المصباح
08-19-2024, 11:44 AM
الجمعة 9 أغسطس, 2024
https://lebanon.shafaqna.com/wp-content/uploads/2024/02/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%AC%D9%84%D9%88%D8%B32-640x466.jpg (https://lebanon.shafaqna.com/wp-content/uploads/2024/02/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%AC%D9%84%D9%88%D8%B32.jpg)
القاضي الشيخ محمد جلوس
خاص شفقنا - بيروت
لقد وثّق التاريخ واقعة كربلاء وخلدها في دفاتره، وفي كل صفحةٍ من الصفحات قصةٌ من قصص هذه الفاجعة العظيمة، التي قدّم فيه سبط رسول الله محمد “ص” الإمام الحسين “ع” نفسه قربانًا لأجل حفظ الدين والإسلام، وليبيّن للمسلمين بأن الحياة مع الظالمين الذين يفتكون بالدين أمر لا يمكن قبوله كما صرّح صلوات الله عليه حينما قال ” إني لا أرى الموت الإ سعادة والحياة مع الظالمين إلّا بَرَما”، ولذلك كان لا بد له أنّ يقدم التضحية بنفسه، ولأجل ذلك ذلك كان يوم عاشوراء، يوم انتصار الدَّم على السيف.
ولما انجلى غبار المعركة، انتقلت الأحداث من الميدان العسكري، حيث السيوف والرماح، لمرحلة الأسر وبدء معاناة السبي، فالحسين “ع” لم يخرج وحيدًا إلى ساحة المعركة، بل اصطحب وأصحابه عيالهم، ليوثقوا الحدث ولتتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيل، فوسيلة الإعلام في ذلك الزمان لم تكن كما هي اليوم، فكان لا بد لأحدٍ أن يرى ما سيجري ويوثقه من المنظور الحسيني لا من وجهة النظر اليزيدية، ومن بين عيال الإمام “ع” كانت ابنته رقية الشهيدةُ المظلومة، التي تصادف ذكرى شهادتها في الخامس من شهر صفر.
المظلومية التي تعرض لها الركب الحسيني
وفي هذا السياق يقول القاضي الشيخ محمد جَلّوس في حديثٍ خاص لوكالة “شفقنا” : إنّ “الجزء الثاني من مأساة واقعة كربلاء قد تمثّل بما تعرضت له عائلة الإمام الحسين “ع” وأهل بيته ومن تبقى في كربلاء، من سبي وأسر وقهر واضطهاد”، مشيرًا إلى أنّ “هذا الجزء كان له الأثر الكبير في جعل ما جرى في كربلاء ألّا يبقى في كربلاء، بل يكون له ذلك الدويّ الكبير في العالم الإسلامي بشكل عام، لتترتب الثمرة المرجوّة من استشهاد الحسين صلوت الله عليه”.
ولفت إلى أنّه “من المعلوم الذي لا يستطيع أن ينكره أحد، ومن خلال ما جاء في التاريخ، من مصادر الفريقين، أن من تبقى من عيال الحسين “ع” من نسائه وأطفاله وأهل بيته، قد تعرضوا للسبي والأسر وطافوا بهم في البلدان من كربلاء إلى الشام، وهذا بنفسه يعد من أعظم أنواع الظلم والهتك لحرمة رسول الله صلى عليه وآله، فكيف إذا لاحظنا بعض المواقف والوقائع المفجعة التي تعرّض لها هذا الركب الحسيني، وخاصةً الأطفال، من تعذيبٍ وضربٍ وشتمٍ وغيرها من أنواع الأذية التي لا يتحملها الكبار فكيف بالأطفال والأيتام، والتي تفجع القلوب وتقرح الجفون”.وأردف الشيخ جَلّوس:
” ولذا نجد بعض القبور في هذه البلدان تنسب لأطفال وأيتام في هذا الركب الحسيني، وهي في الجملة شاهدٌ حيٌّ على المأساة، وشعارٌ مخلّدٌ على هذه الفاجعة، كما أشار إلى ذلك بعض مراجعنا الكبار، حينما تشرف بزيارة قبر مولاتنا السيدة رقية “ع” في الشام فإنه صرّح بالقول:
”بأنّ كون هذا القبر الشريف لطفلةٍ للحسين عليه السلام، اسمها رقية، مشهورٌ ومعروفٌ من الأول، وهذا كافٍ في ترتب الأثر من الثواب، ووجوب الاحترام والتقدير، وكأن الحسين عليه السلام ترك في الشام أثرًا، لكي لا يأتي أحد وينكر قضيّة الأسر والسبي لأهل بيت الحسين عليه السلام من النساء والأطفال، فهي شاهدٌ حيّ قوي على الفاجعة””.
الهدف من اصطحاب الأطفال والنساء
وكون الإمام الحسين “ع” هو إمامٌ معصومٌ مفترض الطاعة، فإن عصمته دليلٌ واضح على أنّ كلامه وخطابه وأعماله وكل خطوةٍ يقوم بها ليس منبعها هواه أو مصالحه الشخصية، لذلك كان لا بد أنّ يكون هناك غايةٌ في اصطحابه لأهل بيته معه إلى ميدان المعركة، رغم أنّه ليس على النساء قتال، وعن أهداف الإمام “ع” من اصطحابه لأهل بيته اعتبر الشيخ جَلّوس أنّ “اصطحاب الإمام “ع” معه أهل بيته من النساء والأطفال هو علمه بأنّه سيكون لهذه العائلة الدور الفعال في هذه النهضة المباركة، وهذا ما أفصح عنه الحسين عليه السلام لأخيه محمد بن الحنفية حينما سأله عن سبب خروجه، فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أتاه فقال:
“يا حسين اخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا، فقال محمد ابن الحنفية:
إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟
قال: فقال [لي صلى الله عليه وآله]: إن الله قد شاء أن يراهن سبايا، فسلم عليه ومضى”.
المشيئة الإلهية ليست اعتباطية
إن تضحية الإمام الحسين” ع” بنفسه وبأصحابه، والتي كانت خالصة لله عز وجل، كانت مصداقًا لتلبية النداء الإلهي والذوبان في أمر الله مهما عظمت التضحية، فلبى الإمام دون ترددٍ أو خوفٍ أو جذع، ومن هنا أشار الشيخ جَلّوس إلى أنّ “مشيئة الله ليست اعتباطية ومن دون سبب، بل على العكس تمامًا، فإنه لما كان الأثر العظيم المرجو من شهادة الإمام الحسين عليه السلام وهو هداية الأمة موقوف على ما ستتعرض له عائلته وأهل بيته من أسر وسبي، تعلقت مشيئة الله بذلك كتعلقها بأصل شهادة الحسين عليه السلام”.
والى فداحة وعظم التعرض للعيال من النساء والأطفال وأذيتهم ومخالفتها للطبائع البشرية والعادات العربية حتى مع غمض النظر عن التعاليم الاسلامية أشار الإمام الحسن عليه السلام حينما لم يبقَ معه أحدٌ وعزم على ملاقاة الحتوف، وبينما هو يقاتل هجم الشمر اللعين بجمعٍ من أصحابه على رحل الإمام وعياله، فناده “ع” قائلًا:
”يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وكُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْيَاكُمْ وَارْجِعُوا إِلَى أَحْسَابِكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْرَاباً، فَنَادَاهُ شِمْرٌ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ، قَالَ أَقُولُ أَنَا الَّذِي أُقَاتِلُكُمْ وَتُقَاتِلُونِّي وَالنِّسَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ فَامْنَعُوا عُتُاتَكُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ لِحَرَمِي مَا دُمْتُ حَيّا”، هذا النداء الأخير للإمام “ع” كان حجةً على كل المسلمين، نداءٌ فضح اليزيدين وعراهم أمام الناس، فما صنعوه بالإمام “ع” وأهل بيته يتناقض مع التعاليم الإسلامية والقواعد القبلية التي كانت سائدة في ذلك الزمان، ولذلك كان الإمام “ع” يدرك بأنّ يزيد سيغرق بصورة النصر المزيفة التي يريد أن يظهرها من خلال سبيه لأهل بيت الإمام وعيال أصحابه، وكان لا بد لهم أن يسبوا لكي تكتمل المشهدية ليؤرخها التاريخ دون زيادةٍ أو نقصان.
مهدي سعادي – شفقنا (https://lebanon.shafaqna.com/home/)
https://lebanon.shafaqna.com/wp-content/uploads/2024/02/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%AC%D9%84%D9%88%D8%B32-640x466.jpg (https://lebanon.shafaqna.com/wp-content/uploads/2024/02/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%AC%D9%84%D9%88%D8%B32.jpg)
القاضي الشيخ محمد جلوس
خاص شفقنا - بيروت
لقد وثّق التاريخ واقعة كربلاء وخلدها في دفاتره، وفي كل صفحةٍ من الصفحات قصةٌ من قصص هذه الفاجعة العظيمة، التي قدّم فيه سبط رسول الله محمد “ص” الإمام الحسين “ع” نفسه قربانًا لأجل حفظ الدين والإسلام، وليبيّن للمسلمين بأن الحياة مع الظالمين الذين يفتكون بالدين أمر لا يمكن قبوله كما صرّح صلوات الله عليه حينما قال ” إني لا أرى الموت الإ سعادة والحياة مع الظالمين إلّا بَرَما”، ولذلك كان لا بد له أنّ يقدم التضحية بنفسه، ولأجل ذلك ذلك كان يوم عاشوراء، يوم انتصار الدَّم على السيف.
ولما انجلى غبار المعركة، انتقلت الأحداث من الميدان العسكري، حيث السيوف والرماح، لمرحلة الأسر وبدء معاناة السبي، فالحسين “ع” لم يخرج وحيدًا إلى ساحة المعركة، بل اصطحب وأصحابه عيالهم، ليوثقوا الحدث ولتتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيل، فوسيلة الإعلام في ذلك الزمان لم تكن كما هي اليوم، فكان لا بد لأحدٍ أن يرى ما سيجري ويوثقه من المنظور الحسيني لا من وجهة النظر اليزيدية، ومن بين عيال الإمام “ع” كانت ابنته رقية الشهيدةُ المظلومة، التي تصادف ذكرى شهادتها في الخامس من شهر صفر.
المظلومية التي تعرض لها الركب الحسيني
وفي هذا السياق يقول القاضي الشيخ محمد جَلّوس في حديثٍ خاص لوكالة “شفقنا” : إنّ “الجزء الثاني من مأساة واقعة كربلاء قد تمثّل بما تعرضت له عائلة الإمام الحسين “ع” وأهل بيته ومن تبقى في كربلاء، من سبي وأسر وقهر واضطهاد”، مشيرًا إلى أنّ “هذا الجزء كان له الأثر الكبير في جعل ما جرى في كربلاء ألّا يبقى في كربلاء، بل يكون له ذلك الدويّ الكبير في العالم الإسلامي بشكل عام، لتترتب الثمرة المرجوّة من استشهاد الحسين صلوت الله عليه”.
ولفت إلى أنّه “من المعلوم الذي لا يستطيع أن ينكره أحد، ومن خلال ما جاء في التاريخ، من مصادر الفريقين، أن من تبقى من عيال الحسين “ع” من نسائه وأطفاله وأهل بيته، قد تعرضوا للسبي والأسر وطافوا بهم في البلدان من كربلاء إلى الشام، وهذا بنفسه يعد من أعظم أنواع الظلم والهتك لحرمة رسول الله صلى عليه وآله، فكيف إذا لاحظنا بعض المواقف والوقائع المفجعة التي تعرّض لها هذا الركب الحسيني، وخاصةً الأطفال، من تعذيبٍ وضربٍ وشتمٍ وغيرها من أنواع الأذية التي لا يتحملها الكبار فكيف بالأطفال والأيتام، والتي تفجع القلوب وتقرح الجفون”.وأردف الشيخ جَلّوس:
” ولذا نجد بعض القبور في هذه البلدان تنسب لأطفال وأيتام في هذا الركب الحسيني، وهي في الجملة شاهدٌ حيٌّ على المأساة، وشعارٌ مخلّدٌ على هذه الفاجعة، كما أشار إلى ذلك بعض مراجعنا الكبار، حينما تشرف بزيارة قبر مولاتنا السيدة رقية “ع” في الشام فإنه صرّح بالقول:
”بأنّ كون هذا القبر الشريف لطفلةٍ للحسين عليه السلام، اسمها رقية، مشهورٌ ومعروفٌ من الأول، وهذا كافٍ في ترتب الأثر من الثواب، ووجوب الاحترام والتقدير، وكأن الحسين عليه السلام ترك في الشام أثرًا، لكي لا يأتي أحد وينكر قضيّة الأسر والسبي لأهل بيت الحسين عليه السلام من النساء والأطفال، فهي شاهدٌ حيّ قوي على الفاجعة””.
الهدف من اصطحاب الأطفال والنساء
وكون الإمام الحسين “ع” هو إمامٌ معصومٌ مفترض الطاعة، فإن عصمته دليلٌ واضح على أنّ كلامه وخطابه وأعماله وكل خطوةٍ يقوم بها ليس منبعها هواه أو مصالحه الشخصية، لذلك كان لا بد أنّ يكون هناك غايةٌ في اصطحابه لأهل بيته معه إلى ميدان المعركة، رغم أنّه ليس على النساء قتال، وعن أهداف الإمام “ع” من اصطحابه لأهل بيته اعتبر الشيخ جَلّوس أنّ “اصطحاب الإمام “ع” معه أهل بيته من النساء والأطفال هو علمه بأنّه سيكون لهذه العائلة الدور الفعال في هذه النهضة المباركة، وهذا ما أفصح عنه الحسين عليه السلام لأخيه محمد بن الحنفية حينما سأله عن سبب خروجه، فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أتاه فقال:
“يا حسين اخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا، فقال محمد ابن الحنفية:
إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟
قال: فقال [لي صلى الله عليه وآله]: إن الله قد شاء أن يراهن سبايا، فسلم عليه ومضى”.
المشيئة الإلهية ليست اعتباطية
إن تضحية الإمام الحسين” ع” بنفسه وبأصحابه، والتي كانت خالصة لله عز وجل، كانت مصداقًا لتلبية النداء الإلهي والذوبان في أمر الله مهما عظمت التضحية، فلبى الإمام دون ترددٍ أو خوفٍ أو جذع، ومن هنا أشار الشيخ جَلّوس إلى أنّ “مشيئة الله ليست اعتباطية ومن دون سبب، بل على العكس تمامًا، فإنه لما كان الأثر العظيم المرجو من شهادة الإمام الحسين عليه السلام وهو هداية الأمة موقوف على ما ستتعرض له عائلته وأهل بيته من أسر وسبي، تعلقت مشيئة الله بذلك كتعلقها بأصل شهادة الحسين عليه السلام”.
والى فداحة وعظم التعرض للعيال من النساء والأطفال وأذيتهم ومخالفتها للطبائع البشرية والعادات العربية حتى مع غمض النظر عن التعاليم الاسلامية أشار الإمام الحسن عليه السلام حينما لم يبقَ معه أحدٌ وعزم على ملاقاة الحتوف، وبينما هو يقاتل هجم الشمر اللعين بجمعٍ من أصحابه على رحل الإمام وعياله، فناده “ع” قائلًا:
”يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وكُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْيَاكُمْ وَارْجِعُوا إِلَى أَحْسَابِكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْرَاباً، فَنَادَاهُ شِمْرٌ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ، قَالَ أَقُولُ أَنَا الَّذِي أُقَاتِلُكُمْ وَتُقَاتِلُونِّي وَالنِّسَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ فَامْنَعُوا عُتُاتَكُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ لِحَرَمِي مَا دُمْتُ حَيّا”، هذا النداء الأخير للإمام “ع” كان حجةً على كل المسلمين، نداءٌ فضح اليزيدين وعراهم أمام الناس، فما صنعوه بالإمام “ع” وأهل بيته يتناقض مع التعاليم الإسلامية والقواعد القبلية التي كانت سائدة في ذلك الزمان، ولذلك كان الإمام “ع” يدرك بأنّ يزيد سيغرق بصورة النصر المزيفة التي يريد أن يظهرها من خلال سبيه لأهل بيت الإمام وعيال أصحابه، وكان لا بد لهم أن يسبوا لكي تكتمل المشهدية ليؤرخها التاريخ دون زيادةٍ أو نقصان.
مهدي سعادي – شفقنا (https://lebanon.shafaqna.com/home/)