزنون في ذاكراتهم ووجدانهم مواقف وذكريات نادرة لشهامة هذا الإنسان، ولطفه، وتعاطفه مع البسطاء، فلم يكن يدخل من باب الاستوديو حتى لا يكف عن مداعبة العمال وإضحاكهم، كان يناديهم بأسمائهم، في حين كانوا ينادونه بـ«يا نجم».
وإذا ما تعرض عامل لأي أزمة من أي نوع، فإن رشدي كان أول من يهب لمساعدته، بل ان بعضهم لا يزال يتذكر أن رشدي كان يأتي كل خميس من أيام التصوير، ويسأل من سيارته دون أن يغادرها: هل أخذتم فلوسكم؟، فإذا أجاب العمال بنعم، فإنه ينزل ويكمل التصوير، أما إذا أجابوا بلا، فإنه يرفض استكمال تصوير مشاهده إلى أن يحصل العمال والفنيون على حقوقهم.
والده سعيد بغدادي اباظة، كان ضابطا كبيرا بالشرطة، وكان أمله أن يرى ابنه رشدي وهو يرتدي نفس بدلته. اما والدته، فإيطالية كانت مقيمة في القاهرة، وتعرف عليها والده فتزوجها وكانت قوية الشخصية، صارمة في أسلوب تربيتها.
حصل رشدي على الشهادة الابتدائية من المدرسة المارونية بحي الظاهر بالقاهرة، وهي نفس المدرسة التي تلقى فيها تعليمه كل من فريد الأطرش واسمهان، لكنه انتقل للدراسة بمدرسة «سان مارك» بالاسكندرية ومنها حصل على شهادة التوجيهية.
إلا أن رشدي أهمل دراسته، واتجه بكل ما يملك من عنفوان الشباب في اتجاه الرياضة البدنية التي عشقها منذ الصغر، وساعده ذلك في تشكيل بنيان قوي وسليم، وسهل له ذلك في ما بعد احتكار أدوار الفتى الأول على الشاشة الفضية.
مارس رشدي اباظة العاب الملاكمة وكمال الأجسام والبلياردو، وتفوق فيها جميعا حتى أحرز العديد من الانتصارات في هذه المجالات، وكانت الرياضة هي بوابته لدخول عالم السينما. وعلى الرغم من أن رشدي ابن لامرأة أجنبية، إلا أن دماء الوطنية وحب مصر بلده كانت سمة أساسية تجري في عروقه منذ الصغر، فلقد شكل مع أصدقائه مجموعة فدائية صغيرة لمطاردة جنود الاحتلال الإنجليزي، الذي كان جنوده يعربدون في مدينة الثغر ـ الاسكندرية ـ واستطاعت هذه المجموعة أن تشكل عامل ازعاج لجنود الاحتلال.
ولعبت الصدفة دورها في اكتشاف موهبة اباظة، التي كانت السينما تحتاج إليها بشدة، فذات يوم من صيف عام 1948، شاهده المخرج السينمائي كمال بركات وهو يمارس لعبة البلياردو في أحد أندية الثغر، لاحظه وهو يتحرك بليونة ولياقة عالية، وراقبه وهو يضحك ضحكته الصافية، لاحظ نظرات عينيه الحاسمتين، وقوامه الفارع، فلم يتردد في أن يعرض عليه المشاركة في فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان «المليونيرة الصغيرة».
وبالفعل قبل رشدي العرض، فلقد كانت السينما حلمه، والشهرة عشقه، ووافق على دور صغير بالفيلم مقابل مائة وخمسة جنيهات كأجر عن الفيلم. في البداية لم يجرؤ رشدي ان يقول لوالده شيئا عن عمله الجديد، إذ لم تكن السينما تحظى بثقة الطبقات العليا، على الرغم من دخول باكوات إلى عالم التمثيل مثل يوسف بك وهبي، وسليمان بك نجيب.. لكن الكل كان يواجه اعتراضات شديدة من الأهل.
قرأ والد رشدي خبر اشتغال ابنه بالتمثيل في الصحافة.. فانتظر حتى دخل رشدي عليه، وقابله بانفعال شديد، وألقى بالصحيفة، التي كان يطالعها في وجه الشاب الصغير.
وسأله سؤالا واحدا: هل أنت مصر على العمل بالتمثيل؟.
أجاب رشدي: بعد إذن حضرتك يا بابا.
وهنا لم يتمالك الأب أعصابه فطرده من البيت.. خاصة أن الأب كان يحلم بأن يرتدي ابنه بدلة الشرطة.. وهنا نقفز فوق أحداث كثيرة، لنتوقف عند واقعة نراها مكملة لهذا الموقف. فذات يوم بعد أن صار رشدي اباظة نجما كبيرا لامعا في سماء الفن، لم يكن الأب قد عفا عنه حتى تلك اللحظة، لكن رشدي اباظة كان يطمئن على صحة والده من شقيقه الأصغر فكري اباظة، فاتصل به رشدي وسأله عن صحة والدهما المريض، فقال الشقيق ان الوالد حالته غير مطمئنة، فقال رشدي انه سيقوم بعمل مفاجأة للوالد، فأمنية الوالد كانت أن يرى ابنه في ملابس الشرطة، ورشدي يقوم بأداء مشهد مهم في فيلم «كلمة شرف» مع النجم فريد شوقي، وفيه يرتدي بدلة لواء شرطة، ويقول رشدي «عندما ارتديت البدلة وجدت نفسي صورة طبق الأصل من الوالد». وفي تمام السادسة مساء، انهى رشدي مشهده، وذهب لرؤية الوالد المريض، وفور دخوله من باب المنزل وجد فكري يعطيه مفتاح غرفة الوالد ويشير إليه بما معناه ان القدر كان اسبق، وهنا دخل رشدي اباظة إلى حيث جثة والده المسجاة، وارتمى في أحضانه وبكي كما لم يبك في حياته من قبل.
ونعود إلى مسيرة «دونجوان» السينما المصرية..
فبعد ان ذاعت شهرة ذلك النجم، وتناثرت الأخبار حول شخصيته المرحة ووسامته، وعشقه للحياة، التقطت الخبر فاتنة السينما آنذاك «كاميليا»، التي طاردتها شائعات قوية عن علاقتها بالملك السابق فاروق، لكن ذلك لم يمنع كاميليا من البحث عن مغامرة جديدة، فسعت إلى التعرف على رشدي اباظة، والتقت به بالفعل في أحد الملاهي الليلية، بل وراقصته، وعندما وصل الخبر إلى الملك السابق، غضب وثار، وكان ذلك كافيا لإبعاد المخرجين والمنتجين عن رشدي اباظة لفترة من الزمن، اضطر خلالها للعمل كدوبلير للنجم العالمي روبرت تايلور الذي كان قد اتى إلى القاهرة لتصوير احد افلامه.
وكان من أمنيات رشدي اباظة أن يعمل في السلك الدبلوماسي، لذلك لم يخف فرحته عندما جاءه دور دبلوماسي خرج في حركة التطهير التي أعقبت قيام الثورة المصرية، ثورة يوليو 1952، حتى انه لاحظ ذوبانه في الشخصية التي جسدها في فيلم «أريد حلا» مع فاتن حمامة. والطريف انه طلب من الفنانة سامية جمال، التي كانت زوجته في ذلك الوقت، بأن تناديه بلقب «اكسلانس».. وهو يعادل جناب السفير، اللقب الذي كان يعشقه وناداه به اقرب المقربون منه.
وعلى مستوى الحياة الخاصة، تزوج رشدي اباظة خلال حياته خمس مرات، أولها من تحية كاريوكا، التي كانت واحدة من اجمل جميلات الفن في مصر في ذلك الوقت، وعقب عودته من إيطاليا بزغ الحب في قلبيهما وتزوجا في ديسمبر (كانون الاول) من عام 1950، ولم يستمر الزواج بينهما لأكثر من 3 سنوات، بسبب عصبية كلا الطرفين، وفي أعقاب خلاف بينهما، ترك رشدي المنزل وذهب إلى أسيوط في صعيد مصر، ومن هناك اخذ قراره وكتب لها برقية عاجلة يقول فيها باقتضاب شديد «تحية.. أنت طالق.. رشدي اباظة».
بعدها تزوج من امرأة أمريكية حسناء تدعى «بربارا»، وكانت متزوجة شقيق المطربة داليدا، وكانت هذه المرأة تحترم عمل رشدي وتوفر له مناخا جيدا للإبداع، فأنجب منها ابنته الوحيدة «قسمت»، التي كان يقول عنها انها «وش السعد»، حيث انهالت عليه البطولات السينمائية، وارتفع اجره، حتى انه كان يعمل في أربعة أفلام في وقت واحد، منها فيلم «جميلة بو حريد» مع ماجدة الصباحي في شخصية الكولونيل بيجار، كما قدم في هذه الفترة اللون الكوميدي في فيلم «طريق الأمل» مع فاتن حمامة وشكري سرحان.. إلى أن حدث الانفصال بينه وبين والدة ابنته.
ثم خفق قلبه للمرة الثالثة أمام سمراء الشاشة سامية جمال، حينما رشحه المخرج عز الدين لبطولة فيلم «الرجل الثاني» أمام سامية جمال وصباح، وهو الفيلم الذي يعد نقطة تحول في حياة رشدي اباظة، ومع انتهاء تصوير الفيلم انطلقت زغاريد معلنة زواج البطلين النجمين سامية ورشدي واستمر زواجهما نحو 18 عاما، لم تخبُ خلالها نار الحب المتأججة بين كلا النجمين.. إلى أن وقع بينهما الطلاق بسبب نيران الغيرة، لكن ظل رشدي اباظة يذكر أن سامية جمال هي الأقرب إلى قلبه بين زوجاته الخمس.
بعد ذلك سافر رشدي اباظة إلى بيروت للقيام ببطولة فيلم «ايدك عن مراتي»، وفي حفل بمناسبة تدشين الفيلم رقص رشدي مع صباح، ومع انتهاء الرقصة عرض عليها الزواج فوافقت، وكان لم يزل زوجا لسامية جمال، التي ما إن علمت حتى طلبت الطلاق فورا وأصرت عليه.
الزواج الأخير في حياة رشدي اباظة كان من ابنة عمه المستشار سليمان اباظة، وهي نبيلة اباظة، وكان زواجا تقليديا لترعاه ابنة عمه الوفية أثناء رحلة مرضه الأخير.. ومن فوق سرير المرض انهى رشدي اباظة زواجه الأخير من ابنة عمه بالطلاق ليغادر الدنيا وحيدا عن عمر يناهز 53 عاما بعد حياة حافلة بالحب والضحك والعطاء.. وأيضا الشقاء..
وأسدل الستار عن حياة النجم الكبير في يوم الأحد 27 من يوليو (تموز) عام 1980، لكن بقيت أعماله دررا، ونجوما تزين سماء السينما العربية.